خزين ذاكرتي وطريف الحكايات - من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه

                                                      

                         بقلم لواء الشرطة الحقوقي
                        محي الدين محمد يونس

خزين ذاكرتي وطريف الحكايات - من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه

في عام 1987 كنت متواجداً في محافظة بغداد كعادتي في زيارتها في كل شهر لتعلقي بهذه المدينة الجميلة والتي قضيت ردحاً طويلاً من عمر الطفولة والشباب فيها وصادف إقامتي في فندق قصر الخلفاء قرب ساحة المسبح إقامة أحد أقربائي في نفس الفندق وفي غرفتين متجاورتين، خلال السهرة في تلك الليلة تحدثنا عن كافة الأمور ومنها بعض الأمور العائلية وعزمه على شراء دار سكنية في محافظة أربيل وعندما أخبرته بأنني لتوي قد انتهيت من بناء دار في محلة الضباط وأنوي بيعه وبعد أن ذكرت له مواصفات الدار وموقعه والذي نال إعجاب المذكور وجعله يتفق معي على تحديد سعر البيع بثلاثون ألف دينار وبذلك اعتبر العقد بيننا مبرماً إلا أنه موقوفاً على شرطين:

الشرط الأول: مطابقة المواصفات التي ذكرتها للدار مع الواقع.

الشرط الثاني: موافقة زوجته على شرائه بعد مشاهدتها للدار عندما نعود إلى مدينة أربيل وكان مقرراً صباح اليوم التالي.
حيث خرجنا من العاصمة بغداد في الساعة الثامنة صباحاً ووصلنا مدينة أربيل في الساعة الثانية عشر ظهراً حيث كان الطريق سالكاً وآمناً والسيطرات الحكومية محددة بسبعة سيطرات وهي: -
1- سيطرة الراشدية عند بوابة مدينة بغداد
2- سيطرة الغالبية
3- سيطرة حمرين
4- سيطرة مدخل مدينة كركوك
5- سيطرة الخروج من محافظة كركوك
6- سيطرة ألتون كوبري
7- سيطرة مدخل مدينة أربيل
كانت طواقم هذه السيطرات من مختلف الدوائر الأمنية، أما اليوم فإن عدد السيطرات على هذا الطريق لا يمكن حصر أعدادها لكثرتها وانتشارها على طوله وزيادة وتقليص أعدادها تبعاً للظروف الأمنية في المناطق المحاذية لهذا الطريق الذي يبلغ طوله ثلاثمائة وسبعون كيلو متراً إلا أنه يسبب لسالكه التعب والإرهاق، وربما يتعرض في كثير من الأحيان لحوادث أمنية خطيرة بالإضافة إلى الفترة الزمنية التي تستغرقها الرحلة من العاصمة بغداد وإلى محافظة أربيل والتي قد تبلغ في بعض الأحيان ستة أو سبعة أو ثمانية ساعات.
إننا عندما نورد هذه المقارنة على حال هذا الطريق وكافة الطرق في العراق في ظل النظام السابق والنظام الحالي فإننا لا نقصد الرضا على ما كان عليه الحال سابقاً في وجود هذا العدد من السيطرات والسلوكيات غير السوية التي كانت تمارس من قبل المكلفين والعاملين من الأجهزة الأمنية المختلفة فيها في تعاملهم مع المواطنين في حين أن أغلب الدول في العالم قد هجرت هذا الأسلوب في التعامل وإدارة طرقها الداخلية من الناحية الأمنية حيث لا توجد سيطرات داخلية واقتصارها على البوابات الخارجية مع الدول الأخرى وانعدام هذه السيطرات بين دول الاتحاد الأوربي.
نعود إلى حكايتنا التي بدأنا به المقال فعندما وصلنا مدينة أربيل توادعنا وتواعدنا على اللقاء في الساعة السادسة من مساء نفس اليوم عند داري بعد أن يستصحب الشاري معه زوجته لكي تقرر الموافقة أو الرفض على شراء الدار وعلى ضوء ذلك يصبح العقد نافذاً أو ملغياً.
في الموعد المقرر حضرا وطلبت منهما دخول الدار ومشاهدة مواصفاتها وإعطاء الرأي النهائي انتظرت واقفاً في باب الدار مع الحارس الذي كنت قد عينته مع بداية شروعي في البناء وكان رجلاً عشائرياً أمياً طاعناً في السن، خرج الزوجين من الدار وطلب مني الزوج اعتبار العقد نافذاً بعد موافقة زوجته وإعجابها بالدار ورجاني أن أكمل معاملة البيع وتسجيل الدار باسم زوجته وأنه سوف يسدد الثمن في اليوم التالي...
الحارس كان واقفاً بالقرب منا وفاجئنا بتصرف فضولي غريب قائلاً: ((لو تسمع كلامي ما تسجل البيت باسم زوجتك...))
أثار كلامه وتدخله السافر هذا غضبي وانزعاجي منه... لا سيما وأنني كنت في حالة مادية سيئة وبحاجة إلى المال ولكن كما يقول الشاعر: ((ما كل ما يتمناه المرء يدركه)).
خاطبته معاتباً: ((ما هي علاقتك بالموضوع وبأي حق تتدخل وما يهمك لو سجل الدار باسمه أو باسم زوجته))
رجاني الزوج أن أتركه
الزوج: ((عمي لماذا تنصحني بعدم تسجيل الدار باسم زوجتي))
الحارس: ((أكرر نصيحتي لك بعدم تسجيل الدار باسم زوجتك -الزوجة واقفة تسمع كلامه -لأنها بعد فترة تطردك من البيت ولا تستطيع عمل أي شيء معها))
التفت الزوج نحوي طالباً مني انتظار مكالمة هاتفية منه في تلك الليلة وفعلاً اتصل بي ليخبرني صرف النظر عن هذه المعاملة وعندما استفسرت منه عن السبب أجابني: ((أخي إن كلام الحارس كان كلاماً منطقياً وصحيحاً وأنا مدين له على هذه النصيحة))
في اليوم التالي توجهت صوب داري وأنا في أشد حالات الحنق والغضب على هذا الحارس الغاشم الذي حرمني من فرصة بيع داري وحرم زوجة المذكور من تملك دار، عند وصولي استدعيته وأبلغته بأن يترك عمله عندي وجمع حاجياته بعد أن صرفت له مستحقاته المالية للأيام التي يستحقها في ذلك الشهر.
بعد شهر من تاريخ هذه الحكاية توصلت إلى اتفاق مع شخص آخر وبعته الدار بمبلغ ثمانية وعشرون ألف دينار أي تسبب الحارس في خسارتي ألفي دينار كما خسر هو نفسه فرصة العمل عندي وما كان يتقاضاه من أجور عندي لقاء ذلك.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1683 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع