لماذا يهاجم ترامب الأقليات؟

                                     

                    د. منار الشوربجي

لماذا يهاجم ترامب الأقليات؟

رغم أن جدول أعمال الرئيس الأميركي حافل بقضايا خطيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي معا، فإن ما يحير العالم هو أن ترامب يصرف الانتباه عن ذلك كله عبر تصريحاته على تويتر، والتي تتكرر فيها مواقفه شديدة الجدلية تجاه الأقليات. لكن لعل صرف الانتباه هو بالضبط الهدف من وراء ما يصرح به الرئيس الأميركي.

فعلى الصعيد الداخلي، يسعى الرئيس والكونجرس، الذي يمتلك فيه حزبه الأغلبية، لإصدار قانون جديد للضرائب حتى يكون أول إنجاز تشريعي للرئيس. وهو لذلك يمثل أهمية قصوى للمستقبل السياسي للرئيس بل وحزبه الذي سيخوض انتخابات تشريعية صعبة العام القادم. ذلك لأن ترامب لم يحقق إنجازاً تشريعياً منذ تولى السلطة.

والحكومة الفيدرالية معرضة لإغلاق أبوابها بعد أيام لو فشلت مفاوضات الجمهوريين والديمقراطيين بالكونجرس بشأن الميزانية. وهاتان القضيتان وحدهما كفيلتان، نظرا لخطورتهما، بطرد باقي القضايا من على أجندة الرئيس الأميركي. والقائمة على الصعيد الدولي طويلة تتقدمها الأزمة مع كوريا الشمالية التي شهدت مؤخراً تصعيداً وصفته سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة بأنه «يجعلنا أكثر اقترابا من الحرب»، مما يعني أنه على قمة أولويات الرئيس.

ولا يقل خطورة عن ذلك كله التحقيقات التي يجريها الكونجرس والمحقق المستقل بخصوص تدخل روسيا بالانتخابات الرئاسية الأخيرة ومدى تنسيق حملة ترامب الانتخابية معها. وهي التي طالت عدداً من مساعدي ترامب في الحملة الانتخابية، فضلا عن ابنه وصهره.

لكن في خضم ذلك كله، يفتح الرئيس الأميركي النار مجدداً على الأقليات عبر تويتر فيثير جدلاً يتخطى حدود بلاده. ففي احتفال لتكريم المحاربين القدماء من السكان الأصليين الذين خاضوا الحرب العالمية الثانية في صفوف الجيش الأميركي، اختار ترامب أن يكرمهم وفي الخلفية صورة كبيرة للرئيس أندرو جاكسون الذي يحمل ميراثه مرارات لهم بسبب المذابح التي ارتكبت في حقهم في عهده

الأخطر من ذلك، أن ترامب استغل المناسبة ليسخر من السناتور الديمقراطية إليزابيث وارين، حيث كرر ما قاله في الانتخابات حين سماها باسم الأميرة «بوكاهونتاس». لذلك لأن وارين كانت قبل سنوات قد أشارت لأن بعض جذورها العائلية تعود للسكان الأصليين.

وفضلا عن الحط من شأن امرأة مهنية مثل وارين، عبر الهجوم الشخصي، فإن استخدام اسم «بوكاهونتاس» تحديدا ينكأ جراحا مريرة لدى السكان الأصليين. فالأميرة بوكاهونتاس، الحقيقية لا تلك التي اخترعتها مؤسسة ديزنى، عاشت في القرن السابع عشر. ولأنها كانت الابنة المفضلة لرئيس إحدى ممالك السكان الأصليين، فقد اختطفها المستوطنون لإجبار والدها على دفع فدية كبيرة، فدفعها الرجل مرتين لإطلاق سراح ابنته دون جدوى.

وقد اغتصب الخاطفون بوكاهونتاس وأجبروها على ترك زوجها ثم أخذها أحدهم لبريطانيا في رحلة للترويج للاستيطان باعتبارها نموذجاً متمدناً «للهمج»، وهو التعبير الذي كانوا يصفون به أهلها من السكان الأصليين. وقد ماتت بوكاهونتاس بعد فترة قصيرة من وصولها لبريطانيا وهي لا تزال في العشرينات من عمرها.

وما هي إلا أيام حتى كان الرئيس الأميركي يعيد على تويتر نشر فيديوهات ثلاثة معادية للمسلمين كانت قد نشرتها أصلا منظمة بريطانية متطرفة معروفة بعدائها للمسلمين وللمهاجرين عموماً. وفور نشر ترامب للفيديوهات الثلاثة، التي رفض البيت الأبيض، بالمناسبة، الاعتذار عنها، انطلق التراشق الرسمي البريطاني الأميركي.

فقد صدر بيان باسم رئيسة الوزراء البريطانية يعتبر أن نشر ترامب لها كان «خطأ». وبينما دافع عن مسلمي بريطانيا مؤكدا أن «الأغلبية الساحقة منهم يحترمون القانون ويكرهون التطرف»، مضى البيان ليؤكد أن إعادة نشر تلك الفيديوهات «مناهض للقيم التي تحترمها» بريطانيا.

وفي الوقت الذي نقل السفير البريطاني لدى واشنطن بشكل رسمي «قلق» بلاده من مسلك ترامب، عقد مجلس العموم البريطاني نقاشاً شهد انتقادات لاذعة للرئيس الأميركي ومطالبات بإلغاء دعوة تريزا ماي له لزيارة بلادها أوائل العام المقبل. لكن ترامب عاد لتويتر لينتقد رئيسة الوزراء البريطانية علنا، فطالبها بأن تنشغل بالدفاع عن أمن بريطانيا ضد الإرهاب بدلا من الانشغال بشخصه.

والواقعتان المسيئتان للسكان الأصليين والمسلمين، جاءتا بعد أسابيع قليلة من سلسلة طويلة من تصريحات ترامب على تويتر تهاجم لاعبي الكرة الأميركية السود وتدعو لطردهم من الملاعب بسبب احتجاجهم السلمي على ما يتعرض له السود على يد رجال الشرطة الأميركية.

ورغم أن تصريحات ترامب تلك لا علاقة لها بالقضايا المطروحة على أجندته، إلا أن عودته باستمرار للهجوم على الأقليات بالذات يعكس، على الأرجح، إيمانه العميق بأنه يستفيد منها على المستوى السياسي. فهي تؤجج حماس القطاع المحدود الذي يعجبه مثل ذلك الهجوم ويصرف انتباهه عن أن الرئيس لم يحقق لهم أيا مما تعهد به، من عودة الوظائف لبناء الجدار العازل مع المكسيك.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

863 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع