بقلم: د. منير موسى
بَهَاءُ طَلْعَةِ الجَوْنَاءْ {الدّيوان السّابع}
ورقُ الغارِ
---------
ضِحكة مسلوبة لمضطهدين، لمفجوعين، لغَرْثى، هل ترجعون؟
كدّستمُ الكبرياء والقريض
بالرّفاهيّة واللّيموزين، فهل تغالبون؟
كم حزبًا وطنيّا أنتم تؤلّفون؟
زجاجاتٍ تحرق ربوع أوطانكم تشربون؟
طُلُّوا على المحتاجين من أبناء شعبكم
عليكمُ العافية تطلّ، ولا تحبسوا صِغار القَطْر الدّائم
وسلام على العالَمين
واكِفٌ مُنْهَلّ
-----------
من خلال الصّخور تنبجس الينابيع
سقوط مياه النّهر من العلى يُدفق الشّلّالا
نَبَا المَرْبَع وكشّرت أرض الحُزون
خصوبة الرَّبع تَشوق الغِلالا
المُؤْثِر النّفسَ لا يحمي حصانته
ويحكّم في طموحه الأغلالا
يمشي القطيع بلا هَدْي ولا هدف
بدون بوصلة يلقى المُحالا
وتُرْتَقَى صهوات الهذاليل مُسرجةً
قطرات بخار الماء تسقي التّلالا
وإن شطّ الرّجاء والأوطار
تغدُ الأحباق وحدَها اسْتِهلالا
لغتي عشقي، وحبّيَ اللّغاتِ طُرًّا
وخمائل الْبان مُنغِبة هلالا
أودّ شعبي والشّعوب قاطبة
تمتاح حرّيّة، وتأبى إذلالا
هَزار الجُلّنار
-----------
يسقسق الدّوريّ، يصدح الهزارُ
في غفوة الغَلَس، يبسُط جناحيه النّهارُ
يفْترّ الكون، فيستأنسَ الجُلَنارُ
بمُونتها لا تأبه العصافير
لا تحقد، ولا تغارُ
لها وطن البراريِّ، وغيْطها المِعطارُ
لها رُحاب السّماء، حناجرها أزهارُ
جريدُ النّخيل الأخضر، عُذوقُه
كوثر البساتين والمِسطارُ
فلا تحسُدْ، أو تخاصم، ولو كنت تُجارُ
ديْدَنها النُّزُهات، على أبسطة الرّياح، والأسفارُ
الرّيش خلّاب، بَلَلٌ يرقرقه،
والأحمرُ المِنقارُ
نشاطًا استبشارًا بالخير
حبًّا تُعلّمنا، فيفوح غارُ
وتهمس لغِنوة الأدواح، كيف تُحفَظ الأسرارُ
وعندها، يُوَرِّد محيّا الطّبيعة الجُلَّنارُ
نُدْحة وغِمار
----------
صرتَ ثريًّا وافر العلم؟
فإن تلتحْ، تقلْ: يا ذهب، اسقني؟
على شعبك هل تتشامخ؟
وإن جعت، تقل: يا مال، أشبعني؟
وإن سلبت حقّ أخيك وأختك، تقلْ: مَن يحاسبني؟
وإن فقدت الضّمير، تقلْ:
أفعل في الدّجى ما يروق لي؛
فمَن يراني؟
لا، وحدَك ستندم باكيًا، وتقول:
سلب الطّمعُ نفسيَ منّي، صَحّتي وأغلى النّاس عندي
وكلَّ دنياي، أثملني، دمّر إنسانيّتي وأطاح بوجدانيّتي
يا ناصبًا منظوماتِك
------------------
يا ساكنًا بين نُوّار اللّوز ورَخّ الرِّهام، حاذر النّسورا
يا راقصًا على أنغام المَنون
مفتريًا رافعًا راية السّلام محرورًا
يا محبًّا قمرًا، يضيء الغَياهِم
كونك قلبًا بالصّحارَى معمورا
*
يا عابرًا بين الشّوك وورده؛ كي شاعرًا تصيرا
بهرتْك روعة الأشجار عاشقة الِاخضرار، تستهوي الطّيورا
صارت مطارًا للعصافير، معتّبة تناغي الزّهورا
هاربة من البارود؛ وتنادي: مَن يجندل الصّواريخ والصّقورا؟
*
يا مقسّمًا على الشّبّابة، والقطيع في حالة الجرّ حالمًا
في الوعور وراءك، أبكيت البوم، الغراب والشُّحرورا
*
يا محبّا للأطفال صَرعَى، ممثّل جبان أنت، شرَيْت الضّميرا
يا رائدًا سماء النّجوم حارقًا تلال الزُّقوقو مضاحكة
خُضْر السّفوح؛ لتستنشق العبير والبخورا
عميت عيناك عن حُلَل الطّبيعة
والشّارقةُ لألاءةً تُطلّ، تخلِب المبهورا
*
يا سامعًا سيمفونيّة الوادي
تسُدّ ألحان الرّواشح ناغبًا مِالغدير مِسطارًا مريرا
يا رافعًا راية شعبك، سمّوْك، فصرت شاعر الشّعارات
شاربًا للسّافح نرجسيًّا سِكّيرا
*
يا ناصبًا منظوماتِك شرقًا متعدّيًا، تذكّرْ
حال مَن ظلّ في الِاندحار مخمورا
يغلب التَّاريخ الجُغرافِيا
--------------------
تسخن الدّموع لَدى مغادرة القبيلِ
وتبرد حينما تقبّل خدّ الوطن الأسيل
فأنت غريب، ما دمت فيه مظلومًا
غناك في غربة ينوء بالفرح الدّخيل
فتلقى الأسى في هجرة
لماذا حييت بالعداء الوبيل؟
صراع الوطن والمهجر لا ينتهي
فهل يغيب بتعاقب الجيل؟
تمسح أحذية في المهاجر،
وتركت الأهل في كدح الحقول؟
هو الوطن، هواء، تراب وسماء
فتغيير انتمائك من المستحيل
أعظم من المحسوس هو، وما ليس من الأحاسيس
فكحيل العين ليس كمَن تكحّل بالمِيلِ
وطن بلا شعب
-------------
شبه الجزيرة بحر أحمرُ، داراتُها المحيط الهادي
سحائب بالجوّ حائرة تَمورُ، وَسْمِيُّها فوق البوادي
غاضت الأنهار فيها، حنّت لها شُحرورة الوادي
تِهامة، غوْر، حجاز ويَمَن صادي
شرّ السَموم يأتي باليَباب، صَبًا تلطّفه بكلّ نادي
رمال النّخيل، واحات، عطورها طِيب المِهاد
قحطان عارب، عدنان مستعرب، تصافحوا، وارقَوْا للرّشادِ
ضحايا صانعي الإرهاب، اتّحدوا
------------------------------
في السّجن الأبيض زجّوا الإرهابيّ الرّاديكاليّ خارجًا خليفة
أسقطوا الطّيّار ضحيّة إخفاء أسرار إجرامهم
ذئاب ولدت مثلها؛ من أجل تقطيع قُطعانِ
في مراعي الشّرق مشرقًا أبدًا
خلقوا عصابات، كيانات ظلاميّة، طوائفًا وحمائلا
لا ضمير، ولا لُبّ لها راكعة أمام المتوحّش
المنصّب نفسه شرطيًّا خاضعة ذليلة
لأعداء الإنسانيّة أسقطوا الأسلحة في الفيافي،
وهم صانعوهم
موّهوا العالَمين بقصف كاذب غادرِ
قتلوا، وشرّدوا أصحاب البلاد المدافعين عنها حفاة
لم يرحموا الشّيوخ، النّساء والأطفالا
بلا وطن، بلا مأوى، بلا طعام ولا ماءِ
هكذا ينظّمون الأصقاع على هواهم الِاستعماريّ المريض
فتصيرَ خارطاتهم وَبالًا على أطماعهم
وما يزرعون فإيّاه يحصدونْ
لكنّ دموع الأمّهات، الزّوجات والحبيبات في غضب العواصف
مَن يرقأُها، ويكفكف هُتونها المتواصلِ؟
ومَن يشفي جراحات القلوب، وضياع الأطفال
المحرومين المفجوعين المحسّرين ؟
على صهوة الأساطيل غابت رفاهيّات أبنائهم
وتبدّل الزّمان، وغاب الأمان
وما ينفع رغَدٌ أصحابَه، إذا صار غابرا؟
توّهوا أبناءهم عطاشًا، لا ناقة لهمُ، ولا جملا
بيْن ضواري المفازات في عَتْم اللّيالي
موشّحة عين مِيماس ومَوارس العينْ
--------------------------
بُو شُهوم لُقّب بالشّادف ساقيًا سارحة وسارحا
مُرويًا لحاصد لاهف، خَندريسًا منعشًا ماتحا
بو الذّهب شاغرٌ في شغفِ، عين ميماس تضيف السّمِحا
هلَّ من تلٍّ، على ريحٍ هفوفِ، اليمامُ قاصدًا عذْب الجِرانِ
*
حارث الأرض يغنّي للحَرونِ، وعلى الكدّانة الشّرقرقُ
نغِش ذو مِنْسر، أسوَد قزحيّ الرّيش شادٍ شارق
قمر متوّج على الوجود، نومَ ناطور مقاثٍ يسرِق
بين خَضْر ذرة مِن لابِد صائد فِرٍّ وسُمّانِ
*
في الموارس يجاري السِّمسمُ سُنبلًا وغَضّ زيتونِ
يُفرح اللّاميّةَ الموسمُ، قصرها في جُبّ طَيّونِ
بَرْقَش شاغِفهُ الطُماطِمُ، نغماته رحيق زيزفونِ
غدْرَ ضارٍ الْكلابُ تشُمّ، ثَلَّ صخرٌ نابَ سِرْحانِ
*
قاسم، صالح وأبي خضّروا، وحمَوُا الحِمى
جمعتْهم جَرأة اللُّبِّ مطلقين العهد والذِّمما
كَرَّ جامحٌ لِمغربِ
تحت وابلِ وزُرْقة السّما
نَجمة الصّبح سلامي أَرَبي، أُقْحُوانُ أَسْنِياءِ وطني
*
توضيحات
----------
عين ميماس: نبع ماء قديم، يقع غرب بلدتنا أبوسنان، نجمة الصّبح، في أوّل السّهل الشَّماليّ. وكان روح حياة السّكان.
موارس العين: تقع بمحاذاة عين ميماس غربًا. كروم زيتون وسهول.
الكدّانة: آلة مصنوعة من خشب سميك متين على شكل ثمانية ^، توضع على عنق الحصان، أو الثّور بين الحارك والعُرْف. يُربط بها عود الحراث.
التلّ: يقع غرب البلدة، شرق العين، مشهور بزيتونه.
أبو الذّهب: وادٍ يجري من الوعور الشّرقيّة للبلدة، يزنّرها غربًا جنوبًا واصلًا إلى السّهول عندما يفيض.
قاسم وصالح زيناتي: صديقا العائلة، هُمامان خضّرا على أرض البلدة مع أبي. ثلاثة فوارس بشجاعة وطِيبة نادرة.
مفاوحة
------
إن يدمعْ الحقّ، يشجَ له الوطنُ
يرُخّ ليلًا قطْرُ، يهزِج عشب وعَطَنُ
يفوح مِالطّبيعة عطر، يبشم حِبّ وبطِنُ
كِبْر غال وبطَر، هل الضّمير قُطْن؟
*
إن شردت شُطور، حنّ إليها الفطِن
وإن كَلّ البصر، شدّ النّوى شطَنُ
وإن سِيمَ قُطْر، يأْسَ له القطينُ
هيرودس
--------
حكم الجليلَ ذلك الدّخيلُ
متجبّرًا مُرائيا، عاث في الشّرق، لأمجادٍ سليل
*
طُرق، خرائط، تيتيم شعوب، شرطة بلا قوانين تغيل
ما لكم وللشّعوب؟ يا غُلاةُ، ناطحاتكم ندَمها يسيل
ذائبات كلّ مصنوعاتكم، مَحتِد الشّرق أثيلُ
مَهٍ
---
سهولك ساحرة، سماؤك حالمةْ
صروحك دامسة، سحورك هامسة
سماؤك رائعة، دموعك دامعة
*
صِراطه سرّه، كلامه عَمْده
حصاده سُمّه، طعامه لَسعه
عطاؤه هَمْعه، طِلاؤه ملحه
*
علاؤك رامح، رِهامك نافح
سلامك هاطل، وئامك عاسل
حصادك كادس، عمادك حارس
*
صداحك حادر، عدوّك واهم
دواؤك حادس، كلامك صارم
نَشاص ماطر، وروحك هائمُ
موشّحة جبل الخرّوب
-------------------
{يقع في الشّرق الشَمالي لقرية بوسنان- نجمة الصّبح. كان قفْرًا، واليوم جنّة. أحبّه.}
جبل يرنو إلى الخِضمِّ، سهم عينيه أذاب الموجا
شجر مهيمن الظّلال غامق كخُضرة التّلالِ
قد تتيّمت به الدّوالي، موعد لها مع السّلال
أيْكة تضوّرتْ جفافًا، رياحًا، بَرَدًا وثلْجا
*
قاطنوه عِشرتي أحبابي، أنْبعوا الكوْثر من اليبابِ
حبَقًا، يزهو بتسكاب، نُضْرة الطّيّون في الهضاب
واكِف على مراعيك ليلكيّ الخوْخ، قد أرِجا
*
قُنْفذٌ جنادبًا يصيد، أمْعُزًا وغنَمًا يقودُ
سارح، أُرْغوله يجود، ترقص الجِداء والرُّنودُ
في غَلَلٍ ابْنُ آوى، إيّلٌ يرغو، وقد خَلِجا
مُدام النِّيل
---------
جنّة أنت، فَنن الشّباب الفاره الرّطيبِ
جادت عليك الينابيع ثَرّة بثوبها القَشيب
أغاريدك كعذب ماء النَّاهور النّغّاض الصّبيب
مروّي الصّادين، مَلهى الصّائدين، غُرّةٌ مُبَرْقَعة بشُؤْبوب
صبيح الوَجنتيْن غَضّ ناضر عذْبه مالك للقلوب
وجهك بارقات المجد، فوّاح، رَشاح الطّيوب
غابت غَمّة دُجْية الشّتاء الكالح عن المكروب
تضوّعتْ بالأريج هُتافات حرّيّة ريْحانة الهبوب
سلسبيلك راح، رُحاق نسيم الشَّمال، أحباق محبوبِ
صدْح جَنان المستهام، كَبْوة فُلول الضّيْم مع أُفول المُريب
شلّالاتك سلاسل فضّة، ضفاف هائمة بالنّخيل الطّروب
هُيام الجُندول بالموج، هديل الرّقاطِيّ على الخرّوب
مناهل الطّيور، جوقات القوافل، زقزقة حناجر الشّعوب
لبس البائسون بُرود رَحْب الفضاء، واخضوضر يباب السّهوب
مصر، أمّ الدّنيا، مضيئك الصّدّيق باهر المحيّا، يوسف بن يعقوبِ
مُصادحة
--------
دحرج صخرة صمّاء ذئبُ
فارتقاها غِرّيد، يستعبُّ غِنوة وناغية تُستحبّ
فاستحالت برقوقة، تشرئبّ
تنشر الأرَج رذاذًا، وتعُبّ
من العِهاد، وتسترغب
غار عَمَلَس، في دُجْية يدُبّ
دَبَّ عَشْواءٍ، لا تستتبّ
يطأ القندول، وليلًا يستغِبّ
ريمٌ جفاه، سلوى وحِبّ
غيَّب فَغْمةَ فُلٍّ غيهبُ
مُزهر عاد، يرنّ، ويُغْرِبُ
مِصر الحضارات
----------------
رياح الشَمال، أنداء البحر الأبيض المتوسّط
تحمل أعراس الهوازج، وتبحر افترارات الصَّبا
من سماء نسور البحر الأحمر
مفعمة بنصاعة بياض البلشونات
خَادنة الأسماك وأعالي الصّخور
تشقشق القوافل على أرجاز الحُداة
أهل الجزيرة، صعيد مصر، سيرة الهلاليّين ألحان القُدود
على الرّبابات مضمّخة سماء الطّيور
أنت، يا نيل، مُعجِزَة أنهار
هذا الكون
ثّرٌّ غزير، لا تمنّن، أبيض بلّوري
وأزرق كسماء الصّيف، هبة
هديّة كيمة وتاكيمة الخمريّة
وإلى بحيرة ناصر العظيم
تعود أصليّ المسار والمسير
موشّحة الوادي الشّرقيّ
---------------------
{يقع شرق بلدتنا بوسنان صاحبة الاسم القديم الخلّاب، نجمة الصّبح}
مرتع الصِبا وعزف النّاي، سارحات حبّها المراعي
انسياب نغم الرّواشح، مُنغِب لمُغتدٍ ورائحِ
شعطات الزّعتر الفائح، قِرمِزيّ الأثَل اللّافح
حجل، دجاجة الفِرعوْن، رَخْمة تصطاد للرّاعي
*
عزف سنديانة ظليلة، نفحات غصنها بليلة
بلسم للأنفس العليلة، للبُزاة جنّة، خليلة
سواقٍ تضحك للجداول، فتغرّد لها المراعي
*
بقلة توشوش الصّخورا، غُدُر تضاحك الحَرورا
شُوحة تعزم الشّحرورا، حمَل يرتع، يغنّي حبورا
خِرْبة السّلْمى يضُوع منها لوز فَرْك، عنب اليَفاعِ
لُؤلؤٌ في خِضَمّ اللّأْواء
--------------------
تضيء النّجومُ، يسود الوُجومُ
وتهمي الغيوم، بشبر يعوم
مُنيف الشّعارِ
*
سُنونو يحوم، وتهوي رُجوم
وتكوي كُلوم، دَعِيٌّ يروم
أُفولَ النّهارِ
*
بماض خُروم، بشعب شُرومُ
خصام، سُموم، تروغ السَّمومُ
بزهر النّهارِ
النّخيل
-----
يلاحق العُقاب طفلًا حافيًا
ضيّع أمّه راكضًا على شُحوب
شرانيف حجارة المساربِ
عطشانًا وجائعًا هائمًا على وجهه
هامًّا إلى الخِضمّ الأزرقِ
*
طارت رفاريف، وحطّت منه على الغارب
غصّ في شجى الغِنوة، وأطفأ الْتِياحَه
وكان له المالح المِصطارا
بعدما مرّروا ينبوع النّمير المعذوذبِ
وعنق تقلّد بالأسماك ملعبطة
دمع عصيّ، خفّف من وطأة انتظار الصّائدين
عندما سال على الخدّ المورّد الخالبِ
واحتوته الحديقة المغرّدة جوقاتُها
حاملًا حقيبته، وروّح جائعًا
فاستقبلتِ اللّججُ صراخ العُقابِ
لا للعاتي، ومَنغبي فُراتي
-----------------------
نَبَتِ الحبيبة، وطئتَ الفيافي
جزْت البحارا، حللت المنافي
مغصوب وغاصب، مجافٍ، مهافي
*
أعُبّ من دجلايَ من الزّلال الصّافي
ويهتِن الأبلق - البالمشات على النّخيل الغافي
ودُيومي ساكنات، تُهاهي للضّفافِ
*
سيرجع الكناريّ، وتُهزم السّوافي
أنا السّهوب الرّحيبة، جناحيَ مجذافي
أنا الفرات متيّمي، يُثمل بالسُّلافِ
لا لجماعتنا، ولا لجماعتكم
------------------------
وهذا لماذا؟ لا تقلْ: هكذا
أبناءَ إبراهيم وإسماعيل، لمَ الخساسات، المُهاترات، النّعرات والتّجنّي؟
من أيّة قبائل، بطون وأفخاذ انحدرتم؟
ما أسماء آلهتكم؟ من أيّة شِعاب جبال تدحرجتم؟
من أيّة زَنْقة وعراقيب وديانِ؟
مَن قال مدارسنا مدارسكم مختلطة؟
مَن هو الخالط والخلّاط هذا؟ والرّعاديد واجمون؟
غادرتمُ أوثان اللّات، مناة والعُزّى إلى غلاوة الهدى
والإيمان
أليس لسانكم أفصح وأرقى لسانِ؟
ألم تشربوا من ينابيع الحُميّا؟
مَن صبّ ملوحة مياه البحار
في رقراق العيون والغسّاق القَراح؟
شِيَعًا، أسباطًا وقبائلًا لن نتفرّقا
ألا، فاعلموا، الدّرزيّ خوي
والمسلم قُرّة عيني، ويحبّه قلبي
كرَمكم من بني طيء، شجاعتكم من الدّواسر
قواعد لغتكم من سُليْم، كُتّابكم من ثقيف
شعراؤكم من وجدانيّة القبائل
تتحاربون مثل بكر ووائل، عبْس وذُبيانِ؟
انتشاركم من تميم، الياس ومضر
وتناصرون بعضكم كربيعة، وطاغية يخرج من بينكم كالزِّنْتانِ؟
لا! وحّدوا المولى يا جماعة، أحفاد نوح أنتم وبطولة الأنبياء ويعرُب بن قحطانِ
مُشعشعة
--------
غنّت لنا المناجل في ربوع الحصادِ
وعلى اكتافنا الوَرْوار مناغٍ للنِّجاد
وكانت أفراحنا مِقة، أناشيدا
أهازيجًا، رقصت لها قُنبرات الوادي
أخنَى علينا الزّمان والبُغاة في شِعاب الحياة
قذَّروا التاريخ، لم يرحموا أحدا
وهم ثُلّة الأوغاد
ملأتُ من جِراركمُ مناشلي فُراتًا شَمولا
أهديتمُ الفقراء بالعيد الأضاحي
وكان إدامكم زادي
سقينا الحساسين من أفواهنا، والخُضاريَّ
أيُحيي العُرسَ أغربةٌ شوادي؟
شجرة غَيْناء
-----------
بذلتمُ الرّخيص والغالي، كي تدركوا قمم المعالي
وأرضكم يَباب، تصبو للمسكوب، لوابل متوالي
منتدياتكم ضَنًى غالها، ألقُوا البَوارق والعوالي
تفقّدتمُ الغَرْثَى والأيامَى، أم نشاوَى بموّالِ؟
أغيثوا النّوايا، صفُّوا، استنشقوا نسَم الشَّمالِ
تغالبتمُ، تغاويتمُ، تشاوقوا، تذكّروا حبّ الأوالي
كمال قيس
---------
نَشدتُ الكمالَ، والكمالُ محالُ، ورُمت الرّجالَ، فكان كمالُ
سَنِيّ، حليم، جهْبذ، مِقدامُ، بين الأشاوس عِلمه شلّالُ
العاصي من الدّمع ينهمل، لا يرْقَأُ، وفيض مناقبه الغَرّاء ينثالُ
مثال المؤاخاة، على صراحة الحقّ مِعوال ومِئثالُ
وإنْ بات على الطّوى، فرَغَدٌ، لا يتأخّر، هلّالُ
زيْن المعلّمين، رائد المثقّفين، مدير المديرين، حمَل ورِئبالُ
لا تهرّبوا الجَهالةَ الجَهلاءْ
-----------------------
الجاهليّة جهل، حِلم، حُلم وحكومات قبائلٍ
غزوات، جمجمات وحمحمات السّلاهِب،
صماصمٌ تتعضّب على النِّصالِ
كانت لكم فيها الفَدافِد هي المَغاني
مخضوضرة الواحات، وملاذًا لكل ساري
للرّاهب المستأمن، وعُواء ذئاب في صقيع اللّيالي
غادرها الأُزْديّون، السُّليْميّون والهلاليّون
غِبّ حرب البسوس مضرّجة محاربين وأد البنات
سارين على سبُل خيوط ضوء الهلال
عشائر، بطون وروافد شتّتْ في رُحاب الأرض
شائدة صروح الحضارات على ألحان رُغاء قطارات العيس
ضحِك اخضرار السّباسب لكم،
وعلى اكتافكم بحار من حُمر المناقيرالجّذلَى
عابرين جبال الأيائل، على خرائط قرونها رفوف أحجالِ
لماذا تحجبون النّور عن أحلم، أغلى وأحلى الصّبايا
مشيحين عن الدّمع الهامع المِبلالِ؟
فلولا الأمّ والبنت ما كان النّور في استقبالكم
وارفين هكذا، سارحين مارحين
حاملين حجارة العلوم مخفضين صلافة المتعالي
فاغمدوا الأصاليت، واخفوها، ولا تهرّبوا الجهالة الجهلاء
راقئين عبَراتِ الكحيلة الكحلاء
ممطرة على الوشاح والشّالِ
غِنوة أرض الكلب
----------------
{أرض سهليّة، تقع غرب البلدة. تربتها حمراء مخمليّة معطّرة. تكثر فيها الزّراغيّ، الفِرّ، الهداهد، اللّاميّات، الصُّفريّات، الشّرقرق، الخُضاريّ، السّحالي، القنافذ المناجذ وديدان الأرض.}
سِمسم أخضر صاحب محدّث للرّيح بتربة حمراء
ناعمة كورق الخمائلِ
ذرة يانعة، تناغيها عرانيس فاتحة الِاصفرار
أبو الحنّاء مغرّد على ميْسها المتعالل
سنابل القمح والشّعير متحانية تموج
في ملاهي الذّعرة الصّفراء، أبي الحنّاء والغُريريّ المخاتلِ
مقاثي البطّيخ والخرّوش، غناء مناجل الحاصدين
وعرازيل المصطافين بالهواء الطّلْق
نوّاصة في سجْو اللّيل وسِلال الغِلالِ
حكاية الكلب والفلّاح مشهورة،
وسردتُها قصّة
نُصح وتذكير بالأمانة، لا أنانيّة طامع على أهله
كنِمس في محيط كروم القوم راضٍ بحقّ الغائلِ
وكلّ ساكت على الظّلم باغٍ وصِنْو جافٍ وناغلِ
في صالات القصور
قياصرة صقور
-----------------
{بطرس الأكبر وقياصرة العُربان. قصيدة سُرَيْبيّة}
قياصرة العربان توّهوا شعوبهم
وهاموا في السّباسب، يسوقون الفارِهات
حولهمُ الهِجان، يرعوْنها
والقطاريز بالعباءات راكضون يلملمون الفتافيت
شربهم الخندريس، والمناسف
يغنّي لها العبيدُ
*
بطرس الأكبر قيصر في الثّالثة عشرة
غاصب ومغتصب الخادمات التّاعسات ملاحقات الرّغيف
صار ذلك المارد الجبّار حليلا
لأفدوكيا مطرّزة الفلّاحيّ عابدة الإيقونات
وأمامها جُزافًا السّجودُ
*
ولّى طِيب العيش أدراج الرّياح
طوّقه الستريليتز غدرًا به
لكنْ، طار به المُسَوَّم العَنجوج
وحالفه في بيت سيرغي حظّ جديدُ
*
على سُدّة الحكم في قصر الكريملن العريق
حاقدًا على الوجوه الرّجعيّة
على النّبلاء العائشين في الأساطير
سالبين ثروة الكنيسة، سلطة خانقة للنّاس
حصينة هي أسوار موسكو، ولو صارت الأرض تميدُ
*
سِكّير هو، منازع، أنفاسه لفائف التّبغ مطعّمًا بالرّنْد
حوله أجمل الغزالات، سادرًا يسقيهن من أقداح الطِّلى
في قصر نهر الياوزا
حفلات الماجِنين، مسرحها قصر لوفر، نجمها غِرّ وعِربيدُ
*
حارب الأتراك والإنكشاريّين، وعلّق المشانق على الشّبابيك
بكت إفدوكيا حليقة الشَّعر مغصوبة
باتت مخلوعة عن عرشها منتزعًا ابنها منها
ذلك هو قلب الحجر الصّدودُ
*
جلد ابنه أليكسي بالسّياط، ودّع الحياة محروقة روحُه
تعذيبًا من الطّاغي الرّهيبِ
ذرّفت إفدوكيا دمعًا قانيا، وتشاغلت برسائل الغرامِ
والعاشق هو غليبوف المغامر الجديدُ
*
لاقى حتفه غليبوف، وراهبات كثر
تحت عذابات الِاستجواب أمام ناظرَي القيصر
ذلك هو الفاشيّ، واسمه عظيم
ملك منتقم تعيس نُمرودُ
*
بطرس الأكبر ملك روسيا باغٍ مهوبُ
وتشارلز ملك السّويد مغامر مغلوبُ
والحرب بينهما ليست سِجالا
مدن سقطت، وسكّانها هربوا حفاةً
وقسوس حماهمُ الورَع والتّقوى
مع الضّدّية
وسبايا من الصّبايا، ولا مَن يرقأ دموعهنَّ
هيلينا الفتّانة تاجرَ بها ضابط الخيّالة دوتين
ضمير من الحجر الصَّلد مقدودُ
*
صارت كاترينا محظيّة وإمبراطورة
سرقها القيصر صاحب الكرْب والألم
ملاهيه متنزّهات العشيقات
مصانع بالشّراكة، لا يندَى له جبين ذلك الرِّعديدُ
*
بلغ ذلك الغِطريس قمّة المجد
وبطرسبورغ متلألئة
وهو الأب الأكبر وإمبراطور روسيا
لكنّ كاترينا، وبعد اثني عشر ولدًا، غدرها العشق والعاشق المَرود
*
ويُعدم القيصر الآمر النّاهي العشيق وليام غير آبه لعبَراتها
وجهها الصّافي كبحيرة ساكنة ما تغيّرا
لازمتها عيناه الشّرّيرتان حتّى القصر
خشيت أن يغالها ذلك الوَغودُ
*
حياتها معلّقة بخيط هشّ واهي
غيّب المَنون أولادها منغِّصين جَنانها
وتلُفّ بناتِها الأشجانُ
حزنت ابنتها أليزابيث على ضياع عريسِها منها لويسَ الخامسَ عشرَ
ونجت هيلينا – كاترينا من مصيرها المحتوم
وراح الإمبراطور الطَّموح الحائر الجائر من الدّنيا
خابت مساعي المجد، وغاب الماجدُ
وتعطّفها الشّجَى، وذبلت ورودُ
*
كثيرون هم قياصرة عرباننا
الجالسون عند آبار الذّهب الأسوَد ومصانع الدّولارِ
في صالات العرض يلمعون كالنّجوم
مَن يعرف وِجهة المخطوفين ظلمًا وعدوانا؟
مَن يعرف عدد المغدورين في رُحاب ممالكهم؟
أمام الكاميرات كلّ واحد مطهّم مُهملج، بسُبُحاته يجودُ
سمير
----
(أخي)
حشاشة القلب يا ملاك
حبيب كلّ البيت
قريد العشّ كنت سابعًا!
لوّعت أمّك بعمر الفَراش
كحلم مرّ سريعًا
تذكّرتك تشبيهًا
أحمر الوجنتين
عيون اللّوز الكحيلة
كنوّار العِلت!
طللت شهابًا
ما عرفت أحدًا
سوى الفراشات والأزاهير
وعصافير الجنّة!
1762 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع