هيفاء زنكنة
ليس حبا بالنظام الإيراني
لا مفر، هذه الأيام، مهما حاولنا، من متابعة أخبار التهيؤ العسكري لإشعال جحيم حرب جديدة بين أمريكا وإيران في العراق، أو استمرارية جحيم حرب دائرة، الآن، في اليمن وليبيا، فضلا عن الاستيطان الصهيوني في فلسطين. أكرر مفردة «جحيم»، فهذا العالم العربي، الذي يتفتت كالخبز البائت أمام أنظارنا، لا يزال متمسكا بإصرار أسطوري على الا تقل الحروب على أرضه عن أربعين بالمائة من حروب العالم. حروب تمطر على أهله قنابل، تزداد وزنا مع كل حرب جديدة وصواريخ غبية، مؤهلة ان تكون ذكية، لفرط استخدامها في دروس القتل.
فمن حقل القتل الأول، بفلسطين، تطايرت بذرة الموت الاستعماري الاستيطاني لتحط في العراق واليمن وسوريا وليبيا، برعاية محلية. قتل الأجنة والأطفال، بغزة، مثلا، تراه الحكومات العربية، خبرا عاديا مألوفا، لا يستحق حتى مقاضاة المجرمين على الرغم من انها، جميعا، تدعي وصولها الحكم عبر انتخابات ديمقراطية تمثل الشعب.
هذه الحكومات العاجزة عن حماية شعوبها، قادرة على تشكيل «تحالف» ضد شعوبها، نتيجته واضحة منذ البداية كما في اليمن: تجويع الناس وسقوط الضحايا من المدنيين أينما كانوا سواء في حفلات الزفاف والجنازات أو المستشفيات والمدارس. أفعال إجرامية متغطرسة، يتماهى خلالها، حاملو السلاح وصانعوه وباعته ومشتروه، وهم يرددون ذات الاعذار التي تجعل، من القتل، الخيار الوحيد، الذي لا حل غيره.
يقول رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، مبررا سقوط الضحايا الفلسطينيين، نتيجة القصف المكثف، بضمنهم الأطفال، انه يستهدف «العناصر الإرهابية في قطاع غزة». ولا يختلف كثيرا عنه، المستشار القانوني لـ«التحالف العربي»، حين يبرر مقتل 22 طفلا في غارة جوية للتحالف على اليمن بأن الغارات تمت استنادا إلى معلومات استخباراتية بأن الحافلة كانت تقل قياديين حوثيين، وهو ما يجعلها «هدفا عسكريا مشروعا». وهما لا يختلفان عن المتحدث باسم القوات الأمريكية حين يبرر مقتل 200 شخص، بمدينة الموصل، جراء غارة لها، في آذار/مارس 2017، قائلا إن ارتفاع أعداد الضحايا متوقع مع دخول الحرب على المتشددين أعنف مراحلها.
وإذا كان حكام المملكة العربية السعودية ودولة الامارات الحاليين يدفعون مليارات الدولارات لشراء الأسلحة الأمريكية، بالإضافة الى «أتاوة» الحماية والرعاية لهذا الجناح من القبيلة دون غيره، فان الإدارة الأمريكية تزود الكيان الصهيوني، بالمقابل، بالمساعدات العسكرية البالغة مليارات الدولارات، والحماية مجانا. مما يوضح بما لا يقبل الشك من هو الحليف الدائم ومن هو المؤقت، وكيف أسقطت هذه التحالفات مفهوم «السياسة فن الممكن»، الذي يلجأ اليه الحكام العرب لتبرير أفعالهم، الى «الاستئثار الممكن بالخنوع».
من الواضح، أيضا، ان الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، مهما كانت الأوصاف الدونية التي تُطلق عليه، لا يختلف عن سلفه باراك أوباما، الذي امطرته البشرية بالمديح والثناء، أو سلفه «الصالح» جورج بوش حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية وحماية المصالح الأمريكية العسكرية وغيرها في المنطقة. فاذا كان الرئيس ترامب قد طلب، منذ يومين، التحضير الفوري لملفات عديد العسكريين الأمريكيين المتهمين أو المدانين بارتكاب جرائم حرب بما في ذلك العسكري الذي من المقرر محاكمته لقتله مدنيين عزلا أثناء خدمته بالعراق، لأنه يفكر في العفو عن هؤلاء الرجال في «يوم الذكرى» الذي يوافق 27 أيار/مايو والذي تحيي فيه الولايات المتحدة ذكرى جنودها الذين قتلوا في المعارك اذا كان هذا ما سيقوم به ترامب، ليشرعن قتل المدنيين في البلدان المحتلة او يرونها مهددة للمصالح الأمريكية، فان الرئيس أوباما كان قد سبقه الى تشريع برنامجين
للاغتيال بواسطة الطائرات بدون طيار، لصالح وزارة الدفاع والسي آي أي، في باكستان وأفغانستان واليمن والصومال والعراق، تحت ستار الحرب على الإرهاب، وبعد ان تمت تسمية «الاغتيال» بأنه «قتل مستهدف»، حسب وثائق مسربة كشفها جيريمي سكاهل، الصحافي الاستقصائي الأمريكي، في كتابه « الحروب القذرة».
ومن بين التفاصيل التي تم الكشف عنها في الوثائق المسربة أن تسعين بالمائة من الأشخاص الذين قُتلوا في الغارات الجوية بطائرات بدون طيار لم يكونوا هم الأفراد المستهدفين. وكشفت الوثائق، أيضًا، عن الإجراءات التي تم من خلالها تحديد الأفراد للقتل والتحرك من خلال عملية أطلق عليها اسم «سلسلة القتل»، وبترتيب مع الرئيس أوباما نفسه، تم وضع الأفراد في «دورة الاستهداف»، وهي نافذة مدتها شهران يكون للجيش الأمريكي فيها «السلطة» للقيام بعملية الاغتيال. ولن ننسى التشريع الاوبامي الذي منح فيه القوات المسلحة صلاحية توجيه الضربات الجوية ضد أهداف الدولة الإسلامية في العراق وسوريا حتى لو أدت إلى سقوط الضحايا من المدنيين، بمعدل عشر ضحايا لكل غارة، بدون الرجوع إلى القيادة العسكرية المركزية، إذا ما تبين ان هدف الغارة الجوية يستحق ذلك.
ما هو موقف الشعوب العربية إزاء استمرارية العقيدة الأمريكية بأن «العالم ساحة معركة» والاعتماد على الصواريخ وغارات الطائرات بدون طيار، بالإضافة الى العمليات السرية الخاصة المحفزة للاقتتال وإثارة الفتن والضغائن حتى بين أبناء الشعب الواحد، ووجود غربان السلاح والحروب الذين يقتاتون على الموت؟
ان آلية القتل قصفا واستخدام جيل جديد من الطائرات بلا طيار، هي السائدة الآن، وستكون، كما تشير، كل الدلائل، الى انها ستستمر كسلاح مفضل في الحرب / الحروب المقبلة، التي يتم الاستعداد لها، بحماس منقطع النظير، من قبل دعاة الحرب في أمريكا وإيران والسعودية، التي ستكون ساحتها العراق، ولن تكون السعودية او الامارات أو إيران بمنأى عنها. ولن تكفي كل الجدران التي يبنيها ترامب والكيان الصهيوني لحمايتهما.
وإذا كان مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، يعتقد ان الله قد أرسل ترامب لينقذ إسرائيل من إيران والسعودية تعتقد ان أمريكا ستخلصها من إيران أيضا، أليس من الواضح أين ستقع الحرب التالية؟ أليس ما يجري في فلسطين والعراق واليمن كافيا ليدرك غربان الموت من الحكام العرب المستجيرين بأمريكا ان هذه الحرب لو لم تكن ضد إيران لكانت ضد بلد عربي، لأن الإدارة الأمريكية بحاجة ماسة الى عدو يحميها من نفسها ويوفر لمموليها فرصة استثمار ثرواتهم؟
هذه الحرب، إذا حدثت، ستكون المصيبة الأكبر على الشعب العراقي الذي عاش من الحروب ما يجعل ذاكرته مثقوبة بالرصاص، وسينهي أي أمل بالتعاون مع شعب بلد مجاور يعاني هو الآخر من استبداد يماثل ما تعيشه الشعوب العربية. ليس حبا بالنظام الإيراني، فما فعله في العراق وعرضه مساعدة أمريكا على احتلاله وتخريبه، جريمة لا تغتفر، ولكن حرصا على ما تبقى من العراق، علينا الا نتعاون مع أمريكا والكيان الصهيوني، فتاريخهما وحاضرهما أفضل دليل على مخططاتهما مستقبلا.
795 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع