د.سعدالعبيدي
حيرة غير مسبوقة، غابت فيها الحقيقة بين أهل العراق، وطفى على سطح الذاكرة الجمعية لاهله مخزون مليء بالخيال.
كل شيء يريدونه من كبارهم، يطرحونه أمام مسؤوليهم، يطالبون تحقيقه من حكوماتهم، فيه غير المنطقي فسحة تفوق المنطقي في كثير من الاحيان، حتى أقترب الناتج فعلا وقولا من حدود الخيال. وكأنهم جميعا يسعون في خطواتهم لتدمير الذات العراقية، دون علم منهم، ودون أن يدركوا أن أفعالهم وأفكارهم وطروحاتهم هي المعول المحدد للتدمير.
حيرة، جاءت في الاصل من بين شتات الواقع الحالي، حيث الجري سريعا في أروقة الادارة والسياسة والامن والاقتصاد لتهديم العراق كذات جمعية، ورثنا صيغتها من أجداد حاولوا السير في طريق البناء. أمثلتها كثيرة، واضحة جلية في:
سلوك موظف بدائرة حكومية من أهل الجنوب يعيق تمشية معاملة انسان عراقي جاء من صلاح الدين مطالبا بحقه وفقا للدستور، اعاقة لا معنى لها سوى الاندفاع بوهم الحقد الطائفي.
والاعاقة اي كان سببها تدمير لوحدة البلاد.
صوت رجل دين معمم من اهل الانبار يخرج على الملأ مناديا بقطع المياه عن أهل الجنوب، بانفعال لا معنى لحدوثه سوى العيش بوهم العداء الطائفي.
والعداء بكل أشكاله تدمير للنسيج الاجتماعي لاهل البلاد.
سكوت الوزير أو رئيس الدائرة عن موظف من أتباعه يرمي في سلة المهملات أضابير متقدمين موصليين الى دورة في أحد أجهزة الدولة المهمة، بطريقة لاتفسر الا في اطار الرغبة بتعويض مشاعر الاضطهاد، من خلال ممارسة الاضطهاد.
والرغبة باضطهاد الغير وان بقيت مجرد أفكار في العقول، هي الاداة المثلى لتفتيت البلاد.
هتافات المتظاهرين المطالبة بالقصاص، رددها شيب وشباب، يقفون خلف ومن حول أحد قادة القاعدة، يعرفونه حقا ذباح مشهور، يستمرون بترديد عباراته في الشحن الانفعالي الطائفي الساعي الى دفعهم الى موت، سبق وان عرفوا مذاقه، واحتجوا على صيغته.
ومساعي القصاص بطبيعة الحال، معول لهدم وتدمير كل أركان البلاد.
سعي السياسيون، المشاركون بالعملية السياسية، الذين يديرونها، والواقفين وسطها بأرجل في الحكم وأخرى مع المعارضة المسلحة، الى اشراك الجمهور في صراعاتهم الجارية، وفي توجهاتهم لتحقيق الاهداف.... اشراك أو اشتراك، اعاد المكبوت الطائفي الى السطح الاعلى من الذاكرة، لانه الوقود السهل بيد السياسيين لدفع الجمهور الى التظاهر تأييدا ومعارضة.
واشراك الجمهور بتعبئة طائفية، معول هدم هو الامضى في تدمير الاسس التي يستند عليها البناء الاجتماعي والسياسي للبلاد.
تشكيل جيوش مليشياتية، تحت مسميات دينية، بتوجهات وامتدادات خارجية، تحذر جماعة، وتنذر أخرى، تطرح نفسها داعما لسلطة الدولة، لتمرير مشاريعها الطائفية الخاصة.
والمليشيات أي كانت أهدافها ومواقفها هي معول هدم نافذ لما بني من البلاد.
أمثلة كثيرة، لا تنتهي، عند النظر الى معانيها بعين محايدة، سيجد الناظر دون أدنى عناء، وكأن بيد الواحد منا معول هدم يتقن استعماله لتدمير العراق.
وكأن الجميع من حملة المعاول باتوا أدوات بيد الأجنبي لتنفيذ أهدافه في تدمير العراق.
لقد أنجزت المرحلة الاولى من الهدم، اعتقاد شاع لدى البعض غير القليل في الوقت الراهن مفاده، أن التقسيم الاثني للبلاد حل من الحلول، أذا لم يتنبه اليه العقلاء من السياسيين وغير السياسيين وينزعوا المعاول من أيديهم التي ترتجف انفعالا، فان المرحلة المقبلة ستكون مناداة صريحة بالتقسيم، دون وعي بتبعاتها من عموم المنادين، اللذين سيكونون أشبه بالمخدرين اليائسين من الحياة، لم يجدوا لهم مخرجا من بؤسها سوى بالانتحار تقسيما للبلاد.
انها حيرة، ورغبة في حمل معاول التهديم الذاتي، كونتها دوائر الحرب النفسية العالمية، بمساعدة الاخرى الاقليمية، وما زالت ترعى تكوينها.
نأمل أن يتنبه اليها المسؤولون السياسيون ويفكوا شفرتها بنفس صيغ التكوين النفسي قبل ان يحقق الهدم غايته في تقسيم البلاد، عندها سوف لن تنفع السياسة ولا الشيخة ولا حتى الدين في المحافظة على البقاء.
1296 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع