المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد / مسقط سلطنة عمان
أول وسيلة نقل ( السكوتر) الذي أشتريته سنة 1963 في مانجستر
Scooter, Lambretta
لقد سبق وأن كتبت عن ذكرياتي لأول رحلة الى بريطانيا 1962 كطالب بعثة في الأنترنيت ( وعنكاوة دوت كوم و مجلة الكاردينيا ) . ألتحقت بكلية ستريتفورد لسنتين للحصول على شهادة ( الجي سي ئي ) وبعدها تم قبولي في جامعة ليفربول لدراسة الهندسة المعمارية . وكانت الباصات هي وسائل النقل الوحيدة داخل مدينة مانجستر , لأن قطارات الأنفاق ( أندرجراواند) كانت فقط في لندن . ونظرا لأن آخر سير للباصات كان من محطة البيكاديللي بالقرب مبنى المكتبة العامة في منتصف الليل , لذا كنا نهرع الى تلك المحطة قبل أن يفوتنا الباص الى مناطق سكنانا , ونظرا للحياة التي تعودت عليها في السهرفي النوادي الليلية للرقص الديسكو , وخاصة في نادي ( جايز أند دولز) الذي كنت أنا وصديقي سرتيب نوري نتردده وندخل مجانا لوجود أصدقاء عمه جمال الكردي يعملون فيه ( عادل كحارس أمن و موفق في الأستقبال ) , ونظرا لأن مخصصات البعثة كانت = 45 باون شهريا للمعيشة و النقل و حتى الكتب واللوازم المدرسية , لذا كانت الباصات هي الوحيدة التي نعتمد عليها في التنقل سواء الى الكلية أو الأماكن التي كنا نلتقي فيها داخل المدينة , وكنا نغار من أحد أصدقاؤنا المصلاوي ( وليد كشمولة ) في الكلية لشراؤه سيارة وكان يدرس على حسابه الخاص , ومتمكن ماديا لأنه من عشيرة الشمر المعروفة . وكان ينافسنا في الحصول على أجمل الفتيات من تلك النوادي و يتمكن من أيصالهن الى بيوتهن بسيارته , وكان الوحيد بين هؤلاء الطلبة يعيش برغد , و لذا كان لايمكن لنا ألا القبول بتفوقه علينا وقبول الأمر الواقع . وكنا عادة نقوم بشراء بعض حاجيات الطلبة الذين أنهوا دراستهم و يتهيأون للرجوع الى العراق , ونتمكن من شراء ما يعرضونه للبيع ولقد سبق وأن أشتريت جهاز راديو كهربائي ( أجهزة الترانزيزتربالبطاريات لم تكن حينها متوفرة) وكنت أقضي ساعات للبحث عن أذاعة عربية لسماع البث بالعربي وربما بعض أغاني فيروز , أولا لأن قنوات البث العربية لم تكن موجاتها تصل ألينا بالرغم من وضع سلك خارجي لتقوية أستلام الموجات , و المحطة الوحيدة كانت تبث من هولندا في هيلفرسم و بوضوح في فترة المساء لفترة قصيرة . وأيضا أشتريت كاميرا ألمانية ( زينيث) ولكن لم أنعم بأستعمالها طويلا , وسقطت بالبحر في أول مناسبة حيث كنا في سفرة طلابية لجمعية الطلبة العراقيين الى مدينة الملاهي بلاكبول , وكانت خسارة كبيرة لي . لذا أصبحت أقتصد قدر الأمكان لتوفير بعض المال , لشراء حاجة أخرى أنا سأكون بحاجة أليها يوما ما ,
وحدث أن عرض أحد الطلبة المغادرين دراجة نارية ( السكوتر) , ولم يجرأ أحد غيري لشراؤها لأنها تتطلب تعلم السياقة و الحصول على أجازة سياقة بعد أجتياز أمتحان عليها , وأشترطت عليه تعليمي سياقتها في عملية الشراء , وهكذا قام المهندس المدني الخريج الجديد ( زهير المصلاوي) بهذه المهمة .
وأخذني الى ساحة فضاء بعيدا عن الطرق العامة , وفي أول درس بدأ بالسياقة ببطأ وطلب مني أن أتبعه مهرولا وهو يقوم بتوضيح عملية تغيير الجير بيده اليمنى , وأثناء أنهماكه في العملية و النظر ألي لملاحظة حركات يده لم يركز على الطريق أمامه , وأصطدم بعمود الكهرباء وأنقلب السكوتر عليه مما أدى الى وقوع ثقل الجهاز على رجله اليمنى وأنكسار عظم الفخذ , وبعد أن تمكنت من أزاحة السكوتر الثقيل جانبا وزهير يصرخ من الألم , و طلبت النجدة بأعلى صوتي , تمجهر عدد من المارة حولنا و تمكن أحدهم من طلب سيارة أسعاف , وصديقي زهير في ألم شديد وهو طريح الأرض لايمكنه الحركة , وبعد حوالي نصف ساعة وصلت سيارة الأسعاف وتم وضعه في نقالة الى داخل السيارة , و صاحبته في سيارة الأسعاف الى المستشفى , وتركته ليتلقى الأسعاف اللازم , وتأكيدي له بأنني سوف أقوم بزيارته في اليوم التالي .
ورجعت الى مكان الحادث , وأنا في حيرة من أمري , ماذا أعمل بهذا السكوتر والذي يبدو تعرضه لبعض الأضرار , وتم أرشادي الى عنوان لمحل تصليح الدراجات النارية بأنواعها , وتمكنت من دفع السكوتر وأنا أمشي بجانبه بعد وضع الجير في وضع النيوترال , لتسهيل دفعه , وأنا كذلك في الطرق العامة وبين السيارات و العجلات وأبواق الهورن ومنهمك لأن السكوتر كان ثقيلا , أوقفني شرطي ( بوبي كما كانوا يسمونهم ) , وطلب مني أبراز أجازة السياقة , وحاولت بلغتي الأنكليزية المكسرة توضيح الموضوع و لكنه أصر على أعطائي مخالفة مرورية قيادة عجلة نارية بدون أجازة سياقة والأخلال بنظام السير , ( وكما يقول المثل المصلاوي :- فوق الحقو دقو ) وبعد عدة أسابيع تم أستدعائي في المحكمة , وتمكن أحد الطلبة القدامى الذي رافقني من شرح الموضوع بلغة مفهومة , وكانت نتيجتها الحكم بأنذار وعدم تكرار العملية و خروجي بريئا من التهمة .
ولنرجع الى صديقنا زهير في المستشفى , وفي اليوم التالي في فترة مواعيد الزيارات , قررت أن أدخل بعض الفرح والبهجة في قلبه , و طلبت من فتاتين من الصديقات في النادي الليلي , أحدها نرويجية والثانية فنلندية لمصاحبتي في الزيارة , وكان عدد من الفتيات من الدول الأسكندنافية خاصة يأتون الى بريطانيا لتعلم اللغة الأنكليزية بين عوائل ميسرة , بما يسمى بالفرنسية ( الأو بير ) , وكانت لهن يوم عطلة في الأسبوع , وخاصة يوم الأربعاء ليرتادوا النوادي الليلية في المدينة التي كانت للفتيات فيها الدخول مجانا وأن الكثير منهن في سن المراهقة و لا يتجاوزن 20 عاما من العمر . و بعد الأستفسار عن أسم المريض وصلنا الى الردهة وفرح بلقاؤنا وهو متكأ على ظهره و أستغربت لرؤية رجله معلقة برافعة فوق السرير .
وأستمريت في زيارته طيلة 3 أسابيع قضاها في المستشفى , مرة أومرتين في الأسبوع لأنني كنت أعتبر نفسي مسؤولا ولو غير مباشر في تلك الحادثة , وفي كل مرة تصاحبني واحدو أو أثنين وأحدى المرات ثلاثة من الفتيات , بحيث أثارت حضورهن الكثير من الأهتمام وكأن المريض شخصية هامة وخاصة من الممرضة المسؤولة عن الردهة , وفي أحدى المرات وعدتها بأنني سوف أصاحبها الى نادي ليلي لو قامت بالاهتمام والعناية الخاصة بصديقي , وفهمت قصدي , وفي المرة التالية للزيارة , رأيت زهير ليس على عهده في العبوس و لعن حظه التعس , بحيث تم أرجاء موعد سفره و ما ترتب عليها من قلق الأهل عن حالته الصحية , بل رأيته يبتسم بأبتسامة عريضة , وشكرت ربي لوصول الفكرة !!..
وفي الأسبوع الثالث لم أتمكن من زيارته لأنشغالي بالامتحانات الفصلية , ونظرا لعدم وجود خطوط هاتف في الشقق التي كنا نؤجرها , عدا التلفونات العمومية المنتشرة في معظم المناطق بشكلها المعروف حتى اليوم وأنقطعت عني أخباره المباشرة , وسمعت بأنه سافر بعد أن تزوج من صديقته التي سافرت معه , وكلي ثقة بأن الممرضة هي وحدها صاحبة الشأن , لأن زهير لم يكن معروفا بأن له صديقة مقربة ( ستيدي جيرل فرند) , وكالمثل القائل :- رب ضارة نافعة !!.. وأتمنى لهما العمر المديد والصحة ونهاية سعيدة للحادثة المذكورة . راجيا من الله أن يكونوا في الموصل أو أي مكان آخر لا يزالون في قيد الحياة .
ولنرجع الى السكوتر, لقد تبين بأن حادث الأصطدام لم ينتج عنه أضرار تطلبت مبلغ تعجيزي , وبعد تصليحه أستلمته وأنا مصر على التعلم بوحدي وخاصة وأن العملية ليست بتلك الصعوبة بعد تعلم تغيير الجير اليدوي , وبعد فترة سياقة في بعض المناطق الخالية من الأزدحام سواء سيارات أو مارة , تمكنت من قيادة السكوتر بثقة تامة و نجحت في أول أختبار وحصلت على الأجازة بحيث أتمكن من أن أحمل معي راكب في المقعد الخلفي , وأقول راكب , وأنما المقصود راكبة , هذا هو بيت القصيد منذ البداية !!..
ونجحت مرة واحدة في أداء تلك المهمة , وأعتبرتها تساوي في القيمة كل ما جرى من مشاكل متعلقة بالسكوتر منذ البداية , ولكن حظي لم يستمر , ففي أحد تلك الأيام الممطرة جازفت بسياقة السكوتر للذهاب الى المدينة للقاء بعض الأصدقاء , وحدث أن كنت خلف أحدى العربات الثقيلة , ونظرا لأن الطرق في بريطانيا معروفة بأنها ضيقة والسير بأتجاهين , لذا لم أتمكن من أجتياز اللوري لأرى طريقي بصورة واضحة وأنا أحاول فتح عيوني من زغات المطر على وجهي , فلم ألاحظ بأن العربة أمامي وقفت فجأة , والضغط الفوري برجلي على البريك لم ينقذني من الأصطدام المباشر بالمؤخرة الحديدية للعربة ورأسي كان أول الضحايا لأن لبس الخوذه لم يكن مفروضا على سواق الدراجات النارية , وشعرت بالصدمة في بدايتها ولكنني فقدت الوعي , ولم أستيقظ ألا وأنا طريح الفراش في أحدى المستشفيات , ولا أزال أحتفظ في وجهي بعض آثار تلك الجروح لحد اليوم , وهكذا كانت نهاية تجربتي مع السكوتر المشؤوم , وتمكنت من بيعه لنفس الجراج الذي سبق وأن قام بتصليحه ليستفيد منه كقطع الغيار , وحمدت الله على أنقاذي من موت محقق , ولو أن الجروح تطلبت عدة أسابيع لتلتأم وأزالة الخيوط والضمادات .
من يرغب في قراؤة المزيد من ذكرياتي وخاصة كطالب بعثة في بريطانيا , والأحداث المثيرة التي صادفتني وعايشتها , الرجوع الى الأرشيف في عنكاوة دوت كوم و المجلة الثقافية العامة الگاردينيا دوت كوم , أو الأنترنيت أو بعضها على موقعي في الفيسبوك . وربما يسأل قاريء لماذا أذكر تلك التفاصيل الشخصية عن حياتي , والجواب لأنني أحاول أن أعايشها وأتمتع بذكراها و كرياضة مفيدة للدماغ .
المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد / مسقط سلطنة عمان
4876 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع