الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال – الموصل / العراق
دور العرب والمسلمين في نشأة كليات الطب الغربية وتطور مناهجها الدراسية
المحور الأول : نشأة كليات الطب في الحضارة العربية الإسلامية :
لقد مرت كليات الطب العربية في عهد الدولة الإسلامية بأدوار كثيرة وتطورت حتى نمت واتخذت شكلها المتكامل الناضج ، حيث بدأ تعليم الطب في المساجد كسائر العلوم ، ثم أنشأت دور الحكمة التي جمع فيها الكتب من مختلف اللغات ، وفي زمن المأمون ارتفعت هذه الدار من مجرد مكتبة إلى دار وأكاديمية للبحث العلمي والإنتاج الفكري توفرت على خدمة العلم ، تلقى بها المحاضرات العلمية والأدبية. وكان للطب حظ كبير من ذلك فترجموا العديد من الكتب الطبية اليونانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية
ولما أهلّ القرن الخامس الهجري كانت قد انتشرت مختلف العلوم على يد العلماء العرب والمسلمين بفضل مؤلفاتهم والكتب المترجمة من اللغات الأخرى وكان شغف الناس قد بلغ بالعلوم مبلغاً عظيماً ، فكان لابد من ظهور المدارس . لقد كانت هذه المدارس في البداية دوراً يجتمع فيها الأستاذ مع من يصطفيه من الطلاب الذين يتوفر على تدريسهم ، إما في دار ينشئه هو أو يقوم بإنشائه أحد الأثرياء . وأقدم مدرسة من هذا النوع مدرسة أبي بكر بن فورك الأصبهاني ( ت 406 هـ ) . ثم انتشرت هذه المدارس الأهلية في مختلف البلاد الإسلامية وتطورت تطوراً سريعاً ، حتى إنها قبل أن ينتصف القرن الخامس الهجري دخلت دوراً جديداً باحتضان الدولة لفكرة المدرسة واتخاذ هذه المدارس مراكز لنشر العلوم والفكر الإسلامي . وأول من قام بإنشاء المدارس الحكومية هو الوزير نظام الملك الذي عاش بين ( 408 – 486 هـ ) فأنشأ في كل مدينة في العراق وخراسان مدرسة .
وكانت أعظم هذه المدارس المدرسة النظامية في بغداد التي أكمل بناؤها سنة 459 هـ ، وفي شمال إفريقيا أنشئت مدرسة في جامع الزيتونة منذ بنائه عام 141 هـ ، ما لبثت أن أصبحت مدرسة دينية وللغة العربية …. وفي عام 245 هـ بني جامع القرويين في فاس بالمغرب الذي تحول بدوره إلى جامعة إسلامية وتعتبر جامعة القرويين أقدم جامعة استمرت بأداء مهمتها لأنها سبقت في أداء رسالتها العلمية أي جامعة أوربية .
إن موضع المدارس الطبية في هذا التطور المدرسي لم يكن يختلف كثيراً عن المدارس الأخرى التي كانت تدرس علوم الشريعة ، ويمكن إجمال ذلك بما يلي :
أولاً :المدارس الطبية النظرية الخاصة :
كانت لقاءات خاصة بين الأساتذة وطلابهم الخاصين في بيوت الأساتذة الخاصة ولم تكن معاهد عامة يتردد عليها الناس ، ومن الأمثلة على ذلك مجلس ابن سينا بالليل في داره . ومجلس ابن هبل البغدادي في بيته بمدينة الموصل ومجلس أوحد الزمان أبو البركات .
ثانياً :المدارس الطبية النظرية العامة :
لقد كان ظهور هذه المدارس نهاية المطاف بالنسبة لتطور دراسة الطب النظري فأصبح لتدريس الطب مدارس عامة على نظام المدارس الأخرى غير أن عدد هذه المدارس كان
قليلاً ، ولم تنتشر كثيراً ولعل ذلك يعود إلى كون الطب من العلوم التجريبية التي لا تصلح أمثال هذه المعاهد لدراستها دراسة علمية صحيحة . لذلك ظلت البيمارستانات هي الكليات المفضلة . وأوائل هذه المدارس الطبية النظرية التي جاء ذكرها :
أ - المدارس الطبية النظرية العامة في بلاد الشام : وأهم وأول مدرسة طبية نظرية عامة عرفتها الشام هي المدرسة الدخوارية بدمشق التي أسسها الطبيب والأستاذ بالبيمارستان الكبير النوري مهذب الدين عبد الرحيم المعروف بالدخوار حيث أوقف داره وجعلها مدرسة للطب سنة 628 هـ=1230 م وممن درسوا صناعة الطب في هذه المدرسة الحكيم سعد الدين إبراهيم بن عبد العزيز والحكيم شرف الدين أبو الحسن الرحبي وعماد الدين الدنيسري وعز الدين السويدي وكثيرون غيرهم .
ومن المدارس الأخرى من هذا النوع : المدرسة الدنيسرية التي أنشأها عماد الدين الدنيسري .
المدرسة اللبودية : التي أنشأها نجم الدين اللبودي .
ب - المدارس الطبية النظرية العامة في العراق : إن أقدم مدرسة نظرية للطب أنشئت في العراق هي مدرسة الطب في البصرة والتي أنشأها أبو المظفر باتكين سنة 629 هـ / 1231 م في خلافة المستنصر .
أما أشهر هذه المدارس في العراق فهي مدرسة الطب ( إيوان الطب ) التي ألحقت بالمدرسة المستنصرية . وقد تم إنشاؤها سنة 633 هـ / 1235 م مقابل باب المدرسة الرئيسي كما يقول ابن الفوطي ، تكامل بناء الإيوان المقابل للمستنصرية وعمل تحته صفة يجلس فيها الطبيب وعنده جماعته الذين يشتغلون عليه بعلم الطب ويقصده المرضى فيداويهم .وحين يصف للمرضى الدواء يصرف من المخزن المعد لهذا الغرض والذي يشرف عليه صيدلي وهناك مضمد يقوم بمداواة وتضميد المرضى .
وقد أصبحت هذه المدرسة النواة لازدهار الدراسات الطبية في بغداد …. وكان المشرف على قسم الطب في المستنصرية مشرفاً عاماً على جميع الأطباء في العراق .
ثالثاً : المدارس الطبية العملية ( البيمارستانات أو المستشفيات التعليمية ) :
لقد أدرك المسلمون أن علم الطب باعتباره من العلوم التجريبية لا يمكن دراسته بعيداً عن المرضى . كما أدركوا أن المستشفيات خير مكان لهذه الدراسة لقرب الطلاب من الحالات المرضية ولتوفر العلاجات المتنوعة فيها . وكان اختيارهم هذه المستشفيات وجعلهم إياها كليات لتدريس الطب الإكلينيكي ( العملي ) = السريري من أجلّ الأعمال التي أسهمت في تقدم العلوم الطبية الحديثة .
كانت هذه المستشفيات في بدايتها قليلة إلاّ أنها في وقت قصير من عمر الزمن انتشرت في أغلب الحواضر الإسلامية مما أدى بماكس مايرهوف أن يقول : (( ولدينا معلومات وثيقة لأربعة وثلاثين معهداً من هذه المعاهد على الأقل كانت منتشرة في أنحاء العالم الإسلامي من بلاد فارس حتى مراكش ومن شمال سوريا حتى مصر وأشهر هذه البيمارستانات على سبيل المثال :
أ- البيمارستان المقتدري في بغداد : أنشئ سنة 306 هـ وممن درسوا فيه يوسف الواسطي وعليه قرأ جبريل بن بختيشوع .
ب- البيمارستان النوري الكبير في دمشق : أنشأه السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد عام 549 هـ = 1154 م من مال أخذه من أحد ملوك الفرنج ، وقد دخله ابن جبير عام 570 هـ فوصف عناية الأطباء بالمرضى وتفقدهم لشؤونهم وقد أستمر هذا البيمارستان يقوم بعمله حتى سنة 1317 هـ .
ج- البيمارستان العضدي في بغداد : أنشأه عضد الدولة بن بويه سنة 368 هـ ، وجعل فيه أربعة وعشرين طبياً منهم أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن بكس الذي دأب على تدريس الطب فيه . ومن الأطباء الذين درسوا فيه أبو الفرج بن الطيب الذي عاصر ابن سينا وكان يدرس في البيمارستان ويعالج المرضى ومن تلاميذه ، ابن بطلان وابن بدروح والهروي وغيرهم من أعلام الطب في الإسلام . ومن بين من ترأس هذا البيمارستان ، أبو الحسن سنان بن ثابت بن قرة وأمين الدولة ابن التلميذ وكان هذا البيمارستان من أكبر الكليات الطبية التي شهدتها بغداد ، تهدم هذا البيمارستان في الغزو المغولي سنة 656 هـ .
د- البيمارستان النوري الكبير أو المنصوري بالقاهرة : أنشأه الملك المنصور سيف الدين قلاوون وأكمل بناءه سنة 683 هـ . لقد بلغ البيمارستان الغاية في البناء والإعداد والأوقاف المخصصة له . ومن جملة ما ذكره المقريزي من وصف لهذا البيمارستان : (( وجعل فيه مكاناً لإلقاء المحاضرات في الطب ينتفع بها الطلبة ويعتبر هذا البيمارستان أعظم المستشفيات والكليات الطبية في تاريخ مصر في العصور الوسطى وممن قام بالتدريس فيه ، ركن الدين بن القريع التونسي ، عمر بن سراج الدين البهادري ، عبد الوهاب بن محمد الشاوي ، مدين بن عبد الرحمن القوصني وغيرهم كثير )) .
هـ- وأما في المغرب العربي وعلى سبيل المثال أيضاً فقد كان في الأندلس أربع مدارس مشهورة أقدمها هي مدرسة الطب التي أسسها عبد الرحمن الناصر في قرطبة والتي تعتبر أول مدرسة للطب أُسست في أوربا . أما الثانية ففي إشبيلية والثالثة في طليطلة والرابعة في مرسية
المحور الثاني : دور العرب والمسلمين في نشأة كليات الطب الأوربية وتطور مناهجها الدراسية :
أولاً – كليات الطب في إسبانيا ( الأندلس )
لقد استمر تواجد المسلمين في الأندلس نحو ثمانية قرون ( 93-897 هـ ) (117-1292 م).وفي عهد هشام بن عبد الرحمن الداخل ( 172 –182 هـ / 788-798 م) جعلت اللغة العربية لغة البلاد . وبتولي عبد الرحمن الناصر الذي أسس مدرسة ومكتبة علمية تضم ما يقرب من أربعمائة ألف مجلد الإمارة ، ومناداته بنفسه خليفة عام (350 –366 هـ / 961 –976 م ) ، غدت قرطبة عاصمة العلم والحضارة في أوربا والغرب الإسلامي يؤمها العلماء والطلاب من المشرق والمغرب وتتنوع فيها الدروس والمحاضرات وإجراء البحوث وتصنيف الكتب في معرض الحرية والتسامح .
وإضافة إلى ذلك فان من أسباب الازدهار العلمي الذي عرفته الأندلس منذ القرن الرابع الهجري وظهرت ثمراته الطيبة في القرنين الخامس والسادس هو " أن الأندلس لم تكن في وقت من الأوقات بمعزل عما يجري في حواضر العالم الإسلامي الأخرى ، بغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وفاس ، فقد كانت الصلات الفكرية والعلمية مستمرة بين مختلف أقطار العالم الإسلامي ينتقل بين ربوعها العلماء والطلاب والمؤلفات والمذاهب الفكرية ، وفي ميدان الطب الذي يعنينا ينبغي أن نذكر أن المؤلفات التي تظهر في المشرق سرعان ما كانت تجد سبيلها إلى الأندلس فيستفاد منها ويُعلق عليها " .
فرحلات الأطباء من وإلى الأندلس من بين الأسباب التي كانت وراء ازدهار الطب في الأندلس حيث تزخر كتب التراجم بأسماء العديد من أعلام الطب الذين قاموا برحلات لطلب العلم في العواصم الإسلامية الأخرى .
وحتى بعد زوال حكم ملوك الطوائف في القرن السادس وقيام دولة المرابطين ومن ثَم دولة الموحدين الذين حكموا الأندلس مع الجزء الأكبر من بلاد المغرب وجعلوا مراكش عاصمة لهم ، فان العلوم بشكل عام والطب بشكل خاص لم يتأثر بتلك التقلبات السياسية لأن الملوك والأمراء أحاطوا العلماء والأطباء برعايتهم وأتاحوا لهم – في غالب الأحيان – أجواء مناسبة لممارسة نشاطهم المهني والعلمي ،فكان الطلاب يتلقون عن شيوخهم في الجوامع والمدارس مختلف العلوم الطبيعية والرياضية والطبية ، ويتناولون منهم الإجازات العلمية .
وكان من نتائج هذه الحركة العلمية خلال هذه القرون في الأندلس إبراز أعلام في الطب لا يمكن سردهم هنا جميعا ولكن نذكر أسماء البعض منهم من الذين تجاوزت شهرتهم العلمية آفاق العالم الإسلامي إلى أوربا المسيحية مثل ( الزهراوي ، وأبناء بني زهر ، ابن رافد ، ابن طفيل ،ابن رشد ، الإدريسي ، الغافقي ، ابن ميمون ، ابن طملوس ، ابن الخطيب ، ابن خاتمة ،ابن الرومية ، وابن البيطار وغيرهم كثير ) . وعندما بدأ سلطان الموحدين ينحسر في القرن السابع الهجري بسقوط عدد من المدن والثغور والحصون الأندلسية بيد النصارى زال عدد من المعاهد العلمية التي كانت منتشرة في المدن الضائعة وهاجر علماؤها إلى الأماكن الآمنة في المغرب أوفيما بقي من جهات الأندلس في يد المسلمين كدولة بني الأحمر .
" وفي عام ( 653 هـ / 1217م ) تأسست دولة بني الأحمر على يد أبو عبد الله محمد الغالب بالله النصري الذي جعل غرناطة قاعدة ملكه فاهتم هو وكثير ممن جاء بعده من ملوك بني الأحمر بتنشيط الحركة العلمية ".
" وحينما حلّ القرن الثامن الهجري ( الرابع عشر الميلادي ) نشطت حركة التعليم في غرناطة ومدن أخرى كمالقة والمرية ووادي آص ، وكان الطب والرياضيات والفلك من العلوم الأساسية التي تدرس في الجامع الأعظم في غرناطة وفي مدارس المدن الأخرى "
و حمل العرب المسلمون فترة مكوثهم في إسبانيا مشعل العلم والحضارة واعتمدت جميع مراكز التعليم في أوربا على طليطلة واشبيلة وغرناطة حيث كان المستعربون وطلاب العلوم يشدون الرحال إليها . وفي عام 925 م أرسل اوتو الكبير ملك الألمان ، الراهب ( جون ) إلى قرطبة مبعوثا إلى الخليفة عبد الرحمن الناصر وأثناء مكوثه فيها لمدة ثلاث سنوات تعلم العلوم والثقافة العربية وحمل معه المخطوطات العلمية العربية .
وأما أهم شخصية في هذا العصر المبكر لتلاقي الفكرين العربي الإسلامي مع المسيحي اللاتيني فهو جيربرت المواطن الفقير من مواطني اكويتانيا الذي استطاع بمواهبه العقلية تربع عرش البابوية في روما تحت اسم سلفيسترالثاني ( 999-1003 م).وكان أول من أدخل التعليم الدنيوي ودافع عنه على أسس تقدمية ، كما وأنه من أوائل المهتمين بالثقافة العربية والمضمون التجريبي للعلم وهو الذي أدخل الأرقام العربية إلى أوربا بدل الأرقام الرومانية .
" فعندما كُتِبَ للأسبان الانتصار على العرب في حربهم الطويلة مع المسلمين التي يسميها كتابهم بحرب الاسترداد وتمكنوا من استعادة طليطلة عام 478 هـ / 1085 م، أخذ ملوك قشتالة يعملون على رفع مستوى الثقافة بين شعبهم ، بنقل كنوز الثقافة الإسلامية إلى لغاتهم .
ومن ثم ظهرت في طليطلة ( مدرسة للمترجمين ) التي نقلت العلوم الإغريقية وما أضافه العرب إليها من شروح وتعليقات إلى المدارس الأوربية فقد كانت هذه المدينة موئلا للعلم منذ عهد بعيد تمتاز بمكتباتها العظيمة التي نقلت إليها من المشرق بآلاف المجلدات ، كما انظم إليها جزء لا يستهان به ممن مكتبة الحكم الثاني . وكان بها جماعة حرة من المترجمين يعملون في هذه المكتبات ينتمون إلى طوائف ثلاث يحاور بعضها بعضا ، المسلمين والنصارى واليهود " .
"وإن مؤسس هذه المدرسة ( ريموند Raymond) أسقف طليطلة ( من سنة 1126 –1151 م) هو الذي دعا إلى مدينته مختلف العلماء ، وأمر بعمل الترجمات وأدخل دراستها مناهج المدارس المسيحية " كما يقول الدوميلي ، وكان فعله هذا حدثاً حاسماً ترك أبعد الأثر في مصير أوربا كما يقول رينان . ثم توالى خلفاؤه من الأساقفة في تشجيع هذه الحركة والحدب عليها حتى استمرت أكثر من قرنين . " وفي عام 1250 م تأسس أول معهد للدراسات الشرقية وكان هدفه تدريب الإرساليات لتوجيهها إلى المسلمين واليهود " .
وبلغ الاهتمام بنقل آثار العرب إلى اللاتينية أوجه في عهد الفونسو العاشر الملقب بالحكيم
( 1252 –1284 م) حيث بلغت طليطلة في عهده الذروة باعتبارها مدينة النور والعلم ، كما " وأسس في مرسيه بعد تغلبه عليها مدرسة أسند إدارتها إلى عالم مسلم أصله من هذه المدينة هو أبو بكر محمد بن احمد الرقوطي المرسي ، الذي كان طبيباً مشاركاً في كثير من العلوم ، وكان يقرئ في هذه المدرسة أجناسا من الطلاب بألسنتهم ، ذلك أنه كان ماهراً في معرفة اللغات ، وكان يجتمع عليه المسلمون واليهود والنصارى للأخذ عنه " .
ثم نُقِلت هذه المدرسة إلى اشبيلية بعد ذلك وأنتُدِب فيها أساتذة من المسلمين لتدريس الطب والعلوم ، وفي هذه المدرسة أيضا امتزجت الحضارة العربية والأسبانية وتخرج منها كبار الفلاسفة الغربيين .
وظلت طليطلة كذلك مركزاً للثقافة الأسبانية } واشتهر من المترجمين في معهد طليطلة الإنكليزيان روبرت الكيتوني (Robert of Ketton ) وأديلارد الباني ( Adelard of Bath ) والإيطالي جيرارد الكريموني Gerades Cremonensi )) { .
كما يقال أن شانجة Sanche ملك ليون وأستور ( الملقب بالسمين ) تعلم الطب في قرطبة .
وفيها ترجم ادلارد ( مربي الملك هنري الثاني ) عام 1126 م فهارس المجريطي في الفلك والرياضيات والذي كان لكتاباته أثر فعّال على روجر بيكون وعلى تأسيس الطريقة العلمية التي نسبت لبيكون .
وبمجيء جيرارد الكريموني ابتدأت المرحلة الثانية لمدرسة الترجمة بطليطلة ، باعتباره أشهر المترجمين ، حيث ينسب إليه وفرقة الترجمة التي كانت معه ( وكان أشهر أولئك غالب Gallipos ) ترجمة ما يقرب من مائة كتاب منها كتاب المنصوري للرازي ، والقسم الجراحي من كتاب التصريف والقانون لابن سينا …. الخ .
" كان الانبعاث اللاتيني المتمثل بجيرارد الكريموني في الأساس انبعاثاً للعلوم الطبيعية ، وليس العلوم الإنسانية التي جاءت في عصر النهضة في القرن الخامس عشر ، ومنذ أن أمضى جيرارد أغلب عمره في طليطلة ، ما فتئت أسبانيا تحتل مركز الثقافة في العالم وقد فتح عمل جيرارد الذي لانظير له في حقل الترجمة ، بكل شيء للعالم اللاتيني كنوز الفلسفة والرياضيات والفلك والطبيعة والطب والكيمياء الإغريقية والعربية " .
هذا واستمرت حركة الترجمة في طليطلة في القرن الثالث عشر ومن أشهر النَقلة فيها في ذلك القرن ميخائيل سكوت ( الاسكتلندي ) الذي ترجم بعض كتب ارسطو وابن سينا ، كما كان أول من ترجم كتب ابن رشد إلى اللاتينية . وبذلك تكون مدرسة طليطلة في مرحلتها الثانية هذه قد فتحت الباب على مصراعيه أمام أوربا لتنهل من العلم العربي وتبدأ نهضتها الحديثة .
ومن بين المترجمين من العربية إلى اللاتينية في أسبانيا الفْريد السارشيلي ، ناثان المئوي ،وسليمان بن يوسف ، وجيوفاني دي كابوا . وترجم اصطفان السرقسطي (1232 م) الأقرباذين لأبن الجزار كما ترجم ارمنجو في النصف الثاني من القرن الثالث عشر كتابا في تدبير الصحة والأخلاق والارجوزة لأبن سينا مع شرحها لأبن رشد .
(( وإن أول الجامعات الحديثة التي أنشأت في إسبانيا كانت جامعة (( سلامنكا )) في سنة 1243 ، أنشأها فرديناند الثالث كاستاد عام وكانت تضم ثلاث كليات ، الحقوق والآداب والطب ، ولكن شهرتها كانت بنوع خاص في دراسة القانون المدني والقانون الكنسي .
ثم أنشأت جامعة (( سنفيل )) سنة 1254 ، أنشاها الفونسو الحكيم لدراسة اللاتينية واللغات السامية وخاصة العربية .وفي أوائل القرن الخامس عشر توجت جهود مارتن الخامس بإنشاء مدرسة اللاهوت واعتبرت مناراً روحيا لأوربا الكاثوليكية .
أما جامعة البرتغال الوحيدة فهي جامعة ليشبونة ، وقد أنشأت سنة 1290 وتنقل مقرها فيما بين ليشبونة وكوامبرا إلى أن إستقر نهائياً في موامبيرا سنة 1537 . وقد أصدر لها الملك دنيس مرسوماً يشبه المرسوم الذي صدر لجامعة سلامنكا ، وقد أعيد تأسيسها في سنة
1772 ))
ثانياً : كليات الطب في فرنسا :
لقد كانت كاطالونيا أيضاً مركزاً آخر لأشعاع العلم العربي وهي تشكل جزءاً من فرنسا الحالية وتعتبر مونبليه إحدى مدنها الساحلية التي كانت في البداية عبارة عن محطة صغيرة لقوافل المسافرين بين إيطاليا والأندلس ثم ارتفع شأنها في القرن الحادي عشر ، فشرع العلماء العرب أو المتحلين بالثقافة العربية يتدفقون إليها حيث وضعوا فيها أسساً لمعهد علمي عظيم وبذلك تحولت هذه القرية الصغيرة إلى مركز كبير للتجارة والعلوم والثقافة . ولما بدأت شمس المَدَنية العربية بالغروب عن الأندلس في القرن الثاني عشر بسبب التعصب الشديد الذي اتصف به ملوك الأسبان هجر عدد كبير من العلماء العرب بالأندلس قاصدين مونبليه لما كانت تتصف به من التسامح الديني وحرية التتبع العلمي وبذلك كان لهم الفضل في رقيها ، نقل لوسيان لوكليرك عن كتاب تاريخ الفكر في فرنسا Histoire Litteraire dele France هذه الفقرة " في النصف الثاني من القرن الثالث غادر عدد من الأطباء الإيطاليين وطنهم في أعقاب الفتن التي نشبت ….. ولجأوا إلى فرنسا حاملين معهم مؤلفات أبي القاسم الطبيب الأندلسي الذي يعد باعث الحياة في علم الطب، ويظهر أن هذه المؤلفات قد وصلت بوصول أحد أطباء مدرسة ساليرنو إلى باريس واسمه روجي دي بارم { Roger de Parme } ومن هنا فإن دهشتنا تتضائل ونحن نرى أبا القاسم الزهراوي يتبوأ مكانه إلى جانب ابقراط وجالينوس ، ويؤلف معهما ما يشبه الثالوث العلمي " .
وفي سنة 1220 قام الكاردينال كونراد بتأسيس مدرسة ( جامعة ) مونبليه ونظمها على شبه مدارس الطب الإسلامية . واحتل الطب الإسلامي مركز الصدارة في برنامج التدريس فيها طيلة القرن الثالث عشر والرابع عشر فكان الأساتذة يشرحون كتاب ابن سينا والرازي وأبو القاسم الزهراوي وكانت هذه المدرسة على اتصال دائم مع المدارس العربية في جنوب إسبانيا الأمر الذي يؤكد التأثير الفاعل لمدرسة مونبليه على تطور الطب الأوربي على الطريقة العربية .
ويعطينا كتاب الدروس والمفاتيح فكرة دقيقة عن برنامج مدرسة مونبليه من سنة1489 إلى سنة 1500 م.
اللائحة التالية تبين عدد الكتب التي كانت تُدَرس ، كل علم وأهمية المكانة التي كان يمثلها ابن سينا في تلك الأيام .
(( عدد الكتب في برنامج مدرسة مونبليه 1489-1500 م ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
السنة ابن سينا جالينوس ابقراط
وقد بقي الطب العربي الإسلامي يحتل مركزاً مهماً في تاريخ الدروس حتى منتصف القرن السادس عشر ،بل حتى بدايات القرن السابع عشر "
كما وتميزت مدرسة مونبليه على بقية المدارس كمدرسة باريس بكثرة ما فيها من المخطوطات الطبية المهمة وبالأخص العربية منها . وكان الأساتذة المستعربون كثرة بين الأساتذة .
ونجد في كتاب استروك أن أحد الأساتذة ويدعى رينيه مورو يهاجم أستاذا يدعى جاك ديبوا لتعليمه الطب الإسلامي دون غيره . ومن الأساتذة والشخصيات التي خدمت في مونبليه ارنولد فلانوفا Arnold of Villanova ( 1235 – 1312 م) الذي ساح طلباً للعلوم العربية والذي أعتبر أخصب المؤلفين إنتاجاً بالنسبة لزمانه وأكثرهم تأثراً بالآراء الطبية العربية ، ومن بين المؤلفين الذين ترجم من كتبهم ابن سينا والكندي وقسطا بن لوقا وأبو العلاء بن زهر ، ((النظام الصحي الساليرني Regimen Sanitatis احسن شرح لتلك القصيدة )) .
وهنري ماندفيل وكاي دي شولياك Guyde Choliac ( 1298 – 1368 م ) الذي ترجم القسم الجراحي من التصريف للزهراوي ، فاقتبس منه كثيراً في كتابه الجراحة الكبرى Chirurgia Magna الذي أُنجز سنة 1363م . ويعتبر هو وارنولد فلانوفا أول من أدخلا إلى الغرب عادة حفظ السجلات ، وهذا تقليد استقياه من ابن زهر . وترجم هرمانوس الدلماسي في تولوز كثيراً من كتب الطب والفلك .
وإضافة لما سبق لقد تضمنت كتبهم اقتباسات كثيرة من الكتب العربية أو تضمنت اصطلاحات عربية كثيرة فعندما وضع منديس وهو أول من شرّح جثة إنسان علناً في مدرسة مونبليه ، كتاباً في التشريح اقتبس معلوماته من كتب الطب العربية .
وكان الدو براند السيني " الطبيب التوسكاني لدى بياترس سافوي من أوائل المترجمين من اللاتينية إلى الفرنسية ( في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ) ، وكتب رسالة طبية هي (حمية الجسم) القسم الأول والثاني مأخوذان من ابن سينا أولا ومن الرازي وابن عباس ثانياً ، القسم الثالث تكييف لكتاب الأدوية المفردة والأغذية لإسحاق الإسرائيلي ، ويكاد القسم الرابع يكون ترجمة حديثة من الكتاب المنصوري للرازي " .
وهناك عدد من المترجمين من العربية إلى العبرية قاموا بترجة العديد من الكتب العربية إضافة لموسى بن طبون لايتسع المجال لذكرهم وقد تناوانا ذكرهم في كتابنا إنتقال الطب العربي إلى الغرب .
" هذا ويؤكد لوكلير أن عدداً من مؤلفي القرن الخامس عشر في أوربا نقلوا من كتاب الزهراوي ، وذكر من هؤلاء فيراري الإيطالي Ferrari الذي نقل المقالة السابعة والعشرين في طبائع الأدوية والأغذية . والّف اردونيس دي باسارو كتاباً تردد فيه كثيراً اسم الزهراوي وكتابه التصريف " .
ومن طلابها ( جامعة مونبلييه ) سكومون من ساليرنو ، وناثان بن زفاريوس ( منتصف القرن الثاني عشر) ، وجلبرت الإنكليزي ( حوالي 1290م Gilberut Anglicans ) ، وجون من كاديسدون (1280- 1331 م John of Gadesden ) ، وجون من اردن ( 1307 – 1390 م John of Ardene ) الذين لهم منزلة كبيرة في الطب في إنكلترا ، وبطرس الأسباني ( حوالي 1277م Petrus Hispanus ) الذي أصبح البابا جون الحادي والعشرين وكان كتابه كنز الفقراء Thessurus Pauperum واسع الانتشار .
وقد حصل في باريس ما حصل في مونبليه من قبل . فكان تنظيم وبرنامج تدريس المدرسة نسخة من السابقتين . وكان الطلاب يجلسون على الأرض لاعلى المقاعد حتى لايدركهم الغرور" .
وأسس هنري الثالث في عام 1577 م كرسي أستاذ اللغة العربية في المدرسة الملكية بُغية معاونة تقدم الطب في فرنسا " .
وقصة لويس الحادي عشر مع كتاب الحاوي للرازي تشير إلى قيمة هذا الكتاب في ذلك العصر . فقد أراد هذا الملك أن ينسخ نسخة من الحاوي في مكتبته ، وطلب من مكتبة الجامعة إعارته إياه لنسخه . وبعد مناقشات عديدة بين الأساتذة قررت الجامعة إعارة الكتاب بعد الحصول على كفالة مالية ، مشكلة من12 طقماً فضياً للمائدة ومائة ريال من ذهب .
ومما يدل على تقدير أوربا لأبن سينا والرازي حتى اليوم هو " أن كلية جامعة باريس تحتفظ حتى اليوم بصورتين كبيرتين في قاعاتها ، إحداها للرازي والأخرى لأبن سينا " .
ثالثاً : كليات الطب في صقلية وإيطاليا :
كانت صقلية تعيش التأخر والجهل قبل أن يفتحها العرب المسلمون وقد تم فتحها أيام بني الأغلب في أوائل القرن الثالث الهجري حوالي سنة ( 877هـ ) بقيادة أسد بن فرات . ومن ثم وبعد أن مدنوها أصبحت أهم المراكز لنشر الثقافة العربية الإسلامية في أوربا .
وكان المركز الثاني بعد طليطلة – وإن كان أقل أهمية منه – لجمع المؤلفات هو البلاط النورماندي في باليرمو ، وفي هذا المركز قامت مدرسة للترجمة عن العربية ، ومن الترجمات التي ظهرت في هذا المركز هي ترجمة كتاب البصريات لبطليموس .
وأنشأوا في باليرمو العاصمة أول مدرسة للطب في أوربا ومنها انتشر الطب إلى إيطاليا .وكدليل على التأثير الفاعل للثقافة العربية في إيطاليا في تلك الحقبة إنشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية في جنوا ، وإدخال كثير من الألفاظ والاصطلاحات العربية إلى اللغة الإيطالية .وكان تسامح الحكام المسلمين في صقلية كعادتهم في كل مكان حلّوا فيه عاملاً مباشراً في ازدهار الثقافة والفنون والعلوم فيها حيث شملت لغات العالم العلمية الثلاث في ذلك الزمان وهي اللاتينية واليونانية والعربية . وتم نقل المؤلفات من لغة إلى أخرى وبذلك أصبحت صقلية خير نموذج لامتزاج الثقافات وصاحبة مَدنية لاتينية يونانية عربية فريدة امتدت حتى آخر القرن 13 ، وهو بداية التأثير العميق للثقافة العربية الإسلامية ونشوء حركة الاستعراب الفعالة في أوربا .
وقد نبغ في صقلية كثير من الأعلام العرب منهم الإدريسي الجغرافي المشهور الذي رسم الكرة السماوية وخريطة العالم لأول مرة .
أما أشهر من نبغ في الطب من العرب فكان الطبيب محمد بن الحسن الطوبي ( كان حياً في صقلية سنة 450 – 1058م ) ، وعلي بن الحسين بن أبي الدار الصقلي ، وأبو عبد الله الصقلي الذي تعاون مع غيره من الأطباء في ترجمة كتاب العقاقير لديوسقوريدس ، وعلي بن إبراهيم المعروف بابن المعلم ، وابن جلجل الصقلي صاحب كتاب تاريخ الأطباء والحكماء وأبو سعيد بن إبراهيم الصقلي مؤلف كتاب المنجح في التداوي ، واحمد بن عبد السلام الصقلي صاحب كتاب الأطباء من الفرق إلى القدم .
لم يتوقف الزحف الإسلامي في حدود جزيرة صقلية وما جاورها بل اتجه لفتح إيطاليا نفسها فقاموا بغزوات ناجحة شملت إيطاليا وشمالها بما فيها روما . وقد ساعدت هذه الفتوحات على نشر الثقافة والعلوم الحربية وعلى تقوية الصلات العلمية مع الثقافة اللاتينية لدى الطليان فنتج عن ذلك التقارب حركة علمية نشطة دفعت بأوربا سراعا وبشكل أساسي في طريق الصحوة العلمية والنهضة الفكرية .
ولابد من العودة للحديث هنا ثانية عن جربرت ( أو جربير ) ، فبعد أن أنتهي من تعليمه في إسبانيا كما ذكرنا قدم إلى روما واتصل بالبابا يوحنا الثالث عشر والإمبراطور اوتو الأول ( 021 –972 م) ثم بخليفتيه اوتو الثاني والثالث . ثم رأس المدرسة الأسقفية وفي هذه المدرسة بدأ يدرس ويدخل إلى الغرب العلوم والمعارف التي برع فيها المسلمون وكرّس حياته كلها لطلب المعرفة ورفع مستوى العالم المسيحي إلى ذرى المعارف الدنيوية ، فلذلك اعتبر شخصية فريدة غيرت مجرى الأحداث . ولما أراد الإمبراطور اوتو الثالث إجراء إصلاحات في الإمبراطورية والكنيسة انتهز فرصة موت البابا وعمل على انتخاب جربير لكرسي البابوية ، فتربع فيه تحت اسم سلفستر الثاني ( 992 –1003 م ) ، واستمر في حثّه على طلب ونشر العلوم والإصلاح الأخلاقي حتى وفاته عن طريق السم من قبل أعدائه ، وان تعليماته هذه التي أخذها عن المسلمين كانت حافزاً لبزوغ صبح جديد لأوربا .
وإن مركز الإشعاع الطبي في جنوب إيطاليا كان في مدينة ساليرنو التي كان يوجد فيها مدرسة أسقفية قبل قدوم العرب ، ويبدو أنه كان من بين برامج التدريس فيها شيء من الطب المليء بالدجل والشعوذة .
وأما إحياء ساليرنو باعتبارها مركزاً من مراكز التعليم الصحيح ، فقد بدأ في القرن التاسع عندما فتح العرب صقلية وجنوب إيطاليا ، وبدأ المعلمون العرب يفدون إلى هناك.
يقول الدوميلي " يرجع الفضل في تأسيس مدرسة ساليرنو إلى أربعة أساتذة مختلفي الأوطان ، الأستاذ هيلينوس وهو يهودي كان يقرأ على تلاميذه بالعبرية ، والأستاذ يونتس الذي كان يقرأ على تلاميذه باليونانية ، والأستاذ عبيدلا( عبد الله) الذي كان يقرأ على تلاميذه بالعربية ، والأستاذ سالرنوس الذي كان يقرأ على تلاميذه باللاتينية " .
وبرزت مدرستها الطبية سنة 985م ، وازدهر الطب العربي فيها على يد أساتذة من العرب وغيرهم في أواخر القرن الحادي عشر ، وبفضل عدد من المترجمين الأكفاء أمست هذه المدرسة معيناً لا ينضب للثقافة والعلوم العربية ودعامة صلدة للنهضة العلمية الأوربية .
وقيل أن يهودياً اسمه ( شبطاي بن إبراهيم بن يول ) وقع أسيراً عند العرب وتعلم العربية ثم استطاع بعد ذلك العودة إلى مسقط رأسه وإن هذا الشخص ساهم بقوة في إنشاء مدرسة ساليرنو ، وصنف بالعربية بعض الكتب الطبية وأشهرها ( الكتاب النفيس ) . ومن المشتركين في تأسيس مدرسة ساليرنو ، الطبيب الإيطالي ( ينافنتوتراسو ) الذي ألف كتاب ( فن صناعة العين ) والذي كان وثيق الصلة بالعرب . وموسى يانوميتان الذي ترجم كتاب أبقراط في الطب البيطري من صيغته العربية .
كان على رأس المترجمين قسطنطين الأفريقي ( 1020 – 1087 م) العربي الأصل والذي ولد في قرطاجة في تونس وساح في البلاد العربية حيث أتقن اللغة العربية بجانب معرفته اللغة اللاتينية واليونانية . وانتقل إلى إيطاليا حيث اتصل بأمير ساليرنو جيزوفلو وبأخيه الطبيب . ثم أمضى معظم حياته في دير مونت كاسينو حيث قام بترجمة الكتب العربية وبالتأليف . عمل بعض الوقت في مدرسة ساليرنو الطبي ، فأثر فيها تأثيراً بالغا بترجمته عدداً من الكتب الطبية اللاتينية ، وإدخاله التعليم الطبي العربي فيها كما انه كان يكتب أيضاً في القانون الصحي الذي كان يحرره عدد من أساتذة مدرسة ساليرنو . ويذهب البعض إلى أنه كان قد أسلم ولكنه كتم دينه خوفاً من الاضطهاد الذي كان سائداً ضد الإسلام والمدنية العربية خلال الحروب الصليبية. وظهرت أول طبعة من كتبه في بازل سنة 1537م في سبعة أجزاء من الكتب التي قام بترجمتها كتاب كامل الصناعة الطبية لعلي بن العباس المجوسي ، وكتب اسحق ابن سليمان الإسرائيلي في البول والحميات ، وكتب ابن الجزار وجالينوس وابقراط إلى اللاتينية . يأخذ البعض عليه عدم نزاهته حيث كان ينقل من الكتب العربية وينسبها لنفسه وعلى الرغم من ذلك فان اليقظة الأوربية بدأت بشرارة أرسلتها ترجماته في حقل الطب وإنّ أثر كتبه بقي لفترة طويلة من الزمن في أوربا مما حدا بالكثيرين تسميته برائد الطب العربي في أوربا . وكان في ساليرنو تلميذاً له من أصل عربي يسمى يونس الفلكي ( أو يوانيس افلاكيوس 1103 م).
ومن أشهر التراجمة في ساليرنو عدا قسطنطين الأفريقي كان فرج بن سالم المعروف عند الغرب ( فراجوت أو فراريوس ) الذي ترجم كتاب الحاوي للرازي بأمر الملك شارل الأول وقد انتهى منه عام 1279 م ونُشر عام 1486 . وترجم أيضاً كتاب جالينوس في الطب التجريبي ومؤلفات حنين بن إسحاق وتقويم الأبدان لأبن جزلة إلى اللاتينية .
ومن بين المترجمين في ساليرنو كان أدلا رد الباثي الذي سبق ذكره ، حيث أنه بعد أن زار المراكز الثقافية في صقلية استقر بعض الوقت في ساليرنو وترجم النسخة العربية لأقليدس وألف مختصراً في العلوم العربية " ومن بين المترجمين الإيطاليين يوحنا الكابوي الذي ترجم من العبرية للاتينية كتاب التيسير لأبن زهر ، ومقالة في تدبير الصحة لأبن ميمون " .
" واُلفت كتب طبية في ساليرنو وأظهرت أن أطباءها لم يمتصوا المعلومات العربية الحديثة فقط بل تمكنوا من توسيعها . وأهم مؤلفات مدرسة ساليرنو هو الموجز الساليرني والنظام الصحي الساليرني Regimen Sanitatus Salernitonumالذي يبدو أنه أُلف حوالي 1100م وهو قصيدة من 352 بيتاً في الأصل . وأشهر شرح لها هو شرح ارنولد فلانوفا " وقد سبق ذكره .
واشتهر من بين طلاب ساليرنو مايكل سكوت Michael Scot الذي ألف كتبه في صقلية ( 1175 – 1236 ) والذي تضمنت إحدى وصفاته التخدير بالاستنشاق .
وكان لتلاميذ مدرسة ساليرنو أثر بالغ في نقل العلم إلى سائر جامعات أوربا ، حيث ذهب قسم منهم إلى مدرسة مونبليه وآخرين إلى نابلي وذهب بيرجيل دي كوبري بعد ذهابه إلى نابلي إلى جامعة باريس . واستمرت هذه المدرسة محتفظة بهذه المكانة العلمية حتى سقوط مدينة ساليرنو في يد هنري السادس، عندها تدهورت الحركة العلمية فيها واضمحلت مدرسة ساليرنو في سنة 1400 م، وأغلقها نابليون نهائياً سنة 1811 م ، ثم سارت أغلب الجامعات الأوربية مثل باليرمو ، وبدوا ، ومونبليه ، وباريس ، وأُكسفورد بنفس الطريق معتمدة العلوم العربية أساساً في برامجها التدريسية ، حتى أن الطب العربي ساد في أوربا طيلة القرون الوسطى .
واهتم روجر الثاني ( المتوفى سنة 1154 م ) بأفكار العرب في الممارسة الطبية وقلد أنظمتهم ، فأصدر أمراً سنة 535هـ / 1140 / يمنع الأطباء من مزاولة المهنة الاّ بعد أن يجتازوا امتحاناً يثبت كفاءتهم في الممارسة وهو التنظيم الذي طبقه العباسيون على الأطباء وأدخله الأغالبة إلى الجزيرة .وكان حكام صقلية النورمانديون الذين خلفوا حكم العرب يميلون إلى نشر التعليم ومتابعة التعلم الذي بدأه العرب معهم واستبقوا وشجعوا عدداً من العلماء العرب للبقاء والنزوح إليها . وكان حفيد روجر الثاني من أمه وابن هنري السادس ملك ألمانيا ( فردريك الثاني ) في طليعة ملوك الغرب الذين استفادوا من العلوم العربية حيث كان هو وابنه ( منفيرد ) يعرفان العربية قراءة وكتابة وقد ألفا الكتب بالعربية وتُرجمت إلى اللاتينية .
وكان لفردريك الثاني ولع خاص بعلم النجوم والبيولوجيا ، وكان قد دخل البلاد العربية مع الصليبيين واطلع على حضارتهم وعقد اتفاقية مع الملك الكامل الأيوبي خلال الحملة الصليبية الخامسة ( 1218 – 1219 م ) حيث اتصل بنوابغ علماء العرب ، فقرب إليه عبد الحق بن إبراهيم بن نصر فيلسوف الأندلس حينذاك ، كما درس وترجم الكثير من الذخائر العربية وأهدى الكثير من الكتب الطبية والفلسفية إلى جامعة بولونيا . وبعث بمسائل رياضية وفلسفية إلى الملك الكامل وقد نجح في حلها علماء مصريون وسوريون وكمال الدين بن يونس من الموصل في العراق .وكان له مترجم ومنجم يسمى ( ثادري أو تيودور وهو مسيحي من انطاكيا في الشام درس في بغداد والموصل ) يقوم بترجمة الكتب العربية ( حيث ترجم له كتاب مختصر الحيوان لأبن سينا وكتاب نواميس الطبيعة المشتمل على كتاب في البول ) . وكان يعمل عنده أيضا ميخائيل سكوت حيث وضع له نقلاً عن العربية خلاصة لاتينية لمؤلفات أرسطو مع شرح ابن سينا وسماه ملخص ابن سينا .
وترجم اليهودي البادوي ( بوناكوزا Bonacosa ) كتاب الكليات في الطب لأبن رشد سنة 1255م باسم الجامع Colliget وطبع مرات عديدة ( 1482م في البندقية ، 1533م في ستراسبورج ) .
ولا يفوتنا أن نذكر اثنين من أساتذة بادوا الأول كولومبوس ( 1510 –1599 م) Renaldu Columbos ، الذي ألف كتاباً بعنوان ( في التشريح ) Dere Anetomica نُشر سنة 1559 فيه وصف لمرور الدم في الرئتين ، والثاني فالفردي Valverde الذي نشر كتاب ( التشريح وتاريخه ) سنة 1554 والذي ذكر فيه أيضاً آراء مشابهة لكتاب كولومبوس " وقد دلت الدراسة المفصلة للموضوع على أن سرفيتوس يظهر معرفة واضحة لنظرية ابن النفيس وانه اعتمد عليها ، وإن فالفيردي مطلع على آراء سرفيتوس ، وإن كولومبوس مطلع اطلاعاً مباشراً على نظرية ابن النفيس ومقولة سرفيتوس " .
رابعاً : كليات الطب في إنكلترا :
إن أقدم اتصال للإنكليز بالطب العربي هو ما ذكره المؤرخون عن جلب أحد ملوكهم من ساليرنو سنة 1100 م الكتاب المشهور ( النظام الصحي الساليرني Regimen Sanitatus ) والمعتمِد في أغلبه على الطب العربي .
وكان للأسباني بطرس الفونسي ( اليهودي الذي تنصر فيما بعد وأصبح طبيباً لهنري الأول) الذي سافر إلى إنكلترا حاملاً معه علوم الطب العربي أثر بالغ في نشرها هناك ، كما وأنه كان في مقدمة نَقَلة العلوم العربية الفلكية والرياضية والطبية في غضون النصف الأول من القرن الثاني عشر حيث سار على نهجه فيما بعد كثيرون .
كما وأن لزيارة العالم الأسباني اليهودي إبراهيم ابن عزرا من مدينة طليطلة في سنة 1158 وسنة 1159 م وتدريسه هناك أثر بارز ومبكر في نشر العلوم العربية في إنكلترا .
" وفي القرن الثاني عشر شرع العلماء من البلاد الشمالية وخاصة إنكلترا يزورون الجامعات العربية في إسبانيا للبحث عن العلوم والمعارف ، وكان أول هؤلاء العلماء وأعظمهم :
العالم الإنكليزي اديلارد ( 1116 –1142 م ) من مدينة باث ، أحد السابقين إلى نشر الثقافة العربية في الغرب ، فقد قام اديلارد بأسفار واسعة في إسبانيا وسوريا في الربع الأول من القرن الثاني عشر لدراسة اللغة العربية والعلوم العربية ، وقد ترجم إلى اللاتينية كثيراً من الكتب العربية لينتفع بها معاصروه المسيحيون . وعند عودته اشتغل معلماً للأمير هنري الذي أصبح فيما بعد الملك هنري الثاني ملك إنكلترا " .
" وقد ذهب بعد اديلارد إلى إسبانيا كثير من العلماء الإنكليز منهم :
روبرت : من مدينة تشستر في القرن الثاني عشر درس العوم الرياضية وترجم مؤلفات عربية .
ومن الشخصيات الهامة ، دانيل أوف مورلي ، ( القرن الثاني عشر ) الذي كان- بمقتضى ما ذكره عن نفسه – غير راض عن الجامعات الفرنجية ، فذهب إلى إسبانيا ليبحث عن مَنْ هم أكثر حكمة من فلاسفة العالم ، وقد عاد إلى إنكلترا بمجموعة كبيرة من الكتب وجدت عدداً من القراء".
" وفي القرن الثالث عشر درس ميخائيل سكوت في صقلية وبرع في اللغتين العربية والعبرية ، وقد ترجم كتب ارسطو طاليس من اللغة العربية وكان أول عهد الغرب بعدد كبير من هذه الكتب ، وكذلك ترجم من العبرية شروح ارسطو طاليس التي كتبها العرب كما كتب كتباً هامة في علم النجوم والكيمياء " .
وكذلك " الفرد سرشال Alferd de Sreshel الإنكليزي من نقلة الثلث الأول من القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي ، ترجم إلى اللاتينية كتاب النبات لأرسطو نص حنين بن اسحق واصلاح ثابت بن قرة ، وعن هذه الترجمة أُعيد نقله إلى اليونانية . كما نقل كتاب المعادن لأبن سينا " .
ومن بين العلماء الإنكليز الذين ألفوا كتبا جمعوا فيها العلوم والمعارف العربية الجديدة الوافدة بارتولوميه الإنكليزيBartholomew L’Anglais المولود في إنكلترا .انتقل إلى باريس ثم إلى ألمانيا . ألف كتابه الموسوعي ما بين ( 1230 –1240 م) وجاء هذا الكتاب في 19 جزءاً ، ضمّ كميات كبيرة من المعلومات قديمها وحديثها وخصص الجزء السابع من هذا الكتاب للشؤون الطبية . ومن الملاحظ أن بارتولوميه في كل المجالات العلمية والمعرفية التي أوردها في كتابه الكبير لم يورد أفكاراً مبتكرة وإنما كانت في أغلبيتها منقولة عن مصادر عربية " .
و" العالم الإنكليزي جروستيت ( المتوفي في 1253 م) ، كان رياضياً وفلكياً ، وعالم طبيعة ، وفيلسوفاً ، وأول مدير لجامعة أُكسفورد . بدأ دراسته في أُكسفورد ، وكانت المترجمات عن العربية قد وصلت إلى إنكلترا في هذا الوقت ولاشك أنه اطلع عليها . وهي إما التراجم التي أنجزت في صقلية أو في إسبانيا .
لذلك حرص على أن يذهب بنفسه إلى ارض القارة وخاصة إلى إسبانيا بحثاً عن تراجم أخرى استفاد منها في مؤلفاته . فنجد في كتاباته الفلكية أثرا كبيراً لثابت بن قرة ، كما أنه استقى معلوماته في البصريات عن ابن الهيثم " .
" وكانت مؤلفات هؤلاء وغيرهم من العلماء الإنكليز الذين اقتحموا الصعاب في سبيل العلم بزيارة البلاد العربية أثر ثقافي جليل ، فلمجهوداتهم الفضل في أن ما أنتجه العرب في الفلسفة والعلوم اصبح معروفاً في إنكلترا وفي البلاد الغربية وبذلك خطت الثقافة الأوربية خطوة هامة في سبيل ارتقائها . وكان الأثر الذي أحدثته ترجماتهم ومؤلفاتهم أثراً عظيماً ومن بين أولئك الذين تأثروا تأثراً عميقاً بالعلوم العربية ذلك الفيلسوف الإنكليزي العظيم روجر بيكون …" .
" وكان روجر بيكون ( المتوفي في 1294 م) تلميذ جروسيت النابغ . والحق أن روجر بيكون كان عالماً من الأعلام الذين تدين لهم أوربا في هذا العصر ، ذلك أنه كان أول من دافع بحرارة عن المنهج التجريبي على الرغم من أنه هو نفسه لم يكن من علماء التجريب " .
" ويجدر بنا أن نذكر أيضاً أن روجر بيكون تتلمذ في الكيمياء على جابر بن حيان وكان يسميه أستاذ الأساتذة ، كما أنه استقى فلسفته من ابن رشد الذي وضعه جنباً إلى جنب مع ارسطو وابن سينا . وتلقى معلوماته في البصريات من مؤلف ابن الهيثم ، وفي الطب من ابن سينا والرازي وغيرهما ".
" وكان بيكام ( المتوفي في 1292م ) رياضياً وعالماً طبيعياً إنكليزياً من الرعيل الأول ، من الأساتذة اللاتين الذين استقوا مقومات علمهم من العرب . أخذ عن العرب معلوماته في البصريات"
" وأما جلبرت الإنكليزي ( حوالي 1290 م ) فرجع كثيراً إلى ابن رشد وغيره من المسلمين وترجم فصولاً بأكملها من الرازي كلمة بكلمة . ونقل جون الجادسدني كلمة بكلمة مؤلفات المستعربين برنارد الجوردني وهنري الموندفيلي في مؤلفه الشهير .
وكتب برنارد الجوردني نفسه وهو أستاذ اسكتلندي مؤلفه Didium Medicinale في سنة 1307 ، وهو كتاب شواهد يتميز تماماً بطابعه العربي "
" وكان جون اوف آردن( ولد سنة1307) وهو جراح إنكليزي أول من أحيا الجراحة في إنكلترا ويعـود الفضل في هذا إلى أبي القاسم الذي نقل عنه جون كثيراً من كتاباته كلمة بكلمة " .
" وإن أول كتاب طبع في طب الأطفال وهو كتاب بيكالاردوس سنة 1472 م اعتمد اعتماداً كلياً على رسالة الرازي تدبير الصبيان " ( الرسالة أصلها العربي مفقود ، قمنا بترجمتها للعربية عن الإنكليزية وقد صدرت عن بيت الحكمة في بغداد ضمن كتاب ثلاث رسائل في الطب سنة 2001).
وترجم فيدوجانيك للإنكليزية كتاب الجدري والحصبة للرازي سنة 1766 م . ثم تمت ترجمته ثانية سنة 1849 من قبل جرينهل .
" ومما يستحق الذكر أن أول كتاب طبع في إنكلترا وهو كتاب – كلمات الفلاسفة وحكمهم – كان مؤلفاً على نسق كتاب عربي اسمه ( كتاب مختار الكلام ومحاسن الكلم ) الذي كان قد ألفه في سنة 1053 م الأمير المصري مبشر بن فاتك " .
كما أن مؤلفات أخرى لبعض الأطباء الإنكليز تضمنت اقتباسات كثيرة من الرازي ، وابن سينا ، وعلي بن العباس والزهراوي وابن النفيس ، وغيرهم ، وأصبح الطب العربي المترجم مسيطراً في إنكلترا والدليل على ذلك هو استمرار الأطباء فيها على تداول تراجم الكتب العربية من سنة 1350 –1500 م بل بعد ذلك بسنين .
والحديث عن تاريخ الطب في إنكلترا لا يكتمل من دون ذكر شيء عن وليم هارفي وما نُسب له من اكتشاف الدورة الدموية الرئوية .
ولد وليم هارفي في سنة 1578 م ونزح إلى أوربا طلباً للعلم وتخرج من جامعة بادرو .
- ثم جاء هارفي إلى بادوفا للدراسة وتتلمذ على فايريسيوس ومكث فيها من عام 1597 حتى 1602 أي خمسة أعوام ، لابد أنه اطلع فيها على كل الكتب المتعلقة بالتشريح ، وبالدورة الدموية التي ذكرت آراء إبن النفيس حول ذلك ، نظراً لاهتمامه بالموضوع ، وربما كان يتقن العربية واطلع على كتاب ابن النفيس الذي ذكر فيها الدورة الدموية الصغرى .
- عاد إلى إنكلترا ومارس الطب في لندن وأصبح طبيباً لمستشفى سان بارثولوميو وعين في سنة 1618 م طبيباً لجيمس الأول ثم طبيباً خاصاً لشارل الأول . وفي سنة 1628 م نشر رسالته في فرانكفورت في ألمانيا تحت عنوان – رسالة في التشريح عن نبض القلب وحركة الدم في الحيوان – وصف فيها الدورة الدموية وأعلن أن القلب عضلة مجوفة يقسمها قاطع ليفي إلى أربعة تجاويف بطينين وأُذينين . وبذلك عُدّ هارفي من كبار العلماء . وتوفي هارفي في سنة 1657 م .
جامعة أكسفورد )) :تعتبر جامعة أكسفورد من أقدم الجامعات التي أنشأت على نظام جامعة باريس ، وقد أنشأت أول الأمر على هيئة مدارس تابعة لكنائس صغيرة وفي سنة 1133 كان قد جاء من باريس محاضر في الإنجيل ليدرسه في تلك المدارس الكنسية في أكسفورد التي إتخذت نواة للجامعة في القرن الثاني عشر . . . ومنذ سنة 1168 أخذ تدفق الطلاب على الستاد العام في أكسفورد يتزايد ))
(( وقررت جامعة أكسفورد إضافة دراسة الطب إليها في القرن الثاني عشر . . . وقد أنشئ مستشفى سانت بورتولميو بلندن – وهو أقدم مستشفى هام في إنكلترا سنة 1123 ، أنشأه راهير الراهب الروماني كما قيل . وتلاه في إنكلترا مستشفى سان توماس سنة 1215 ))
((وثمة أطباء أكفاء لمعت أسماؤهم خلال النهضة وتناقلتها الأجيال ، ومن هؤلاء توماس ليناكر الذي ولد سنة 1460 في كانتربوري بانكلترا . . ففي تطوافه خارج بلاده درس في بولونيا وفلورنسا بايطاليا وبعد إيابه إلى إنكلترا شغل وظيفة طبيب البلاط لثلاثة ملوك متوالين . وهاله أن مهنة الطب لا تخضع لنظام مقبول . فاستصدر من هنري الثامن ترخيصاً بتأليف هيئة من الأطباء ، تقوم بامتحان الراغبين في ممارسة الطب والترخيص لهم باحترافه ، . . وفي سنة 1551 أصبحت هذه الهيئة التي أسسها ليناكر كلية الأطباء الملكية بلندن ))
و (( كانت الجراحة في ذلك العهد مقبلة على ما اصطلح على تسميته بدور التجديد الذي بدأ في عصر النهضة وامتد طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر. ففي إنكلترا أيد الملك هنري الثامن سنة 1540رابطة حلاقي لندن الجراحين . وتحولت هذه الرابطة في سنة 1800 إلى كلية الجراحين الملكية بلندن ، التي أصبحت فيما بعد كلية الجراحين الملكية بإنجلترا كما هي الآن . وفي اسكتلندا يفخر الجراحون بأن لهم كلية خاصة للجراحين هي كلية الجراحين الملكية بأدنبرة التي نشأت هي الأخرى من رابطة للحلاقين الجراحين ، تأسست بأسكتلندا سنة 1505 . ))
-----------------------------------
- الحنبلي ، ابن العماد : شذرات الذهب ، الشركة التجارية ، بيروت ( بدون تاريخ ) ج 3 ، ص 181 .
-أمين ، د. أحمد: ضحى الإسلام ، دار الكتاب العربي - بيروت ، الطبعة العاشرة ، ج 2 ، ص 49 .
- أقدم جامعة أوربية أنشئت في ساليرنو في إيطاليا 1050 م ، ثم تبعتها جامعة بادوا 1223 م ، وأكسفورد 1249 وكامبرج 1284 م ، وسلامنكا بأسبانيا 1243 م ثم مونبليه .
- منتصر ، عبد الحليم : تاريخ العلم ، دار المعارف ، الطبعة الثالثة ، 1969 ، ص 50 .
- ابن الفوطي ، كمال الدين أبو الفضل : الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة ، المكتبة العربية – بغداد 1932 ، ص 181 .
- ابن الفوطي : المصدر نفسه ، ص 181 .
- الأعظمي ، علي ظريف : مختصر تاريخ بغداد ص 112 .
- ابن العبري ، غريغوريوس أبي الفرج : تاريخ مختصر الدول ، المطبعة الكاثوليكية – بيروت ، 1890
ص 465 .
- أمين ، د . حسين : المدرسة المستنصرية – مطبعة شفيق ، بغداد 1960 ، ص 56 .
- توماس ارنولد : تراث الإسلام ، ترجمة جرجس فتح الله ، الطبعة الثانية ، بيروت 1972 ، ص 387
- الجراري ، عبد الله بن العباس : تقدم العرب في العلوم والصناعات ، دار الفكر العربي 1961 ، ص 64 .
- الخطابي ، محمد العربي – الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية ج1 ص 15 .
- الخطابي ، المصدر نفسه ج1 ص 29 .
- الخطابي ، المصدر نفسه ص 240 – 241 .
- الدوميلي ، العلم عند العرب وأثره في تطور العلم - ص 456 .
- يونج ، لويس – العرب وأوربا ص 120 .
- الخطابي ، مصدر سابق ج1 ص 30 .
- يونج ، لويس – العرب وأوربا ص 120 .
- مايرز ، يوجين أ . الفكر العربي والعالم الغربي ص 111 .
- محمد ، الدكتور محمود الحاج قاسم : إنتقال الطب العربي إلى الغرب معابره وتأثيره ، دار النفائس – بيروت 1999 ، ص 33.
- منتصر ، الدكتور عبد الحليم : تاريخ العلم ، دار المعارف المصرية ، الطبعة الثالثة 1969 ص 265.
- العربي الخطابي ،مصدر سابق ج1 ص 128 ، نقلا عن اوسيان لوكليرك – تاريخ الطب العربي 1/454 –455 .
- حجازي ، الدكتور عبد الرحيم – الطب الإسلامي عامل أساسي في خروج أوربا من عصر الظلام ،بحث قُدم للمؤتمر العلمي للطب الإسلامي 1981 ، بالأصل نقلا عن أرشيف جامعة مونبليه الكتاب الخامس لسنة 1767
- حجازي ، المصدرنفسه – نقلا عن جاك استروك ، ذكريات لخدمة تاريخ جامعة مونبليه 1767 أرشيف الجامعة.
- مايرز ، الفكر العربي والعلم الغربي ص 126 .
- جالرند ، جوزيف – قصة الطب ، ترجمة د. سعيد عبدة ، دار المعارف بمصر 1959 ، ص75 .
41 – ريسلر ، جاك . س : الحضارة العربية ، ترجمة غنيم عبدون ، الدار المصرية للتأليف ( بدون تاريخ ) ص 211 .
42 – عاشور ، سعيد عبد الفتاح : المدنية الإسلامية وأثرها في الحضارة الأوربية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1963 ، ص 153 .
- الشيال ، الدكتور جمال الدين – التاريخ الإسلامي وأثره في الفكر التاريخي الأوربي – دار الثقافة بيروت ص 49 .
- الدوميلي ، العلم عند العرب وأثره في تطور العلم ص 429 .
- البدري ، عبد الليف – الطب عند العرب ص 93 .
- ماكس مايرهوف ، كتاب تراث الإسلام / ترجمة جرجيس فتح الله ص 465 .
- مايرز ، الفكر العربي والعالم الغربي ص 126 .
- الجليلي ، الدكتور محمود : تأثير الطب العربي في الطب الأوربي ، مقال – مجلة المجمع العلمي العراقي ، الجزآن الثالث والرابع – المجلد الثاني والثلاثين، ص 194 .
- يونغ ، لويس – العرب وأوربا – ص 121 .
- ماكس مايرهوف ، المرجع السابق ص 487 .
- المصدر نفسه ، ص 201 – 203 .
- نصري ، عبد الهادي – دور الأندلس في انتشار العلوم العربية – بحث قُدم للندوة العالمية الرابعة لتاريخ العلوم عند العرب ، 1987 – كتاب أبحاث الندوة ص 291 .
- لويس ، برنارد- تاريخ اهتمام الإنكليز بالعلوم العربية ص 5 – 6 .
- شيخة ، الدكتور جمعة – دور مدرسة الترجمة في طليطلة في نقل العلوم العربية وبالتالي في نهضة أوربا ، مجلة دراسات أندلسية ، العدد 11 السنة 1994 ص 44 .
- شحادة ، كمال –انتقال الكيمياء من العرب إلى أوربا اللاتينية – من أبحاث الندوة العالمية الرابعة لتاريخ العلوم عند العرب ج2 ص 234 .
- مظهر، جلال، حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ، نشر مكتبة الخانجي – مصر ، 1974
ص 527 –528 .
- لويس ، برنارد – تاريخ اهتمام الإنكليز بالعلوم العربية ص 5 .
- مظهر ، جلال – مصدر سابق ص 528 – 531 .
- مظهر ، جلال – مصدر سابق ص 528 – 521 .
- رادبل ، صمويل إكس – مقال باللغة الإنكليزية – أول مخطوط في طب الأطفال – مجلة طب الأطفال الأمريكية ( A . P. J) المجلد 122 – تشرين الثاني 1971 .
- لويس ، برنارد : تاريخ اهتمام الإنكليز بالعلوم العربية ص 5-6 .
- منتصر ، الدكتور عبد الحليم ، مصدر سابق ص 262 .
- جارلند ، مصدر سابق ، ص 75 .
- المصدر نفسه ، ص 82-83
- المصدر نفسه ، ص 92 .
888 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع