الحياة في حقول البترول / الحلقة السابعة عشر

                                         

                        بقلم احمد فخري

      

الحياة في حقول البترول /الحلقة السابعة عشرة عمال التنظيف والفندقة لشركة ابيلا

   

بخلاف ما كان يعتقد نزلاء البارجة السكنية، ففريق الفندقة بنظري هُم أهَم العاملين بحقل زاكوم او باي حقل آخر. وستعرفون لماذا بعد قليل.

ترتبط شركتنا (شركة زادكو) بعقود كبيرة مع شركة ابيلا (الشركة المسؤولة عن تزويد الكادر الفندقي لحقول البترول) ضامنة بذلك لساكني الحقل كل ما يتعلق بخدمات الفندقة كالتنظيف بكل انواعه والطبخ ومستلزماته ورعاية غرف النزلاء من تنظيف وغسيل وكوي الملابس وسباكة المواسير والمراحيض وصيانة اجهزة التكييف والتدفئة. وتقوم الشركة بعرض قوائم الطعام اليومي على احد الموظفين المعين من قبل شركة زادكو بالحقل والذي تتركز مهمته اشراف ومتابعة كل مهام الفندقة من الفها الى يائها.
يعمل منهم في البارجة السكنية ما يقرب من 50 عاملاً. كلهم من الآسيويين، البعض من بنغلاديش والبعض الآخر من الهند والباكستان وكلهم مدربون تدريباً صارماً كي يلتزموا بقوانين الشركة من كل نواحيها. واخلاقهم جميعاً ممتازة والبسمة لا تفارق شفاهم على مدار الساعة. هم يعرفون تمام المعرفة أن الخطأ في عملهم ثمنه باهظ جداً ويصل في اغلب الاحيان الى قطع ارزاقهم، لذا تراهم يتصرفون بحرفية عالية والتزام شديد لجميع لوائح السلامة في البارجة.
ومن الناحية الثانية فإن جميع نزلاء البارجة يعاملوهم معاملة طيبة ولا يسيؤون اليهم ولا يجرحوهم ابداً. بل يلجأون اليهم في حالات كثيرة كي يعينوهم على المواقف الصعبة التي تنجم احياناً.
تبلغ رواتبهم خُمُس او حتى سُدُس رواتب اقل موظفي شركتنا درجةً. وكذلك ذكرت في فرصة اخرى انهم يخضعون لنظام دوري جائر. فهم يعملون بشكل متواصل لمدة 6 اشهر ثم تمنحهم شركتهم (ابيلا) اجازة لمدة سبعة ايام فقط. الغالبية العظمى منهم لا يسافر الى بلده بتلك الاجازة نظراً لقصر مدتها وبدلاً عن ذلك فهم يذهبون الى مدينة ابوظبي حيث يستضيفهم احد اصدقائهم خلال تلك الفترة ثم يعودون ادراجهم للبحر عند انتهاء الاسبوع. انا اعلم جيداً أن احدهم كان قد بقي بالامارات 7 سنوات دون العودة الى وطنه. كذلك اخبرني احدهم انه اراد الذهاب الى بلده فطلب اجازة اسبوع اضافي فوق اسبوعه الاعتيادي فوافقوا له على ذلك. وبذلك عمل لمدة سنة كاملة دون الخروج من البارجة كي يعوض مدة اجازته.
كان المطعم في البارجة يتحلى بلقب افضل المطاعم في حقول النفط قاطبة. لحرفية كادره الذي يعمل في المطبخ من حيث اسلوب الطبخ وجودة الوجبات المقدمة للنزلاء. يعمل في المطبخ ثلاثة طباخين رئيسيين، طباخ عربي لبناني (حسين) للطبخات العربية وطباخ هندي (راجو) للطبخات الاسيوية وطباخ الماني (هانز) للطبخات الاوروبية. جميعهم يعملون بحرفية وامانة عالية لم الاحظها ولا حتى في المطاعم العالمية الراقية. كذلك يعمل معهم فريق خاص يوزعون ويجمعون الاطباق وينظفون في حالة حدوث حادث اوسقوط او تكسر كاس او طبق فخار، وفريق آخر يعني بغسل اواني المطبخ والصحون.
اما فريق الصيانة التقني فكان يترأسه شاب هندي يدعى ڤالي كولوكو وهو انسان مثقف للغاية وكان صديقي الشخصي. فقد كان يجلس عندي في غرفتي بوقت فراغه ونلعب لعبة السكرابل وهي لعبة تعتمد على مفردات اللغة الانكليزية وكان يغلبني واغلبه احياناً. كان هذا الشاب مهذباً جداً وفاهماً جداً بعمله فقد كانت توكل اليه المهام التقنية مثل صيانة التكييف بغرف النزلاء والثلاجات بالمطبخ وباقي المهام التقنية.

زيارة البرت ابيلا الى البارجة
في يوم من الايام استدعاني مدير الموقع الدكتور محمود علام واخبرني أن السيد البرت ابيلا سوف يحضر الى البارجة في جولة تفتيشية لعماله ومنتسبي شركته، وسوف يتناول وجبة الغداء معه في طاولة خاصة وطلب مني ان انضم اليهم واتناول وجبة الغداء معهم. طبعاً، ذلك يعتبر شرف كبير لان مدير الموقع لا يعمل ذلك الا لحضور شخص مرموق للبارجة. المهم، وافقت على الدعوة واخبرته اني ساكون جاهزاً تمام الساعة الثانية عشر والنصف مساءاً. ولمن لا يعرف البرت ابلا هذا فهو لبناني الجنسية ويعمل كمدير ومالك لشركة ابيلا للخدمات الفندقية. هذه الشركة تقدم كل انواع الخدمات لشركات الطيران في المطارات وخدمات الاطعمة في الفنادق وحقول النفط والغاز. هي شركة راسمالها يصل سقفه الى بلايين الدولارات. لذا فإن الجلوس مع شخص من هذا الوزن لهي تجربة فريدة من نوعها.
بقيت بمكتبي حتى حل الموعد ثم توجهت مباشرة الى المطعم فوجدت مجموعة من الرجال واقفون بالقرب من البار فذهبت صوبهم. قام الدكتور علام مدير الموقع بتقديم السيد البرت ابيلا لي فاخذت يده ونظرت اليه واذا به من اصحاب الاوزان الثقيلة جداً. فوزنه كان بتقديري قد يصل الى 200 كغم او اكثر. لكني من باب الادب لم ادع ذلك يجذب نظري بتاتاً. قال الدكتور علام بان الوقت قد حان للتوجه الى المطعم، فتمشينا جميعاً ببطئ شديد. كان السيد البرت ابلا انساناً مهذهباً للغاية (شأنه شأن جميع اللبنانيين الذين قابلتهم بحياتي) وقد كان كلامه قليلاً وابتسامته تبعث الراحة في النفوس. جلسنا على طاولة اعدها طاقم الفندقة خصيصاً لتلك المناسبة الكبيرة. ثم جاء نادل كي يأخذ طلباتنا بخلاف ما اعتدنا عليه من نظام الخدمة الذاتية (اخدم نفسك بنفسك). فقام الدكتور علام بطلب شوربة وطعام فيه لحم كثير ورز وسلطة. تبعه مدير الانتاج السيد مجدي عبد الله بطلبه ثم وصل الى عندي فطلبت وجبة دسمة ووصل الدور الى السيد البرت ابيلا . فنظر الى النادل وقال،
- أتني بطبقي الخاص.
فاجابه النادل
- حاضر سيدي، انه جاهز.
وقتها علمنا ان هناك محسوبيات ومنسوبيات. ولما لا؟ فانه يملك شركة الفندقة كلها ويجب ان يحضروا له وجبة خاصة فتسائلنا يا ترى ماذا تكون تلك الوجبة الخاصة؟ قلت لنفسي ربما تكون اكلة اسماك من نوع خاص او ربما بيض السمك الكافيار او ماشابه، لكن اليقين لم يكن بصفنا وقتها وبقينا ننتضر المفاجئة.
وصلت طلبية جميع من كان يجلس على طاولتنا ما عدى اكلة ظيفنا السيد ابيلا. وبعد دقيقة تماماً وصل نادل يحمل صحنأ صغيراً متواضعاً فيه سلطة ووضعه امام السيد ابيلا. نظر اليه الدكتور علام مدير الموقع وقال:
- يبدوا انهم يعدون لك وجبة فاخرة ستلحق صحن السلطة هذا.

فاجابه ابيلا:
- كلا، هذه هي وجبتي الوحيدة.
- ماذا؟ وما عن اللحوم والاسماك والـ...
- ابداً، أبداً انا ممنوع من تنوال اي شيء من هذا القبيل. فانا مصاب بمرض عافاكم الله يمنعني من تناول اي شيء عدى صحن السلطة هذا. وإذا ما قمت بفك الحصار عن نفسي فسأكون من الاموات بخلال دقائق.
- وكيف تستطيع تحمل ذلك ومنذ متى وانت على هذه الحالة؟
- اصبت بهذا المرض منذ بضع سنين وانا ملتزم بالنظام الغذائي الذي سنه لي الاطباء.
- الا تشتهي الاطعمة الاخرى؟
- بالطبع فانا مستعد أن ادفع كل ثروتي لاي شخص يتبرع لي بمعدته كي اتناول اي صحن من الصحون التي امامكم.
كان ذلك الكلام بمثابة صدمة كهربائية مست جميع الجالسين على تلك الطاولة وانا اولهم. لم اشأ ان اعلق شيئاً عما قاله السيد ابيلا بل التزمت الصمت احتراماً لمشاعره.
بعد الوجبة توجه الجميع كلٌ الى عمله، وبعد ان اكمل جولته التفقدية، قام السيد ابيلا بالعودة الى مدينة ابو ظبي إذ استقل طائرته العامودية الخاصة. بقي جميع من كان جالساً معه في تلك المأدبة يفكر بحيرة وبتمعن، ثم يصل الى نتيجة واحدة لا تقبل القسمة على اثنين الا وهي (حمداً لله على ارزاقه)
...يتبع

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

https://algardenia.com/maqalat/35060-2018-04-18-10-33-19.html

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

749 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع