جودت هوشيار
هل قدم اوجلان تنازلات مبكرة ؟
أثار نداء السلام ، الذي وجهه زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في رأس السنة الكردية وعيد النوروز ، من سجنه في جزيرة ايمرالي لأنهاء النزاع الدموي المستمر منذ ثلاثين عاماً بين الجانبين الكردي و التركي ، أهتماما بالغاُ في الأوساط السياسية والأعلامية التركية و الكردية والعالمية.
لم يكن نداء اوجلان مجرد بيان سياسي ، بل " خارطة طريق لتحقيق السلام المنشود ، تبدأ بوقف ﻹطﻼق النار وانسحاب للمقاتلين وتغليب الحل السياسي للقضية الكردية.
ولكن الغموض الذي يكتنف خطة اوجلان يثير تساؤلات كثيرة :
هل يكون وقف اطلاق النار من جانب واحد أي من جانب مقاتلي "الكردستاني " فقط أم من الجانبين الكردي و التركي في آن واحد ، ولماذا يتوجب على المقاتلين الكرد المتواجدين في في كردستان الشمالية الأنسحاب الى خارج تركيا بعد نزع أسلحتهم ، وهل يشمل نزع السلاح ، المقاتلين في جبال قنديل ؟ وما البلد المقصود بعبارة " خارج تركيا " ؟.
واذا كان الطرف التركي يسعى الى ايجاد حل سياسي للقضية الكردية ، لماذا يشدّد على ضرورة مغادرة أعضاء الحزب وطنهم بعد تخليهم عن القتال ونزع أسلحتهم . و أين الضمان بأن السلطات التركية لن تغدر بهم ! فالكرد يخشون تعرض المقاتلين المنسحبين لنيران القوات التركية، كما حصل في آخر مرة أعلن فيها " الكردستاني " وقف أطلاق النار من جانب واحد في عام 2004.
و يصدد الأنسحاب الى خارج تركيا ، ثمة احتمالات عديدة ، غير ان الأحتمال الأكثر ترجيحاً هو الأنسحاب الى أقليم كردستان (العراق) ، رغم تردد أنباء عن احتمال أنتقالهم الى سوريا ، ولكننا نعتقد ان هذا أمر مستبعد ، لأن الحكومة التركية متوجسة من سيطرة "حزب الأتحاد الديمقراطي" الموالي لحزب أوجلان على المناطق الكردية في سوريا ,و كذلك من غير المحتمل الأنسحاب الى ايران لأسباب عديدة .وثمة أحتمال آخر هو مغادرة تركيا الى المنافي في الدول الغربية .
ليس من الواضح لحد الآن الجدول الزمني للأنسحاب ، ففي الوقت الذي توقع فيه اوجلان أن ينتهي الأنسحاب بحلول شهر أغسطس القادم ، قال خبراء أتراك في الشأن الكردي ، ان الوقت المحدد من قيل اوجلان غير كاف ، في حين قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوعان ، في تصريح صحفي أدلى به خلال جولته الأوروبية الحالية ، أنه يتوقع أن يستكمل الأنسحاب قبل نهاية العام الحالي . و لكن من الواضح ان الجدول الزمني يتوقف على مدى جدية الحكومة التركية و استعدادها تلبية الحد الأدنى من حقوق الشعب الكردي و الضمانات التي يمكن ان تقدمها لسلامة المقاتلين لدى انسحابهم من تركيا..
قال القائد العسكري للحزب مراد قره يلان في رسالة فيديو بثتها وكالة أنباء الفرات نيوز الكردية « نعلن رسمياً وجلياً وقف إطلاق النار الذي بدأ تطبيقه اعتباراً من 21 مارس، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الرسالة» التي وجهها أوجلان."
وأضاف أن «مقاتلي كردستان الحرة لن يقوموا بشن أي عمل عسكري.. لكن إذا ما تعرضت قواتنا للاعتداء فإنها بالتأكيد ستدافع عن نفسها ضد مثل هذه الهجمات».
وبشأن انسحاب قواته من تركيا، أكد الزعيم العسكري لحزب العمال الكردستاني " أنه لا يستطيع تنفيذه إلا بعد أن تضع السلطات التركية آليات خاصة بذلك."
وقال «إذا تحملت الدولة التركية والحكومة والبرلمان مسؤولياتهم واتخذوا القرارات اللازمة المتعلقة بالانسحاب وإذا شكلوا اللجان والمؤسسات اللازمة وبنوا القواعد لمثل هذا الانسحاب فإننا سنفعل ذلك أيضا».
وأضاف قره يلان «في الوقت الحالي ننتظر إرساء هذه القواعد».
وفي تصريح صحفي ، أدلى به في يوم 21 آذار الجاري أي فور أذاعة نداء اوجلان ، قال قره يلان ، ان اوجلان قدم تنازلات مبكرة !
موقف الشارع التركي
دأبت الحكومات التركية المتعاقبة على شحن الشارع التركي بأفكارقومية متعصبة ضد الكرد ، منذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923 وحتى عهد قريب .
عندما تم أختطاف اوجلان من قبل المخابرات التركية بالتنسيق مع المخابرات الأميركية والموساد الأسرائيلي وأعتفاله في سجن أنفرادي في جزيرة ايمرالي ، قال " بولاند أجويد " رئيس الوزراء التركي في ذلك الحين ، في تصريح صحفي ، ان العدو الرئيسي لحق تقرير المصير للكرد هو رجل الشارع التركي ، الذي تربى نفسيا وفق معاهدتي سيفر ( 1920) ولوزان( 1923) ، اللتان حددتا ملامح تركيا الحديثة و طبيعة العلاقات القومية في الدولة التركية و التفكير النمطي للمواطن التركي . و عندما كان مؤتمر لوزان يناقش مسألة حق تقرير المصير للشعب الكردي ، قال ممثل تركيا عصمت باشا ، " ان الكرد هم أتراك الجبال ... وقد نسوا لغتهم الأم ، و ليسوا بحاجة الى حق تقرير المصير."
كان عصمت باشا أحد المقربين من أتاتورك ، و كل ما قاله أتاتورك أو أركان نظامه مطبوع بشكل راسخ في أذهان اغلبية الشعب التركي ، وليس من السهل تجاهله أو ازالته على نحو سريع .
مواقف الأحزاب التركية من القضية الكردية
يعد حزب الحركة القومية ( الذي يحتل المرتبة الثالثة من حيث النفوذ و عدد المقاعد في البرلمان التركي) حزبا قوميا متطرفا ومن أشد المعارضين للحل السلمي للقضية الكردية . ويكفي القول ان مؤسس الحزب آلبارلسان توركيش ، من مؤسسي الجهاز الخاص المعروف بـ( غلاديو ) ومنظمة ( الذئاب الرمادية ) الأرهابية ، و يحاول هذا الحزب الشوفيني بكل ما أوتي من قوة ، عرقلة تنفيذ خطة اوجلان السلمية و التهجم على حزب العدالة و التنمية وأتهام رجب طيب اردوغان وحزبه بالخيانة ومحاولة تقسيم تركيا .
أما حزب المعارضة الرئيسي في تركيا اليوم ، وهو حزب الشعب الجمهورى ، الذي يتزعمه كمال كليكدار اوغلو ( وهو من أصل كردي ) فأن موقفه من القضية الكردية غامض ومتناقض ، لوجود جناحين داخل الحزب ، الجناح الأول يتبع خطاً متشدداً على خطى مؤسسه كمال أتاتورك ، ولا يختلف موقفه عن موقف حزب الحركة القومية المتطرف ، اما الجناح الثاني ، وهو جناح ديمقراطي و معتدل فأنه يؤيد الحل السلمي للقضية الكردية ، ويبدي أستعداده للمساعدة في أنجاح المفاوضات التركية – الكردية ، ولكن يبدو ان الجناح الكمالي المتطرف في الحزب يعرقل مساعي الجناح الديمقراطي للأسهام في حل القضية الكردية سلمياً . و في الوقت نفسه فأن لدي الجناح الديمقراطي خلافات مع حزب العدالة و التنمية حول القضية الكردية وسبل حلها سلمياً .
لقد ظل حزب الشعب الجمهوري على مدي عقود ، يستمد قوته الدافعة من الجيش ، حارس الكمالية ، ولكن حزب العدالة و التنمية الحاكم أستطاع فرض هيمنته الكاملة على الجيش ، وبذلك فقد حزب الشعب الجمهوري كثيرا من نفوذه السابق .
الضغوط الخارجية على تركيا لحل القضية الكردية
على مدى السنوات ، التي أعقبت تفكك الأتحاد السوفييتي وفقدت فيها تركيا دورها السابق كقلعة حصينة معادية للشيوعية ، لم يتوقف الأتحاد الأوروبي ومنظمة العفو الدولية و منظمات حقوق الأنسان الأخرى في العالم عن توجيه أنتقادات لاذعة الى تركيا بسبب سجلها السيء في مجال حقوق الأنسان و بخاصة اجراءاتها التعسفية ضد مواطنيها الكرد .وفي الوقت نفسه ، لم تعد الكمالية تلبي حاجة تركيا المعاصرة ولا تنسجم مع العلاقات الدولية التي نشأت بعد أنهيار المعسكر الأشتراكي ولا مع التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ، وكان البديل الذي يتوائم مع الأرث التأريخي للبلاد و يلبي حاجتها في الظروف المستجدة و يلاقي قبولاً من المجتمع الدولي هو " الأسلام المعتدل " وهذا ما أدركه مؤسسو حزب العدالة و التنمية وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان .
الكرة في ملعب اردوغان
بعد سنوات طويلة من الحرب الشرسة ضد حزب العمال الكردستاني والقصف المتكررلمعاقل مقاتليه سواء داخل كردستان ( تركيا) أو في جبال قنديل وتغلغل الجيش التركي أحياناً داخل أراضي كردستان الجنوبية لملاحقة مقاتلي الحزب ، اقتنع اردوغان أخيرا ، ان من المستحيل القضاء على الحركة الكردية المسلحة عن طريق محاربة مقاتلي ( الكردستاني ) والقمع التعسفي ضد نشطاء الحزب في الداخل .
و من الأنصاف القول ان أردوغان أتخذ سلسلة اجراءات لصالح الأنفتاح التدريجي على الكرد عن طريق رفع بعض القيود المفروضة عليهم و بخاصة في المجال الثقافي ، وثمة اليوم فضائيتان تبثان باللغة الكردية احداهما ، حكومي وهي قناة ( TRT6 ) والأخرى تعود الى القطاع الخاص وهي قناة (Dunya) ، كما سمح بأستخدام اللغة الكردية في المحاكم وفي التدريس في المدارس الخاصة و نشر الكتب وأصدار بعض المطبوعات الأخرى ، ولكن هذه الأصلاحات الجزئية غير كافية ، لأن المهم هو الأعتراف بالهوية القومية للكرد وتحقيق الأدارة الذاتية لهم ومنحهم حقوقهم الثقافية ، في ظل نظام ديمقراطي تعددي يحترم الحقوق القومية لكافة سكان البلاد .
وفي مقدمة الخطوات التي ينبغي أتخاذها ، تعديل الدستور الحالي ، الذي ينص في مادته ( 66) أن كافة سكان تركيا هم أتراك.كما ان تنفيذ اعلان اوجلان يحتاج الى حزمة قوانين وهذا ما أعترف به وزير الداخلية التركي معمر غولر ولكن لحد الآن لم يتم أأتخاذ أية خطوات في هذا الصدد.
و يمكن تفسير توقيت المفاوضات مع اوجلان بحاجة أردوغان الى كسب التأييد الكردي فى الفترة القريبة القادمة ، خاصة ان الأنتخابات المحلية و البرلمانية على الأبواب والتي ستجري خلال عام 2014 ، و يأمل أردوغان في تعديل الدستور و أقامة نظام رئاسي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة و سيكون أردوغان المرشح الأوفر حظاُ للفوز بمنصب الرئيس .
لقد رحب اردوغان بأعلان اوجلان ، الذي تم اعداده بعد مفاوضات بين الجانبين منذ شهر أكتوبر الماضي ، وقال في تصريح صحفي خلال زيارته للدانمارك بعد يومين من اعلان اوجلان " ان الحكومة ستفعل كل ما هو مطلوب منها في اطار القانون وسنتخلص من بعض المشاكل بمرور الوقت وفي نهاية المطاف سنضع حدا لمشكلة عمرها ثلاثين عاما . واذا تم أنسحاب (PKK) بحلول نهاية عام 2013، فأن عام 2014 سيكون عاما جيدا للأنتخابات المحلية و البرلمانية، وهذا يخدم مصالح حزب الديمقراطية و السلام أيضا ." واعلن أنه سيسمح لوفد حزب الديمقراطية و السلام بزيارة أوجلان مرة أخرى للتباحث معه حول العملية السلمية .
حقا ان حل القضية الكردية سلميا سيتيح لأردوغان جني مكاسب سياسية هائلة ، و هذا ما دفعه الى القول في تصريح مثير للصحافة الأجنبية أنه سيحل القضية الكردية بطرق سلمية ، حتى اذا كلفه ذلك مستقبله السياسي .
و اذا كان أردوغان جادا و صادقا في تصريحاته و نياته ، عليه ترجمة هذه الأقوال الى أفعال عبر سلسلة من الخطوات العملية الجادة ، مثل تعديل الدستور عى اساس مبدأ المواطنة لا العرق والأعتراف بالحقوق القومية و المشروعة للكرد و القوميات الأخرى غير التركية في البلاد ,
ورغم بعض الأنتقادات المبطنة الموجهة الي اوجلان من قيادة الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني ، لتقديمه تنازلات مبكرة على حد قول مراد قره يلان ، الا أن خطة أوجلان لتحقيق السلام على اساس الحل العادل للقضية الكردية في تركيا تنم عن أدراكه بأن الحوار هو لغة العصر و بأن ما تعذر تحقيقه عن طريق النضال المسلح - رغم التضحيات السخية التي قدمها الشعب الكردي – سيتحقق بالنضال السلمي وقد أظهر ثقة بزعيم الحزب الحاكم -يعتبرها البعض مبالغاً فيها – ويأمل اوجلان قيام الحكومة و البرلمان ، الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم بخطوات عملية لأنجاح عملية السلام ، وعلى اردوغان تبرير هذه الثقة ، خاصة وان أوجلان ألقي الكرة في ملعبه أمام أنظار العالم بأسره . و العالم ينتظر منه الأستجابة لنداء السلام و عمل كل ما من شأنه تسهيل التنفيذ السلس لخريطة الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا . فهل يترجم أردوغان أقواله الى أفعال ؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة .
جودت هوشيار
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
326 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع