بقلم المهندس/احمد فخري
الحلقة الاولـــــى الوصول الى ابوظبي
في اواخر شهر سبتمبر ايلول من عام 1980 كنت قد تخرجت للتو من بريطانيا وحصلت على شهادة الهندسة الالكترونية، توجهت الى دولة الامارات العربية المتحدة. كانت سمة الدخول (الڤيزة) قد ختم عليها عبارة (ڤيزة زيارة). حالما خرجت من باب الطائرة بمطار ابوظبي تفاجأت بالحرارة والرطوبة الشديدة خارج الطائرة بالرغم من ان الساعة كانت تشير الى العاشرة ليلاً، تخيلت وقتها اني في حمام الساونه. كان المطار صغيراً للغاية، غير مكيف والفوضى تعم المكان وكان العمال الاسيويون يملؤون المكان والروائح المنبعثة منهم تثير الغثيان. سألني احدهم، انتا يريد كوولي؟ فسألته، وماذا تقصد بكوولي؟ قال انا يشيل سامان مال انته. ففهمت انه يعرض علي خدماته وذلك بحمل حقيبتي، فقبلت كي اختصر الوقت لاني اعلم جيداً ان هؤلاء الشيالين يعرفون النظام بشكل جيد وسوف ينقذوني من هذا الحمام الساخن باسرع وقت ممكن. انطلق الحمال الهندي امامي حاملاً حقيبتي ومتجهاً الى نقطة التفتيش. وقف شخص اسمر البشرة ببزة الشرطة تبدو عليه ملامح شرقية واشار للهندي كي يضع حقيبتي فوق الطاولة الخشبية التي كانت امامه. نظر الي وأمرْ،
- افتح الشنطة
- حاضر، تفضل
فتش الشرطي الحقيبة بشكل سريع ثم قال، بامكانك الذهاب بها. غلقت الحقيبة واخذها الحمال متوجهاً بها الى البوابه الخارجية. وحالما خرجت الى خارج قاعة المطار لاحظت عدداً كبيراً من الناس ممن جاؤوا لاستقبال ذويهم. نظرت بتمعن بين هذا الجمع الغفير فلمحت اختي الكبيرة تناديني كما كانت تناديني عندما كنت طفلاً في العراق إذ سمعتها تقول، حمودي تعال هنا ياحبيبي.
فتوجهت نحوها وانا اكاد اسقط على الارض من شدة الاعياء وحرارة الجو. بعد ان قبلتها وقبلت اطفالها اسامة وهمسة، قادتني باتجاه موقف السيارات الذي كان يبعد بضعة مئات من الامتار. ركبنا سيارتها التي كانت من نوع مازدا 929 وكانت آخر موديل لذلك العام 1980.
- ما هذا الحر؟ كيف تستطيعون ان تعيشوا هنا؟ سوف لن ابقى بالامارات يوماً واحداً، لقد قررت العودة الى لندن.
- حبيبي احمد، اصبر قليلاً فان الحرارة هذه ستزعجك فقط في البداية. هنا ستجد ان جميع وسائط النقل والبيوت والمحال التجارية والمكاتب مكيفة. فإنك تشعر بالحرارة فقط عندما تنتقل من الواحدة الى الاخرى.
- لكن الوقت الآن هو العاشرة مساءاً فكيف يا ترى سيكون الجو في ساعات الذروة بالنهار؟
- لا تفكر بذلك الآن، صدقني سوف تتعود على ذلك.
- وماذا عن العمل؟ كيف ساقوم باجراءات الاقامة؟ ومن الذي سيـ...
- دعك من هذا كله، فان جميع هذه الاجراءات ستحسم فيما بعد حالما يعود زوجي محمد من السفر.
- مــــــاذا؟ هل هو في رحلة؟ ولماذا لم تخبريني مسبقاً؟ الا تعلمين اني جئت في امل ان الاقيه وهو سيقوم بتحضير وظيفة لي؟
ضحكت اختي بصوت عالي وقالت،
- وهل تعتقد ان الوظائف توزع على حافة الطريق؟ اسمع يا احمد، لقد قام زوجي بالتقديم بدلاً عنك في ثلاث وظائف وسوف تبدأ بعد غد.
- ولماذا لا نبدأ غداً؟ فانا لم اتي هنا كي اضيع وقتي. انت تعلمين ان زوجتي حامل بشهرها التاسع وتنتظر مني الاشارة كي تلتحق بي هنا مع ابني او ابنتي الجديدة.
وبضحكة مماثلة للاولى قالت،
- غداً هو يوم الجمعة، وهنا الجمعة كيوم الاحد عندكم بلندن، اي انها عطلة نهاية الاسبوع. لذا سنذهب غداً الى النادي السياحي وستقوم بالاستمتاع بوقت جميل يزيل عنك تعب السفر.
- ولماذا نذهب للسياحة.
- كلا يا احمد ان اسم ذلك النادي هو النادي السياحي. فلا تقلق من شيء.
حالما دار محرك السيارة انطلق هواءاً بارداً منعشاً من فتحات مكيف السيارة، جعلني اشعر بارتياح مفاجئ، رجعت بالكرسي الى الخلف وبدأت اشعر وكأنني نار هوجاء صب عليها الماء. وصلنا شقتهم التي كانت بمنطقة النادي السياحي هي الاخرى، والشقة بالطابق الثاني وهي جميلة وتحتوي على ثلاث غرف للنوم، مؤثثة بطراز اوروبي حديث، فازداد شعوري بالارتياح والطمأنينة. وبما اني كنت مشتاقاً لاولاد اختي، صرت اخرج لهم الهدايا التي جئت بها من لندن والعب معهم واتحدث مع اختي طوال الوقت. لقد كان آخر لقاء لي معهم قبل سنتين حينما حضروا جميعاً لقضاء العطلة الصيفية بلندن.
في اليوم التالي استيقضت مبكراً على الهجوم المباغت الذي شنه علي اطفال اختي فابنتها الكبيرة همسة كانت 11 عاماً واخاها الصغير كان 7 اعوام. وجدت نفسي في صراع خاسر لاني حالما اتغلب على واحد منهم يهجم علي الآخر ويمسك بيدي. وكانت اصواتنا عالية مما جاء باختي مسرعة وسمعتها تقول اخفضوا من اصواتكم والا سارمي بكم من شباك الشقة. لم نكن نرضى ذلك على انفسنا مما كانت تهددنا به لذا توقفنا عن المصارعة. وقفت على قدمي ونظرت من الشباك فوجدت لائحة كبيرة كتب عليها (سوبر ماركت فيروز). وقبل ان انبس ببنت شفة جائني الشرح من اسامة إذ قال، انه حانوت لبناني نتسوق منه كل ما نحتاجه من اغذية ومواد منزلية اخرى. هل تريد ان تراه؟
- ولماذا اريد مشاهدة حانوت؟ هل هناك شيء يستحق المشاهدة؟
- كلا ولكن امي طلبت مني ان اذهب اليه كي اشتري لبني.
- وما هذا الـ (لبني)؟
- انه شيء يشبه الجبن ويشبه اللبن نأكله في وجبة الافطار.
- طيب سارتدي ثيابي واتي معك.
خرجت مع اسامة وعبرنا الشارع ثم دخلنا فيروز واذا به حانوت عامر يحتوي على جميع المستلزمات المنزلية من اغذية واواني مطبخ واقداح زجاجية ولعب اطفال وادوات مدرسية ووو. كان اشبه بمول صغير يحتوي على كل شيء. توجه اسامة مباشرةً الى الثلاجة واحضر قنينة زجاجية تحتوي على كرات بيضاء. نظرت اليها وسألته،
- اهذه هي اللبني؟
- نعم يا خالي، انها لذيذة جداً سوف تعجبك بالتأكيد.
رجعنا الى الشقة وتناولنا وجبة الافطار، لقد كان كلام اسامة دقيق جداً فقد اعجبتني اللبني خصوصاً وان اختي قد قدمت لنا صحن سبق وان تذوقته في الماضي يدعى مكدوس، وهو عبارة عن قطع من الباذنجان المخلل والمحشي بالكثير من الاوراق الخضراء (قد تكون كرفس وا معدنوس او ما شابه) ومخللة بطريقة لذيذة.
بعد الانتهاء من وجبة الافطار توجهنا جميعاً الى السيارة حيث اقلتنا الى النادي السياحي الذي كان يبعد ما يقرب من كيلومتر واحد عن الشقة.
لاحظت الكثير من السيارات الفارهة واقفة امام جدار ابيض طويل وفي وسطه يافطة كبيرة كتب عليها (النادي السياحي). بعد ان صفينا السيارة ودخلنا الى النادي، قادتنا اختي الى قاعة التبديل فقمنا بتغيير ملابسنا ونزلت البحر مع الاولاد بينما دخلت اختي الى صالة مبردة كتب عليها (الكافتيريا).
بعد ان سبحنا لمدة ساعة او اكثر بقليل شاهدت اختي وهي تشاور لي بيدها تستدعيني للعودة. رجعت باتجاهها وسألتها عن سبب استدعائها فقالت ارتدي ثيابك حالاً والحق بي في الكافتيريا لان مدير احد الوظائف التي قدمنا لك فيها قد حضر للنادي وهو ينتظر لقائك.
لبست ملابسي على عجل وتوجهت الى حيث تجلس اختي مع عائلة كبيرة التفت حول طاولة مدورة، كان رب الاسرة اصلع الرأس يجلس امامها وهو باواخر الاربعين من عمره مع زوجته واولاده الثلاثة. قدمت لهم التحية فقالت لي اختي، هذا هو الاستاذ فلان الفلاني (لا اذكر اسمه الآن) وهو مدير في شركة ادنوك. ساترك لك المجال للتحدث معه. ابتدأ السيد المدير بالحديث،
- إن الوظيفة التي اعلنا عنها هي لمهندس كي يصبح مدرب فني في معهد ادنوك للتأهيل.
- وما هي المؤهلات المطلوبة لمتقدمي هذه الوظيفة؟
- ان يكون خريج جامعة هندسية وان يكون متمكناً من التحدث بالانكليزية. لذا ارجو منك ان تزورني غداً صباحاً على هذا العنوان الذي ساكتبه لك. عليك ان تصل في تمام الساعة العاشرة صباحاً.
- حسناً سيدي ساكون هناك في الموعد. فانا لم اتخلف عن موعدٍ في حياتي.
تناولنا وجبة الغداء التي استدعانا اليها هذا الشخص وبدأت الدنيا تبتسم لي فجأة لاني كنت اشعر بسعادة لا تضاهى وقد اردت ان اقول لاختي بانني سوف لن ابقى عاطلاً عن العمل لاكثر من بضعة ايام فقط. طبعاً فانا خريج بريطانيا وشهادتي شهادة مرغوبة بجميع بلدان العالم، فهي مفتاح السعادة والنجاح لاي انسان وقد تعبت كثيراً للحصول عليها.
باليوم التالي استيقضت مبكراً وبدأت بالاستعداد للمقابلة، وارتديت بدلتي (الشتوية لانها من بريطانيا) علماً ان الجو بابوظبي ساخن جداً والبدلة لا تناسب ذلك الجو.
انطلقت بسيارة اجرة تمام الساعة التاسعة ووصلت مركز ادنوك للتأهيل بعد ربع ساعة فقط. دخلت المعهد وانتضرت ما يقرب من ساعة ونصف حتى اذن لي السيد المدير بالدخول. حياني الرجل بحرارة وطلب لي فنجان شاي وطلب مني الجلوس وصار يحدثني عن المعهد وبدأ حديثه:
هنا نحن نؤهل العمال الفنيين كي يستطيعوا العمل في مجال البترول والغالبية العظمى منهم ينتقلون الى المعيشة والعمل في حقول النفط مستفيدين من كل المعلومات التي تلقوها عندنا. لذا فان الكادر التدريسي عليه ان يلقنهم كل الامور التقنية بالاضافة الى الامور المتعلقة بالسلامة وطرق العيش في اجواء غير اعتيادية بحقول النفط. لذا فإن الكادر التدريسي سيخضع لعمليات تأهيل بهذا المضمار اي اننا سنهيئ لهم رحلات الى مواقع العمل كي يستطيعوا ايصال الاجواء المحيطة بالعمل. والآن ارجو منك ان تعطيني اوراقك وشهاداتك وشهادات الخبرة.
هنا نظرت اليه باستغراب وقلت له،
- عن اي خبرة تتحدث سيدي؟ الم يخبرك نسيبي محمد باني خريج جديد العهد، ولم يسبق لي العمل من قبل؟
- لكن المطلوب بهذه الوظيفة ان يكون لديك خبرة لا تقل عن 6 سنوات.
- انا لا املك هذه الخبرة سيدي، لكني اود ان اؤكد لك ان جميع المواد المذكورة في المقرر عندكم هي مواد بسيطة جداً وبامكاني تدريسها على احسن وجه.
- هذا لا يكفي اخ احمد. يجب على المتقدم ان تكون له خبرة عملية. انا آسف.
هنا وقفت مباشرةً وشكرته على جهوده ثم ودعته وتوجهت نحو الباب كي اخرج. ناداني قائلاً، وماذا عن الشاي؟ فانت لم تشربه. اجبته، ارجو المعذرة سيدي، وخرجت، ركبت سيارة الاجرة وانا استشيط غضباً، كيف فاتتني فكرة الخبرة العملية؟ ولماذا لم يخبرني نسيبي بذلك؟ وهل كان هذا الشخص صادقاً عندما قال بانه ذكر سنين الخبرة لنسيبي مسبقاً؟
كل هذه التساؤلات كانت تعج برأسي وانا جالس بسيارة الاجرة انتظر وصولي بفارغ الصبر كي اخبر اختي بما حصل. عند وصولي وجدت الشقة فارغة. فالاولاد كانوا بالمدارس واختي في عملها. فتحت الباب بالمفتاح الذي زودتني به اختي ودخلت وانا في حيرة من امري، اضرب اخماساُ باسداس واحاور نفسي واتسائل، لماذا عمل بي ذلك الشخص اللعين هكذا؟ ولماذا لم يخبرني بموضوع الخبرة عندما التقيته بالامس بالنادي السياحي؟ بعد بضع ساعات رجع الاولاد من المدارس حاملين حقائبهم الملئى بالكتب والكراريس. ثم لحقت بهم اختي بحدود الساعة الثالثة ضهراً. فتحت الباب، فوقفت امامها، نظَرَتْ الي وهي تخلع نظارتها الشمسي وقالت،
- ها حمودي! شصار؟ تعينت؟
- لا طبعاً لا
- لكن الرجال وعدنا بالامس
- بالمشمش. الضاهر يريدون خبرة 6 سنوات على الاقل.
- ولا يهمك حبيبي، بعد عدنا مقابلتين غيرهم.
في اليوم الثاني انطلقت الى شركة ثانية التي مهمتها تزويد شركات النفط بالمعدات النفطية. دخلت من باب العمارة التي فيها الشركة وسألت البواب خارج العمارة اين شركة (كذا) قال (بالدور التاني يا بيه)، فعلمت انه مصري الجنسية. طلعت الى الطابق الثاني فوجدت يافطة كتب عليها اسم الشركة فدخلت ووجدت فراش يجلس بالقرب من الباب سألته،
- اين مكتب السيد محمود؟
- ادخل على السكرتيرة يا بيه.
دخلت على السكرتيرة وسألتها فقالت، استنا هنا حضرتك. فعلمت ان جميع موظفي هذه الشركة هم مصريين. وبعد قليل عادت وقالت لي تفضل يا بيه. دخلت على السيد محمود واذا به مصري الجنسية هو الآخر. قابلني بكل احترام وطلب مني الجلوس. ثم دار بيننا حديث قصير خلاصته انه طلب مني خبرة 5 سنوات فقط هذه المرة، فاستدرت ورجعت ادراجي. في اليوم الثالث حصل معي نفس ما حصل باليومين الذين سبقاه ما عدى انهم يريدون خبرة لا تقل عن 10 سنوات. ثم توالت علي ردود الرفض في الوظائف الموالية الواحدة تلو الاخرى، حتى بعد ان عاد نسيبي من السفر وصار يسعى لي باحصول على مقابلات للتوظيف الا ان الابواب كانت كلها مؤصدة امامي.
وقتها اخبرتني اختي بطرفة يتداولها المقيمون الاجانب في الامارات، مفادها انك لو اتيت للامارات تبحث عن عمل يقولون لك آسفين يجب ان تكون لديك الشهادة العلمية المناسبة، وان جئتهم بشهادة مناسبة فهم يقولون لك آسفين يجب ان تكون لديك سنين خبرة كافية، وان جئت لهم بالشهادة وسنين الخبرة فانهم يقولون لك آسفين يجب ان تكون لديك واسطة مناسبة. وهذا بيت القصيد، فالذي لا يكون مدعوماً بواسطة من احد ما فانه لا يجد عمل بسهولة.
بعد مرور شهر من وصولي الى البلد اخبرني نسيبي ان اقامتي بالامارات شارفت على الانتهاء وعلي تجديدها. فسألته،
- وكيف نستطيع ان نجددها؟
- لا عليك ساتصل بصديقي جاسم المدفعي وهو الشخص الذي سيحصل لك على اقامة مؤقتة وهو سيكون كفيلك الآن وسوف يقوم بتمديد اقامتك لشهراً آخر.
ذهبنا مع الاخ جاسم المدفعي وهو مواطن من دولة الامارات فقام بتمديد اقامتي بكل سهولة ورجعنا سوياً.
في وسط شهر تشرين اول اكتوبر وبمناسبة حلول عيد الاضحى، اقترح علينا نسيبي ان نسافر الى عجمان لقضاء 3 ايام فنحتفل بالعيد هناك. ذهبنا جميعاً الى مدينة عجمان والتي كانت تبعد ما يقرب من 160 كلم عن مدينة ابوظبي و نزلنا بفندق شاطيء عجمان. بعد قضاء يوم واحد بالفندق هاتفت بغداد كي اقف على حالة زوجتي لانها كانت في شهرها التاسع. رفع السماعة والد زوجتي فسألته،
- السلام عليك يا ابا علي، كيف الحال؟ وما هي احوال زوجتى؟
- بالحقيقة والواقع نحن نعاني كثيراً من بكاء ابنتك. فهي تبكي كثيراً.
فصرخت باعلى صوتي فرحاً وقلت،
- ماذا؟ احقاً ما تقول؟ هل ولدت لي طفلة؟ هل هي بخير؟ وهل امها بخير؟ انا لا اصدق.
- نعم، نعم كلاهما بخير ولدت البارحة الاحد ونحن سعداء جداً بهما، فقد ولدت ابنتك بالامس اي باول ايام عيد الاضحى.
- شكراً لك سيدي، هل بامكاني ان اتحدث مع زوجتي؟
- تقصد ابنتي وليس ابنتك. هاهاهاها
سمعت صوت زوجتي تقول،
- كيف الحال يا احمد، الف مبروك عليك ابنتك.
- شكراً لك يا زوجتي العزيزة.
- هل قررت على اسم لها؟
- نعم بالطبع. لقد تحدثنا بذلك في السابق وقلنا إذا كان المولود انثى فسيكون الاسم تارا.
- إذاً تارا سيكون اسمها. وماذا عن العمل؟ هل حصلت على وظيفة بعد؟ ومتى سنلتحق بك؟ فان الامور تسير من سيء الى اسوأ والطائرات الايرانية تقصف بغداد بشكل متواصل.
- لا ليس بعد فانا ابحث عن العمل كل يوم، وحالما احصل على وظيفة مناسبة فسوف تلتحقون بي هنا، لا عليك. ودعتها ورجعت مسرعاً كي ازف الخبر لعائلة اختي، بعد ان اخبرت اختي بخبر ولادة ابنتي تارا فرحت هي الاخرى وقالت ربما هذه بشرى من رب العالمين وربما ستكون فاتحة خير يفتح الله لك بها بوظيفة مناسبة.
باليوم الثالث من العيد عدنا ادراجنا الى مدينة ابوظبي وكنا نتحدث عن ابنتي وعني طوال الطريق لاني اصبحت اباً لاول مرة رغم ان سني لم يبلغ 26 بعد.
باليوم التالي ذهب الجميع الى وجهتهم الا انا. فذلك اليوم قررت ان اذهب الى احد المطاعم القريبة من الشقة واجلس مع العم ابو الياس صاحب المطعم. الرجل اللبناني المسن الذي آنست الحديث معه. كان مغرماً بام كلثوم وبالتحديد اغنية الاطلال، وكنا نجلس ساعات طويلة نتحدث عن امور الدنيا ونسمع الاطلال وهي تعاد مراراً ومتكراراً، واشكو له مشاكلي وعلى رأسها مشكلة البحث عن العمل. وبعد قرابة الساعتين رجعت الى الشقة لكني حالما فتحت الباب سمعت جرس الهاتف يدق باصرار. ذهبت بكل برود ورفعت السماعة وإذا باختي تقول،
- اين انت يا احمد؟ لقد هاتفتك اكثر من 20 مرة؟
- كنت في حفلة كوكتيل يا اختي. اين تراني اكون؟ كنت عند ابو الياس لاقتل بعض الوقت الممل.
- لدي خبران، الاول هو اننا دعونا امك وزوجتك للحضور الى ابوظبي، والخبر الثاني هو ان زوجي محمد تمكن من ان يحصل لك على مقابلة في شركة زادكو للبترول وعليك ان تذهب الآن مباشرة لمقابلة مسؤول التوظيف هناك.
فقلت لها بصيغة التهكم،
- وهل سيطلبون مني 50سنة خبرة؟
- كلا يا حمودي كلا، انهم يريدون خريجين جدد، اي بدون اي خبرة.
- احقاً ما تقولين؟ وما اسم الشخص الذي يجب علي مقابلته؟ وما هو عنوان شركة زيزو هذه؟
- انها شركة زادكو لانتاج البترول وهي تابعة للشركة الام ادنوك وتقع بنايتها قرب السوق المركزي والشخص الذي يجب عليك مقابلته هو السيد امين الجاسر. يجب عليك الذهاب الآن.
- وما هي فرصتي في الحصول على هذه الوظيفة؟
- ربنا يقول وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون يا احمد. ان زوجي محمد متفائل جداً بهذه الوظيفة، اذهب فقط والله كريم.
يتبع...
829 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع