بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... التاسعة والسبعون
التفاحة والجاذبية
في هذه الليلة حدثتنا جدتي حكاية أحد الامثال الشعبية المشهورة قالت: كان يا ما كان في قديم الزمان عَالِم كان موجود بوحدة من الحواضر، وكان هذا العالِم ذكي جداً وطبيب مشهور ويعمل عمليات خطيرة وكلها ناجحة.
هذا العَالِم اسمة كَمُّون وكان عنده صبي يشتغل معه، وكان فَطين ويتعلم بسرعة ولا يظهر للعالم كمُّون إنه جاء يتعلم من عنده اصول الطب، لان كَمُّون ما يحب أحد ينافسه ويصير عالم أو طبيب بنفس المدينة، وبقي كمُّون هو المرجع والطبيب لأهل المدينة.
في يوم من الأيام جلبوا مريض لكمُّون، وهذا المريض دخلت في أذنه حشرة ووصلت إلى الدماغ وصعب خروجها، بدأ كمُّون بتخدير المريض لأجراء عملية وبمساعدة الصبي الذي عنده، وبعد أن وصل للحشرة عرف أن واقفة فوق المخ وكل ما يحاول يرفعها يجدها ملتصقة بالمخ. وهذه أخطر منطقة وممكن تسبب تلف دائمي فبقي محتار كيف يرفع الحشرة، وكان الصبي يراقبه وعرف ان العالم كَمُّون عجز عن اكمال العملية، صرخ الصبي بصوت خافت (النار يا حمار). غضب كمون من الصبي بنفس الوقت عرف الحل هو النار فحمى الملقط على النار ومسك بيه الحشرة بعدما حست بالحرارة رفعت رجليها المتمسكة بالمخ واستطاع اكمال العملية.
بعد هذه الحادثة تواجه كمُّون مع الصبي وقال له: أنتَ غلبتني واصبحت أذكى مني، وأنا هذا الشي ما أقبله، فلازم واحد من عدنا يموت، هنا جاوب الشاب:
أنتَ استاذي وتبقى، لكن إذا كنت مصر على أن يموت واحد من عدنا اقترح أن تسقيني السم وأموت وإذا الله نجَّاني راح أنا أسقيك السم والأولوية لك لأنك الأستاذ وصاحب الفضل.
صنع كَمُّون سم حتى يسقيه لتلميذه وبنفس الوقت راح الشاب لوالدته وأخبرها بالذي راح يصير وطلب منها إذا احضروه عندها ان تقوم بتبضيع جسمه من كل مكان حتى ينزل السم، وبعد ذلك أن تطلي الجروح بالعسل وتتركه ليلة بالخرابة، حتى تتجمع الحشرات وتمتص السم وبعد ذلك تدخله للبيت وتداوي جروحه.
ذهب الشاب على الموعد وعرف أن كمُّون حضر له السم، طلب الصبي من كَمُّون بعد أن يشرب السم يوصلوه الى أمه قبل أن يموت حتى يودعها فوافق كمُّون، شرب الصبي السم وارسلوه الى إمِّه ونفذت ما طلب منها ابنها وبعد اسبوع تعافى الشاب ورجع لكمُّون ووقف أمامه.
انصدم كَمُّون عندما شاهد وعرف إنه نجى من الموت وجاء دور كَمُّون ان يشرب السم لكن الشاب أخبره أن له وصفة سم قوية، وبقي كَمُّون ينتظر والخوف مسيطر عليه وبعد أيام رجع الشاب لكَمُّون وشاهده متغير ومنقطع عن تناول الطعام والشراب، وطلب كَمُّون من عنده السم، لكن الصبي أخبره إنه لم يجهز بعد لان الوصفة قوية جداً. وبقي كَمُّون ينتظر والقلق والخوف أخذ مِنَّه مأخَذ واستمر هذا الحال مدة من الزمن، وبعد فترة جاء الشاب ومعه قدح أول ما شرب مِنَّه كَمُّون مات، وكان القدح فيه ماء فقط، لكن الخوف والقلق هو الذي مَوَّتَه وذكاء الشاب أنقذه من انانية كَمُّون واستحواذه على العلم وعدم تعليم الآخرين لمهنته وصنعته.
ومشى القول بين الناس (أوعدك بالوعد وأسقيك يا كَمُّون)
تقول جدتي أما حكايتنا لهذا اليوم: يحكى أنه في زمن بعيد في احدى المدن، كان يعيش مزارع طيب يحب مزرعته كثيراً وكان مهووساً بعمله وتربية الحيوانات، والاهتمام بمزرعته الصغيرة، فكان يستيقظ كل يوم من نومه يطعم الحيوانات والطيور، ويقوم بجمع الخضروات والفواكه، وكان هذا المزارع مشهوراً جداً في أنحاء بلدته التي كان يقل بها عدد المزارعين دائماً، الذين يلجئون للسفر إلى المدينة مبتعدين عن القرية الصغيرة بحثاً عن عمل وحياة أفضل.
وفي يوم من الأيام استدعى عمدة البلدة هذا المزارع، ليقوم بزراعة بعض اشجار الفاكهة لتزيين مداخل المدارس بالبلدة حتى يستظل بها الطلاب في أوقات راحتهم، وفعلاً بدأ المزارع الطيب في عمله وأختار أفضل الحبوب لزراعة اشجار التفاح في أرجاء المدارس، كان يعمل ليلاً نهاراً لينجز عمله على أكمل وجه وفي وقت قليل، مرت عدة شهور وكبرت اشجار التفاح وترعرعت وذهب المزارع إلى العمدة حتى يحصل على أجره فأعطاه العمدة مبلغ قليل جداً من المال، فقال المزارع: (يا سيدي العمدة هذا المال قليل جداً ولا يكافئ مجهودي وتعبي). فقال العمدة: (بل إنه كاف لك فأنت لم تتعب، أنت مجرد فلاح تزرع الحبوب وهي تطرح بمفردها فعملك ليس بالكثير)، حزن المزارع كثيراً بسبب كلام العمدة الذي اعتبره إهانة له وتقليلاً من عمله، ومن مهنة الزراعة المهمة التي ظن العمدة أنها لا تفيد المجتمع ولا قيمة لها.
عاد المزارع الطيب إلى مزرعته حزيناً في ذلك اليوم، ظل يفكر كثيراً في كلام العمدة الخبيث الذي لا يقدر مهنته وعمله، وظل يفكر ويفكر في حزن وألم حتى غلبه النعاس، في هذه الليلة لم يستيقظ الفلاح كعادته من جديد، فقد مات المزارع الطيب بسبب شدة حزنه.
وبعد مرور عشرات السنين على وفاة المزارع، كان هناك أحد طلاب المدرسة التي زرع لها الفلاح شجرة التفاح، الذي يحاول يذاكر دروسه ويحل فروضه المدرسية تحت احدى الاشجار في فترة الراحة بينما باقي الطلاب يلهون ويلعبون، جلس هذا الطالب يقوم بواجباته، بينما شاهد أحد زملائه يتسلق شجرة التفاح لكي يلتقط بعض التفاح الناضج، ولكنه تعرقل وسقطت التفاحة على كراسة الطالب، لكنه التقطها ولم يأكلها وأخذ يسأل نفسه، لماذا لم تسقط التفاحة لأعلى ولكنها سقطت لأسفل ومن هنا اكتشف قانون الجاذبية الأرضية التي غيرت مفهوم العالم عن الكون. على الرغم من وفاة المزارع إلا انه ترك للعالم شركة التفاح التي كانت بمثابة الذهب، وليت ظل حياً حتى يفتخر بعمله كمزارع ويدرك قيمته ويعرف أن عمله غير حياة البشرية بأكملها.
اقول لكم يا اولادي: الاخلاص في العمل وانجازه على أكمل وجه، ولا تستصغر أبداً مهنتكم مهما كانت، ولا تسمحوا لأحد أن يستهين بكم أو بعملكم، لأنكم لا تعلمون ما يحدث غداً وكيف يمكن أن يحول عملكم هذا الذي تعتقدون أنه صغير حياة العالم من حولكم.
3880 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع