بقلم أحمد فخري
للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:
https://algardenia.com/maqalat/37689-2018-11-04-17-10-37.html
قصة قصيرة الرقيق الابيض (الجزء الثاني)
استمر بلال بالركض حتى وصل الى الشارع العام، نظر خلفه فلم يجد احداً يتبعه. فاطمأن وقتها ان القاتل صار بعيداً جداً وانه نفذ من قبضته. بهذه الاثناء رأى حافلة تتوجه نحو الموقف فقرر ان يستقلها ويعود الى منزله. وعندما وصل الى المحطة التي بالقرب من عمارته نزل من الحافلة وسار نحو البوابة الرئيسية. صعد السلم للطابق الاول ثم فتح باب الشقة ودخل، وفور دخوله قرر الاتصال بالشرطة مباشرة لاخبارهم بكل شيء الا انه باللحظة التي ضغط باصبعه على اول رقم للشرطة سمع جرس الباب فتوقع ان يكون صديقه چالاك، جاء لزيارته. فتح الباب فلم يشعر الا وعصاة غليضة تنزل على رأسه تسقطه ارضاً وتفقده الوعي.
كان يشعر بصداع شديد يحطم رأسه، فتح عينيه فوجد نفسه ملقياً على الارض بمكان غريب لم يعهده من قبل، دخلت على انفه رائحة كريهة لا تطاق وهو ينظر الى السقف والجدران المتسخة. رفع رأسه ونظر من حوله فوجد غرفة مظلمة وفتيات كثيرات قدرهن بخمسين فتاة جالسات على الارض كلهن جميلات ويبدو عليهن الحزن والاسى. استدار برأسه فوجد باب موصداً باحكام وبالقرب منه رأى حاوية كالتي بالمستشفيات خصصت للتبول. الغرفة لم يكن فيها اي شباك.
دنت منه احدى الفتيات بالغرفة وامطرته بجملة طويلة باللغة الاسبانية الا انه اشار لها بيده بمعنى انه لا يفهم ما تقول فتطوعت احدى زميلاتها الاخريات وقالت،
- انا اتكلم الانكليزية واسمي كرستينا، نحن نريد ان نسألك، لماذا اتوا بك الى هنا؟
نظر بلال اليها واجاب،
- لقد كنت شاهداً على جريمة قتل فتاة على الانترنيت.
- اي فتاة هذه؟ ومتى؟ ارجوك اخبرني.
- على حاسوبي شاهدت فتاة في العشرينات من عمرها وهي تقتل.
- وهل كانت ترتدي قميصاً ابيض وسروال جينز وذو بشرة سمراء؟
- نعم، نعم انها هي، كيف عرفت ذلك؟
لم تتمالك كرستينا نفسها فانفجرت بالبكاء المر، احس بانه اقترف ذنباً كبيراً في اخبارها بما رأى، قالت له بعد ان مسحت دموعها وهدأت قليلاً،
- ان القتيلة هي اختي الكبيرة واسمها اليخاندرا. تمكنت من الهرب بالامس من هنا لانهم ارادوا بيعها الى سمسار للفاجرات فاخبَرَتهمْ باننا عذراوات واننا لا نواقع الرجال قبل الزواج او إذا كنا نحبهم جداً لان تلك هي تقاليدنا ونحن لن نرضى ان نكون فاجرات. بالواقع لم نعتقد أن اختي ستنجو منهم لكن العصابة اخبرتنا بانهم سيردّوها الينا عاجلاً ام اجلاً وها انت تقول بانها قتلت. يا حسرتي على اختي المسكينة كم كانت طيبة.
- يؤسفني ان اكون من جلب لك هذا الخبر المحزن يا كرستينا. على العموم انا اسمي بلال، اصلي من العراق وقد التقطت صور للقاتل الذي قتل اختك، هل بامكانكن التعرف عليه؟، ساريكم الصور الآن.
دس بلال يده في جيبه كي يخرج الصور الا انه لم يجدها فعلم وقتها ان العصابة قامت بالاستيلاء عليها عندما كان مغشياً عليه. فقال،
- يبدو انهم اخذوا الصور مني عندما جاءوا بي الى هنا. وماذا عنكن؟ ما الذي جاء بكن الى هنا؟
- نحن مختطفات منذ اسابيع طويلة. جاءوا بنا من عدة اماكن من العالم وهم ينوون بيعنا للسماسرة واصحاب النوادي الليلية وبيوت الدعارة. انت تعلم ان لديهم رجال اشداء مسلحون يراقبوننا ليل نهار ولا يعطونا سوى القليل من الطعام كل يوم، ولا يسمحوا لنا بالخروج من هذه الغرفة ابداً. نحن لا نعرف حتى باي بلد نحن فقد احضروا البعض منا ببواخر واخريات بشاحنات كبيرة. تعتقد احدى زميلاتي هنا باننا ربما نكون بالسويد او النرويج.
- كلا، كلا، انتن في الدنمارك. السؤال المحير الآن هو، لماذا اتوا بي الى هنا ووضعوني بينكن؟
- حتماً هم يريدون التأكد من شيء ما قبل ان يقتلوك. هل لديك شيء تخفيه عنهم؟
- بالتأكيد يريدون ان يعرفوا اذا كان لدي نسخ اضافية من الصور التي التقطتها للقاتل. هذا امر لا يقبل الشك.
- وماذا ستفعل إذاً؟
- لا اعلم بعد ولكن يجب علي ان افعل شيء. فانا لم اءتي من العراق هارباً من العنف والإرهاب كي اختطف هنا بالدنمارك واقتل.
بهذه الاثناء سمع الباب ينفتح ويدخل منه احد افراد العصابة. كان طويل القامة مفتول العضلات وله منظر شرير ومخيف، نظر الى بلال وقال،
- انت، قف على قدميك وتعال معي.
وقف بلال وسار نحو الرجل فخرجا من الغرفة ثم أغلق الباب باحكام. سارا بممر ضيق حتى وصلا الى غرفة صغيرة وكان القاتل الذي شاهده بلال على الشاشة جالساً على كرسي بآخر الغرفة. عندما رأى بلال وقف وسار نحوه وقال وهو يبتسم،
- اهلاً بك في بيتنا المتواضع ارجو ان تكون قد أعجبتك ضيافتنا.
- كيف عرفت مكان سكني؟
- لقد تبعتك من بعيد دون ان تشعر يا غبي فركبت الحافلة معك ثم نزلت بعدك حتى دخلت انت شقتك فدخلت ورائك لاجلبك عندنا. عثرت على الصور بجيبك ثم قمت بتحطيم حاسوبك وبحثت عن نسخ للصور بشقتك فلم اجدها. اخبرني، هل لديك نسخ غيرها؟
- كلا ليس لدي اي نسخ غير التي بين يديك. اقسم لك بذلك.
- تقسم لي يا سافل؟ انا لا اريد قسمك بل اريدك ان تخبرني الحقيقة. وإن لم تفعل فانا ساخرج الحقيقة من عينيك بطريقتي الخاصة، فلدينا برنامج ترفيهي ممتع ينتضرك.
دخل احد الرجال الى الغرفة وهمس باذن القاتل. نظر القاتل لبلال وقال،
- ساعود بعد قليل، لا تذهب بعيداً.
خرج القاتل واغلق الباب خلفه فبقي بلال وحيداً بالغرفة.
وبهذه الاثناء صارت النساء تتحدثن فيما بينهن. قالت احداهن، "يبدو أن هذا الشاب لطيف جداً لكن العصابة سوف تقتله لا محال". فاجابتها كرستينا، "انا لا اعتقد ذلك فهو رجل ذكي وسوف لن يسلمهم كل نسخ الصور التي لديه والا فان دم اختي اليخاندرا سيذهب هباءاً. فاجابتها واحدة تجلس باقصى الغرفة، "وهل تعتقدين ان احداً منا سينجو؟ يا حبيبتي كلنا سنقتل عاجلاً ام آجلاً". فاجابت كرستينا، "ارجو ان ينجو بلال فهو شاب وسيم وذكي ويبدوا انه يحب الحياة و..." فقاطعتها احداهن وقالت، مهلاً، مهلاً، مهلاً كرستينا، ماهذا؟ هل وقعنا في الحب بهذه السرعة؟ اخبرينا هيا، اهو حب من اول نظرة ام هو (متلازمة ستوكهولم)؟" نظرت اليها كرستينا بكل ثقة وقالت، "إن متلازمة ستوكهولم هو الحب الحاصل بين الخاطف والمخطوف وبلال ليس بخاطفي. انسيتي أني كنت ادرس علم النفس بالمدينة الجامعية ببوكوتا؟ يا صديقتي، ان حبي واعجابي لبلال نابع من شهامته وثقته بنفسه، صدقيني هو لي انا وحدي".
بهذه الاثناء في الغرفة الثانية وقف بلال وحيداً وصار يتفحصها. لم يجد اي شيئ ينفعه للهرب، سار نحو الستار الذي يحجب الشباك وجد ان ذلك الشباك مغلق بالآجر من الخلف. عاد فجلس على الارض ينتظر مصيره المظلم وعندما تأخر القاتل وقف بلال ثانية وسار قليلاً ثم وضع اذنه على الباب ليسترق السمع فسمع نقاشاً حاداً وشجاراً بين اثنين لكن النقاش كان باللغة الروسية فلم يفهم شيئاً مما كانوا يقولون. مسك الباب وسحبه اليه واذا به ينفتح بسهولة فقال لنفسه، "يبدو انه نسي أن يقفل الباب باحكام" خرج بلال من الباب خلسة وببطئ شديد وسار بممر طويل وهو لازال يسمع النقاش محتداً بين افراد العصابة. وعند نهاية الممر شاهد باباً آخر، دفعه فوجد نفسه بالشارع. لم يتردد ولا لحظة بل اطلق العنان لساقيه وهو لا يعلم باي اتجاه يسير وبينما هو يركض سمع خطوات ارجل وهي تتبعه وتجري ورائه فعلم ان افراد العصابة صاروا يطاردونه. سرخت احدى الفتيات المحتجزات ممن كن يسترقن السمع على الباب وقالت،
- لقد هرب الفتى العربي، يبدو انه سوف يأتينا بالنجدة.
فقالت كرستينا،
- الم اقل لكن؟ ان بلال شجاع وسوف يقضي على العصابة بمفرده.
اما بلال فاثناء هروبه رأى سيارة شرطة تتجه نحوه ببطئ شديد. رمى نفسه على السيارة فتوقفت وخرج منها شرطيان، امسكا بكتفي بلال لكنه سمع دوي رصاصتين من خلفه اردت الشرطيين قتلى لكن بلال لم ييأس فأسرع نحو باب سيارة الشرطة وجلس امام المقود وانطلق بالسيارة باقصى سرعة حتى ابتعد عن المكان الذي فيه العصابة. حاول تشغيل جهاز اللاسلكي لكنه لم يتمكن من استعماله لانه كان معقداً ويحتوي على ازرار كثيرة. نظر الى الكرسي الذي بجانبه فوجد هاتفاً نقالاً يبدو انه لاحد الشرطيين المقتولين ففتحه واتصل بالرقم 112 فسمع صوتاً يقول له الطوارئ معك، اي خدمة تريد؟ فقال "الشرطة"
- الشرطة معك من انت وماذا تريد؟
- اسمي بلال عثمان اقود سيارة شرطة في منطقة النوربرو بكوبنهاكن لقد كانت عصابة خطيرة تطاردني وتريد قتلي وعندما استنجدت بسيارة شرطة التي انا اقودها الآن قام افراد العصابة باطلاق النار على الشرطيين فقتلوهما. قمت انا باخذ السيارة وانطلقت بها كي اهرب من العصابة. اخبروني الآن، ماذا عليَّ ان اعمل؟
- هل تعرف عنوان مركز شرطة ريس؟ انه ليس بعيداً عنك.
- اجل اعرفه تماما.
- اذهب هناك وستجد من ينتضرك في الخارج.
توجه بلال مسرعاً نحو مركز الشرطة وفور وصوله هناك وجد جمعاً غفيراً من رجال الشرطة بانتضاره فاوقف السيارة وخرج منها، امسكوا به ووضعوا الاصفاد على معصميه واقتادوه الى الداخل. ادخلوه مباشرة الى غرفة التحقيق فدخل عليه شرطيان قال احدهما،
- انا الملازم انس كرستنسن وهذا هو العريف مايكل كنوزن. نريد منك ان تدلي باسمك، سنك، عنوانك ورقمك الوطني.
- اسمي بلال عثمان، سني 24 سنة اسكن باندرسنس بولفارد ورقمي الوطني هو 0107954446
- الآن اخبرنا بكل شيء تعرفه وكيف وقعت سيارة شرطة بيدك؟
ابتدأ بلال يقص عليهم قصة الحاسوب منذ ان جاء صديقه چالاك لزيارته وحتى وصل بالسيارة اليهم بمركز الشرطة. وبينما هو يخبرهم بما حدث كانا يقاطعانه احياناً كي يستفسرا منه عن بعض الايضاحات والتفاصيل ثم يطلبان منه الاستمرار بالحديث. وبعد ان اكمل ما لديه من اقوال سأله الملازم انس،
- وهل تعرف عنوان وكر العصابة
- اجل بكل تأكيد، بامكاني ان ادلكما عليه بنفسي ولكن دعني احذركما فهم رجال خطرين ومسلحين تسليحاً ثقيلاً.
- وكم يبلغ عددهم؟
- اعتقد انهم بين 3 الى 4 اشخاص. لقد سمعتهم يتشاجرون من غرفة ثانية.
- حسناً شكراً على تحذيرك.
خرج بلال مع الشرطيين فوجد قوة كبيرة من رجال الشرطة تتأهب للانطلاق كي تداهم وكر العصابة. يبدو انهم صدقوا رواية بلال بعد ان وصلتهم انباء عن موت الشرطيين بمنطقة النوربرو. ركب بلال مع الملازم انس وسارا مسرعين نحو العنوان الذي دلهم عليه بلال. وعندما وصلت جميع سيارات الشرطة هناك، طوقوا المكان وترجل اربعة من رجال الشرطة المدججين بالسلاح نحو المدخل.
اقتحموا الباب ودخلوه عنوة. لم يُسمح لبلال مصاحبتهم بالداخل خوفاً على سلامته فبقي بالخارج يتابع عملية المداهمة من بعيد. سُمع دوي طلقات نار متقطعة ما لبثت ان احتدت وصار اطلاق نار بشكل مكثف. وبعد نصف ساعة خرج الشرطة ومعهم رجلين مكبلين بالاصفاد كان احدهما القاتل الذي شاهده بلال على جهاز حاسوبه. اما البقية فقد قتلتهم الشرطة. ولم يصب اي من افراد الشرطة باذي ما عدى جريح واحد كان جرحه بسيطاً. بعد ذلك شاهد بلال الفتيات المحتجزات وهن يخرجن مع الشرطة، وحالما ظهرت كرستينا وشاهدت بلال واقفاً بين الجمهور، ركضت نحوه وضمته وقالت، "شكراً يا بلال انت رجل شجاع. لقد انقذتنا جميعاً ونحن مدانون لك بحياتنا"
بعد أن انتهى كل شيء ذهب بلال مع الشرطة الى المركز وهناك طلب منهم استعمال احدى حواسيبهم كي يستخرج الصورة التي التقطها للقاتل من الغيمة. وعندما سلمها لهم شكره مدير المركز وقال له "لقد سهلت علينا مهمة ادانة هذا المجرم الذي ارتكب جريمة قتل على ارض الدنمارك". ثم شكره رسمياً امام الصحفيين والمصورين حيث تحدث عن شجاعة هذا الشاب العراقي الذي رفع رأس الدنمارك ومهد لهم القضاء على اخطر عصابة دولية للتهريب والمتاجرة بالبشر. وبعد يومين استلم بلال رسالة استدعاء رسمية من قصر املينبورج وعندما فتح الرسالة وجد فيها ما يلي:
السيد بلال عثمان الدوري
يسر جلالة ملكة الدنمارك الملكة مارﮔريتا الثانية باستدعائكم لحضور حفل التكريم المقام على شرفكم بسبب مساعيكم وتدخلكم في القبض على عصابة خطيرة تتاجر بالرقيق الابيض. وبجهودكم تم تحرير النساء المختطفات لديهم. يرجى منكم الحضور الى مدخل الشرف الرئيسي لقصر املينبورج يوم الاثنين المصادف 25 تموز 2017 على الساعة السادسة مساءاً، بامكانكم احضار ضيوفكم معكم.
الملكة مارﮔريتا الثانية ملكة الدنمارك
فرح بلال بهذه الرسالة واعتبرها اثمن مقتنياته جميعاً. فهي تمثل شرف كبيراً له لان هذا البلد الذي احتضنه عندما جاء اليه لاجئاً قبل بضع سنوات، تستدعيه ملكته وتكرمه بشكل يليق بالعمل البطولي الذي قدمه وساعد على القبض على الجناة. اخرج هاتفه النقال من جيبه واتصل بصديقه چالاك وقال،
- الو چالاك لدي خبر يستاهل مليون كرونا؟
- تفضل حبيبي بلبل. اين انت ولماذا لم اسمع منك اي خبر منذ مدة طويلة؟ وما هو هذا الخبر؟
- اتريد ان تذهب معي لنقابل ملكة الدنمارك يوم الاثنين القادم؟
- ههههه كم انت مضحك يا بلبل. ملكة الدنمارك مرة واحدة؟ طيب قل رئيس بلدية، عضو برلمان أو موظف اسكان.
- انا اتكلم بكل جدية يا چلو. فقد استدعتني الملكة الى قصر املينبورج لتكريمي هناك واخبروني ان بامكاني احضار ضيوفي معي. وانا اخترتك انت كواحد من الضيوف.
- لتكريمك! تكريمك على ماذا؟
- ساخبرك بالتفصيل الممل عندما نلتقي فالقصة طويلة ولا مجال لسردها على الهاتف.
- حسناً انا آتٍ اليك فوراً.
- كلا، كلا، ليس الآن. انا خارج مع فتاة هذه الليلة.
- انت حقاً ملعون ومحتال. لقد صادقت فتاة دون ان تخبرني؟
- اجل ساخبرك فيما بعد، الفتاة اسمها كرستينا، هي من كولومبيا. نحن نحب بعضنا كثيراً.
- الف مبروك. لكني اعرف ذوقك يا متسول، تتجه دائماً على القبيحات، اليس كذلك؟
هنا قام بلال بانهاء المكالمة مع صديقه مؤقتاً ثم قام بارسال صورة حبيبته اليه بالهاتف. وبعد قليل جائه اتصال من چالاك،
- يا الهي، كم هي جميلة! هل لديها اخت، بنت عم أو بنت خالة هنا بالدنمارك؟
- اياك ان تفتح هذا الموضوع امامها، فقد توفت اختها قبل ايام قليلة وذلك قد يسبب لها الحزن الشديد. المهم يجب عليك ان ترتدي ملابس لائقة يوم التكريم، العنوان هو مدخل الشرف الرئيسي لقصر املينبورج يوم الاثنين المصادف 25 تموز 2017 على الساعة السادسة مساءاً.
- ساكون على الموعد حتى لو كلفني حياتي لكن الافضل ان نذهب سوية، ما رأيك؟
- حسناً سنجتمع ببيتي هنا ونذهب سوية.
بعد ان انهى مكالمته مع صديقه چالاك اخذ نسخة من رسالة الملكة وانطلق بها الى الخارج كي يقابل كرستينا، لان السلطات أسكنوها مؤقتاً في مخيم للاجئين يدعى اڤنستروب. عندما وصل الى المخيم صعد الى الطابق الثاني حيث توجد غرفة كرستينا. طرق الباب وسمعها تقول من خلف الباب، "پاسّا مي امور"
ففهم انها تعني تفضل، فتح الباب فوجدها تنتضره على احر من الجمر إذ قالت،
- كنت بانتضارك يا بطلي الوسيم حبيبي بلال.
ركضت نحوه وقبلته قبلة ساخنة دامت بضع دقائق، وبعد ان افترقت شفتاهما قليلاً سمعته يقول،
- استعدي فوراً.
- استعد! استعد لماذا؟
- لكي نذهب الى مدينة روسكلدة الآن بالحال، اريد ان اشتري لك اجمل فستان يليق بالاميرات.
- ولماذا هذا المصروف، انا اعلم انك طالب وان امكانيتك ليست كبيرة. انا سعيدة بملابسي.
- لكنك ستقابلين ملكة الدنمارك يوم الاثنين القادم التي ستستقبلنا بقصرها. انظري الى الدعوة التي ارسلتها لي اليوم.
مسكت كرستينا الدعوة ونظرت اليها وهي تكاد تطير من شدة الفرح.
- ارجوك ترجم لي ما مكتوب هنا فانا اجهل اللغة الدنماركية.
ترجم بلال الرسالة كاملة ثم سمعها تقول،
- هل هذا صحيح يا بلال؟ انا لا اصدق! انا اقابل ملكة الدنمارك! مستحيل!
- الا يستحق ذلك فستاناً مميزاً؟
- طبعاً، طبعاً فمناسبة مثل هذه تحدث مرة واحدة بالعمر، دعنا نذهب الآن.
وبعد ان اشتروا الفستان قال لها،
- الآن سارجعك الى المخيم.
- كلا، بل ستأخذني الى شقتك. انا لا اريد ان ابقى بالمخيم بعد اليوم اريد ان ابقى معك لاعتني بك.
- كما تريدين يا عزيزتي ستسكنين في عيني.
- ماذا تقصد في عينك؟ ماذا بها عينك؟
- لا عليك يا روحي، انه مصطلح عراقي يعني باني ساكون سعيداً باستظافتك.
يوم التكريم
وصل چالاك الى شقة بلال الساعة الرابعة بعد الظهر فوجد بلال وكرستينا منهمكين بتجهيز ملابسهما في غرفة النوم فجلس بالصالون ينتضرهما. وعندما خرجت كرستينا بفستانها الجديد نظر چالاك اليها ثم وقف مذهولاً وقال،
- سبحان الله. لم ترى عيني جمالاً مثل فتاتك هذه يا بلال.
- انظر الى اصبعها يا چالاك. لقد خطبتها اليوم وقد وافقت كي تتزوجني.
فرح چالاك وقبل بلال واحتضنه بحرارة ثم توجه الى كرستينا ودنى وجهه منها كي يقبلها الا ان يد بلال كانت له بالمرصاد. منعه من تقبيلها وقال له، "انها ملكية خاصة لي يا صديقي" فاعتذر چالاك وابعد وجهه منها. في تمام الساعة الخامسة والنصف خرج الثلاثة من عمارة بلال وركبوا سيارة اجرة طالبين من السائق اخذهم الى قصر املينبورج وبعد ربع ساعة وصلوا الى القصر. على بوابة المدخل الشرف الرئيسي لقصر املينبورج قال بلال،
- اللعنة، اللعنة، اللعنة، يا الهي ما اغباني. لقد نسيت ان اجلب معي الرسالة التي بها دعوة الملكة. فكيف سيسمحوا لنا بالدخول الآن؟
بقي يبحث في جيبه الداخلي والخارجي ثم جيب سرواله فنادته كرستينا. قائلة،
- انظر حبيبي لحظة واحدة انظر امامك.
- ليس الآن يا كرستينا، ليس الآن، يجب عليّ ان اعثر على الدعوة فلربما اكون جلبتها معي
- توقف عن البحث حبيبي، ماذا جرى لك؟ ارفع رأسك وانظر امامك.
رفع رأسه واذا بيافطة كبيرة جداً كتب عليها باللغة الدنماركية:
Velkommen til Dem Bilal, Den irakiske helt
مرحباً بك يا بلال، ايها البطل العراقي
سالت دموعه لا ارادياً وابتسم وقال لها،
- انا فخور باني في الدنمارك.
قبلته خطيبته وقالت له، "دعنا ندخل فنحن لا نريد التأخير على جلالة الملكة"
دخل الثلاثة الى قاعة كبيرة فوجدوا الملكة مارﮔريتا الثانية وزوجها الفرنسي هنريك ينتضرانهم على بوابة القاعة. بعد الترحيب وكلمات المجاملة وبروتوكولات الاحترام، قامت جلالة الملكة بالقاء خطاب قصير ذكرت فيه العمل البطولي الذي قام به بلال في انقاذ 42 من المختطفات وتسهيل عملية القبض على العصابة الخطيرة ثم قدمت الملكة بطريقة المراسيم الملكية المتبعة الوسام الملكي للدنمارك واخرجته من علبته ووضعته على صدر بلال.
- يا جلالة الملكة. انا ساحتفض بهذا الوسام بكل فخر واعتزاز طوال حياتي وساخبر اولادي واحفادي عن اليوم الذي قابلتك فيه واسديت علي هذا الشرف الرفيع.
- نحن نعتز بابطال مثلك يا سيد بلال. وسنكون سعداء عندما تحمل جنسية بلدنا قريباً فانت مواطن صالح.
همس چالاك باذن بلال،
- متى ستنتهون من المجاملات فانا ساموت من الجوع والطعام شكله مغري جداً.
بعد ان انتهوا من تناول وجبة العشاء الفاخرة. ودعتهم الملكة وزوجها وعادوا من حيث اتوا.
يعتبر الرقيق الابيض اليوم واحداً من اكبر المشاكل التي تجابهها المؤسسات الانسانية والحقوقية في العالم فالاموال التي تحصى من العمالة الاجبارية وصل الى 150 مليار دولار عام 2012 ويقدر عدد الضحايا للرقيق الابيض لعام 2014 بـ 21 مليون انسان محاصرين بالعبودية منهم 14 مليون يعملون باشغال شاقة 4.5 مليون مستغلون جنسياً و2.2 مليون مجبورون على العمالة من قبل الحكومات.
1284 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع