باربارا أ.ليف
احتواء وكلاء إيران في العراق
تواجهه الولايات المتحدة في العراق، وبعض الاقتراحات للنظر فيها حول كيفية المضي قدما في الفترة المقبلة حيث يقوم السياسيون العراقيون بتشكيل حكومة جديدة.
ربما لم تكن هناك أي مشكلة تحيّر صناع السياسة في الولايات المتحدة، على امتداد ثلاث إدارات، في نهجهم تجاه العراق أكثر من مواجهة دور إيران والقوى الوكيلة لها التي أقامتها على أرض عدوها السابق. وسواء كانت واشنطن تستخدم أدوات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، فلطالما شعرت بخيبة أمل من قدرتها على
تقويض النهج الإيراني المفترس والمزعزع للاستقرار في العراق.
وعلى مدى العقد ونصف العقد الماضيين، حققت إيران هدفها الاستراتيجي الأسمى في العراق وهو: ضمان عدم قدرة العراق على تشكيل تهديد للأمن القومي لإيران. فقد استخدمت طهران مجموعة متنوعة من الأدوات؛ فقد نشرت وكلاءها من الميليشيات الشيعية المجهزة جيدا والمزودة بالمعدات والتدريب، والتي تحول بعضها إلى جهات سياسية فاعلة؛ وقامت برشوة السياسيين العراقيين وترهيبهم؛ وتد ّخلت بشكل مباشر في محاولة لتشكيل حكومة منصاعة (أو على الأقل غير معادية) في بغداد؛ واخترقت قوات الأمن العراقية. ولكنني أؤكد أن الكثير من النجاحات التي حققتها إيران سابقا كان نتاجا لاستغلال ثلاثة عوامل: الظروف الداخلية في العراق، وأخطاء الولايات المتحدة في السياسات والأنشطة على حد سواء، والبيئة الخارجية في البلدان المجاورة للعراق والمنطقة الأوسع. بعبارة أخرى، يجدر التفكر مليا بالتغييرات التي أحدثتها هذه العوامل الثلاثة - والتي ربما، بما يتعارض مع الإدراك السليم، لا تصب في مصلحة إيران بشكل كامل - كطريقة لصياغة نهج سياسي متجدد
ومتكامل تجاه العراق.
وفي هذا الصدد، في الوقت الذي يتّبع فيه مجلس الشيوخ الأمريكي [العمل] بالإجراء الذي اتخذه مجلس النواب الأمريكي للنظر في مشروع قانون - "قانون عقوبات الإرهابيين المدعومين من إيران" الذي يدعو إلى فرض عقوبات أمريكية على اثنين من الميليشيات العراقية التي تسيطر عليهما إيران وهما "عصائب أهل الحق" و"حركة حزب الله النجباء" - أود أن أحث الإدارة الأمريكية على تقييم كيفية استخدام هذه الأداة والوقت المناسب لذلك. كما أوصي الإدارة بأن تعرضها كجزء من استراتيجية متكاملة أوسع نطاقا وتم إعادة إحياؤها؛ وأن تقوم
الولايات المتحدة بذلك مع قياس التوقيت والتسلسل بحذر، من أجل تقليل التلاعب الإيراني بالقضية في هذه المرحلة الدقيقة من عملية تشكيل الحكومة العراقية؛ وأن تتشاور مع الحكومة العراقية الجديدة بشأن هذه الإجراءات.
وتمثّل العوامل الداخلية والخارجية للعراق تحديات جديدة وكبيرة بالنسبة لإيران في إطار استخدام قواعد اللعبة التي تمت تجربتها وتُعرف نتائجها هناك. كما أن عراق عام 2018 يوفر فرصا للولايات المتحدة إذا كانت واشنطن مستعدة لاستثمار الطاقة اللازمة في العلاقات الثنائية وقادرة على القيام بذلك. لقد أصبح من الملح أكثر من أي وقت مضى أن تفعل واشنطن ذلك. فالإحساس التدريجي بانحراف الاهتمام الأمريكي، إلى جانب التركيز المفرطعلىاختيار"ر ُجلُناالمنشود"فيكلمرحلةمنمراحلتشكيلالحكومة،يخاطرانبتركالمنافعوالفوائد لإيران. وخلافا لواشنطن، تنظر طهران إلى جارتها بعين لا تُرمش، وتعتبرها جزءا لا يتجزأ من جهودها في
سوريا.
يجب على الولايات المتحدة أن تقوم أيضا بما تجيد فعله - ما لا تستطيع إيران القيام به - وهو حشد شركاء إقليميين وأوروبيين آخرين، بالإضافة إلى مؤسسات مالية دولية، للإسهام في الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن في هذا البلد الحيوي.
مصادر النفوذ الإيراني
لطالما كان هناك ميل لدى بعض المحللين وصناع السياسة (بما في ذلك في منطقة الخليج) إلى النظر إلى المسار الرئيسي لإيران في العراق على أنه طائفي بطبيعته، نظرا للأغلبية الشيعية في العراق. وتؤكد مراجعة الأدوات المتعددة التي قامت طهران بنشرها بمرور الوقت على أن هذا المنظور قديم و ُمفرط التبسيط.
تاريخ مشترك مع البعض، ورغبة في العمل مع الجميع
في الأيام التي أعقبت مباشرة عراق ما بعد صدام، كان بوسع إيران الاستفادة، وقد استفادت بالفعل، من مجموعة من العلاقات الوطيدة والتاريخ المشترك مع طيف من الشخصيات السياسية الشيعية الرئيسية التي عاودت دخول السياسة العراقية، والتي أمضى العديد منها سنوات في المنفى أو في الاختباء في إيران. أما آخرون، مثل رئيس "منظمة بدر"، هادي العامري وأعضاء في حزب "الدعوة" و"المجلس الأعلى الإسلامي في العراق"، فقد كانت لهم أواصر قرابة أعمق، تمت صياغتها في القتال إلى جانب القوات الإيرانية ضد العراق في حرب 1988-1980. ولكن طهران لم تهمل أبدا العلاقات مع الزعماء الأكراد العراقيين، الذين واظبوا على التشاور
مع طهران بنفس القدر من الانتظام مثل الطبقة السياسية الشيعية في بغداد. وحتى القادة ال ُسنة تمت استمالتهم.
قواعد لعبة مألوفة
منذ الأيام الأولى لغزو العراق عام 2003، واجهت القوات الأمريكية ظاهرة الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، والتي نمت من حيث العدد والقوة والفتاكة على مدى السنوات الثماني التي أعقبت وجود القوات الأمريكية هناك. وفي الواقع، نجحت الميليشيات المدعومة من إيران في تنفيذ اثنين من أكثر هجماتها عنفا وفتكا، في كربلاء وبغداد، ضد الأفراد [العسكريين] الأمريكيين والبريطانيين، في ذروة الوجود القتالي الأمريكي في العراق عام 2007، عندما بلغ عدد القوات الأمريكية حوالي 166 ألف جندي، إلى جانب 12 ألف جندي إضافي من قوات التحالف. وقد انتشرت إيران بشكل منهجي بين هذه الميليشيات، حيث قامت بسحب عناصر من حركة
مقتدى الصدر ومن "منظمة بدر" بزعامة هادي العامري، لتشكيل جماعات مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله".
بيئة داخلية واعدة
أدى انزلاق العراق في دوامة من الاضطرابات، والعنف الطائفي، والتمرد ال ُسني التام إلى إفساد الجهود الأمريكية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، لكنه وفّر بيئة عملياتية متساهلة لجهود المساعدات الإيرانية الفتاكة. وعلى مدار كل انتخابات وطنية، أصبح قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي»
الإيراني، قاسم سليماني، صانع ملوك وسمسار قوي وراء أبواب بغداد المغلقة.
بيئة خارجية واعدة
كان العراق دولة منبوذة في ظل حكم صدام، وكان معزولا سياسيا واقتصاديا تحت وطأة عقوبات الأمم المتحدة، و ُمبعدا عن جيرانه السنة في أعقاب غزوه للكويت عام 1990، وكانت فرص إعادة اندماج العراق في الأسرة الإقليمية للأمم من عام 2003 فصاعدا ضعيفة جدا. وفي الواقع، ضمنت اضطراباته الداخلية قيام القادة العراقيين بالتركيز على الشؤون الداخلية للبلاد. وكان وجود القوات الأمريكية، حتى بعد توقيع بغداد وواشنطن على "الاتفاقية الأمنية" عام 2008، بمثابة عذر مناسب لقيام دول المنطقة بتجنب العراق باعتباره دولة "محتلة". كما أن التركيبات السكانية في العراق الديمقراطي، حيث دائما ما تنظر البلدان المجاورة للعراق إلى الغالبية الشيعية في البلاد على أنها "في جيب طهران" وستهيمن على الحكومة الوطنية، قد أعطت طهران الميزة
النهائية في ترسيخ عزلة العراق واستغلالها.
الولايات المتحدة: اللعب على المدى القصير وفقا لشروط إيران
إذا تمت المقارنة، ستبدو استثمارات الولايات المتحدة للموارد في العراق بين عامي 2003 و2018 وكأنها قد أضعفت حجم الاستثمارات الإيرانية (على الرغم من أن الأرقام الدقيقة عما تنفقه طهران متباينة). فقد بلغ إجمالي إنفاق واشنطن في العراق - والذي يشمل نفقات الدفاع وإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار وتقديم المساعدات - أكثر من تريليوني دولار. واهتداء بنموذج استُخدم في أفغانستان، اتخذت الولايات المتحدة أيضا [مبادرة] في عام 2005 لإنشاء ستة عشر فريقا لإعادة إعمار المحافظات في جميع أنحاء العراق (مع اندماج عدد أصغر مع الوحدات العسكرية الأمريكية حول بغداد)، بقيادة دبلوماسيين أمريكيين ويعمل فيها خبراء مدنيين مختصين من أجل تقديم المساعدة الإنمائية وبناء القدرات الفنية والإدارية، وتوفير التدريب في مجال سيادة
القانون مباشرة إلى مستوى المحافظات في البلاد.
لقد ترأس ُت فريقا كهذا في البصرة من 2010 إلى 2011، في بيئة شديدة الحركية معززة بمجموعة كاملة من الميليشيات المدعومة من إيران في البلاد، والتي كانت تش ّن هجمات متكررة بقذائف الهاون والصواريخ على القاعدة نفسها التي تواجدنا فيها والتي كانت مق ّر الفرقة الأمريكية. وعلى غرار استهداف القوات الأمريكية، تم استهدافي وطاقم الموظفين الذي عمل معي بشكل منتظم من قبل هذه المليشيات التي استخدمت العبوات الناسفة
والعبوات الخارقة للدروع.
لم يكن هناك أي شك في أن الموظفين الأمريكيين آنذاك، كما هو الحال اليوم، كانوا في وضع أقل حظا بكثير من "الدبلوماسيين" والعملاء الإيرانيين، الذين تح ّركوا بحرية في بيئة جعلتها طهران ووكلاؤها بصورة منهجية غير مؤاتية وغير آمنة بالنسبة لنا وللغرب عموما. وكان لتطوير هذه الميليشيات العراقية من قبل إيران أهداف
متعددة، وهي: خوض حرب غير متكافئة ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف؛ وتزويد طهران بأداة ضغط فعالة ونفوذ على حكومة صديقة ظاهريا في بغداد وضدها؛ وإبقاء العراق غير مستقر بشكل دائم، وتخويف الأجهزة الأمنية العراقية من قبل الميليشيات وجعل هذه الأجهزة غير قادرة على تقييد تلك الميليشيات؛ ورعاية بيئة قاسية وغير آمنة للحكومات الغربية أو الأعمال التجارية أو غيرها من الوكالات ذات التأثير الخارجي؛ وترهيب السياسيين العراقيين وعامة الشعب؛ وضمان استمرار تباعد العراق عن جيرانه السنة في نهاية
المطاف.
إن انشغال واشنطن في الانتخابات المتتالية (بتشجيع من السياسيين العراقيين) مع اختيار "الرجل المناسب" لترويجه كرئيس للوزراء كوسيلة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، كان في نهاية المطاف بمثابة خطة انطوت على مخاطر كثيرة وأتت بنتائج عكسية، لا سيما في حالة نوري المالكي. ومن المفارقات، أن المالكي كان أيضا "من أتباع سليماني". ولكن تسمية "رجل واشنطن" ظلّت تلاحقه، نتيجة العملية المط ّولة والمتنازع عليها بشدة لتشكيل الحكومة في عام 2010. فقد كانت السياسات الطائفية التي اتّبعها بعد انسحاب القوات الأمريكية، فضلا عن اضمحلال نهج واشنطن في الانخراط المباشر في العراق، قد ساهما بصورة مريعة في ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") وانهيار قوات الأمن العراقية في ربيع عام 2014 مع
اجتياح تنظيم "الدولة الإسلامية" للرمادي والموصل.
الانتخابات العراقية: نفور شديد للناخبين وعقد صفقات تتمحور حول بغداد
أنهى العراق للتو أول عرض من "المسرحية" المؤلفة من ثلاثة فصول، حول تشكيل حكومة وطنية في أعقاب الانتخابات التي جرت في 12 أيار/مايو. وقد تميزت هذه الانتخابات بإقبال منخفض للغاية على التصويت (44 في المائة كما ادُّعي ومن المرجح أن ذلك كان أقرب إلى 25 في المائة، وهي أقل نسبة حتى الآن منذ الانتخابات البرلمانية الأولى عام 2006)؛ وبالفساد الملاحظ على نطاق واسع، بما في ذلك إعادة فرز الأصوات؛ وبالافتقار إلى قيادة رائدة لأي من الأحزاب الشيعية؛ وبالانشقاقات داخل صفوف السنة والأكراد، ولكن مع ذلك تبقى هذه الجهة الأخيرة قادرة على التمتع بالسلطة والنفوذ في تشكيل الحكومة. وبالإضافة إلى الأداء الضعيف لرئيس الوزراء العبادي - على الرغم من تزامن فترة ولايته مع الانتصار على تنظيم "الدولة الإسلامية" - كانت المفاجأة الأخرى هي القفزة في عدد مقاعد "عصائب أهل الحق"، من مقعد واحد في عام 2014 إلى خمسة
عشر مقعدا في انتخابات هذا العام.
أ ّما في السباق لإقامة ائتلاف لتشكيل الحكومة المقبلة، فقد تنافس المرشحان الأ ّولان، مقتدى الصدر وهادي العامري، ضد بعضهما البعض لاجتذاب العديد من الحلفاء ذاتهم. ولم تلعب الأجندة السياسة أي دور، حيث كان التنافس حكر على التوصل إلى صفقة مقايضة غير مقيدة تماما بالمشاكل الهائلة للبلاد.
وقد ركزت الولايات المتحدة، وفقا لكل الروايات، وبشكل أحادي التوجه على ولاية ثانية للعبادي. ومن المربك أنه كان من أوائل المرشحين للانضمام إلى التحالف الذي شكله الصدر، والذي قاتلت ميليشياته القوات الأمريكية بين عامي 2003 و2011، وتعهد بالامتناع عن أي اتصال مع مسؤولين أمريكيين حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011. وقد دعمت إيران في البداية جهود الحليفين، هادي العامري ونوري المالكي، اللذين عملا
عن كثب مع إدارتين أمريكيتين متعاقبتين.
والاتجاهات السائدة: انتشار النزعة القومية، وتصاعد الإحباط إلى درجة الغليان بسبب انعدام الحكم الرشيد

انبثقت خطة تشكيل الحكومة المتمحورة في بغداد جنبا إلى جنب مع اندلاع احتجاجات عامة - وفي منأى عنها على ما يبدو - في تموز/يوليو في البصرة، أكبر مدينة في العراق وقلب موارد الطاقة في البلاد. وقد أدّى انقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه النقية المزمنين، اللذان ازدادا سوءا بسبب قيام إيران بتحويل التيار الكهربائي لاحتياجاتها المحلية، وبسبب الفشل الكارثي لمحطة معالجة المياه في البصرة، إلى إثارة الاحتجاجات التي
اتخذت منعطفا مذهلا وعنيفا في أيلول/سبتمبر.
وكان "رجل واشنطن"، رئيس الوزراء العبادي، الخاسر الأكبر في الاضطرابات الداخلية التي أعقبت تلك الاحتجاجات، حيث أوعز سماحة آية الله العظمى علي السيستاني علنا إلى السياسيين في بغداد بعدم اختيار أولئك القادة الذين سبق وأن " ُج ّربوا" (و ُوجدوا مق ّصرين). وكان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الضحية الأخرى، أ ّما الصدر والعامري، وهما منافسان سابقان مدفوعان من قبل قاسم سليماني، فضافرا جهودهما بهدف بناء العناصر الأولى لتشكيل الحكومة أي رئيس البرلمان ال ُسني ونائبي رئيس مجلس النواب. إن خفة إيران واستعدادها للتخلي عن عنصر ائتلاف مف ّضل (المالكي) والعمل مع آخر (الصدر) - على الرغم من التاريخ الحافل بالعلاقات الصعبة مع الأخير - قادا الطبقة السياسية في بغداد إلى اعتبار طهران الفائزة وواشنطن
الخاسرة في هذه الجولة من اللعبة السياسية العراقية.
لقد كان مشهد المحتجين العراقيين الغاضبين في أيلول/سبتمبر استثنائيا، حيث لم يدمروا رموز الدولة ويحرقوها فحسب، بل قاموا أيضا بهذه الأعمال وللمرة الأولى ضد مكاتب الميليشيات والأحزاب المدعومة من إيران، بالإضافة إلى القنصلية الإيرانية. وقد قدمت الأحداث - في معقل الشيعة في العراق - دليلا قويا على عاملين لا يبشران بالخير للمصالح الإيرانية على المدى الطويل، وهي: انتشار القومية العراقية (ذات الطابع المناهض لإيران وغير المستتر إزاءها) واشتعال المظالم العامة المصحوبة بسوء الحكم، وسوء تقديم الخدمات، والضعف الاقتصادي للعراق، على الرغم من مركزه كرابع أكبر منتج للنفط في العالم والثروة المرتقبة التي يملكها كونه
يمثّل خامس أكبر احتياطي للبترول في العالم، ثلثاه في البصرة.
عودة إلى أساسيات اللعبة الطويلة الأجل: نفوذ الولايات المتحدة وسلطتها
في ظل هذه الخلفية المضطربة، التي تبدو وكأنها مدارة ببراعة من قبل رئيس السياسة الإيرانية تجاه العراق، قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، من المغري الاستنتاج بأن الولايات المتحدة ستبقى دائما متضررة بشدة - وذلك بسبب قرب إيران وأدواتها القهرية وتسللها داخل الأحزاب والمؤسسات العراقية، وسنوات الجهد التي
بذلتها والتزامها بالمشروع.
لكن في حين لا تزال البيئة العملياتية في العراق تشكل تحديا كبيرا بالنسبة للدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين، كما كان الحال دائما، إ ّلا أن الولايات المتحدة تملك مجموعة من الأهداف المتماسكة - والأهم من ذلك - الإيجابية في ما يتعلق بالأمن القومي، تتوافق بشكل جيد مع أهداف العراق، ومن بينها حكومته القادمة، والأدوات الأمنية والاقتصادية والسياسية اللازمة لتحقيقها. وهذه الأهداف، القائمة خلال فترة حكم ثلاث إدارات أمريكية مختلفة جدا - والمتمثلة بقيام عراق مستقر وسيادي وآمن، ومدمج مع البلدان المجاورة له - لا تزال حيوية كما كانت دائما، وفي نزاع مع العرض الإيراني المقترح للعراق الذي حصيلته صفر. كما تناسب هذه الأهداف 60 في المائة من سكان العراق البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة والذين هم في سن الخامسة والعشرين أو أصغر سنا، والذين تعتمد طموحاتهم - إيجاد الوظائف، والحصول على خدمات عامة لائقة، والأمن - على خروج
البلاد من العزلة التي ابتليت بها لمدة أربعين عاما.
وقد ع ّززت عزلة إيران ومواردها المالية المقيّدة من نهجها القسري تجاه السياسيين العراقيين في هذه الفترة الأخيرة من تشكيل الحكومة. فانتشار وكلائها في عراق ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" قد منح طهران قدرة أكبر على تخويف زعماء الأحزاب السياسية في العراق أكثر من أي وقت مضى. وهناك وفرة من القصص الموثوقة عن تهديدات ضمنية بالقتل في ظل مزيج من المناقشات حول انتخاب رئيس البرلمان. لكن إيران معزولة في المنطقة الأوسع وليس لديها حلفاء سوى بشار الأسد في سوريا، و"حزب الله" في لبنان، والحوثيين في اليمن - وعلى الصعيد الدولي، طهران بحال أفضل قليلا بصرف النظر عن علاقات المعاملات الوطيدة
التي تتمتع بها مع روسيا والصين.
وفي نهاية المطاف، تعتمد طهران على عزل جارتها وإضعافها - واتباع سياسة ف ّرق تسد داخل المجتمعات الرئيسية الثلاثة في العراق - لتحقيق أهدافها الخاصة بالأمن القومي. كما أ ّن السياسات الاقتصادية لإيران وحشية هي الأخرى. وقد قلت اللهفة لهذه الأهداف والسياسات في صفوف شريحة مهمة من الشعب العراقي،
إذا أردنا أن نحكم على الأمور من أعمال الشغب التي وقعت في أيلول/ سبتمبر.
توصيات السياسة
في حين يمكن بشكل واضح تبرير فرض عقوبات على "عصائب أهل الحق" و"حركة حزب الله النجباء" من الناحية القانونية، إلاّ أن هذه العقوبات هي أداة ينبغي الاستفادة منها في التوقيت والتسلسل لتحقيق أقصى قدر من التأثيرات المنشودة والتقليل من قدرة طهران على استغلال رد الفعل العراقي المحلي.
عدم مقاطعة إيران بينما ترتكب أخطاء. تعاني طهران من بعض من أكثر انتكاساتها العامة والخطيرة في العراق منذ عام 2003، حيث هتف المتظاهرون "إيران برا برا"، وحرقوا صور المرشد الأعلى، ونهبوا قنصلية البصرة. إن فرض عقوبات أمريكية شاملة على "عصائب أهل الحق" و"حركة حزب الله النجباء" في الوقت الحالي سيؤدي إلى تشتيت انتباه طهران ومنحها فرصة لتغيير نهجها السردي، وإثارة القومية
العراقية، والضغط على السياسيين العراقيين للدفاع عن هاتين الجماعتين. إدراج "حركة حزب الله النجباء" على لائحة [الإرهاب] كطلقة تحذيرية في البداية. لن يؤدي فرض عقوبات
على "حركة حزب الله النجباء" إلى إثارة رد فعل سلبي كبير في العراق. فعلى غرار "كتائب حزب الله"، لا تشارك "حركة حزب الله النجباء" في العملية السياسية؛ وقد تم سابقا إدراج قائدها [على لائحة الإرهاب] "لتهديده السلام والاستقرار في العراق". كما أن "حركة حزب الله النجباء" لا تزال نشطة في سوريا، وأن استهدافها من شأنه أن يحقق الهدف المزدوج المتمثّل في إبراز عزم الولايات المتحدة على هذه الجبهة. وبشكل خاص، قد يتم إدراج الجماعة بأمر تنفيذي في أي وقت، إذ لا يلزم أن تكون الإدارة الأمريكية
مرتبطة بالجدول الزمني الخاص بالكونغرس. إصدار عقوبات بحق "عصائب أهل الحق" في الوقت المناسب. في الوقت الراهن، ينبغي على واشنطن
إرسال إشارة بكل هدوء إلى محاورين عراقيين رئيسيين مفادها أ ّن قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق"، و"العصائب" سيُدرجان على لائحة العقوبات في النهاية. ويجب أن يتم ذلك بحذر حتى لا تأتي القضية أشبه برمي قنبلة وسط محادثات تشكيل الحكومة، والتي من المحتمل أن تجبر جميع قادة المليشيات الشيعية - حتى الصدر - على توحيد صفوفهم. ينبغي على واشنطن أن تكون مستعدة للانتظار قبل إعلان الإدراجات الرسمية والعقوبات. وكما هو الحال مع "حركة حزب الله النجباء"، بإمكان للرئيس
الأمريكي فرض عقوبات على "عصائب أهل الحق" بموجب أمر تنفيذي في أي وقت.
فرض عقوبات على الخزعلي قبل جماعة "عصائب أهل الحق". يبدو أ ّن القادة العراقيين أكثر استعدادا لتقبّل فرض عقوبات على الخزعلي من فرض عقوبات على جماعة "عصائب أهل الحق" بشكل واضح، ويبدو أنهم ينظرون إلى قادة الجماعة على أنهم أكثر شرا من عناصر مقاتليهم. وقد سبق وأن قامت واشنطن بمثل هذه الخطوة من خلال إدراج زعيم "حركة النجباء" أكرم الكعبي [على لائحة الإرهاب] قبل سنوات من سعيها لفرض عقوبات على جماعته. وقد يؤدي هذا النهج إلى حدوث انقسام بين الخزعلي وقادة آخرين في "عصائب أهل الحق" وبين عناصر المقاتلين داخل الجماعة، الذين انضم الكثير منهم بعد عام 2014 على وجه التحديد لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وليس لتعزيز أجندة مؤيدة لإيران. أما إدراج جماعة "عصائب أهل الحق" ككل [على لائحة الإرهاب] فقد يتبع لاحقا. وفي الواقع، إن احتمال فرض مثل هذه العقوبات يمكن أن يحفز الحكومة العراقية على تسريح جنود "عصائب أهل الحق" على نحو أكثر استعجالا. التنسيق مع الحكومة العراقية الجديدة. قد تؤدي التشكيلة الأخيرة للحكومة المنبثقة - ورئيس الوزراء المستقبلي - إلى جعل هذه العملية أكثر تحديا، لكن الجهد المبذول لإبداء النية وسياق القرار، على انفراد وقبل الإعلان العلني في واشنطن، هو بادرة مشتركة "خالية من المفاجآت" تدل على الاحترام المتبادل
لحكومة دولة صديقة، وقد تساعدنا - ورئيس الوزراء الجديد - على إدارة رد الفعل الداخلي بشكل مثمر.
العراق عام 2018 لا يشبه العراق عام 2005 أو 2011
تتسرب النزعة القومية العراقية تحت سطح الجسم السياسي - مع وجود كراهية مقابلة تجاه إيران - وهو الأمر بالنسبة للإحساس الشديد بالغضب العام إزاء سوء الحكم والخدمات العامة.
وبالمثل، واشنطن تختلف أيضا
يبدو أن إدارة ترامب عازمة على "إصلاح" [ما تقوم به] إيران من تقويض الشركاء الإقليميين بطريقة مختلفة عن الإدارتين الأمريكيتين السابقتين. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستراتيجية هي أكثر من مجرد مشادات حامية وإعادة فرض عقوبات خانقة. ومن المؤكد أنه إذا كانت الإدارة الأمريكية جادة بشأن احتواء جهود إيران في المنطقة، فليس هناك دولة (باستثناء سوريا) أكثر أهمية للاضطلاع بهذا الجهد بجدية ومنهجية ونشاط؛ فعلى عكس سوريا، يقدم العراق أرضية تنافس أكثر تطهيرا. إن الجهود الأخيرة التي تبذلها الإدارة الأمريكية والتي شملت استدعاء السفير جيم جيفري للعمل كمبعوث إلى سوريا، فضلا عن الأدلة الناشئة عن وجود سياسة أكثر تماسكا بشأن سوريا - أي الاحتفاظ بوجود قوات أمريكية تقوم بدور المعيق والمقيّد، وإشراك
تركيا وإسرائيل والأردن والحلفاء الأوروبيين الرئيسيين - فهي مشجعة للغاية.
وهناك حاجة إلى بذل جهد مماثل متعدد الجوانب بشأن العراق، بمشاركة واضحة من كبار المسؤولين في واشنطن. وهذا ليس اقتراحا بالعودة إلى زمن مؤتمرات الفيديو الأسبوعية التي كان يجريها الرئيس الأمريكي أو نائبه مع رئيس الوزراء العراقي. ولكن يجب أن يكون واضحا للشعب العراقي، وطبقته السياسية، وإيران، أن واشنطن تلتزم التزاما راسخا بإقامة علاقة استراتيجية مع العراق. وستوفر زيارة مبكرة إلى بغداد وأربيل يقوم بها الوزيران بومبيو وماتيس إشارة واضحة على هذه النية. وينبغي أن يكون النقاش حول مهمة تدريب طويلة الأجل لقوات الأمن العراقية، بما فيها دائرة مكافحة الإرهاب، على رأس جدول الأعمال. لكن مسألة وجود قوة أمريكية يجب ألا تكتسح النقاشات حول جميع الجوانب الأخرى الخاصة بالعلاقة الثنائية. وبالمثل، إن الدعوة المبكرة لرئيس الوزراء الجديد وأعضاء الحكومة الرئيسيين لزيارة واشنطن يجب أن تحظى
بالأولوية، مع اقتراح اتباع نهج منظم للاجتماع سنويا.
وأخيرا، انحسار العزلة التي شهدها العراق في الأعوام السابقة
إن إرث صدام، بالإضافة إلى الحصيلة الثانوية الكامنة في "امتلاك" إيران لبغداد تحت سيطرة الشيعة، والعلاقات السامة بين العاهل السعودي الملك عبد الله ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والسياسة الإقليمية حول "احتلال أمريكا للعراق"، تم استبدالها بروابط معززة مع الأردن وبداية الاتجاه نفسه على الأقل مع جيران العراق الخليجيين. يجب على الولايات المتحدة الانخراط مع هؤلاء الشركاء لحثهم على تعميق مشاركتهم مع
بغداد.
لسنوات طويلة كان التنافس على النفوذ في العراق أشبه بالتحدي الوحيد الذي واجهته الولايات المتحدة ضد إيران. ولا يجب أن يكون كذلك. فحلفاء واشنطن العرب يملكون ميزة قُرب المسافات، واللغة المشتركة، والتاريخ (الذي ليس كله غير سار)، وبعضهم يتمتعون بإمكانات مالية كبيرة، ولجميعهم أسباب أمنية قومية جيدة لإعادة العراق إلى مجتمع الدول. يجب على الولايات المتحدة أن تفعل ما تجيد القيام به - وهو إرشادهم إلى الطريق [الصحيح].
892 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع