نزار جاف
من أوراق العمر..أستاذان (١ـ ٣)
في مدينة السعدية وفي بداية العقد السابع من الالفية الماضية، کنت طالبا في ثانوية السعدية للبنين، والتي لم تکن تحظى بمدرسين جيدين، کما کنت قد فهمت وعلمت من الکثيرين، ولکن يبدو إن ورود مدرسين لتدريس اللغة العربية، وعلى حين غرة لهذه الثانية وأحدهما کان يدعى"عبدالرزاق"ولاأذکر أسم أبيه، وکان يقال إنه بعثي يساري! وقد نقله للسعدية کعقوبة له، أما الثاني فکان"محمد حسين آل ياسين"، والذي أحرز فيما بعد شهادة الدکتوراه في النحو(وهي شهادة من الصعب إستحصالها لأن مجالها بالغ الضيق)، ولم يعرف أحدا سببا لنقل الاخير للسعدية ولکنه کان يتميز بکاريزما ملفتة للنظر في شخصيته فيما کان الاول مرحا منفتحا أحيانا ولکنه في أحيان أخرى يصبح منطويا على نفسه وعبوسا ويکون فظا في تعامله مع الطلاب.
وهناك ثمة رابط لقدوم الاستاذ عبدالرزاق أجد من المفيد ذکره، حيث کان هناك أستاذ آخر لتدريس اللغة العربية يدعى ثابت، وکان يقع عليه ضغط کبير وکان کما يبدو من اسلوب کلامه ولکنته وتصرفاته إنه من منشأ قروي، وقد کلفنا ذات مرة وأنا طالب في الاول المتوسط، بکتابة موضوع إنشائي کواجب منزلي، وبعد تصحيحه للدفاتر دخل الصف ونادى بإسمي وأمرني بأن أمد يدي وأفتح کفي وإنهال ضربا بالعصا ولاأدري عدد الضربات التي تلقيتها ولکنها آلمتني کثيرا وصاح في نهاية المطاف: في المرة القادمة أکتب موضوعك الانشاء بنفسك ولاتتسمح للآخرين بأن يکتبوه لك!
ولما أخربته بأنني من کتب ذلك فقد ضربني بالعصا على جسدي وأمرني بالجلوس کمن يستهزأ بکلامي وبتبريري.
عند إنتهاء الدرس بادرت في وقت الفرصة للذهاب الى مدير الثانوية وکان ترکمانيا من أهالي المدينة وشخص ودود وأخبرته بما حدث، فبادرني متسائلا؛ وکيف تثبت بأنك کاتب هذا الموضوع ولم يساعدك آخرين؟ فقلت إنني مستعد لکتابة أي موضوع يريده أمامه لإثبات قدراتي في مجال کتابة المواضيع الانشائية. وقد لفت إنتباهي بأن أرسل في طلب الاستاذ ثابت من غرفة المدرسين، وعرض عليه إقتراحي الذي کان بمثابة مفاجأة غير سارة للأخير حيث کانت الشرر تتطاير من عينيه وهو ينظر الى وجهي غاضبا، وأذکر جيدا سرعان ماطلب مني بلغة آمرة بأن أکتب موضوعا بخصوص"اليتيم والشتاء"، في عشرة أسطر، وأعطاني المدير ورقة وقلما وبدأت بالکتابة متحديا وأنا أريد الانتقام"أدبيا" من المدرس الجاهل الذي عاقبني دون أن يتأکد من حقيقة الامر.
عندما إنهيت الموضوع خلال فترة وجيزة حيث کانت الفرصة قد إنتهت، فقرأ ماکتبته وقد رأيت تعجبا في عينيه، وعندما إطلع المدير على ذلك أيضا ربت على کتفي وهو يهتف أحسنت، وفجأة دخل الاستاذ عبدالرزاق غرفة المدير وهو يسأل: منو المدير؟ لکن الملفت للنظر إنه کان يبدو من نظراته وکأنه يستفسر عن هذا الموقف وعندها طلب مني المدير التوجه لصفي فخرجت منطلقا وفي أوج الاحساس بنشوة الانتصار على ذلك المدرس الرعديد، وأتذکر جيدا بأنه وعند عودتي للبيت فقد حرصت على إخفاء الموضوع عن أهلي لأنني تصورت بأنني قد حققت هدفي وغايتي.
مدينة السعدية أو"قزلرباط"کما تسمى عند أهاليها، مدينة تشتهر ببساتين النخيل التي کانت تحتضن أشجار البرتقال والليمون الحامض والحلو وأشجار الرمان والعرموط والخوخ وماإليه، ويمر بها نهر ديالى، کانت هناك منطقة"مقبرة اليهود" التي کانت تطل على النهر وکنت أحرص على الذهاب الى هناك لإنجاز الواجبات المطلوبة مني وقراءة القصص والروايات بعد ذلك، يومها صادفت الاستاذ عبدالرزاق بصحبة مدرس الاحياء"محمد المٶمن"الذي کنا نسميه "جون ليز" لکونه کان يشبه مصارعا بنفس الاسم أيام المصارع"عدنان القيسي"الذي شغل العراق لفترة معينة، وقد جذب إنتباهي بقوة عندما سألني: ماذا کنت تفعل في غرفة المدير؟ فرويت له کل شئ ونظر الى يدي وکنت في وقتها أحمل قصة"جسر التنهدات" الرومانسية لميشال زيفاکو، فسألني وهو يعاملني بطريقة لاحظت إختلافها 100% عن طريقة ثابت، لمن تقرأ؟ فطفقت أعد أسماء الکتاب والروائيين العرب والاجانب، فخاطب زميله متحدثا عني:"هذا من کتاب المستقبل، تذکر إسمه"! وللموضوع صلة.
573 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع