محمــد سهـيل أحمــد
ذاكرة المدينة يحدث في الامس البعيد ألعابنا الشعبية .. من الأضواء الى دهاليز النسيان
مستـل
-----
1ـ / كنا نتراكض خلف تلك السيارة مبتهجين بما ينفثه انبوبها العملاق من دخان قاتل للبق والذباب وبقية انواع الحشرات معرضين أجسادنا الصغيرة لرشاشها المدوخ /
2ـ / اليوم ومع غزوالألعاب الالكترونية وغيرها من العاب فقدت الكرات الزجاجية لمعانها فهي حاليا لاتمارس الا ضمن انطقة ضيقة بعد ان كانت اللعبة المهيمنة على أخيلة الصغار/
المدينة ليست نقطة موشومة على خارطة الذاكرة .انها عالم موزاييكي ملون او بالأسود والأبيض وفي بعض الاحيان تتخذ ــ شأنها وشأن الحرباء ــ الوانا متناظرة أومتباينة مع الأرض المقامة عليها .ومن ناحية اخرى تتماهى المدينة مع الأفعى حين تعمد الى تبديل جلدها.
والمعروف ان الثعابين تتميز بحركة نمو مستمرة طوال فترة حياتها لكنها تكون أبطا مع تقدم الثعابين في العمر.وعندما يفوق نمو الثعابين حجم جلده فإن هذا الجلد يتبدل ويحل محله جلد جديد.ويحدث هذا التبديل على فترات منتظمة وتتراوح ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر تبعاً لنوع الثعبان.
يتعلق الجانب المورفولوجي للمدينة بالشكل والبنية دون النظر إلى الجانب الوظيفي الذي يتضمن الوجوه والحياة الاجتماعية اليومية وحركة السكان.
أقمار آفلة
في حياتها اليومية او المرتبطة مع تعاقب الفصول اندثرت في البصرة مظاهر حياتية مرتبطة مع التبدلات العالمية في الثورتين الصناعية والرقمية .لنأخذ الألعاب على سبيل المثال .كنا في الصغر نتعامل مع العاب مبسطة مصنوعة يدويا او مقتبسة من أدوات الطبيعة كلعبة (الصبّت) التي تعتمد على استخدام ثلاثة احجار او أزرار من لون واحد او شكل واحد لكل واحد من فريقين متنافسين يجري تحريكها بشكل خطوط شاقولية او افقية.أما (الصكلة واللاك) فتعتمد بالدرجة الأولى على العصي المجزوزة بأطوال معينة والأمر نفسه ينطبق على أراجيح الصغار ودواليب العيد التي استبدلت بدواليب والعاب المتنزهات الهائلة الضخامة والمرعبة أحيانا .وفيما مضى كانت دور السينما ملاذات لنا لكن حلّ فيما بعد محلها التلفزيون والألعاب الالكترونية والفيديوهات ومن ثم ندخل في عصر الأرقام الديجيتال وما أقحمه من العاب مثل العاب كرة القدم والمخلوقات الفضائية وصولا الى لعبة البوبجي التي غزت البصرة أخيرا شأنها شأن مدن الدنيا في كل مكان وخلفت وما تزال آثارها السلبية على ايقاع مدينتنا .
ام الدخان
من بين الممارسات التي ما زالت ماثلة في مثابات ذاكرة الطفولة تعقبنا لسيارة رش المبيدات والتي كنا نطلق عليها تسمية ( سيارة الدي دي تي او أم الدخان ) وكنا نتراكض خلف تلك السيارة مبتهجين بما ينفثه أنبوبها العملاق من دخان قاتل للبق والذباب وبقية انواع الحشرات معرضين أجسادنا الصغيرة لرشاشها المدوّخ دون ان ندرك ان مصدر سعادتنا الطفولية هو ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان أو كما يعرف باختصاره الشهير دي دي تي DDT وهو مبيد حشري استعمل على نطاق واسع لمكافحة الآفات الحشرية، ويعد من أفضل المبيدات الحشرية من حيث الفعالية، إلا أن الآثار السلبية للمركب وبعض نواتج تحلله في التربة على البيئة بشكل عام وتأثيره المخرب على البيئة الحيوانية بشكل أدى إلى تضاؤل استعماله بشكل كبير ففي عام 1973 صدر أول قرار بحظر استخدام DDT في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. ومن المفارقات الساخرة أن السويد التي منحت جائزة نوبل لـ ميولر على اكتشافه فاعلية DDT كانت أول دولة تمنع استخدامه !
لعبة الكرات الزجاجية
كانت لعبة الخرز او الدعبل او الكرات الزجاجية من اكثرالألعاب شيوعا في سنوات طفولتنا . تلك الكرات الزجاجية لم تقتصر على لعبة (الجقّة شبر ) وحسب بل تنوعت لتشمل الموق والطنّب إضافة الى لعبة الأورطة التي ربما كانت اكثرهن شيوعا من قبل أطفال الأمس.
اليوم ومع غزو الألعاب الالكترونية وغيرها من العاب فقدت الكرات الزجاجية لمعانها فهي حاليا لاتمارس الا ضمن انطقة ضيقة بعد ان كانت اللعبة المهيمنة على اخيلة الصغار وهم يوجهون الصول اوالكرة الوحيدة نحو بقية الكرات الزجاجية من اجل إزاحتها .ومعها تلاشى أخر ما تبقى طقطقات موسيقية تشنف الأسماع اثناء ارتطامها بعضها ببعض .واختفت معها علب الحليب الفارغة والتي اعتدنا ملأها بعشرات الكرات الملونة .
الآكل والمأكول
ثمة ملحوظة لابد من التنويه عنها تتعلق بأجيال الألعاب والمخترعات التي شهدها عالمنا بدءأ من الثورة الصناعية فقد ادهشت السينما ملايين المشاهدين قبل ان يحل محلها التلفزيون والذي جرى الإطاحة به في عهد الفيديو والبلاي ستيشن ليشهد التلفزيون بدوره ثورة من طابع آخر تتمثل بالتحول من تقنية اللمبة الى الترانزستور ومن الجهاز المنضدي الى البلازما .
هذه الظاهرة أطلق عليها تسمية (الآكل والمأكول ) فالمذياع جرى التهامه من قبل التلفزيون العادي (الأسود والأبيض ) والذي سيلتهم بدوره من لدن التلفزيون الملون وهكذا دواليك.
اما عهد ثورة المعلومات فله خصوصياته التي تمتاز بظاهرة الإيقاع السريع فقد بدأ بالنقال الصرصور الذي حل محل الهواتف الأرضي ليرفع بدوره راية الاستسلام أمام أجيال متسارعة ومتعاقبة من النقالات والأمر نفسه ينطبق على عشرات الابتكارات فقد كنا نستخدم برنامج الورد 2003 الا ان هذا البرنامج قد اقتحم من قبل الوردWord 2007 و2010 ،هذا على سبيل المثال لا الحصر. واذا لم تعمل الجهات المختصة على حفظ القديم من الأجهزة والالعاب الفولكلورية والشعبية ، فأنها ستؤول حتما الى التلاشي من ذاكرتنا المستقبلية .
1547 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع