بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة -الغواصة -الجزء الاول
خرج مانيش من عمله بشركة فايزرز بوقت متأخر من الليل وهو راضي تماماً عما حققه بذلك اليوم لانه توصل الى نتائج طيبة للغاية قد تمكنه من تحقيق ما يصبو اليه. سار في شوارع الداون تاون حتى وصل الى سلم ارضي فنزل منه كي يستقل مترو الانفاق وهو يبتسم. ولما بلغ الرصيف صار ينتظر قدوم القطار. لم يكن يشعر بالتعب حتى تلك اللحظة عندما ركب القطار إذ جلس باحدى كراسي المقطورة الفارغة لان جميع الكراسي من حوله كانت خالية. فليس هناك الكثير من الركاب بالقطار بتلك الساعة المتأخرة من الليل وهذا دائماً حال نيويورك. سند رأسه على زجاج النافذة ولم تمر الا ثوانٍ حتى صار يسبح بدنيا الاحلام. اخذته مخيلته الى مدينة بنكالور المدينة التي يحبها والتي يطلق عليها العالم وادي السلكون الهندي والتي تعج بالعلماء والمهندسين من العيار الثقيل. كان مانيش واحداً من المع المهندسين هناك ممن يحملون دكتوراه بالفيزياء النووية ودكتوراه بهندسة الميكانيك وماجستير بالالكترونيات. وهو يذكر تماماً عندما جاء فريق التوظيف من نيويورك كي يطلبوه للعمل بامريكا، فقد غمرته الفرحة لانهم عرضوا عليه مرتباً شهرياً يفوق مرتبه السنوي مرتين ونصف المرة. لم يتردد في قبول عرضهم للعمل في المختبرات بشركتهم للابحاث الطبية. وفجأة استيقظ على الم شديد بوجهه، وعندما تدارك الامر وعلم ما حل به وجد ان رجلاً ابيض كالعملاق قام بصفعه. ولما جائته الصفعة الثانية صرخ وقال،
- ما الامر يا رجل؟ ماذا تريد مني؟ لماذا تصفعني؟
- ويحك ايها العربي الحقير. عليك ان تستمع الي وحسب. لا تتكلم، افهمت؟
- انا لست عربياً يا رجل. انا هندي.
- كلكم سيان ايها المسلم الحقير.
- لكني هندوسي ولست مسلماً.
- اخرس ايها الكلب الاسود.
لكمه بقبضة يده لكمة كادت تفصل رأسه من جسدة فاغمي عليه وسقط ارضاً. لكن المعتدي لم يتوقف عند ذلك الحد بل التقطه من على الارض وارجعه الى الكرسي وامطره لكمات على صدره ورأسه ثم قام بتفتيش ملابسه. وعندما عثر على محفضته قام بسرقتها ثم تركه مغمياً عليه وهو بحالة جلوس على الكرسي وحيداً في المقطورة. توقف القطار في المحطة التالية فنزل الجاني. لم يكن يعلم ان كل ما كان يملك في المحفضة هو مبلغاً لا يتعدى 15 دولاراً وبعض البطاقات الائتمانية وصورة لوالدته وصورة اخرى لفتات سمراء جميلة لديها (البندي) وهي بقعة حمراء فوق جبينها. صعدت المقطورة فتاة ثلاثينية سوداء زنجية فاثارها منظر مانيش. الا انها شعرت بالرأفة نحوه عندما لاحظت الدم يسيل من فمه وجبينه فيصبغ قميصه الابيض باللون الاحمر القاني. اقتربت منه وصارت تناديه،
- سيدي، سيدي، استيقظ. هل انت بخير؟ سيدي.
فتح مانيش عينيه لكن ملامح المرأة السوداء كانت غير واضحة فقد تَطَلّبَ منه الامر بضعة ثوانِ حتى تمكن من ان يتفحص وجهها وان يعرف انها تحاول مساعدته.
- لقد اعتدى علي رجل ضخم كالغوريلا يريد سرقتي.
- وهل سرق منك شيئاً؟
- لا اعلم، بعض النقود على ما اعتقد، فمحفضتي كانت تحوي القليل من المال والكثير من بطاقات الاتمان.
- وكيف ستعود لبيتك؟ هل بامكانك السير؟
- اجل اعتقد ذلك.
حاول مانيش الوقوف على قدميه الا انه عاد وجلس على الكرسي بعد ان فقد توازنه. حاول مرة ثانية فنجح بالمرة الثانية وقال،
- اعتقد اني ساكون بخير، شكراً لك سيدتي. لقد غمرتيني بعطفك وطيبتك.
- لا شكر على واجب. خذ حذرك وتأنى بسيرك.
وقف القطار بالمحطة التالية فوقف مانيش كي ينزل منه الا انه عاد وجلس على الكرسي ثانية، هنا جائت السيدة واعانته على الوقوف،
- دعني اساعدك سيدي، يبدو انك لا تزال تعاني من الدوار. ساتي معك حتى اتأكد انك وصلت منزلك بامان.
- انتِ انسانة طيبة جداً وكريمة. انا شاكر افضالك سيدتي.
- انا اسمي داليا فلبس من مانهاتن.
- وانا اسمي مانيش كومار من الهند.
اعانته داليا على الوقوف وطلبت منه ان يضع يده على كتفها كي يستند عليه فمشيا سوية نحو باب الخروج من المحطة. بعد مرور 5 دقائق من السير في الشارع الخالي وصلا الى العمارة التي يسكن فيها مانيش فادخل مانيش يده بجيبه وقال،
- لحسن الحظ أن اللص لم يسرق مفتاح بيتي.
اخرج المفتاح وفتح الباب ثم دخلا وهو يتكئ على كتف داليا. وعندما فتح باب الشقة، نظرت الى الشقة فاصيبت بالدهشة وقالت،
- هل انت تاجر مخدرات؟ ان شقتك تصلح ان تكون شقة للاغنياء اصحاب الملايين.
- كلا سيدتي انا لست بتاجر مخدرات بل اعمل في مختبر بابحاث طبية. وقد منحتني الشركة هذا السكن مؤقتاً حتى يتم توظيفي بشكل دائم. فنحن نعمل على مشروع كبير حالياً.
- وما نوع المشروع الذي تقومون به؟
- نطور اسلوب طبي جديد قد يغير مفهوم الطب بشكل دراماتيكي.
- هذا شيء عظيم يا يا يا، ما اسمك ثانية؟
- مانيش. بامكانك ان تناديني (ام كي) كما يناديني زملائي بالعمل.
- كلا نحن الامريكان كسولين جداً ونفضل ان ندعوا الناس بمختصرات الاسماء مستعيضين بدلها بالحروف. ساحاول ان اتذكر اسمك يا مانيش، انا اسفة. ساتركك الآن لاني اطمأنيت عليك.
- انا آسف جداً. اعذريني لم اقوم بكرم الضيافة. هل تريدين شرب الشاي ام القهوة؟
- كلا لا شيء، يجب ان ارحل الآن ولكن بامكاننا ان نلتقي ثانية في الغد ونشرب القهوة سوية. فالوقت متأخر ويجب علي العودة الى منزلي.
- هل تسكنين مع عائلتك؟
- كلا اسكن مع السيد جورج.
- هل هو زوجك؟
- هي هي هي كلا انه هر مسن.
- وهل لديك صديق او حبيب؟
- كان لدي زوج ولكننا انفصلنا قبل ستة اشهر. كان يخونني مع اقرب صديقة لي ولكني كشفت خيانته متأخرة فانفصلنا الى ما لا عودة. بقيت بيننا اجراءات الطلاق فقط.
- هذا شيء فظيع. انا آسف.
- يجب ان يفحصك طبيب ما في الغد. لعلك تعرضت لبعض الكسور على اثر الاعتداء.
- لا تقلقي يا داليا. انا اصلب مما يبدو عليّ. على العموم ساقوم بتقديم بلاغ للشرطة عن الحادث غداً. ما رأيك لو نلتقي الساعة العاشرة مساءاً امام محطة القطار التي جئنا منها اليوم؟
- حسناً، ساكون هناك. الى الغد إذاً يا مانيش.
- على العموم خذي رقم هاتفي ان احتجت الاتصال بي.
- شكراً لك سيد مانيش.
- شكراً لك انت مرة ثانية. لقد غمرتيني بكرمكِ.
- لا تقل ذلك. انه واجبي.
خرجت داليا مبتسمة لانها شعرت ان مانيش ابتدأ يميل اليها. في تلك الليلة لم يستطع مانيش الخلود الى النوم بسهولة. فمن ناحية كان جسده يبعث اليه باشارات الالم من جراء الاعتداء الشرس الذي تعرض له في مساء هذا اليوم المشؤوم ومن ناحية اخرى داليا. "اوف يا داليا كم انت جميلة ولطيفة وطيبة في هذه المدينة الموحشة"، فهو يشعر بالحنين للوطن منذ ان غادر مدينته بنكالور حيث كان يحيا كالامير هناك. كل الناس كانوا يحترمونه لعلمه ولمكانته في العمل. وما جنى من مجيئه الى الولايات المتحدة سوى المال. فمرتبه الآن اصبح كبيراً للغاية بحيث صار يبعث جزءاً كبيراً منه الى والديه بالهند ويجعلهما في بحبوحة كبيرة. كم كانت جيتا غبية لانها كانت مادية وتجري وراء المال. لقد وضعت شروطاً تعجيزية كي يتزوجها ولم تعر اي اعتبار للحب الكبير الذي كان يكنه لها. آه يا جيتا ليتك تشاهدينني الآن لكنتِ قبّلتِ الارض التي اسير عليها. ولكني بعد ان عرفت معدنك الرخيص فانا لا اريدك حتى لو جئتِ تزحفين الى عندي.
باليوم التالي خرج مبكراً الى مركز شرطة مانهاتن پريسنكت المركز القريب من الشركة التي يعمل بها وقام بتقديم شكوى. لكنه لم يلاحظ الكثير من الاهتمام لدى الشرطة بما اخبرهم به لانهم كانوا يتعاملون مع حالات قتل واختطاف وسرقة بنوك. لم تكن قضيته سوى امر بسيطاً تافهاً جداً بالمقارنة، ولا يستاهل الورق الذي تدون عليه. وبعد الانتهاء من تقديم البلاغ سار نحو المختبر واخبر زملائه بالعمل هناك فوجد انهم هم الآخرون لم يعتبروا ذلك الاعتداء بالشيء الكبير. بل هو حادث يسمعون باكبر واعظم منه كل يوم. حالما جلس على مكتبه وصار يسحب ملفات المشروع كي يراجع بعض الامور التقنية فيه، دخل عليه مديره وقال،
- ام كي اريد ان اعرف ماذا فعلت بمحرك الجايرو؟
- اليوم ساقوم بتجربته في المختبر يا سيد كوهين.
- ارجو ان تستدعيني عندما تجربه لاني اريد ان اتابع التجربة.
- حسناً. ولكن قبل ذلك اريد ان اتأكد إن وصلت طلبية البلازما. فبدون البلازما لا استطيع القيام بالتجربة.
- حسناً. اخبرني عندما تكون جاهزاً. ولكن ما هذا الذي بوجهك؟
- انها بعض الكدمات التي تعرضت لها اثر اعتداء بالمترو ليلة امس.
- مرحباً بك بامريكا. عزيزي ام كي إن المرتب الذي تتقاضاه هنا يُمَكّنكَ من ان تقتني اغلى سيارة بامريكا، فلماذا تستقل المترو؟
- ساشتري سيارة عن قريب يا سيد كوهين.
- حسناً ولكن لا تتأخر. فنحن نحتاجك ولا نريد ان نخسرك عندما تكون مصاباً بالمستشفى.
خرج كوهين بعد ان ادلى بتلك الكلمات التي تدل على احاسيسه الباردة القاسية وتفصح عن حقيقة مشاعره الداخلية نحوه. بعد نصف ساعة دخلت عليه سكرتيرة القسم وقالت له،
- ام كي، لقد وصلت شحنة البلازما قبل قليل. ماذا تريدني ان اعمل بها؟
- ساحضر الآن كي ابدأ باستعمالها.
خرج مانيش الى المختبر وصار يفتح الصناديق التي وصلت بها شحنة البلازمة الاصطناعية وصار يضعها في انابيب مخصصة لها ثم اتصل بمديره وقال،
- يا سيد كوهين، انا جاهز لاجراء التجربة هل تريد المجيء الآن؟
- نعم سأتي فوراً واعلم ان لدي زائر من الادارة العامة يريد ان يتابع التجربة هو الآخر.
- حسناً انا بانتظاركما.
بعد قليل دخل الرجلان المختبر وعرف كوهين بضيفه قائلاً،
- هذا هو السيد زيمرمان جاء ليشاهد التجربة. ارجو منك شرح كل شيء من البداية فهو محامي ولا يعرف اي شيء عن عملنا، لذا ارجوك وضح له الامور بشكل مفصل وببطئ شديد.
مانيش: حسناً. نحن نقوم بتطوير غواصة صغيرة جداً يبلغ طولها 4.8 ملمترات. هذه الغواصة تعمل بتكنولوجيا النانو. هي مزودة باذرع ميكانيكية تمكنها من اجراء جميع الاعمال التي يقوم بها الجراحون في غرفة العمليات من قص واستإصال وخياطة وحقن وما شابه. الغواصة مزودة بكامرات ومصابيح عديدة كي تمكن الجراح من متابعة ما يجري بداخل الجسم على شاشات التلفاز الخارجية. هذه الغواصة تُحقَنُ في دم المريض بابرة خاصة ثم نقوم بقيادتها بداخل الاوعية الدموية عن طريق السيطرة عن بعد بحيث نوصلها الى اي نقطة نريدها بجسد المريض ثم نقوم باجراء عمليات معقدة جداً لا يمكننا عملها في الحالات الاعتيادية دون تعريض المريض الى مخاطر جسيمة. يمكننا قيادة الغواصة من خلال محرك جيرو خلفي يقوم بالدوران اللامركزي فيصنع دفعاً عامودياً نقوم باستغلاله كي نوصل الغواصة الى اي نقطة نريدها بجسم الانسان. بالامكان اخراج الغواصة باي لحظة الى خارج الجسم لتزويدها بالعقاقير او الآلات التخصصية لاجراء عمليات معقدة. والآن هل لديكم اي اسئلة؟
الغواصة
زيمرمان: هل يقوم محركها بشفط الدم من الامام وقذفه الى الخلف كي تسير الغواصة الى الامام؟
مانيش: كلا، كما اخبرتك سابقاً فالغواصة لديها محرك جيرو وهو يعمل داخلياً لكنه يصنع دفعاً الى الامام دون الحاجة لشفط او قذف اي شيء. اليوم هذه التقنية مستعملة في المركبات التي ترسل الى الفضاء الخارجي حيث لا يوجد هواء هناك فيستعملون محركات جيرو عوضاً عن الدفع الصاروخي الذاتي.
زيمرمان: كم هي المدة التي تعمل فيها البطاريات قبل ان تتطلب الشحن من جديد؟ وكيف تتم عملية الشحن؟
مانيش: البطارية تعمل بشكل اعتيادي لمدة 5 ساعات متواصلة. انا اعرف ان بعض العمليات قد تتطلب اوقات اطول من ذلك لكننا نتابع ونعالج المشكلة من زاويتين. الزاوية الاولى هي اننا نحاول مضاعفة الوقت كي يصبح 10 ساعات وذلك بتزويد الغواصة ببطارية لديها ماح اكبر (mah) والزاوية الثانية هي اننا سنزودها بطريقة شحن للبطارية عن بعد دون الحاجة لاخراج الغواصة الى خارج جسم المريض.
زيمرمان: الا تعتقد ان ذلك ضرب من الخيال؟ فكيف ستقوم بشحن البطارية عن بعد دون ان توصل الاسلاك اليها؟
مانيش: سيدي، يبدوا انك غير متابع للتكنولوجيا. فبعض الهواتف الذكية اليوم بامكانها ان تشحن عن بعد دون الحاجة لتوصيل الاسلاك اليها. وقد قمت بالاتصال بشركة سامسونغ وقبلوا بيعنا تلك التقنية مقابل مبلغ 2 مليون دولار.
زيمرمان: كيف ستتم عملية تدريب الجراحين على الغواصة؟
مانيش: عند الانتهاء من تصنيعها والتأكد من صلاحيتها، سنقوم بتوظيف شركة وسائط متعددة والتي مهمتها اعداد التالي:
1 ستقوم بتزويد الاجهزة بافلام فديو احترافية تعدها لنا هذه الشركات وسوف ننشرها كذلك على اليوتيوب.
2 سنقوم باجراء دورات تدريبية للجراحين في مراكز تدريبنا وفي مستشفياتهم ان تطلب الامر ذلك.
3 سنعد كتلوجات وكتب مفصلة بشقين، شق طبي للاطباء وشق تقني لاقسام الصيانة لدى المستشفيات.
زيمرمان: لدي سؤال مهم جداً بالنسبة لنا وهو: هل بالامكان تقليد الغواصة من قبل منافسينا في السوق؟
مانيش: في الوهلة الاولى الجواب هو لا. لان الغواصة مبنية على عدة تقنيات متداخلة مع بعضها البعض وسوف يصعب على المقلد اعادة خلق كل التقنيات بدقة كبيرة، لذلك سنبقى حاصلين على الريادة في السوق لفترة طويلة. لكن التطور العلمي سيلحق بنا عاجلاً ام آجلاً وسوف يقلدونا خلال سنتين او ثلاث سنوات على اكثر تقدير.
زيمرمان: لدي سؤال آخر سيد مانيك.
مانيش: اسمي مانيش.
زيمرمان: عذراً سيد مانيش، متى تعتقد بانك ستزودنا بغواصة كاملة قابلة للتجربة؟
مانيش: سؤال وجيه للغاية ولكن في اعتقادي، إذا سارت الامور كما ينبغي فقد نستطيع انتاج اول غواصة كاملة بعد 5 الى 8 شهور من الآن.
زيمرمان: هذا شيء مفرح للغاية. والآن هل لديك شيء تريدنا ان نشاهده؟
مانيش: اجل، اليوم ساجرب عملية دفع محرك الجيرو بداخل البلازما.
اجرى التجربة بنجاح حيث ادخل هيكل الغواصة العاري من الاذرع والكامرات والمصابيح في انبوب بلاستيكي شفاف يحاكي الاوعية الدموية ثم صار يقودها من فرع الى فرع حسب رغبته. فصفق له الرجلان ثم قال،
زيمرمان: اخيراً سؤال عابر، هل وجدت اسماً لاختراعك هذا؟
مانيش: اجل حروفه مأخوذة من حروف كلمة الغواصة وهي كالتالي:
Surgical - Ultra fine - Biothermal - MAchine - Remotely - Induced - Navigator
زيمرمان: شكراً لك سيد مانيش واتمنى لك التوفيق.
في جانب آخر من نيويورك وبالتحديد في منطقة مانهاتن كبس السيد باترجيلو على الجرس فدخلت سكرتيرته الشقراء الجميلة سڤانا فقال لها،
- نادي لي الانسة جانيس اريد التحدث اليها فوراً.
- حسناً سيدي.
رجعت السكرتيرة الى مكتبها واتصلت بالهاتف إذ قالت،
سڤانا : السيد باترجيلو يطلب حضورك الى مكتبه فوراً يا انسة جانيس.
جانيس : حسناً انا ساحضر حالاً.
بعد دقيقتين طرقت جانس باب مديرها باترجيلو فسمعته يقول،
- ادخلي يا جانس.
- هل طلبتني سيدي؟
- اجل اريد ان اعرف ماذا فعلت مع العالم مانيش؟ وهل اوقعتيه بحبك بعد؟
- بالواقع لم يتسنى لي ان اعمل ذلك. فبعد الضرب الذي تلقاه من السيد دوك العامل بقسم الامان عندنا قمت بالتظاهر باني انسانة عادية واردت مساعدته.
- واي اسم استعملت لنفسك؟
- اخبرته ان اسمي داليا.
- هل صدقك؟
- اجل، يبدو لي انه أعجب بي.
- اريد منكِ تقدماً سريعاً لاني اريدك ان تعرفي نوع المشروع الذي يعمل عليه الدكتور مانيش. فهم لم يستوردوه من الهند لان عيناه السوداوان جميلتان، وإن اكتشف علاجاً جديداً فانا لا اريد شركة فايزرز ان تسجل برائة اختراعها بالباتنت قبل ان نحصل عليه منهم، مفهوم؟
- مفهوم سيدي. ساوقعه بشباكي اطمئن.
خرجت جانيس من مكتب مديرها السيد باترجيلو وهي متوترة جداً. فكيف تستطيع ان تعجل اعجاب مانيش بها وقد قابلته بالامس فقط؟ واذا ما كذبت عليه جدلاً وصارحته بحبها فانه سيكتشف خداعها بالتأكيد، فليس من المعقول ان تقع امرأة بحب رجل خلال امسية واحدة فقط. لأن هذا قد يسبب لها فضيحة ويعرضها للمحاسبة القانونية او حتى للسجن لانهم سيعرفون فوراً انها تعمل لدى شركة ام دي تك المنافسة لشركة فايزرز. لكن ما لا يعرفونه هو اسمها المستعار. لذا عليها ان لا تغلط ابداً وان تتعود على اسمها المستعار (داليا).
رجعت جانيس الى مكتبها ورفعت سماعة الهاتف ثم طلبت الرقم الذي كتبه لها مانيش بالليلة السابقة فسمعت سكرتيرته تقول،
- مكتب الدكتور مانيش كومار تفضلوا.
- صباح الخير، اريد التحدث مع مانيش لو سمحتِ.
- الدكتور مانيش ليس بمكتبه في الوقت الحالي. هل تريدين ترك رسالة؟
- اجل انا اسمي داليا، ارجو ابلاغه كي يتصل بي على الهاتف التالي، (212) 555 6181
- حسناً سابلغه بذلك.
اغلقت السكرتيرة الخط وعادت جانيس تفكر بكل ما حصل. فمن الواضح تماماً ان مانيش ليس انساناً عادياً لانه مثقف ومتعلم تعليماً عالياً جداً. بالاضافة الى كل ذلك فهو اكثر انسان مهذب عرفته في حياتها، وهو وسيم جداً. فكيف تشارك في لعبة قذرة مثل هذه كي توقع به وتتجسس عليه لصالح شركتها. من قال ان مدير شركتها سوف يفي بوعوده ويمنحها المكافئة التي وعدها بها؟ لقد اخبرها بانه سيعطيها 20000 دولار. هل سيكون هذا المبلغ مساوياً لحجم المجازفة التي ستتخذها؟ وإذا ما انفضح امرها، هل سيقف المدير الى جانبها ام انه سيتخلى عنها ويتركها للذئاب كي تنهش بلحمها؟
بعد نصف ساعة عاد مانيش من المختبر حيث اجرى التجربة امام مديره السيد كوهين وضيفه السيد زيمرمان. دخل مكتبه ووضع بعض الاوراق والملفات على مكتبه وجلس كي يدون بعض الافكار التي خطرت بباله اثناء اجراء التجربة. لكنه وجد قصاصة ورقية امامه كتب عليها، "اتصلت بك داليا وتريدك ان تتصل بها على الرقم (212) 555 6181.
رفع مانيش السماعة فوراً وطلب الرقم الذي بين يديه ولم يدق الهاتف الا مرة واحدة وبعدها سمع صوتاً يقول،
- انا داليا، من الطالب؟
- انا مانيش اردُ على مكالمتك. كيف حالك يا عزيزتي؟
- انا بخير وما عنك؟ هل لا زلت تتألم من حادثة الامس؟ وهل قمت بتقديم شكوى لدى الشرطة؟
- نعم، لقد قدمت شكوى لكنهم لم يبالوا كثيراً. وشكراً لك على سؤالك عن حالي فانا افضل بكثير وبالاخص الآن.
- ولماذا الآن يا مانيش؟
- لاني سمعت صوتك يا داليا فانت تعنين الكثير بالنسبة لي.
- ها ها ها بهذه السرعة؟ نحن تقابلنا بالامس مساءاً وانت تخبرني باني اعني لك الكثير؟ هل انت محتال وتريد التلاعب بمشاعري؟
- كلا يا داليا ابداً. انت ابديت لي الكثير من الاهتمام والحنان عندما رجعتِ معي الى شقتي بعد الحادث واليوم تتصلين بي كي تقفي على حالي. الا يكفي كل هذا العطف والحنان؟
- اجل ولكن لا تبالغ في مشاعرك يا دكتور. لماذا لم تخبرني بانك دكتور؟
- لان ذلك ليس مهماً في العلاقات الاجتماعية. فموقفك النبيل بالامس يعادل بل يفوق كل الشهادات التي حزت عليها.
- وهل حزت على المزيد من الشهادات يا مانيش؟
- بعض الشيء. المهم انت! انا لازلت اجهل الكثير عنك، وبصراحة تامة فانا اريد التعرف عليك اكثر. فهل تأذنين لي بذلك يا داليا؟ اليوم اريد ان ادعوك للعشاء، ما رأيك؟
- انت تنهي عملك الساعة العاشرة مساءاً وهو وقت غير ملائم للعشاء.
- بل ساعمل لكِ استثناءاً خاصاً. ساقابلك امام مطعم 10 Corso Como Restaurant الساعة الثامنة من مساء اليوم، اتعرفينه؟
- عرفته، ستجدني امام المطعم الساعة الثامنة تماماً.
وضع مانيش سماعة الهاتف وابتسم ابتسامة كلها امل ومشاعر جميلة. "ليتها تقع في حبي، فانا اكون من المحظوظين لو انها احبتني. امرأة بجمالها وادبها وثقافتها. يا سلام كم انا سعيد"
صار مانيش يشعر ان الوقت يمر ببطئ شديد لأول مرة منذ ان ابتدأ العمل بشركة فايزرز لانه يريد ان يلتقي بداليا ويخبرها بمشاعره، فربما ستهزأ منه لانه اسيوي ويقع بالحب على عجل. لكنه يحس باحاسيس خاصة ازاء تلك المرأة. يجب ان يبطئ سرعته قليلاً، عله يخيفها فتطير من بين يديه فتكون الطامة الكبرى.
اما جانيس فكانت تقول ببالها "كم انتِ حقيرة ووضيعة يا جانيس! يا لك من انسانة تسعين وراء المال، وما هو المصطلح الشائع هذه الايام؟ اجل، اجل (حفارة الذهب). انت حفارة ذهب ليس الا يا سافلة. فكيف توقعين بانسان من هذا النوع؟ بالتأكيد لو نجحت خطتك وسرقت اختراعه، فانه سيقع بورطة كبيرة وقد يسجن او قد يقتلوه. من يعلم؟ على العموم، انت لست مستعدة كي تغيري الخطة الآن وليس من الحكمة ان تعترفي لمانيش بها لانه سيكرهك وسوف يُبَلّغْ السلطات عنك وسوف لن يقف في صفك احد. إذاً سابقي الامور على حالها وكما يقولون باللاتينية (ستاتس كوو)"
في تمام الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم وقف مانيش امام المطعم الذي اخبر داليا عنه وصار ينتضر. لكن داليا لم تصل حتى الساعة الثامنة والربع. ابتسم عندما شاهدها تنزل من سيارة الاجرة وقال لها،
- ظننت انك لن تأتي. لانك تأخرتِ كثيراً.
- انا اسفة يا مانيش، لم اجد سيارة اجرة بسهولة، انت تعرف نيويورك.
- اجل، اجل اعرف ولكن ذلك لا يهم. المهم انك وصلت الآن وانا سعيد بمجيئك، تفضلي.
شبكت ذراعها بذراعه فشعر بحرارة شديدة تصعد الى قلبه فتخرجه من قفصه. نظر اليها والابتسامة تغلف وجهه وتُحمِر شفتاه إذ قال،
- كم هو جميل ان اشعر بيدك تلامس يدي. انا جداً سعيد.
- وانا كذلك يا مانيش. فانت تمكنت من دخول ... لا بل اقتحمت قلبي على عجل.
دخل الاثنان الى المطعم فاستقبلتهم مظيفة وطلبت الاسم فاعطاها اياه، فقادتهما الى طاولة مخصصة لشخصين واحضرت لهما سلة ملئى بالخبز والبسكويت الطويل المقرمش وسط الالحان الايطالية الرومانسية للويجيانو پاڤاروتي. لاحظ مانيش ان صاحبته تبحلق بقائمة الطعام وتقلب الصفحات. فناداها،
- داليا، داليا، داليا.
ثلاث ندائات ولم تستجب فاستغرب كثيراً. ثم عندما أحست انه يناديها باسم داليا ابتسمت وقالت،
- ارجو المعذرة يا مانيش. فانا مشدوهة منذ ان اسمَعتني تلك الكلمات الرومانسية عندما كنا بالخارج. هل كنت تعني ما تقول؟
- عن اي الكلمات تتحدثين يا داليا؟
- عن ذراعكَ يلامس ذراعي ...الخ
- بالتأكيد يا داليا فانا اشعر انني قد غرقت بحبك بسرعة البرق. واتمنى ان تشاطريني نفس الشعور.
- انه حقاً شعور جميل، لكنك تسبق الاحداث وتسير بسرعة الضوء يا مانيش. اتمنى ان تبطئ سرعتك قليلاً كي اتمكن من اللحاق بك ولكي اتحقق من مشاعري نحوك. فالعلاقات لا تبنى على رغبات سريعة من هذا النوع. ربما انت تشعر بالوحدة الآن لانك هنا بهذه المدينة الكبيرة وليس لديك اصدقاء ومعارف.
- انا جداً متأكد من مشاعري نحوك يا داليا.
بهذه الاثناء سمع مانيش اغنية اسبانية جميلة كان يعشقها كثيراً وهي بعنوان "Besame Mucho" وهي تعني قبليني كثيراً فنظر اليها واراد ان يطلبها للرقص لكنها سبقته ووقفت قائلةً،
- اجل احب ان ارقص، انها اغنيتي المفضلة.
- وكيف عرفتِ اني ساطلبكِ للرقص؟
- انه تناغم القوب اي ان قلبينا دقا بآن واحد يا مانيش.
وقف الاثنان في وسط المطعم فاحاط خصرها بكفيه فقامت بوضع يديها حول عنقه واسدلت رأسها على كتفه ثم غابا في تلافيف اللحن والكلمات الساحرة. بقي الاثنان يتمايلان حتى انتهت الاغنية الا انهما بقيا متشابكين ويتمايلان وكأنها لا تزال تُعزَفْ. استيقظ مانيش من تلك الغفوة وقال،
- دعنا نرجع الى طاولتنا لنكمل عشائنا.
بقي الاثنان يتحدثان طوال السهرة حتى بعد ان فرغا من تناول الطعام. صارت جانيس تشعر بعذاب الضمير. لكنها تعلم جيداً ان اي تغيير بالحالة ستكون عواقبها كارثية عليها وعلى حالتها الاجتماعية، لذا قررت ان تستمر باسلوب الخداع حتى تصبح في سلام مع مشاعرها وافكارها. بعد ان دفع مانيش فاتورة المطعم، خرج الاثنان الى الشارع فوجئ بجانيس تقول له،
- ما رأيك لو تمشينا قليلاً قبل ان نرجع الى بيتينا؟
- فكرة رائعة. هيا قودي الطريق، فانت تعرفين نيويورك افضل مني.
مشيَ الاثنان في الشارع لمدة ساعة كاملة وهما يتحدثان عن مواضيع عديدة. اخبرته خلالها انها تعمل في شركة استيراد وتصدير. لكنه فاجأها بالسؤال عن اسم الشركة. لم تكن تنتظر مثل هذا السؤال فاجابته على عجل،
- انها شركة ام دي إمبورت أكسبورت للاستيراد والتصدير.
- وهل انت سعيدة في عملك؟
- اجل، لان ساعات العمل جيدة والمرتب يكفيني. والموظفين طيبون ويحبونني.
- هل يبعد عملك كثيراً من هنا؟
- كفاك اسئلة عن عملي ودعنا نتكلم عن المشاعر والاحاسيس. قل لي الآن كيف تشعر الآن؟
- اشعر بتخمة كبيرة من كثر الطعام.
ضحك الاثنان على هذه الجملة ثم تأبطت جانيس ذراع مانيش وسارا في الطريق. كان مانيش يخاف ان يحرك ذراعه كي لا تقلق وتسحب ذراعها منه لكنها فاجأته بقولها،
- كنت دائماً احلم بان اجد رجلاً طيباً مثلك استطيع ان اثق به واعتمد عليه كي يحميني ويعتني بي ويجعلني احبه واتمنى ان اعمل اي شيئ بالدنيا كي اسعده. والآن ها قد وجدتك يا مانيش، فانا سوف لن ادعك تفلت مني.
- احقاً ما تقولين يا داليا؟ اعتقد اني احلم بسماع كلماتك هذه. وهي ليست حقيقية.
- لا بل هي حقيقية صدقني.
التفت اليها وقبلها قبلة ساخنة فبادلته القبلة بحرارة ووضعت يدها حول رقبته وجلبته اليها. استمروا بهذا الحال بضعة دقائق ثم توقفا عن التقبيل فسمعته يقول،
- انا لا اصدق ...
لكنها وضعت يدها على فمه كي تسكته عن الكلام ثم قبلته ثانية. وبعد قليل قال لها،
- هل اطلب سيارة اجرة يا داليا؟
- اجل يا حبيبي مانيش.
- هل قلتِ حبي... هل ناديتني حبيبي؟ هل انت متأكدة؟
- اجل حبيبي اجل انا متأكدة من مشاعري الآن. اكثر من اي وقت مضى.
رفع يده اليمنى الى الاعلى واشار لسيارة اجرة كي تنقلهما الى بيت داليا اولاً. وعندما وقفت السيارة امام بيتها لاحظَ وقتها ان بيتها لا يبعد كثيراً عن بيته فقرر ان يدفع للسائق اجرته وينزل كي يودع حبيبته ثم يعود الى بيته سيراً على الاقدام. وعندما وصلا الى عتبة باب بيتها سألته،
- هل تريد ان تتناول فنجاناً من القهوة يا مانيش؟
- اجل ذلك كرم منك حبيبتي.
دخل الاثنان بيت جانيس فنظر حوله وقال،
- شقتك جميلة جداً.
استقبلهم هر جانيس الابيض السمين فقالت جانيس،
- يا مانيش اعرفك بمستر جورج. يا مستر جورج اعرفك بحبيبي مانيش.
3870 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع