بقلم /المهندس احمد فخري
الحياة في حقول البترول/الحلقة السابعة الطائرات المقاتلة تقصف
باحدى ايام تموز من عام 85 اتصل بي الاخ المهندس مدحت الوكيل وهو المسؤول عن قسم الانتاج واخبرني بان هناك مشكلة في قراءة بعض المعلومات باحدى المنصات في الحقل فاستجبت مباشرة لطلبه واتجهت الى البارجة الرئيسية للبحث عن السبب. كان مكتبي في بارجة ثانية والتي يربطها جسر حديدي مع البارجة السكنية الرئيسية. أما غرفة السيطرة فتقع بالطابق السادس.
خرجت من مكتبي وتوجهت الى البارجة الرئيسية. وبعد ان عبرت الجسر الحديدي، استقلت المصعد الكهربائي قاصداً الطابق العلوي الذي يحوي غرفة السيطرة FCC وهناك وجدت احد المشغلين منهمكاً بعمله وهو يراقب الحقل بالكامل من خلال شاشات المراقبة. طلبت منه ان يفسح لي المجال كي اقوم بالبحث عن الخلل، فتنحى جانباً وترك لي لوحة المفاتيح فقمت بالدخول على المنصة التي اخبرني عنها مدحت الوكل واذا بالخلل واضح للعيان وعلى احد من اعضاء فريقي ان يذهب هناك كي يقوم بالتصليح اللازم. شكرت المشغل وتركت غرفة السيطرة كي اعود الى مكتبي. استقلت المصعد الكهربائي للهبوط الى الطابق السفلي كي اصل الى الجسر الحديدي الذي يربط البارجتين. وبينما انا بداخل المصعد سمعت صوت مدوي لطائرات تمر بالقرب من بارجتنا. كان الصوت مرتفعاً للغاية وكان المصعد يهتز بشكل غريب لم اعهده ابداً. كنا قد اعتدنا على سماع اصوات طائرات الهلكوبتر وهي تمر من فوق رؤوسنا او تهبط وتقلع ثانية، الا ان اصواتها اصبحت مألوفة لدينا لاننا نسمعها عشرات المرات كل يوم. الصوت الذي سمعته هذه المرة كان غير اعتيادي ولم اسمع مثل دويه سابقاً. وصل المصعد الى الطابق الارضي فخرجت منه مسرعاً ونظرت الى الاعلى فلم اجد شيئاً في السماء. حاولت ان اتنقل الى زوايا مختلفة كي المح مصدر ذلك الضجيج المدوي الا اني لم اجد شيئاً حتى ابتدأت اشك بنفسي. قلت لنفسي ربما كنت اتخيل الامر ولم يكن ذلك سوى احدى البواخر التي تعودنا على مشاهدتها في حقلنا وهي تقوم بايصال البضائع الى بارجتنا او تقوم بنقل مجاميع عمال الصيانة الى بعض المنصات. وبعد ان وصلت الى منتصف الجسر الحديدي سمعت الصوت المدوي ثانية فرفعت رأسي هذه المرة واذا بطائرة عسكرية تمر بسرعة فائقة وعلى ارتفاع منخفض جداً يكاد لا يتعدى 100 متر من فوق المجمع المركزي CC. حاولت النظر الى ذيل الطائرة كي احاول ان اعرف هويتها لكني فشلت لانها مرت بسرعة فائقة. الا اني تمكنت من معرفة نوع الطائرة فهي بلا شك طائرة سوفيتية الصنع واغلب الظن انها من نوع صوخوي 25.
طائرة صوخوي 25
وحسب علمي أن ايران لا تملك طائرات سوفيتية الصنع، لذا فإن الطائرة حتماً عراقية. رجعت الى مكتبي مسرعاً وبدأت ابحث على كتاب احتفض به يحتوي على موديلات ومواصفات الطائرات المقاتلة في العالم. وسبب امتلاكي لمثل هذا الكتاب هو ولعي الشديد بالطائرات، خصوصاً واني قمت باجتياز امتحان رخصة قيادة الطائرات PPL والجهة المانحة لهذه الرخصة هي هيئة الطيران البريطانيةCAA. ملخص الحديث اني عرفت انها طائرة عراقية وبمهمة قتالية، مما زادني فخراً واعتزازاً لانها من بلدي، ودعيت لطيارها العودة بالسلامة. وبعد ربع ساعة جائني احد الهنود الذين يعملون بفريقي وهو يرتعد من الخوف وقال،
- لقد سمعت ان طائرة ايرانية ارادت قصف حقلنا قبل قليل الا ان وقودها كاد ان ينفذ فرجعت ادراجها؟
ضحكت بصوت مرتفع وقلت،
- لا تخف يا مادي، اولاً الطائرة عراقية وليست ايرانية، ثانياً والأهم من هذا وذاك هي ان العراق ليس له اي مصلحة بقصف حقول النفط الاماراتية، فلماذا يقصفوننا؟ ثم كيف عرف من قص لك الحادثة ان وقود الطائرة قد نفذ؟ يا الهي كم هي سرعة انتشار الاشاعات بهذا الحقل.
- لا اعلم لكني خائف جداً.
- دعك من هذا الخوف فنحن في امان كبير، اطمئن. قلت ذلك وانا اعرف جيداً اني كنت احاول ان ابث السكينة بقلب ذلك المسكين، وإننا في منطقة مهددة دائماً بأمور من هذا القبيل لأن الحرب كانت تشمل جميع مناطق الخليج وليس هناك مكان او شيئ آمن، لكني استعذت بالله من الشيطان الرجيم وتركت الامور الى خالق الكون كي يحمينا من جميع المخاطر.
لم يمر على هذه الحادثة سوى ثلاثة اشهر حتى سمعنا ان احدى الطائرات الايرانية قامت بقصف بارجة سكنية تابعة لشركة ادما وتبعد هذه البارجة ما يقرب من 10كلم عن موقع بارجتنا. وكذلك علمنا من مصادر موثوقة أن احد العمال البريطانيين ممن كانوا يعملون لدينا والذي نعرفه جيداً قد توفى بهذه الحادثة وكان يدعى جورج. والذي قص علينا الحادث هو عامل بريطاني آخر لا اذكر اسمه الآن، كان موجوداً هناك وقت وقوع الحادث وقد نجى باعجوبة. إذ قال،
- رأينا الطائرة الايرانية تتجه نحونا فبدأنا بالجري بكل الاتجاهات. الا انها لم تطلق علينا النار، بل مرت من فوقنا على ارتفاع منخفض جداً فاعتقدنا انها لا تريد ايذائنا. ثم بعد ان ذُهَبتْ مسافة بضع كيلومترات استدارت وتوجهت نحونا ثانية وابتدأت بالهبوط اكثر فاكثر. تخيلنا انها سترتطم ببارجتنا الا ان الطيار اطلق صاروخين من طائرته ثم صار يرتفع الى الاعلى. وحالما وصلت صواريخه الينا سمعنا انفجارها بصوت مخيف ومدوي هز البارجة بمن فيها واشتعلت النيران بالبارجة. بدأنا نرى الجثث تتطاير بكل حدب وصوب وجلها سقط في البحر. انا نجيت باعجوبة يبدو ان الله كان يحبني. اما جورج فقد كان يعبر جسراً حديداً عندما انفجر الصاروخ فسقط في الماء. والعجيب في الامر هو اننا عندما انتشلنا الجثث العشرة من الماء وجدنا ان جثة جورج لم يصبها اي جرح او خدش. ربما مات بسبب الضغط الشديد او الغرق، لا احد يدري. انتشرت النيران بكل مكان لكن خفر السواحل ارسلوا الينا قوارب قامت بانتشالنا من الماء بفترة قياسية. وها انذا رجعت لاعمل هنا في هذه البارجة بعد ان دمرت بارجتنا الاولى بالكامل.
... يتبع
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/maqalat/34079-2018-02-09-20-45-40.html
4799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع