ماجد عبد الحميد كاظم
قراءات في صحف عراقية قديمة
نشرت جريدة دجلة البغدادية بعددها 72 الصادر في بغداد في يوم الاربعاء 21 أيلول سنة 1921 الموافق 18 محرم الحرام 1340، " خطبة للقس باسيل " القاها في حفل افتتاح فعالبات التمثيل في مدرسة اللاتين في بغداد ، وحيث انها تعكس بصدق جانب مهم من الفعاليات الاجتماعية في بغداد التي شارك فيها كافة ابناء البلد فقد رأيت اقتباسها بهدف ان يطلع عليها القارئ الكريم تتيحه له ان تكون له صورة واضحة عن طبيعة وآمال المجتمع العراقي في حينه
الخطبة التي القاها القس باسيل
في افتاح التمثيل في مدرسة اللاتين
سادتي الكرام
اني ارغب في الطافكم المعهودة ان تفسحوا لي مجالا لوجيز من كلام لعلي اتوصل به الى قضاء فريضة واجبة اذا لم اقل لازمة لا وقد وجب عليٌ قبيل افتتاح التمثيل ان ارفع بلسان ادارة مدرستنا السريانية بل ملتنا جمعاء الى جناب مولانا الملك ايد الله شوكته واجب الشكر والامتنان على ما طوق به اجيادنا من قلائد النعم والاحسان ، لاسيما على ما خصنا به من تعاطفاته الحية ورعايته السامية الملكية بتنازله الى قبول دعوتنا لحضور هذه الرواية، اجل سادتي الكرام ان الطائفة السريانية باتت تستعد بنفسها وتعد هذا الالتفات الملكي السنيٌ نعمة عظمى منه كبرى لا تستطيع الالسنة القاصرة القيام بوفاء شكرها والثناء عليها
ولكن قد جاء في اقوال الادباء " ان قصر لسانك عن الشكر والثناء فلينصرف الى التمسك بالدعاء" وعليه لن اكف الضراعة بالدعاء الى المولى الواسع العطاء وانا قائل " اللهم خص جلالة مولانا وولي نعمتنا الملك بالحفظ والوقاية واكنفه بجناح الامن والحماية وأقرن بأيامه نصرا وعزا وسعودا واجعل عمره بأوتاد الخلود مشدودا اللهم واجعل الدهر ان يكون محققا لاآماله واقرن السداد بآرائه واعماله ، تصبح بأيام جلالته البلاد زاهرة بل والدول العربية جمعاء تحت رعايته بالفلاح سائرة بحوله تعالى ان شاء" اما الفريضة الثانية فهي القيام بحق شكركم ، نعم سادتي الكرام ، ان تلبيتكم لدعوتنا كان دليلا ساطعا حبكم تعهد معاهد الآداب والمعارف. ورغبتكم تأييد المشاريع الخيرية التي هي أس رقي الاوطان وتوغلها في معارج التمدنوالحضارة. وبلسان ادارة المدرسة أشكر بجزيل احسانكم وكريم اريحيتكم التي شملتم بها مدرستنا برعايتكم الخيرية ، وعليه اسأل الله تعالى ان يتولى عنا مكافأتكم وانا قائل قد جئتم اهلا ووطأتم سهلا فمرحبا بكم
ولا يخفى عليكم سادتي ان المدارس الوطنية قد اعتادت منذ القديم ان تحتفل بنهاية السنة التدريسية بتمثيل روايات ادبية تيتدعي لحضور مشاهدها وجهاء البلدة وبيانها بغية تمرين الطلبة على فن التعليم. ولايخفى على الادباء ما لهذا الفن من الفواذد الجمة العائدة اليهم بالفخر الادبي فانه يلقن ذاكرتهم منذ الصغر للوقائع التاريخية والحوادث العالمية. فضلا عن اكتساب اللهجة اللغوية والفنون الخفية. فيتوسع بذلك نطاق ادراكهم. وتتفقه عقولهم القاصرة حتى اذا ما بلغوا اشدهم طعموا الحياة الادبية واكتسبوا تلك الاخلاق الشريفة التي استوردوا حياضها من مغزى حياة الرجال العظام الذين غادروا هذه الدنيا وخلفوا من اعمالهم السامية ذكرا صالحا يذيعه لسان التاريخ، ونحن جريا على هذه العادة المحمودة ورغبة في افادة الطلبة قد دربناهم على تمثيل رواية عصرية عنوانها " شهداء العرب " وكفى بعنوانها دليلا على جليل موضوعها فانه سيدور محوره على عل تمثيل تلك الوقائع المفجعة التي جرت ابان الحرب العالمية، تلك الفضائع التي انزلها الاتحاديون الترك بساحة ابناء العرب يوم كان ظلمهم قد خيم على ا البلاد واستبداده الذي ازهق ارواح الابرياء وجرعهم اصنافا من كؤس الردى. فعلى المسرح المحزن تظهر مظالم جمال باشا وطلعت باشا السفاحين الذين فتكا فتكاٌ ذريعا بحق عائلة عربية عريقة بالحسب والنسب ومشهودة باعمالها الخيرية السامية في مدينة دمشق الشام وهي عائلة " فضيل بك " وهناك تتجلى العذابات التي لاقتها في سبيل جورها حتى قيض الله تعالى لها مناصا للخلاص باعجوبة سماوية
وعليه نرغب في فضل الحاضرين الكرام ان يرعونا سمعا ويغظوا الطرف عما يلاقونه في هذا التمثيل من قصور الممثلين لأنهم رغم صغر سنهم لم يتعودوا هذا الفن للمرة الاولى والعفو من شيم الكرام
القس باسيل بشوره السرياني
انتهى الاقتباس
يلاحظ القارئ الكريم هذا المستوى الرائع والرؤية التربوية الواضحة وصدق الانتماء لهذه الامة من هذا الرجل البغدادي الاصيل وفي ذلك الوقت المبكر من تأسيس الدولة العراقية الحديثة اسأل الله ولأمثاله من ابناء ذلك الجيل الرحمة والمغفرة وجزاهم عن ابناء الامة خير الجزاء
1169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع