د. أكرم عبدالرزاق جاسم
خبير بالشؤون الأمنية والقانونية
الواقع الأمني العراقي بات مؤلماً جداً بل ومُبكياً، والضحايا يتساقطون يوماً بعد يوم والكارثة أنّ جُلّهم من الأبرياء، لأن أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة في نعيم وسعادة ومأمن من هذه الحوادث.. فلا الحوادث تطالهم ولا حواشيهم في خطر، ولا الشعور بالمسؤولية والقصور يساورهم!.. حادثة أو كارثة وزارة العدل مؤخراً مثل سابقاتها تشكل (كارثة) و(فضيحة) بكل المقاييس ودليل مؤكد على فشل وتخبط السياسات والخطط الأمنية، وعقم أداء المؤسسات الأمنية التي باتت (كثرة بلا نفع ولا فاعلية).
ماذا جرى في وزارة العدل:
مصادر امنية وصحية ذكرت إن سلسلة انفجارات هزت العاصمة بغداد يوم الخميس 14 مارس/ آذار الجاري وأسفرت عن مقتل 18 شخصا على الأقل. ووقعت الانفجارات قرب وزارتي العدل والشؤون الخارجية بوسط بغداد (المنطقة المحيطة بكراج العلاوي للنقل) وأسفرت أيضا عن إصابة ما لا يقل عن 50 شخصا، فيما أكدت المصادر اخلاء مصابين من وزارة العدل الى مستشفى الكرامة لتلقي العلاج فيها، وأن عددا من المصابين اصاباتهم بليغة.
هجوم منسق وبتوقيت دقيق:
مصدر امني في الشرطة العراقية أوضح للإعلام سيناريو اقتحام وزارة العدل بالقول: إن "ستة تفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة شهدت العاصمة بغداد وقعت في مجملها بتوقيت واحد فيما بدا وكأنه هجوم منسق بهدف اقتحام وزارة العدل في مبناها البديل واحتجاز الموظفين العاملين فيها رهائن.
واوضح المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن هويته (!!) بان الهجوم الذي نجم عن انفجار سيارة مفخخة يقودها انتحاري عند مدخل دائرة الاتصالات مقابل السكك مقابل البوابة الخلفية لمرآب العلاوي، فيما قام انتحاري اخر بتفجير سيارة مفخخة ثانية كان يقودها باقتحامه الدائرة ما ادى الى مقتل خمسة اشخاص واصابة 12 اخرين. وأعقب هذا التفجير انفجار سيارة مفخخة في الطريق بين مرآب العلاوي ومبنى السفارة الايرانية بكرادة مريم، في محاولة لقطع الامدادات نحو الهجوم الرئيسي الذي كان يسعى المسلحون الى تنفيذه باقتحام وزارة العدل بعد تفجير ثلاث سيارات مفخخة في محيطها.
واكد المصدر ان "الفرقة الذهبية!!"، و"قوات مكافحة الارهاب" تدخلت على الفور لمنع اقتحام الوزارة وتحرير موظفين قبل ان يقدم انتحاريون تسللوا الى الوزارة وسط الفوضى التي اعقبت التفجيرات على احتجاز عدد من الموظفين. وقال المصدر ان الشرطة وحماية وزارة العدل اشتبكوا بالأسلحة الرشاشة مع مسلحين حاولوا اقتحام الوزارة وقتلوا اثنين منهم فيما لاذ اخرون بالفرار بين العمارات السكنية في شارع حيفا وحي الصالحية. وبدأت القوات الامنية التي حاصرت المبنى بتأمين خروج الموظفين بعد تدقيق هوياتهم وكذلك هويات مراجعي الوزارة المتواجدين بالمبنى قبيل اقتحامه لمنع خروج مسلحين معهم ربما يكونوا لاذوا في اروقة الوزارة بعد محاصرتها حيث حلقت مروحيات تتبع للقوات التي تنفذ عملية احباط السيطرة على الوزارة حيث تدور الشكوك بوجود ثلاثة مسلحين يحتمون داخل المبنى ربما يكونون مرتدين احزمة ناسفة.
وفي ظل ذلك نشب حريق في الطابق الثالث حيث شوهدت ألسنة اللهب من مكان قريب من الوزارة، اذ أكدت المصادر ان" الانتحاري الذي اقتحم وزارة العدل في وقت سابق اليوم فجر نفسه في الطابق الثالث من المبنى الذي يضم مكتب الوزير ومكتباً يحتوي على الملفات الخاصة بالاعدامات!!!.
ليس الأول.. ونتمنى أن يكون الأخير
ان حادث اقتحام وزارة العدل المؤلم الذي ذهب ضحيته اكثر من(75بين شهيد وجريح) يستوقف أي إنسان، عنده ذرة من ضمير وحب للوطن، كي يفكر في أسباب حدوثه وظروفه ولماذا حصل هذا الخرق؟.. لاينبغي الإكتفاء بالأسف وصبّ جام الغضب على (الأعداء والمتربصين بالعراق والمستفيدين من خراب العراق..)، بل لابد من وقفة تأملية واستباط العبر والدروس والتداعيات وتحليل أسباب حصول هذه الكوارث، التي تكررت بشكل لا يمكن السكوت عليه..
الأمن مسؤولية الدولة بالدرجة الأساس، ومن ثم مسؤولية جماعية، لكن القول بأن الأمن مسؤولية جماعية ليس عكازة تتوكأ عليها أجهزة الأمن المسؤولة لتبرر عجزها، واختراقها وتقصيرها، ولا يمكن للمواطن أن يستمر بسماع (نغمة) أن الأمن مسؤولية كل مواطن، في حين يرى الأجهزة الأمنية المليونية تتلكأ في الأداء ولا تستفيد من الدروس والحوادث.
في بحث للزميل المحلل الأمني المثابر رياض هاني بهار تحليل دقيق لحادث وزارة العدل وما سبقه من حوادث حيث عدَّدَ الأخ رياض أكثر من (13) حادث إقتحام لمباني حكومية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وكالتالي:
1. بتاريخ 13/6/ 2010 حادث اقتحام مبنى البنك المركزي العراقي وكانت المحصلة (46 شهيدا وجريحا).
2. بتاريخ 5/9/2010 حادث اقتحام مقر عمليات الرصافه في مبنى وزاره الدفاع القديمة في باب المعظم والمحصله (48 شهيد وجريح).
3. بتاريخ 29/2/ 2011حادث اقتحام مبنى مجلس محافظه صلاح الدين اثناء اجتماع مجلس المحافظة والمحصلة (165 شهيد وجريح).
4. بتاريخ 8/5/2011 الحادث الاول لاقتحام مبنى (مديريه مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة الكائن بالكراده) والحصيلة (16).
5. بتاريخ 14/6/ 2011 حادث اقتحام مبنى (مجلس محافظه ديالى) والمحصلة ( 37شهيد وجريح ).
6. بتاريخ6 /6 / 2011 محاوله اقتحام مبنى ( المجمع الحكومي لمدينه الرمادي بحافظه الانبار) والمحصلة ( 16شهيد وجريح ).
7. بتاريخ 15/1/2012 حادث اقتحام مبنى مديريه التحقيقات الجنائية بالرمادي والمحصلة (18 شهيدا وجريحا).
8. بتاريخ 31 / 7/ 2012 الحادث الثاني لاقتحام مبنى (مديرية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة الكائن بالكراده) والمحصلة ( 36 ).
9. بتاريخ 28/12 / 2011 المحاولة الاولى اقتحام ( سجن الحوت) والمحصلة (46 شهيد وجريح ).
10.بتاريخ 1/8/ 2012المحاوله الثانيه اقتحام ( سجن الحوت في التاجي ) والمحصلة ( لم يصرح بها ).
11.محاوله اقتحام مبنى محافظه الديوانية والحصلة (53 بين شهيد وجريح).
12.هناك حوادث عديده متشابهة وقعت في اقضيه ونواحي متفرقه بالعراق ( منها اقتحام مدينه حديثة وقتل عدد كبير من رجال الأمن، وحادثة البغدادي وكبيسة).
13. وأخيراً بتاريخ 14/3/2013 حادث اقتحام بناية وزارة العدل والمحصلة المعلنة ( 20 شهيدا واكثر من 55 جريحا).
إن تكرار وقوع حوادث الاقتحام بشكل منظم ومخطط ومبرمج، وباستخدام أزياء وعجلات وأسلحة (السلطات الأمنية)، يشكل فضيحة أمنية وكارثة إنسانية، ويخرب أو يزعزع من ثقة المواطن بالحالة الأمنية وبأداء الأجهزة المليونية!!!.. فقبل 2003 لم يكن تعداد جميع أجهزة الداخلية يتجاوز المائة الف نفراً، في حين أن تعداد الداخلية اليوم تجاوز المليون فردا هذا عدا اجهزة وزارة الدفاع والقوات الخاصة التابعة لرئاسة الوزراء او القيادة العامة للقوات المسلحة.. إنها كثرة بلا نفع، والأمن يتطلب كفاءة الأداء وليس الكم على حساب النوع.. ثم إن فرص إيفاد ضباط الجيش والشرطة وعموم الأجهزة المعنية بالجريمة والإرهاب الى خارج العراق بعد 2003 زادت بنسبة (500%) عما كانت عليه قبل 2003، فضلا عن استقدام الخبرات الأمريكية والبريطانية لتدريب القوات العراقية الأمنية وهي فرص لم تكن متاحة قبل 2003.. ولكن أين الحصيلة وأين الأداء؟
يقول الخبير الأمني رياض بهار ((إن الواقع الامني هو انعكاس للواقع السياسي واننا نخشى من هذه العمليات ان يحيلنا إلى مناخ أمراء الحرب وملوك الطوائف... اكثر من واقع الاشتراك في الوطن ، او علمهم بها في الاقل امراً يمكن تصوره في هذا المناخ القاتم، خصوصا بعد توافر معطيات اكدت لأكثر من مرة ضلوع سياسيين في اعمال عنف سابقة)).
إن ترك الحالة الأمنية أسيرة للصراعات السياسية والحزبية، وانخراط قوات من الأمن والجيش في أتون هذه الصراعات نتيجة سياسة أمراء الطوائف، ستؤدي إلى كوارث أمنية لا تحمد عقباها. وإن جعل العمل الأمني تابعا للتجاذب السياسي يفسد الأمن، والسياسة معاً، ويفقد ثقة المواطن بالدولة وأجهزتها.
قلناها مرارا وتكرارا أبعدوا الحزبية والطائفية عن العمل الأمني، وليكن رجل الأمن مهنيا صرفيا لا ينتمي إلا للوطن، لا صلة له بالسياسي فلان ولا بالحزب الفلاني.. لأن العمل الأمني ينبغي أن يبقى بعيدا عن تجاذبات السياسيين ومهاتراتهم السياسية المعهودة.
أجهزة الأمن ينبغي أن يحسن إعدادها، والعبرة بالنوع لا بالكم، ثم لماذا كل هذه المجاملات في توزيع الرتب والمناصب حتى بات العراق البلد الأول في العالم بكثرة الرتب العليا (عشرات من أصحاب رتبة الفريق، والمئات من حملة رتبة اللواء) وآلاف العمداء، وهذا بحدّ ذاته يُضخّم من الملاك ويُكثر من الهدر واللامبالاة والإتكاء على إسناد القوى السياسية، وبالتالي يجعل رجل الشرطة والأمن بمرجعيتين إن لنم تكن ثلاث، مرجعية حزبية أو سياسية، ومرجعية إدارية مسلكية، وربما تكون هناك مرجعية ثالثة.. وهذه كلها تنهك عمل أجهزة ضبط الجريمة بأنواعها، وتؤدي لفقدان السيطرة، وانحلال الضبط.
لابد من التفكير جدياً في أن الأمن عمل مهني فني استخباراتي، لا يشكل الجانب العسكري منه الا نسبة ضئيلة، وإن الزج بالعسكر في أعمال الشرطة إفساد للجهتين معاً في آن واحد. لابد من إعتماد معايير المهنية والحرفية في العمل الأمني ومنع تسييس العمل الأمني، لكي نضمن أمناً كفوءا، وبعكسه فإن البلاد مقبلة على كوارث أكبر لاسامح الله إن استمر الإصرار على الخطأ في مسك وإدارة الملف الأمني. وليس لنا إلا الدعاء (رَبّ إجعل هذا البلد آمناً)...
1919 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع