هيفاء زنگنة
هذا ما يفعلونه بالرجال… فكيف النساء؟
نقتبس، أحيانا، حين تصادفنا وقائع واحداثا، نجد ما يماثلها تاريخيا، مقولة كارل ماركس «التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة». لكن مراجعة عدد من الكتب والمذكرات والتقارير حول كيفية معاملة المعتقلين، بالعراق، منذ تأسيس الدولة، في عشرينيات القرن الماضي، وحتى اليوم، تشعرنا بأن مقولة العم ماركس بحاجة الى مراجعة. ولعل الاصح القول بأن التاريخ يعيد نفسه في المرة الثانية كمأساة أكبر. فخروقات حقوق الانسان، الموثقة، تكاد تصرخ بوجوهنا، تفاصيل مرعبة لممارسات لا انسانية، يرفض العقل تصديقها مما يدفع الانسان العادي، حماية له أو تهربا من المسؤولية واتخاذ موقف ما، الى التوقف عن قراءتها او حتى تكذيبها باعتبارها مبالغات لا تستحق الانتباه. وهي أفعال مورست طوال عقود، بلا استثناء، بدءا من حكومات الاحتلال البريطاني وحتى الحكومات الحالية، وليدة الغزو والاحتلال الانكلو ـ أمريكي وتشابكاته، الحالية، مع جمهورية إيران الاسلامية.
المأساة تتكرر كمأساة بالنسبة الى المعتقلين، ويزيد في عمق جروحها، انها تنفذ بحزمة مسميات «التحرير وحقوق الانسان والعراق الجديد»، وتحت مظلة تدعى «الديمقراطية» التي تنفذ الينا من بين ثقوبها، أحيانا، تقارير مخيفة، عن التعذيب الوحشي الى حد القتل. آخرها تقريران أصدرتهما منظمة «هيومان رايتس ووتش»، الاول بعنوان «العراق: وكالة استخبارات تعترف باحتجاز المئات» الصادر في 22 تموز/ يوليو 2018، والثاني في 19 آب/ أغسطس 2018، والمعنون»العراق: شهادات مرعبة حول تعذيب معتقلين وموتهم». يستند التقرير الاول الى شهادة عالم الآثار فيصل جبر (47 عاما) الذي أعتقل في موقع أثري في شرق الموصل، وأقتيد إلى منزل من طابقين بالقرب من مكتب الأمن الوطني في الموصل. رأى جبر في الطابق الأرضي من المنزل 4 غرف تُستخدم كزنزانات لاحتجاز السجناء، فيها ما لا يقل عن 450 سجينا احتُجزوا معه، بحسب تعداد الأشخاص اليومي. احتُجز جبر48 ساعة، تحدث خلالها مع 6 رجال وصبي في الزنزانة معه، وأخبروه أن الجهاز احتجزهم لمدة تتراوح بين 4 أشهر وسنتين بتهمة الانضمام الى داعش. نفت وكالة الاستخبارات وجود المعتقلين عندما راسلتها المنظمة الا ان الوكالة اعترفت بعد ذلك في رد مكتوب بأن «الجهاز الامني يحتجز المعتقلين في مركز واحد في الموصل بموافقة «مجلس القضاء الأعلى» في نينوى، وأن جميع المعتقلين يُحتجزون بموجب أوامر توقيف قضائية، ويمثلون أمام قاضٍ خلال 24 ساعة من الاعتقال، ويُنقلون إلى سجون وزارة العدل عند الحكم عليهم». وهي عملية تفندها شهادات المعتقلين.
أما التقرير الثاني فيضم شهادات معتقلين أتهموا بالانضمام الى «الدولة الاسلامية» وأطلق سراحهم بعد اشهر من التعذيب بدون توجيه تهمة. من بينهم محمود البالغ من العمر 35 عاما.
سلم محمود نفسه إلى مسؤولي الاستخبارات في الموصل في كانون الثاني/ يناير، بعد أن أخبره صاحب العمل أن الاستخبارات قد أصدرت مذكرة توقيف بحقه. احتُجز 4 أشهر، لأنه اشتُبه في انتمائه إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». أحتجز في زنزانة مساحتها حوالي مترين بثلاثة أمتار، مع 50 إلى 70 رجلا، احتُجز العديد منهم لعام كامل. تم تعليق محمود في وضعية «البزونة» (القطة) 6 مرات على الأقل أثناء احتجازه طوال ساعات. وخلال 4 مرات على الأقل، فقد وعيه قبل أن يتم إنزاله. في بعض الأحيان كان العناصر يدلقون الماء عليه قبل أن يعاودوا ضربه بكابلات معدنية. قال إنه عندما استعاد وعيه كان مستلقيا على الأرض، ورأى معتقلَين آخرَين، كليهما عاريين، راكعين في وضع «العقرب» وكانت أيديهما مربوطة خلف ظهريهما. مرة أخرى، أحضر الحراس 3 سجناء آخرين، وبدأ رجال الأمن بضرب اثنين منهم، ثم قاموا بتعليقهما من أيديهما، التي كانت مقيدة خلف رأسيهما، على خطافين بجوار نافذتين صغيرتين في الغرفة. كان واحدا بملابسه الداخلية، والآخر عاريا. بعد فترة من الوقت، أمر الضابط الأعلى رتبة في الغرفة رجال الأمن الآخرين بربط قنينة ماء بسعة لتر إلى خيط وتعليقها بقضيب كل منهما.
«بعد مرور 3 أشهر على احتجازي، ثبت أحد رجال الأمن كتفي، وأمسك آخر ساقي، والثالث الذي كان يرتدي قفازات أمسك مسطرة معدنية صغيرة تم تسخينها على موقد الشاي ووضعها على طول قضيبي. انتفضت من الألم، فحرقني رجل الأمن للمرة الثانية على خصيتي. أحرقوا المعتقل الآخر مرة واحدة على قضيبه أيضا. ذهبت إلى الطبيب بعد أن خرجت لأني ما زلت أعاني من ألم شديد، لا أستطيع ممارسة الجنس أو القيام بأي شيء، ولست متأكدا إذا كنت سأتحسن».
من يقرأ شهادة محمود، سيلاحظ صعوبة ان يحافظ الانسان على انسانيته في ظروف لا انسانية، وان كان لايزال قادرا على الاحساس بانحداره نحو هاوية قد تصنع منه جلاد المستقبل. يقول محمود: «أشعر بالخجل من الاعتراف بأنني بدأت أشعر بالحماسة كلما رأيت سجناء جدد يصلون، لأن ذلك كان يعني أن رجال الأمن سيكونون مشغولين معهم، ويتركوني وشأني». وحين مات احد المعتقلين بعد اعادته من جلسة تعذيب ورفض الحارس فتح الباب ونقل الجثة « عندما أدركنا أنه توفي، قمنا بشيء جعلنا نشعر بأننا لم نعد بشرا، حيث جردناه من ملابسه وأخذناها، لأننا كنا جميعا بحاجة ماسة إلى الملابس».
تسعة رجال ماتوا في زنزانة محمود نتيجة التعذيب. كان من بينهم رجل « ظل يقول لعناصر الأمن إن ليس لديه أي صلة بداعش، لكنه تزوج من امرأة ثانية، مما أغضب زوجته الأولى فبلغت عنه قائلة إنه ينتمي إلى التنظيم. بعد اربعة ايام من التعذيب أعاده حارس إلى الزنزانة، ولم يستيقظ في الصباح».
كان هناك 3 زنزانات، إحداها زنزانة للنساء المحتجزات، وقد عرف محمود ذلك من أصواتهن. السؤال الذي يتبادر الى الذهن حال قراءة هذه الجملة هو: اذا كانوا يعاملون الرجال بهذه الطريقة… فما الذي تلقاه النساء؟ ولدى المنظمة، الآن، أسماء أربعة من المسؤولين عن التعذيب والجلادين وتم الابلاغ عنهم الى الحكومة. الا انها لم تتخذ أي اجراء ولو للتحقيق في تعذيب وقتل الابرياء. فهل سيكون من المجدي، لحث اعضاء البرلمان، باعتبارهم ممثلين للشعب، على المطالبة بالتحقيق ووضع حد لتعذيب المعتقلين، ولو من باب من يدري، قد يتم القاء القبض على أحدهم للتحقيق مستقبلا، وضع شاشة كبيرة خلف منصة جلوس رئيس البرلمان، بمواجهتهم تماما، لعرض شهادات المعتقلين وصور اجسادهم المشوهة، بشكل مستمر، على مدى تواجدهم بالبرلمان يوميا؟.
701 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع