العراق بين مسمار جحا الأمريكي والإيراني

                                        

                       هيفاء زنگنة

العراق بين مسمار جحا الأمريكي والإيراني

إذا كانت مفردة «الاحتلال» تعني، سابقا، الاحتلال الانكلو أمريكي للعراق عام 2003، فان المفردة اتسعت وامتدت، في الأعوام الأخيرة لتشمل خلطة قوى أخرى، من بينها أيران ومليشياتها، والقاعدة، وتنظيم «الدولة الإسلامية» بالإضافة إلى «التحالف الدولي» المكون من 64 دولة بقيادة أمريكا، مما جعل مفردة الاحتلال قابلة للتمطيط والاستخدام، الذي يتجاوز ما كان واضحا لدى مواطني الدول المُستَعمَرة سابقا. وقد أصبح العراق، منذ غزوه، شاهدا على تعدد أوجه الاحتلال ومسمياته لا من قبل القوى الامبريالية فحسب بل ومن قبل الاحزاب المحلية و«الأممية»، أيضا. فالحزب الشيوعي العراقي، مثلا، لا يستخدم مفردتي «الغزو والاحتلال»، اطلاقا، بل يُفضل مفردة «التغيير» المائعة، لأنها صالحة للتعاون مع المُستعمِر، وتبا لشهداء الحزب الذين استشهدوا، على مدى عقود، باسم محاربة الامبريالية والاستعمار!

أما الأحزاب الإسلامية، بطائفيتها، فإنها تسربلت برداء حماية أمن أمريكا، ليدفع العراقيون الثمن الباهظ للانتقال من الاحتلال العسكري المباشر إلى اشكاله المتعددة الأخرى تحت راية «الحرب على الإرهاب». فمن عشرات المعسكرات الضخمة، المنتشرة كالبثور المتقيحة، على وجه العراق، التي تضخ سمومها على السكان، إلى مستخدمي الشركات الأمنية والمرتزقة الذين يجدون متعتهم في إهانة وتعذيب وقتل المواطنين، إلى قوات العمليات الخاصة، إلى استخدام الطائرات بلا طيار للاستخبارات وعمليات الاغتيالات (كما في فلسطين واليمن) إلى القصف الجوي المباشر، الذي بلغ ما يزيد على 14 ألف مرة منذ عام 2014، ويُقدر موقع الحروب الجوية عدد ضحايا القصف من المدنيين خلال عام 2017 ما يقارب الأربعة آلاف.
عاش ولا يزال العراقيون يعيشون هذه المتغيرات المتزامنة مع تغيير هيكلية الجيش الأمريكي، وتبني سياسة «مكافحة التمرد»، وسياسة أمريكا الخارجية وصراعها أو تراضيها مع دول إقليمية مثل إيران والمملكة العربية السعودية، على مبعدة من أراضيها. فوجود عدو خارجي، مهما كان أسمه، تنظيما كان أو دولة، ضروري لديمومة الأنظمة التي تعاني من مشاكل كبيرة مع شعوبها. انه أداة تحويل الأنظار ومشاعر الغضب من المُستبِد الداخلي إلى الخارج، أو إلى تنظيم أو مكون داخلي يتم تسويقه، شعبويا، باعتباره أساس كل بلاء ومأساة تصيب الناس. يعزز ملامح هذا الحال، ارهاق المواطن واستنزاف قدرته على التفكير البعيد، خارج اللحظة واحتياجات المحافظة على النفس، جراء الحروب الطويلة، وما تلاها من حصار 13 عاما مريرة، وغزو واحتلال، تركا بوصلته شبه معطلة، والبلد مزدحم بالمباني المهدمة، والمقابر الجماعية، وأنقاض المدن، ومعسكرات النازحين. إزاء هذا كله، ما الذي تحمله الأيام المقبلة لنا؟
عربيا: يقول مصطفى البرغوثي «رُبَ ضارة نافعة»، في تعليق له على قرار دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بجعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني. فالقرار الاحمق أدى إلى استيقاظ العالم من غيبوبة انكار عنصرية المُستَعمِر الاستيطاني ولو بثمن
غال يدفعه المواطن الفلسطيني قبل غيره. عالميا: يستبشر الأكاديمي الإيراني حميد دباشي خيرا ببلادة وحماقات الرئيس ترامب، التي جعلته يقف في جهة معاكسة لغالبية الناس سواء في أمريكا أو بقية العالم. وهي وجهة نظر واقعية، فلترامب يعود الفضل، وهنا المفارقة، في فضح تفاهة الترويج للديمقراطية من قبل الإدارة الأمريكية وفضح مستوى انحطاط الحكام العرب الموالين لها، الا ان أمريكا لاتزال الدولة الأقوى عسكريا. وان قلل لجوؤها إلى القيام بالعمليات الخاصة من استعراضها القوة العسكرية. فالحكومات الضعيفة هي التي يقف قائد قواتها المسلحة على منصة مستعرضا خزين دبابته وصواريخه. ففي عام 2017، نفذت القوات الأمريكية الخاصة عمليات في 149 دولة حول العالم (حسب تصريح عسكري لموقع توم ديسباتش)، أي في حوالي ثلاثة ارباع دول العالم. وهي نسبة اعلى بكثير مما امر به الرئيس باراك أوباما وجورج بوش من قبله. ذريعة العمليات الخاصة كانت في البداية هي «محاربة الإرهاب» في أفغانستان والعراق وامتدت لتشمل بقية البلدان في السنوات التالية وهي، الآن، في مرحلة يُطبخ لها اسم جديد، بعد استهلاك أسم «داعش».
إقليميا: تتفاءل الاكاديمية الإيرانية الماركسية ياسمين ماتهير بمظاهرات الشعب الإيراني، الذي خرج إلى شوارعه، بعد عقد من الصمت، واصفة إياها بأنها ثورة الجياع والمهمشين ضد وضع اقتصادي بائس ونظام ديني فاسد. مفككة، في مقالة لها، اتهامات النظام بوجود قوى خارجية (أمريكا وإسرائيل والسعودية) أو داخلية مسؤولة عن «اثارة الفوضى» حسب ادعاء النظام. تشمل الجهات الإيرانية المُتهمة أو المسؤولة هي مجاهدي خلق، ومناصري الشاه، ومؤيدي الرئيس الإيراني السابق احمدي نجادي، وتيار المصلحين، وثوار الاحواز من بين آخرين.
الجدير بالذكر ان إيران تعاني من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بقيادة أمريكا، والتي انعكست سلبا على حال الناس، مما يعيد إلى الاذهان وضع العراق تحت الحصار الجائر، فلا عجب ان تكون أولوية المطالب مركزة على معاناة المواطن المعيشية، ووقف سياسة خوض ودعم القتال في بلدان أخرى، سوريا مثلا، بحجج تتراوح بين المقاومة تارة والدفاع عن المراقد الدينية ونشر الإسلام تارة أخرى.
النقطة الأخرى الجديرة بالذكر هي ان التدخل الأمريكي، بصوت ترامب، في «الدفاع» عن حقوق المتظاهرين لقي استنكارا كبيرا من قبل المؤيدين لحق الشعب الإيراني بالاحتجاج. فازدواجية معايير الإدارة الأمريكية وسياستها الداعمة للكيان الصهيوني، تجعل أكثر الشعوب تحمسا للتخلص من مستبديها، تقف على مبعدة منها. الشعوب تعرف ان «الدعم» الأمريكي الرسمي، سيقود، بالضرورة، كما هو التدخل الصهيوني، إلى نتيجة عكسية ستصب لصالح الأنظمة التي سرعان ما تلجأ إلى تبرير سياستها القمعية ضد المتظاهرين متهمة إياها بالانقياد وراء قوى الشر ضد الجمهورية الإسلامية.
عراقيا: كما في لعبة جر الحبل، يتجاذب العراق الوضعين العالمي والإقليمي. حيث يتزايد عدد القوات الأمريكية، ومعظمها من القوات الخاصة، كلما اقتضت الحاجة. وقد شاركت قوات الاحتلال تحت مُسمى قوات التحالف في قصف المدن، بكثافة أدت إلى قتل آلاف المدنيين، كما ساهمت في القتال على الأرض مستخدمة أسلحة لم ترغب الإدارة الأمريكية بتسليمها إلى القوات العراقية. وتشير تصريحات القادة العسكريين إلى ان قوات الاحتلال الأمريكي باقية «ما دامت هناك حاجة لمحاربة الإرهاب» أو ما دام «مسمار جحا» في البيت العراقي.
وَفَر مسمار جحا لإيران، أيضا، ذريعة التدخل العسكري الصريح في الشأن العراقي سواء عن طريق القتال المباشر أو دعم المليشيات التي يربو عددها على الخمسين والمنضوية تحت مسمى «الحشد الشعبي». وإذا ما اضفنا إلى ذلك كله الفساد المستشري في الحكومة والمؤسسات وانعكاساته على ما تبقى من هيكلية الدولة، واعداد النازحين المليونية والحرمان من التعليم والخدمات، لوجدنا ان مساحة التفاؤل صغيرة ما لم تنزل الجماهير العراقية إلى الشوارع، لاستعادة ملكيتها بأنفسهم، كما يفعل أشقاؤهم في الجارة إيران.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1115 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع