بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الثامنة والستين
حكاية الحطاب
كان يا ما كان في قديم الزمان حطاب يسكن بإحدى المدن وفي كل صباح يذهب إلى الغابة بفأسه يقطع الحطب ويحمله إلى سوق المدينة، يبيع الحطب ويشتري طعام لزوجته وأولاده، وفي في احد الايام ذهب إلى الغابة على عادته ولما بدأ يقطع الأغصان من أشجار الغابة جاءه شخص وقال له: يا أخي أزعجتنا بهذا الصوت فكف عن قطع هذه الأغصان، قال الحطاب: ومن أين نأكل أنا وزوجتي وأولادي، قال: أنا أعوضك عن الحطب، قال الحطاب: كيف تعوضني؟ أجاب رجل الغابة: أعطيك هذه الشاه التي احد ثديها يحلب العسل والثدي الاخر يحلب لبن، وافق الحطاب إذا كان كلام الرجل صحيحاً.
أعطاه الشاه وانصرف بها ولما وصل الحطاب إلى بيته، أخبر زوجته بالقصة، وأمرها بحلب الشاه فحلبتها فوجدت كلام الرجل صحيحاً، وفي الصباح أخذ الحطاب الشاه وأعطاها لراعي ليرعاها مع أغنام أهل البلد، وقال له: لا تطمع في الشاه وتأخذها، لأن شقاً من ثديها يحلب عسلاً وشقاً يحلب لبناً، فقال الراعي: معاذ الله أن أفعل ذلك، ولما حلبها وجد كلامه صحيحاً فطمع فيها وأخفاها، وأتى له بشاه أخرى شبيهة لها، ولما جاءت زوجة الحطاب تحلب الشاه وجدتها شاه عادية فأخبرت زوجها فذهب للراعي وطالبه بشاته الأصلية، رد عليه الراعي: هذه هي شاتك الأصلية.
في الصباح ذهب واشتكاه الحطاب لدى القاضي فحضر الراعي عند القاضي وقال له: هذا مجنون هل سمعتم يا فضيلة القاضي بشاه تحلب لبناً وعسلاً؟ فحكم القاضي على الحطاب وانصرف.
في اليوم التالي ذهب الحطاب إلى الغابة وأخذ يضرب بالفأس في أصول الشجر فأتاه الرجل وقال له: ألم نتفق على أن لا تعود للغابة قال: لقد نهب الراعي الشاه التي أعطيتني إياها وعدت إلى صنعتي قال الرجل: خذ هذا المكيال وإذا احتجت قل امتلئ ذهباً فيمتلئ ذهباً، وأحرص أن تفرط فيه. فأخذه الحطاب إلى زوجته وجرباه فوجداه صحيحا فقال لأمرأته: هات لنا ماعوناً من عند الجيران نضع فيه الذهب حتى أنزل إلى السوق واشتري مواعين، فذهبت إلى جارتها وقالت لها: أعطيني ماعونا وسأعيده اليكِ، أعطتها جارتها ماعونا وألصقت في قاعته من الداخل علك لترى ماذا سيضعون في الماعون، ولما أعادت الماعون الى جارتها رأت في قاعته قطعة من الذهب لم تنتبه زوجة الحطاب لوجود قطعة ذهب ملصقة بالعلكة، ذهبت الجارة إلى زوجة الحطاب وقالت: لقد لقيت قطعة الذهب ملصقة في اسفل الماعون وهو من مالكم قالت لها زوجة الحطاب: خذيه يا أختي وكبشت لها من الذهب وقالت لها : وهذا زيادة والحمد لله خير ربي كثير .
قالت لها جارتها: ومن أين لكم هذا ، فأخبرتها بالقصة، وفي الصباح اليوم التالي جاءت الجارة تستعير منها المكيال فأعطته لها وقالت: كيلوا به ولا تطلبوا منه ذهباً ، قالت: سنكيل به فقط ونعيده لكم في الحال، ولما جربته هي وزوجها وجدا كلامها صحيحاً فطمعا فيه، أعادت الجارة لها مكيالاً مشابهاً له فلما طلب منه الحطاب وزوجته لم يحصلا منه على شيء، عرفا أن جارتهم وزوجها بدلاه ولكن ما جدوى الشكوى ومن يصدق. وفي صباح اليوم التالي عاد إلى غابته وبدا يضرب الأغصان بفأسه فأتى الرجل ولامه وأعطاه سفره وقال له أي طعام تشتهيه اطلبه من هذه السفره وستجده بها في الحال فذهب إلى بيته وطلبا من السفره ما أردا فحضر لهم في الحال وتسرب أمر السفره حتى وصل إلى والي البلد فانتزعها منه وقال له: هذه السفره تصلح للملوك وليست للصعاليك . وفي الصباح عاد إلى غابته فقابله الرجل وقال له : لقد تعبت معك ولكن خذ هذا السوط واقفل على نفسك في حجرة وقل له املأ الحجرة ذهباً ولا تدع أحداً يفتح باب الحجرة مهما حدث من أصوات حتى يملاً هذا السوط الحجرة بالذهب فشكره الحطاب ومضى فقفل على نفسه في الحجرة وحذر زوجته وأولاده من فتح الحجرة مهما سمعوا من أصوات وقال : يا سوط أملأ الحجرة ذهباً فتحول السوط إلى مارد كالنخلة وأخذ يضرب الحطاب حتى غشي عليه من شدة الضرب وعاد الوسط إلى حالته ولما أفاق الحطاب من غشيته طرق باب الحجرة من الداخل ففتحت له زوجته الباب وهي تبحث في الحجرة عن الذهب ولما فاق الحطاب تماماً أخبر زوجته بما حدث له وقال : سأرمي بهذا السوط اللعين، فقالت له زوجته: كلا فهذا السوط هو الذي سيرد بإذن الله حقوقنا، لكن نام الآن وفي الصباح رباح . وفي الصباح قالت له: أذهب إلى الراعي وأعطه هذا السوط وقل له هش به على غنمك ولا تقل له أعطني ذهباً فيعطيك الذهب ولا تطمع فيه كما طمعت في الشاه . فأخذ الحطاب السوط وذهب إلى الراعي وقال له ما قالته زوجته فقال الراعي: لا تخف يا صديقي وأخذ السوط وهو فرحان وعندما عاد إلى بيته قفل الباب على نفسه وأوصى زوجته ألا تفتح الباب مهما جرى وقال للسوط : أملأ الحجرة ذهباً فخرج له المارد فضرب الراعي حتى دوخه وقال له أرجع شاة الحطاب المسكين له فحلف الراعي له ألف يمين أن يعيدها من صباح رب العالمين وبالفعل طرق باب الصياد مع النجمة وسلمه شاته وسوطه . فعمل الحطاب ذلك مع جارته فأعادت المكيال، وصنع ذلك مع الوالي وأعاد الوالي السفره بعد علقة ساخنة وقال الحطاب لزوجته : يا فلانة اليوم سلمت كل مدخراتنا وفي غد لا ندري ماذا يكون فلنرحل من هنا فرحلوا هم وأولادهم في ليلة ما لها قمر وانتقلوا إلى بلاد أخرى بعيدة وعاشوا في رغد ويسر من العيش بفضل الله ثم بفضل هذه الكنوز الغالية أما السوط فقد وضعه في دولاب وقفل عليه وأخفى مفتاحه في جيبه وقال له نم هنا يا صديقي في وقت الحاجة نحتاجك.
من التراث الشعبي القديم
924 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع