هيفاء زنكنة
مقاطعة الانتخابات العراقية أو تحمل الإثم المقبل
يشير الوقوف عند بوابة الانتخابات العراقية، في 12 أيار/مايو المقبل، الى ان الدخول من خلالها سيبقي معظم ابناء الشعب، مهما حاولنا ضخ شحنة التفاؤل بالتغيير، في ذات الباحة الخربة التي يعيشون فيها الآن. الاسباب متعددة، من بينها: معظم المرشحين هم ذاتهم من النخبة الفاسدة التي غرزت اقدامها في الطائفية والعرقية والفساد منذ غزو البلد واحتلاله عام 2003. بعد مرور 15 عاما من صراعاتهم الدموية بين انفسهم وضد الآخرين من العراقيين مع محاباة المحتل الامريكي والايراني، بالامكان تلخيص « انجازاتهم» بانهم جعلوا من ارض العراق ساحة حرب بين امريكا وايران تسقيها دماء العراقيين. في ظلهم، لم يعد العراقي معروفا بعراقيته بل أصبحت هويته مسبوقة بصفات كان يشمئز منها في حياته السابقة. كان يعتقد انها صفات لا تليق به ولا يمكن استخدامها لأنها «عيب». صار العراقي المعتز بهويته الوطنية والدينية أما شيعيا أو سنيا. في ظلهم، نبع الارهاب. الناتج الطبيعي لمتلازمة الاحتلال والظلم. صارت المرأة الفخورة ببيتها وحديقتها الزاهية بالنخيل والورد الجوري، المرحبة دائما بالضيوف، وبتعليم ابنائها وتفوقهم، تحمل لقب «نازحة» تستجدي المساعدات «الانسانية». حولوا ملايين العراقيين الى نازحين يعيشون في العشوائيات والخيام. «يسكن في العشوائيات 3 ملايين و200 ألف شخص اي ما يمثل 10 بالمئة من سكان العراق»، قال وزير العمل والشؤون الاجتماعية، محمد شياع السوداني (23 نيسان 2018)، مبينا أن «هذه الأرقام مأخوذة عن احصائية دقيقة لاستراتيجية التخفيف من الفقر». يشير تقرير البنك الدولي للشهر الماضي الى «ارتفاع معدل الفقر بشكل حاد.. وتأثر النساء بشكل خاص نتيجة غياب الأمن الذي فرض عليهن قيودا في الحركة للوصل الى اماكن العمل والتعليم والصحة». حولوا العراق الغني بنفطه وثروته الزراعية وميزانيته البالغة 120 مليار دولار، سنويا، الى خرابة بينما يتم تهريب 800 مليون دولار، اسبوعيا، أما الى حساباتهم الخاصة في الخارج أو غسيل الاموال في المدن الاوروبية، عبر شراء العقارات، كما في لندن.
يتبين من رصد الحملات الانتخابية ان كل المرشحين، تقريبا، هم ذاتهم، ممن شاركوا في تحقيق «الانجازات» التي قادت الشعب ولا تزال الى الحضيض، وانهم، جميعا، بلا استثناء يتحدثون عن النزاهة والقضاء على الفساد. وان المرشحين «المستقلين»، على قلتهم، ينشطون ضمن قائمات انتخابية يترأسها فاسدون، لديهم خبرة 15 عاما، بالفساد السياسي والاداري. مما يجعل المستقل، رغم حسن الظن بنظافته، مجرد بيدق في لعبة، الفائز فيها معروف مسبقا. فلا عجب ان تتصاعد الدعوة الى مقاطعة الانتخابات، بدلا من المشاركة، كاسلوب افضل للتغيير، اذا ما كان التغيير هو ما يريده الشعب حقا.
واذا كانت هيئة علماء المسلمين ( 9 تشرين الثاني/نوفمبر)، هي التي دعت الى مقاطعة الانتخابات عام 2004، المتزامنة مع اقتحام قوات الغزو مدينة الفلوجة وتدميرها، اذ لا يمكن ان تقام انتخابات» على اشلاء القتلى ودماء الجرحى»، فان أصوات المقاطعة امتدت هذه المرة لتشمل شبابا ومنظمات مدنية متعددة، بالاضافة الى الشيخ جواد الخالصي، من المدرسة الخالصية، ببغداد، واحد مؤسسي المؤتمر التأسيسي الوطني الذي تم تشكيله اثر الاحتلال.
يرى الخالصي ان العملية السياسية التي شيدها الاحتلال « مشروع معلب قادم من الخارج»، وهي اساس البلاء الذي اصاب البلد من انقسام طائفي وعرقي، سماده الفساد. محذرا، في 16 نيسان/أبريل، من «الانشغال بالألاعيب السياسية التي تجري هذه الايام… وإنما الانشغال بإثبات استقلال البلد، وتحقيق الثوابت الكبرى وهي: الوحدة والهوية والاستقلال». داعيا الشعب العراقي (20 نيسان/أبريل)، لتخليص البلد من فتنة العملية السياسية التي رسمها الاحتلال، وان ما تحتاجه الأمة، في الحقيقة، اصبح ضحية مخططات الاحتلال والعملية السياسية والانتخابات الفاسدة. وذهب الخالصي، أبعد من ذلك، في 27 نيسان/ أبريل مؤكدا بأن «من يشارك في الانتخابات، ومن شارك، سابقاً، فإنه يتحمل الاثم الذي جرى على العراقيين طوال تلك الفترة، وسيتحمل اثم الفترة القادمة». وان «هناك هيئة تعمل بأمر الامريكان مشرفة على المشروع الانتخابي في العراق والأمر محسوم مسبقاً». يثير موقف الخالصي، وبقية المقاطعين، تساؤلا مهما حول كيفية تخليص الناس من المأساة الحالية، اذا لم تكن الانتخابات هي الطريقة الافضل؟ يقول الشاعر والمدون ابراهيم البهرزي ان «التغيير الوحيد الممكن هو باطلاق التصويت للافراد، حصرا، دون أحزاب وكتل، واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، على أمل أن يجد بعض الأحرار في هذه البلاد فسحة لتقديم وجوه جديدة غير ملوثة».
ويجيب مكتب الخالصي، مبينا ان ازاحة السياسيين الحاليين «من خلال صناديق الاقتراع، خدعة لا دليل على صحتها اصلاً، والأولى ضمان لنا سلامة الانتخابات ومن ثم نناقش المشاركة فيها». التساؤل الآخر، على من يراهن دعاة المقاطعة؟ يقول الخالصي، في 24 نيسان/ أبريل: «أراهن، لحد هذه اللحظة، على بعض أبناء الشعب العراقي الذين لم يتغيروا، وأراهن على امكانية تغيير البقية نحو الاحسن، من خلال الثبات والاستمرار والحفاظ على هذه النخب الطيبة التي ما زالت تؤمن بالرسالة». وختم قائلاً: «الشيء الاهم ان هناك اناسا كانوا يقولون ان يوم 9 نيسان هو يوم تحرير للعراق، والجيش الامريكي جاء محرراً، أما الآن لا يجرؤون على القول به، علناً، بعد ان قالوه في الماضي، وهذه هي مكاسب سببها ان بعض العراقيين رفضوا الانجرار خلفها وكشفوها وفضحوها». واذا كان التعاون مع المحتل، بكل المقاييس، جريمة لا تغتفر، فأن المساهمة، بأي شكل من الاشكال، في تخريب البلد والمجتمع، لا تقل عنه اجراما. ويكفينا ان نعلم ان هناك ثلاثة ملايين طفل، انقطع عن التعليم، في جميع أنحاء العراق. وان بعضهم لم يجلس يوما في صف مدرسي، وان أكثر من ربع الأطفال يعيشون في فقر مدقع، خاصة في المناطق الجنوبية والريفية الأكثر تضرراً (حسب اليونيسيف 2018)، في بلد بالغ الثراء، لندرك حجم الخراب الذي الحقه ساسة الاحتلال والعملية السياسية بمستقبل العراق، وكيف ان انتخابهم مشاركة في الجريمة.
890 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع