الدكتور مليح صالح شكر
في 11 تموز 1927، دخل إبراهيم صالح شكر معترك الصحافة السياسية ، وأصدر جريدته الأسبوعية ( الزمان)، وقال في صدر صفحتها الأولى أنها( يومية أدبية سياسية إجتماعية إنتقادية)، وكان هو صاحبها ورئيس تحريرها في آن واحد. وهو بذلك كان أول من أصدر في تاريخ العراق جريدة بهذا الاسم.
وعاشت 44 عدداً، تخللها تعطيل لعدة مرات ، مرة بقرار من حكومة جعفر العسكري ، وأخرى بقرار من حكومة عبد المحسن السعدون ، ومرات أخرى بطلب المندوب السامي البريطاني.
وفي 1960-1961 قابلت فائق بطي عدة مرات في مكتبه بجريدة( البلاد) في حي إرخيتة ببغداد، وقدم لي بسخاء الكثير مما كان المرحوم والده رفائيل بطي قد جمعه من صحف، أو قام بتوثيقه، دونت بعضها وأعدت أصولها اليه، ولن أنسى أبداً أن فائقاً أهداني آنذاك مشكوراً المجموعة الكاملة لجريدة والدي ( الزمان) مجلدة في مجلد واحد ضم الأعداد الاربعة والاربعين.
وهي متوفرة في مكتبات العراق، دار الوثائق ، ومكتبة المتحدث العراقي، ومكتية المجمع العلمي العراقي، ومكتبة جامع الخلاني، ولدى بعض الباحثين في تاريخ الصحافة العراقية.
وفي ( الزمان) شن إبراهيم صالح شكر حملته السياسية ضد الإنتداب البريطاني ومعاهداته وأذناب الإنكليز في العراق، ودعا الى حرية التعبير والصحافة والتجنيد الإجباري وطرد الأجانب من الوظائف العراقية، وندد بزيارة الصهيوني الفرد موند لبغداد ، منتصراً للطلبة الذين تظاهروا احتجاجاً على هذه الزيارة.
وفي 1930 تبرع إبراهيم صالح شكر بإمتياز صحيفته( الزمان) المعطلة عن الصدور، ولم يكن إمتيازها ملغياً ، لصديقه رفائيل بطي الذي تعرضت صحيفته ( البلاد) للتعطيل، وكذلك صحيفته الأخرى ( الجهاد) وجاءت هذه الإعارة عام 1930 وإبراهيم صالح شكر موجود في العراق حيث عاد من سفرته الوحيدة الى خارج العراق اواخر 1928 ، وليس صحيحاً ما قاله فائق بطي في الموسوعة الصحفية من أن إبراهيم صالح شكر سلم إدارة( الزمان) لرفائيل بطي بعد أن ترك البلاد إلى الخارج.
وقد تعرف بطي على إبراهيم ، خلال فترة نفي الثاني الى الموصل، عام 1915 في دكان وراق بالموصل ، وبطي من مواليدها ، ثم ربطتهما صداقة وثيقة، وكان واحداً من ثلاثة أشخاص من الحاضرين لحظة وفاة إبراهيم صالح شكر في المستشفى عام 1944.
وأعار إبراهيم صالح شكر حقه بإمتياز( الزمان) إلى رفائيل بطي، ونشر بطي نص رسالة إبراهيم إليه في ( الزمان) ،العدد رقم 243 السنة الاولى ، يوم الأحد 5 ربيع الأول 1349 هجرية ،31 آب 1930 ميلادية، وكما يلي نصاً:
( لما عطلت الحكومة جريدتنا( البلاد) إستعضنا عنها مدة التعطيل بجريدة ( الجهاد) فاصيب جهادنا بالتعطيل الإداري، فإتخذنا من جريدة ( الشعب) معوانا على العمل، فكان حظ ( الشعب) عدداً واحداً فقط وأصيب بالعطيل الإداري أيضاً.
وقد شاءت مرؤة الإستاذ إبراهيم صالح شكر أن يعين إدارة( البلاد) على مواصلة الخمة المثمرة في حقل الوطن ، فقدم إلينا جريدته( الزمان) لتحل محل ( البلاد) في تعطيلها المؤقت، وليست هذه بأول يد للصحفي المجاهد في خدمة الواجب والبلاد .
وأراد صاحب جريدة( الزمان) أن يمعن كرماً فأرفق عنوان الجريدة بالكتاب التالي يفيض بياناً ويصرخ غيرة وطنية ، قال الأستاذ حفظه الله:
أخي رفائيل بطي !
هذا صريع في ميدان الكرامة يلقي السلاح وهو مثخن بالجراح،ولكنه لا يئن، ولا يتلوى من الألم ، فأنينه صامت وآلامه خرساء.
وهذا بلد موبوء ، لا يستقيم العمل فيه لمن تمكنت في نفسه تقوى الوطهن ، وإعتصم بأسباب الشرف، وواجب الإباء!
وإذن فالإنزواء في ( معاقل الأسر) خير من الإمراح على هذه الرقعة السبخة الوعرة ، وإنا لله وإنا إليه راجعون!
وبعد.. فإن ( الزمان) جريدة، إنما أصدرتها لأجعل منها ( الشعلة المقدسة) التي تستنير بها الكرامة الوطنية ، في هذا البلد الحالك السواد ، وبين هذا الشعب المتخبط في ظلمات الصروف والحوادث، فتضافرت الوزارات على إطفائها، المرة تلو الأخرى، إلى أن نضب الزيت، وإستحالت الذبالة إلى رماد!
فإذا أبحت لك التصرف في ( الزمان) فإني إنما أبيح لك التصرف في ( شعلة منطفئة) ، فإذا وجدت في رمادها ناراً، فذر هذه النار تتمشى في الهشيم غلأى أن تلتهم الأخضر وتتناول الأكواخ والقصور، فخير لك أن تحرق من أن تحرق فيشمت بك.
وإياك أن تتخذ مني قدوة، وإن كنت ( ولدي بالروح) ، فأني رضيت لنفسي (الإحتراق) من حيث لم أستطع إنارة العميان.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
وقد واظب رفائيل على إصدار( الزمان ) لبعض الوقت حتى عادت إليه جريدته ( البلاد) فأوقف ( الزمان) وبقي إمتيازها بإسم ابراهيم صالح شكر حتى ألغي الأمتياز نهائياً في مرسوم نوري السعيد للمطبوعات عام 1954.
وإستغل توفيق السمعاني، وهو من أنصار حزب العهد، حزب نوري السعيد في الثلاثينيات من القرن العشرين، شهرة إسم( الزمان) فأصدر عام 1937 جريدة بهذا الإسم بالرغم من أن إبراهيم صالح شكر لم يعيره او يتنازل له او يسمح له بإستخدام (الزمان)!
وفي عام 1937 بدأ توفيق السمعاني إصدار الصحيفة بنفس الإسم، وكان قبلها مديراً لصحيفة ( الطريق) وكرس صحفه لتأييد الحكومات ، وعلى الخصوص تلك التي يترأسها نوري السعيد، ولم تتعرض للتعطيل اطلاقاً .
ومن غرائب الصحافة العراقية عام 1931 ، ان حزب العهد الذي أسسه نوري السعيد لإسناد حكومته ، أصدر صحيفة ( صدى العهد) ووضع عبد الرزاق الحصان صاحباً لها ، فراحت تهاجم الصحف الأخرى التي لا تؤيد المعاهدة البريطانية العراقية ، وتطالب بالمزيد من التضييق على حرية الصحافة ، وهاجمت مسودة قانون المطبوعات لأنه يمنح ( حرية واسعة للصحف) ، لكن الحصان تركها في وقت لاحق ، فتولاها عبد الهادي الجلبي يعاونه توفيق السمعاني ، واستمرت حتى عطلتها حكومة ناجي شوكت في تشرين الثاني 1932 ، فأصدر السمعاني صحيفة بديلة أسماها ( الطريق) ، وإستمرت ثلاث سنوات تؤيد الحكومة التي يكون نوري السعيد وزيراً فيها ، وتعارض الأخرى التي تخلو من عضويته فيها ، وعطلتها حكومة الانقلاب العسكري في 23 تشرين الثاني عام 1936 .
العدد الأول لصحيفة الزمان التي أصدرها إبراهيم صالح شكر في 11 تموز 1927
981 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع