الكاتبة اسراء العبيدي
أشهر من بافروتي -قصة قصيرة
كانت الحرارة شديدة في مطار النجف الأشرف . وليس في ذلك المطار أبنية كبيرة والمدينة تبدو على بعد منه لايكاد يظهر منها أطراف المآذن .
وفي قاعة الطعام قدمت وجبة من الطعام . وعلى مائدة المقصف هنالك قالت لي جدتي : إن أفضل طريقة لإطفاء العطش في تلك البقاع هي شرب الشاي ساخنا جدا . وعلى الفور نادت النادل .
تناولنا الشاي ومن ثم حدثتني جدتي قائلة : يا ابنتي لقد دعوت لك اليوم في أرض النجف أن يرزقك الله بشاب يحبك .
لم أدرك كلامها جيدا لأنها توقعت لي أن أقع بعد أيام في الحب . على حسب قولها إنها دعت لي .
وبعد مرور خمسة أسابيع تقريبا إلتقيت صدفة بشاب حسن المظهر في محل البوظة ومباشرة فكرت بما قالته لي جدتي وقلت لنفسي : لربما جاء موعد تحقيق نبوئتها .
هنا فقط أدركت جيدا سيتحقق ماتنبأت لي به . ومن يومها صرت أذهب لمحل البوظة وصرنا أنا وذالك الشاب نلتقي ونتبادل الاحاديث . حتى جاء يوم رأيت فيه مالم أكن أتوقعه ولكني حاولت جاهدة أن أكون صامدة والتزمت الهدوء . وتناولت كأس من البوظة ﻭﺟﻠﺴﺖ أﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭ ﻟﺸﺎﻃﺊ ﺍﻟﺒﺤﺮ .. من شدة الألم رددت بين نفسي قائلة : ﻟﻦ أﺟﻠﺲ ﻗﺒﺎﻟﺘﻚ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﺒﻮﻇﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ .. ﻛﻨﺖ ﺗﻔﻀﻞ إﺭﺗﻴﺎﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﻞ ... ﻛﻨﺖ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻃﺎﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﻃﺎﻭﻟﺘﻲ ﻭﺗﻠﻤﺤﻨﻲ ﻭأنا ﺍﻗﺮﺃ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭأﺗﻨﺎﻭﻝ ﺑﺎﻟﻤﺜﻠﺠﺎﺕ .. ﻟﻘﺪ ﻟﻤﺤﺘﻚ ﻣﺮة ﻭأﻧﺖ ﺗﺮﺍﻗﺒﻨﻲ ﻭﻛﻨﺖ ﺗﻌﻘﺪ ﺣﺎﺟﺒﻴﻚ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻓﻌﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﺩﻗﻖ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ .. ﻟﻘﺪ إﻋﺘﺪﺕ أﻥ أرﺍﻙ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎعة ﺍﻟﻌﺎﺷﺮة ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮة ﻭﺍﻟﻨﺼﻒ دﻭﻥ أﻥ ﻧﺤﺪﺙ ﺑﻌﺾ ﻛﺎﻟﻐﺮﺑﺎﺀ ﺗﻤﺎﻣﺎ .. ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻌﻼ ﻏﺮﺑﺎﺀ ، ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎﺫﺍ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮة ﺍلآن ؟ ﻟﻤﺎﺫﺍ إﻧﺘﻘﻠﺖ ﻋﻦ ﻃﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺜﻠﺠﺎﺕ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ ؟ ﻟﻤﺎﺫﺍ أﺣﻀﺮﺕ ﺍﻧﺜﻰ ﺍﺧﺮﻯ ﻟﺘﻘﺮﺃ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﺘﺎﺏ ؟ أﻳﻮﺟﺪ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺣﻘﺎ ﻋﺘﺎﺏ ﻭأﻧﺎ ﻻ أﻋﺮﻓﻚ ؟.. ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﻐﻴﺮﺕ ﻣﻼﻣﺤﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻨﻲ أﻫﻢ ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ ﻛﺄﻧﻚ ﺗﻮﺩ ﺃﻥ ﺗﺨﺒﺮﻧﻲ ﺷﻴﺌﺎ ما .. ﻛﻨﺖ ﻏﺎﺭﻗﺔ ﺑﺪﻭﺍﻣﺔ أﺳﺌﻠﺔ ﺣﺘﻰ إﻧﺘﺒﻬﺖ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺗﻤﺪ ﻟﻲ ﺍﻻﻭﺭﺍﻕ . ﻭﺻﻮﺕ ﻳﺨﺒﺮﻧﻲ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﺜﻠﺠﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻭﺷﻚ ﺍﻟﺬﻭﺑﺎن .. ﻧﻈﺮﺕ إﻟﻴﻪ ﻣﻠﻴﺎ .. ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ .. ﻛﻨﺖ أﻭﺩ أﻥ أبتسم ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ ﺯﻟﺖ أﻭﺩ أﻥ ﺍﺻﻔﻌﻪ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺤﻀﺮ فتاة ﺍﺧﺮﻯ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ...
إﺑﺘﺴﻤﺖ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪية ﻭﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﺍﻟﻮﺭﻕ ﻭﺭﺣﻠﺖ .. ﻣﺮ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺩﺧﻮﻝ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻤﺜﻠﺠﺎﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻃﺊ ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻱ ﺭﻏﺒﺔ ﻣلحة ﻟﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﺜﻠﺠﺎﺕ .. ﺗﻘﺪﻣﺖ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﻞ ﻭﺣﻴﻴﺖ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻃﻠﺒﻲ ﻭﻗﺪ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﻏﻴﺎﺑﻲ .. ﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﺍﻟﺒﻮﻇﺔ ﻓﻔﻮﺟﺌﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀﻱ ﻭﻳﺨﺒﺮﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻧﻔﺲ ﻃﻠﺒﻲ .. ﻧﻈﺮﺕ إﻟﻴﻪ .. ﻛﻨﺖ ﺣﺎﻗﺪة ﻋﻠﻴﻪ تماما .. أﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻘﺪ ﺗﺒﺴﻢ .. أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﺍﻟملعقة أﻣﺎﻣﻪ ﻭأﺩﺧﻠﺘﻬﺎ ﺑﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻜأﺱ ... ﻭﻗﻤﺖ ﺑﺘﻨﺎﻭﻝ ﻗﻀﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻮﻇﺔ ﻭﺗﻘﺪﻣﺖ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﺎﺋﻂ أﻭ ﻻ ﺷﻲﺀ .. ﻓﻔﻮﺟﺌﺖ ﺑﺼﻮﺕ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﻇﻬﺮﻱ ﻳﻘﻮﻝ " إﻧﻬﺎ ﺷﻘﻴﻘﺘﻲ ﻳﺎ حبيبتي .. إﺳﺘﺪﻋﻴﺘﻬﺎ ﻟﺘﺮﺍﻙ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ".. إﻟﺘﻔﺖ إﻟﻴﻪ لأﺭﺍﻩ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .. قال لي : ﺍﺗﻘﺒﻠﻴﻦ بي ﺯﻭﺟﺎ ﻟﻚ ؟
ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻓﻘﻂ إﺻﻄﺪﻣﺖ ﺑﺎﻟﻄﺎﻭﻻﺕ ﻛﺎﻟﺒﻠﻬﺎﺀ ﻭﺗﺒﺴﻤﺖ .. غادرت مسرعة دون أن أترك أي أثر حولي كنت أخشى أن يلحق بي ... جلست وحدي أبكي وبعد لحظة صمت لمت نفسي قليلا وقلت : سألغي حظوري لحفل بافروتي ... ولن ألتقي بذاك الرجل الغريب مجددا الذي كان يلاحقني ويتبعني لمحل البوظة . كل ما أتذكره أنه في يوم كلمني وقال :
ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻵﻥ ستكونين ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﺑﺎﻓﺎﺭﻭﺗﻲ ... .. تجاهلت كلامه تماما فإقترب مني وقال : ﻳﺎ ﺣﻠﻮﺗﻲ ، ﺃﻧﺎ ﺃﻋﺮﺽ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻟﺤظﻮﺭ ﺣﻔﻞ ﺑﺎﻓﺎﺭﻭﺗﻲ . .. هذا كل ما أتذكره .
ﻭﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ ﺳﺎعة جلست أﻣﺎﻡ التلفاز مسكت ﺑﺎﻟﻤﻨﺪﻳﻞ ﻭﺟﻔﻔﺖ ﺩﻣﻮﻋﻲ ، لأني تذكرت ماقالته جدتي لي ﺑﺄﻥ أياما ﺳﻮﺩﺍﺀ ﺳﺘﻤﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﺍليوم . بينما أنا أتحظر لحفل بافروتي يأتي من يحبه قلبي ليخبرني انه يود أن يخطبني .
عدت مرة اخرى لمحل البوظة دخلت مسرعة وقلت :
ﻫﻞ ﻧﺎﻭﻟﺘﻨﻲ ﻛﺄﺱ ﺑوظة ﻣﺤﺸﻮ ﺑﺤﺒﻴﺒﺎﺕ ﺍﻟﺒﻨﺪﻕ ؟
كان علي أن أختار بين حفل بافروتي وبين موضوع الخطبة . نعم أنا لااريد أن أكون أشهر من بافروتي ولااريد الغناء مجددا اريد أن أتزوج . بعدما أتخذت قراري وأنا أتناول البوظة بالصدفة لمحته من بعيد ، لكن هذه المرة مع امرأة اخرى فإن كانت في السابق تلك شقيقته هذه من تكون ياترى ؟ سيقول لي هذه شقيقتي الثانية أو عمتي أو خالتي لا أدري!!! . ليس علي أن أبكي ولايهم من هي ؟ المهم عرفته بياع كلام . وبينما أنا أبكي ناولي المنديل صاحب محل البوظة وقال لي : بدلا من أن تبكي مارأيك أن تشاهدي صوره وهو كل يوم مع فتاة في محل البوظة . ذهبت إليه وقلت له : ستندم لأني سأصبح يوما ما أشهر من بافروتي . مرت الايام وها قد بيعت تذاكر الحفل ، إلا أن هذا الرجل متعهد الحفل وجدته يغازل أي فتاة جميلة تمر أمامه دون أي خجل . عندها فهمت إن جميع الرجال متشابهين . ابتسمت لكي أخفف على نفسي قليلا وذهبت مجددا لمحل البوظة. ووجدت صاحب المحل كان بإنتظاري وعرض علي الزواج . وفهمت جيدا من خلال كلامه إنه كان يخشى علي من الوقوع في مكر الرجال . رقصنا معا وقلت له : لا اريد أن أكون أشهر من بافروتي اريد فقط أن أتزوج رجلا يحبني وأعيش حياتي سعيدة . شكرت ربي ورضيت بقدري وتزوجته لأنه فعلا كان يعرف قيمتي كأنثى ، ولكن الذي حدث إن الرجل الذي أحببته يوما ما وجدته مرة اخرى يأتي برفقة أمرأة إلى محل البوظة . كنت أحمل بيدي طفلي وأنا حامل بشهري الخامس رمقته بنظرة حقد وإبتعدت عنه . حملت مظلتي وهو جاء ليكلمني تحت المظلة سأتقدم لخطبتك وهذه كانت عمتي . ابتسمت ابتسامة ساخرة وقلت له : أنظر لنفسك وستعلم كم سيمضي من وقتك وأنت تضيعه مع هذه وتلك . حتى يحين يوما ما تستيقظ فيه لتجد نفسك وحيدا بين أربع جدران . تركته ورحلت ولم أخبره أنا تزوجت من صاحب محل البوظة . أحيانا لسنا مضطرين أن نشرح كل شيء . وهكذا أدركت أنا أصبحت أشهر من بافروتي لأني رقصت بفرح بعدما تزوجت وكونت اسرة وابتعدت عن من يريد خداعي .
وهكذا أدركت إننا قد تمر علينا أياما صعبة حتى نحصل على مانريد . وفي نهاية شهر آب وضعت مولودي الثاني وزف خبر جميل .
673 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع