هارون محمد
لم يعد رئيس الحكومة الحالية في بغداد نوري المالكي، رئيس حكومة عراقية مسؤولة عن إدارة البلاد وتسيطر على كامل التراب العراقي، ويبدو انه أي (المالكي) قد أدرك هذه الحقيقة الآن، عندما ذهب الى البصرة قبل ايام واستدعى محافظي تسع محافظات ذات أغلبية سكانية شيعية وترأس اجتماعا لهم، اطلق خلاله تهديدات واضحة ضد السنة العرب في العراق هاجم خلالها تظاهراتهم الشعبية واعتصاماتهم المدنية متوعدا إياهم بالويل والثبور وعظائم الامور.
وسواء كان المالكي يعرف او يتغافل، بان مثل هذه الاجتماعات بهذا الشكل والصيغة وفي هذا الوقت بالذات، تؤكد جملة حقائق سياسية، ابرزها ان حكومته فقدت شرعيتها (العراقية) وباتت لا تمثل غير طائفة واحدة، وبالتالي فانها لا تصلح بالاستمرار كحكومة عراقية مركزية او اتحادية كما يحلو للمالكي تسميتها، والا لماذا لم يستدع الى اجتماع البصرة محافظي الانبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك والاخيرة ما زالت ضمن خارطة العراق ولم يمنحها رسميا (هدية) الى الاكراد، حسب ما وعد وفد شيعي زار اربيل وعقد اجتماعا مع رئيس اقليم كردستان لم تكشف تفاصيله لحد اليوم.
لقد أثبت الحراك الشعبي الذي يشهده نصف العاصمة بغداد والمحافظات الخمس وقد دخل في شهره الثالث، ان المالكي نفسه لم يعد يعترف بان هذه المحافظات التي تشكل مساحتها أكثر من ثلثي مساحة العراق الاجمالية ويعيش فيها أكثر من ثلاثة عشر مليون إنسان عراقي أصيل وحقيقي وليس وافدا أو مستوطنا جاء من خارج الحدود، من ضمن العراق الواحد الموحد، الذي يرفعه السنة العرب عنوانا لتظاهراتهم الحاشدة وصلواتهم الموحدة في ايام الجمع، وكأن المالكي يريد ان يقول: انتم انتم وانا انا، وعلى هذا الاساس ووفق هذه الحقيقة، فان القانون والوقائع والاعراف تحظر عليه ان يواصل تحكمه بهذه الملايين وتحرمه من التصرف والتحدث باسمها، خصوصا وانه يعرف اكثر من غيره ان هذه المحافظات الخمس لم تعط صوتا واحدا له، او لمرشحي إئتلافه (دولة القانون) في الانتخابات الاخيرة في آذار 2010.
وثمة اشارات اخرى غير اجتماع البصرة، تؤكد ان المالكي مصر على عزل المحافظات السنية العربية ويرفض بعناد الاستجابة لمطاليب الملايين من مواطنيها رغم اعتراف رئيسي اللجنتين الحكوميتين اللتين شكلهما، السباعية برئاسة نائبه لشؤون الطاقة حسين شهرستاني، والخماسية وعرابها ابراهيم الجعفري، بعدالة تلك المطاليب ومشروعية رفعها وطرحها، وبدلا من تفادي تداعيات تلك التظاهرات الشعبية والاعتصامات المدنية وما تسفر عنه من آثار وخيمة على مستقبل البلاد، فانه لجأ كعادته الى التسويف والمماطلة في التعاطي ايجابيا مع تلك الحقوق والمطاليب، فقد أمر باطلاق سراح قرابة ثلاثة الاف معتقل تبين ان جميعهم كانت قد برأته لجان التحقيق من التهم المسندة اليهم ولكنها ظلت تحتجزهم ولا تفرج عنهم زيادة في تعذيبهم، وتباهى شهرستاني عندما اعلن عن توقيف عشرة مخبرين سريين ثبت انهم قدموا شهادات كيدية وملفقة ضد ابرياء عدد منهم اعدم وعدد آخر يرزح تحت وطأة أحكام ثقيلة في السجن، دون ان يتحدث عن تعويض الضحايا ولا عن الثلاثين ألف مخبر سري الذين ما زالوا يصولون ويجولون في ساحات الباطل وميادين الظلم.
ولعلها من الجرائم المشينة التي تقطر طائفية وكراهية، ان يخرج رفيق المالكي ومساعده عدنان الاسدي الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية وعضو المكتب السياسي لحزب الدعوة، ويتهم مدينة العز والشهداء (الفلوجة) بانها صدرت الى بغداد 15 سيارة مفخخة ضربت العاصمة يوم الاحد قبل الماضي، دون ان يقول : كيف وصلت هذه السيارات الى اهدافها بعد ان قطعت اكثر من خمسين كيلومترا وتمكنت من اجتياز ثلاثين نقطة سيطرة وتفتيش عسكرية على الطريق؟ خصوصا وان قضاء ابي غريب التي لا بد للقادم من الفلوجة الى بغداد ان يمر به قد تحول الى اكبر معسكر للجيش الحكومي يتمركز فيه لواء المثنى وينشر قطعاته المعززة بالدبابات والمصفحات والمدفعية من مداخل ومخارج الفلوجة الى بوابة بغداد الغربية.
ويطلع علينا ايضا مستشار المالكي لشؤون المصالحة الوطنية عامر الخزاعي ويكمل لرفيقه الاسدي ويقول ان هناك ساحات للتدريب العسكري يتولاها تنظيم القاعدة وحزب البعث تجاور خيام المعتصمين في الفلوجة وتحيط بها، هكذا بلا حياء أو خجل، وهو يعرف تماما ان محطات التلفزة وعدسات التصوير منصوبة هناك ولا تترك حركة صغيرة او كبيرة الا وتنقلها الى الجمهور اولا باول.
هل يصل الحقد الشيعي الطائفي الى هذا الحد من الافتراء والتلفيق والحقد على مدينة باسلة قارعت المحتلين الامريكان في موقعتين داميتين عامي 2004 و2005 واوجعتهم وقدمت الاف الشهداء، قبورهم شاخصة في ملاعب كرة القدم وحقول القمح بعد ان ضاقت بهم مقابر المدينة التي ما زال يئن سكانها الحاليين من امراض السرطان المتنوعة باعتراف منظمة الصحة الدولية التي اكتشفت ان الامريكان استخدموا ضدها قنابل النابالم والقذائف السامة المحرمة دوليا.
واذا كان هذا منطق المالكي وشلته في لعن مدينة عراقية شجاعة ساهم ابناؤها في دحر الغزاة واجبارهم على سحب قواتهم المحتلة من العراق، فكيف يريد من سكانها وعددهم ثلاثة ارباع المليون حسب احصاءات وزارة التخطيط، ان يؤيدوا سياساته ويدعموا اجراءاته ويؤدوا السلام (المربع) له ؟
ولم تسلم الرمادي مركز محافظة الانبار من عدوانهم الطائفي البغيض بعد ان شاهدوا تظاهراتها الحاشدة يشارك فيها العلماء وخطباء المساجد وشيوخ العشائر واساتذة الجامعات والطلبة والشباب والفلاحين والعمال والكسبة والموظفين وهم في صورة رائعة تعبر عن التنوع الشعبي والتعاضد الاجتماعي والموقف السياسي الموحد احتجاجا على سياسات التهميش والاقصاء التي يتبعها المالكي وحزب الدعوة ضد السنة العرب في العراق الذين اثبتوا بحراكهم وتظاهراتهم واعتصاماتهم انهم الرقم الصعب في أي معادلة سياسية يشهدها العراق الان ومستقبلا، وبالتالي على رئيس الحكومة الحالية ان يفهم ان هؤلاء هم من يحدد مسار العراق وهم من يبني العراق وعلى اكتافهم يقوم العراق، وكل من يفكر في القضاء عليهم، يحكم على نفسه بنهاية لا يعلم بتفاصيلها الا أصحاب العقول النيرة والنوايا الطيبة الذين يحرصون على العراق حاضرا ومستقبلا ويبذلون اقصى جهودهم لانقاذه من المآسي التي يعيشها والكوارث التي يئن من وطأتها في المرحلة الراهنة.
ويتوهم نوري المالكي اذا اعتقد ان بمقدوره إذلال السنة العرب واخضاعهم لارادته ورغباته واجندة حزبه، فقد جرب معهم الامريكان، وهم اقوى منه ومن حزب الدعوة، كل صنوف الاضطهاد والاحتواء والاختراق وكانت النتيجة انهم هزموا وبقوا هم كالطود الاشم، وهو نفسه صرف الملايين والمليارات بحثا عن شخص واحد كريم وجليل يتفق معه، ولم يجد امامه غير ذباب الموائد وهم موجودون في كل مجتمع وبيئة يحومون حوله وينصبون عليه، واستخدم القوة المفرطة ضدهم وشرع قوانين لاستهدافهم من المادة 4 ارهاب الى الاجتثاث الى اعتقال نسائهم وشبابهم وشيوخهم دون ان يتمكن من إضعاف عزائمهم وكسر شوكتهم، وعليه ان يعرف انهم اليوم اقوى من عام 2003 واصلب من عام 2006 واشد من عام 2010 وافتك من عام 2012 ولكنهم أصحاب شهامة وطنية وغيرة قومية ومواقف انسانية يجنحون الى السلم ولا يحبذون الصدام وما يترتب عليه من نتائج ليس خوفا منه ومن اتباعه ومواليه، الذين لا يصمدون ساعة واحدة اذا جد الجد، ولكن لأن مشاعرهم نبيلة ووعيهم عال ولا يريدون استباق الاحداث.
ان الحراك الشعبي الذي يقوده السنة العرب في مناطقهم ومحافظاتهم لن يتوقف ما دام المالكي يسد اذنيه عن سماع الصوت الهادر في بغداد والانبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى، ويضع قطعة سوداء على عينيه حتى لا يرى ويشاهد تلك الوقفة التي هزت طهران وقم اللتين لن تقدما على حمايته وانقاذه بعد ان تورطتا في قتل اهلنا وشعبنا في سوريا، وانحدرتا الى الحضيض في مستنقع النصيرية وبشار، وعليه ايضا ان يدرك ان للحراك الشعبي سقف زمني تعهد السنة العرب بالالتزام به ولكن سيكون من حقهم المشروع تجاوزه الى حالة سياسية اخرى بما فيها المواجهة المسلحة وغيرها ولن تفيده بعدها اكاذيبه بأن السعودية وقطر وتركيا تدعم التظاهرات.
لقد هاجت الاصوات الشيعية القبيحة ونظيرتها المتخاذلة وهي تندد بخطبة ألقاها الشيخ عبدالمنعم البدراني في ساحة الاعتصام بالرمادي الجمعة الماضية، وحجتها المتهالكة انه ناشد العرب وتركيا لتقديم المساعدة لاخوانهم العراقيين، ولكن تلك الاصوات الكريهة لا تلتفت الى التدخلات الايرانية ولا تنتقد الدور التآمري الذي تقوده سفارة خامنئي وقنصلياته في بغداد والنجف والبصرة ولا تحتج على شتم ممثل مرشدهم في العراق مهدي آصفي، الايراني بن الايراني، وهو يلعن العراقيين من ارض العراق ومن مدينة عراقية، فهذه التصرفات الوقحة حلال زلال، اما مناشدة شيخ عربي لاخوته بالمساعدة والعون جريمة نكراء، والشيخ البدراني لم يطلب جيشا او ميليشيا او سلاحا كل الذي تمناه على العرب وتركيا موقفا سياسيا وانسانيا داعما ليس الا !
ونقولها بصراحة بلا مواربة او تقية، ان السنة العرب عازمون هذه المرة على المضي في طريق (الصد ما رد) مع رحابة صدورهم وهدوء اعصابهم، فقد ايقنوا ان المالكي قد (تفرعن) ولم يعد التفاهم معه ممكنا، ويقع في خطأ شنيع اذا توهم ان هذا الوزير السني او ذاك يمكن ان يقف معه ضد اهله وبيئته ومنطقته، ربما يسمع دجلا من خائن او متعاون معه، ولكن هيهات ان يقدر هذا الوزير او الشيخ او الخائن او العميل ان يصنع شيئا له لانه سيلقى جزاءه العادل قبل ان يصل الى بيته في الرمادي او الموصل او تكريت او الشرقاط او كركوك او الحويجة او بعقوبة، وهو حاول ان يستخدم ضعاف النفوس والشرهين الى السحت الحرام خلال الشهرين الماضيين والنتيجة يعرفها جيدا.
868 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع