المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد / مسقط سلطنة عمان
أول سيارة أشتريتها كطالب وأحداث مثيرة ذات صلة
تم قبولي في جامعة ليفربول لدراسة الهندسة المعمارية سنة 1964, وكنت قبلها أكملت دراسة ( الجي سي ئي) في كلية ستريتفورد القريبة من مانجستر لمدة سنتين , ولقد سبق وأن أشتريت دراجة نارية ( سكوتر / لامبريتا) في مانجستر وكتبت عنها في ذكرياتي وأحداث مثيرة كانت لها صلة بالموضوع , لذا كان لي أمل أن أقوم بالتعلم لسياقة السيارة والحصول على رخصة القيادة قبل التفكير بشراء سيارة حسب أمكانياتي المتواضعة كطالب بعثة يحصل على مخصصات شهرية لكل شيء حتى الكتب و اللوازم المدرسية = 45 باون أسترليني , وأحاول الأدخار في المصاريف قدر الأمكان . لذا قدمت للألتحاق بمكتب لتعليم السياقة في مانجستر , وفي أول درس للتعليم , جلست بجانب المدرب وبدأ بشرح أجهزة السيارة لمختلف السويجات , وحتى كيفية عمل ماسح/ منظف الزجاج الأمامي من المطر , وعندما أنتهى ونحن لانزال جالسين على جانب الطريق بدون حركة , أنتهت الساعة الكاملة للدرس , وكنت قد دفعت جنيه أسترليني كلفة الدرس مقدما ولم أتمكن من عمل شيء عدا الخروج من السيارة بعصبية و سد باب السيارة بوجهه بشدة , وكانت هذه أول وآخر درس لتعليم السياقة من هكذا مكاتب .
في السنة الأولى في الجامعة , تم دعوتي من أحد الطلاب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في بيتهم في مقاطعة ويلز , وكان معي أحد الطلاب العراقيين وهو أقدم مني في السنة الثالثة ( لبيد الفخري ) , وكان والد روبرت ماكناب, قد جاء الى ليفربول في مهمة بسيارته , وهكذا تمكنا من مرافقتهم و الأستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة والمنقطعة النظير في الطريق , وخاصة وأنني لم أتمكن من زيارة العديد من المناطق البريطانية , لأن المخصصات الشهرية للبعثة العلمية لم تكفي للقيام بذلك , وخاصة وأنه كان يوما مشمسا طيلة السفرة . وفي المساء بعد تناول العشاء مع أفراد العائلة , قررت أنا و لبيد أن نذهب الى أقرب بار لشرب جلاس من البيرة والجلوس مع أهالي القرية الصغيرة في الريف الويلزي الرائع , القريب من جبل سنودن المشهور كأعلى جبل في المقاطعة وتسمى منطقة سنودونيا المشهورة سياحيا بالجبال والبحيرات . وأدى حضورنا الكثير من الأهتمام , والترحيب من هؤلاء القرويين البسطاء , وأصر البعض منهم أن يشتروا لنا البيرة على حسابهم ولم نمتنع من قبول العرض السخي الذي لم نكن نتوقعه من غرباء ويبدو أن بشرتنا الشرق الأوسطية أصبحت موضوع للنقاش , وكما تبين من أحاديثهم بأن أصول أهل ويلز هي أيضا شرق أوسطية وربما هذا يجعلنا من نفس الأصل , وهذا ما كان واضحا بين الحضور . وكانت العادة أن يشتري كل فرد من الجماعة البيرة للأخرين كل حسب دوره , وبعد عدة كاسات الباينت بدأنا نشعر وكأن الكحول قد بدأ يأخذ مفعوله في رؤوسنا وقرر لبيد بالرجوع قبل أن يسكر , لأننا لم نتعود شرب هذه الكمية من البيرة في جلسة واحدة ولم نجرأ أن نجاري الآخرين بأخذ الدور لشراء البيرة لهم بالمقابل , وبعد جلسة طويلة تخللتها أغاني حماسية بلغة الويلش وهي لغة تختلف تماما عن الأنكليزية وتسمى لغة الجيليك وتشبه لغة الكيلتيك في أسكتلندة وأيرلندة , وخاصة وأن لهم شهرة في أغاني فولكلورية تراثية , ومن أشهر المغنين كان توم جونز الذي أشتهر عالميا بصوته الشجي , وفي نهاية الوقت في الساعة الحادية عشر , تم دعوتي من قبل أحد الحاضرين وزوجته الى بيتهم لتناول الطعام بالرغم من الوقت المتأخر , ووعدني بأيصالي الى بيت صديقي بسيارته , وخاصة وأني كنت أشارك لبيد في غرفة خارجية وراء الجراج , ونظرا لأنني كنت في مزاج مرح , فرحت بالدعوة وبدأنا بشرب نبيذ معتق المشهور في المقاطعة , قبل العشاء و أثناؤه و بعده , وبعد أداؤه بعض الأغاني الأوبيرالية ومشاركة زوجته بالكورس , أستأذن بالذهاب الى غرفة النوم و أن زوجته ستقوم بالواجب , وتبين من كلامها بأنهما متزوجين من 10 سنة وبدون أطفال بسبب ضعف وقلة عدد الحيوانات المنوية لدى زوجها , و حتى قاموا بالتفكيرمرارا بعملية التبني , وأعترفت بأن زوجها كان يحثها على معاشرة من ترغب لرزقهم بطفل في العائلة , وبالرغم من أنني كنت سكران فول , بدأ الوضع يتضح لي بأنها مؤامرة , وخاصة عندما جلست بجانبي تحاول التحرش بي , وبدأت تبكي وأضطررت لضمها الى صدري وأهدأ من روعها , ولكنني أعتذرت بأنني سكران ولا أتمكن من عمل شيء , و وعدتها بأنني سأحضر الى البار في اليوم التالي الأحد وهكذا تمكنت التملص من موقف صعب ونتائج لايحمد عقباها , وبطريقة دبلوماسية لم تشعر بأي أهانة أو تصدي , و تمكنت من أيصالي الى البيت بسلام وبقبلة حارة , وبدأ رأسي في الدوران و بصداع شديد , تمكنت من أفراغ معدتي في دورة المياه الخارجية , شعرت بعدها بتحسن مفاجيء , وأستغرقت في نوم عميق لم أتمكن من النهوض المبكر لتناول الفطور معهم , وكان البرنامج محاولة تسلق الجبل لأن والد روبرت كان محترف في تسلق الجبال حتى في جبال الألب السويسرية , وكان الكراج مملوءا بتلك المعدات , أعتذر لبيد كعادته و لكني قبلت المجازفة وخاصة وأنني مع متسلق محترف وأبنه , وكانت الطريقة الأخرى لصعود الجبل هي بالمشي على الأقدام من الطرف الثاني المائل الذي يتيح للمشاة ممرات مخصصة للهايكينك / المشي , و وعدنا لبيد و والدة روبرت وأخته الصغيرة , بأننا سنتلقى بهم في قمة الجبل . وبعد حصولي على بعض التعليمات و الأرشادات في أستعمال الحبال و بعد أرتداء الملابس والأحذية المناسبة للتسلق والخوذة على الرأس , بدأنا بالتسلق في مواقع تعتبر سهلة للمبتدئين من أمثالي . ويبدو أنني أبليت بلاء حسنا و بتشيع روبرت و والده , وبعد عدة ساعات تمكننا من الوصول الى قمة الجبل الذي يتعبرأعلى جبل في مقاطعة ويلز ومشهور لمتسلقي الجبال في بريطانيا . ولكنني بدأت أعاني من تصلب عضلات رجلي و أنسلاخ الجلد من يدي بالرغم من أرتداء القفازات وخاصة وأنها أول محاولة لي لتسلق الجبال , وبعد عدة ساعات راحة , ولقاء الآخرين , بدأنا في النزول مشيا الى القاعدة , حيث وجود مواقف السيارات وعدد من مقاهي الكافيتيريا و جموع غفيرة تستمتع بالجو الرائع و حرارة الشمس , ووأثناء تناول بعض المرطبات سمعت أصوات عراقية من بعيد , وأستأذنت للذهاب لمقابلتهم , وكانو 3 طلاب عراقيين يدرسون الهندسة المدنية في جامعة كارديف (عاصمة المقاطعة التي تعتبر بمثابة دولة) والمشهورة في ويلز , وطلبوا مني قضاء اليوم بصحبتهم , بعد أن تمكنوا من أرجاعي الى البيت بسيارتهم القديمة / موريس ماينور موديل 1960 , و ترك أمتعة التسلق وتقديم الشكر لوالد و والدة روبرت لحسن الضيافة , وكنت في عجلة من أمري للتملص من الموعد الذي وعدته لمن ترغب في الحصول حيواناتي المنوية عسى أن ترزق بطفلي وكأننا على موعد لزواج المتعة ولو لساعة واحدة وخسرت الفرصة لترك أحفاد من الويلزيين من نسلي في المقاطعة !!..
وقرر لبيد الرجوع بالقطار مع روبرت الى ليفربول وأن الطلبة العراقيين وعدوني بأخذي الى محطة القطار في عصر ذلك اليوم . وتناولنا الوجبة الغذائية الشهية للرز والمرقة التي قاموا بأعدادها في شقتهم السكنية .
وتبين أن أحد الطلبة / عماد البغدادي , تخرج من الجامعة و كان على وشك التهيأ والأستعداد للرجوع الى الوطن , وأنه بصدد بيع سيارته لأن زملاؤه لايجيدون السياقة وهم في السنة الأخيرة من الدراسة . وكوني ذات تاريخ حافل بصيد هكذا عروض وبأقل الأثمان , قررت شراء السيارة ب = 30 باون بالرغم من عدم معرفتي السياقة , وأن أول وآخر درس مشؤوم لتعلم السياقة كان في مانجستربساعة واحدة قضيتها بجانب المدرب السيء الصيت وهو يعلمني كيفية عمل أجهزة السيارة ونحن واقفين بدون حركة على جانب الطريق كما تمت الأشارة أليه أعلاه وتم الشراء , بشرط أن يتم أيصالي الى مقر أقامتي في ليفربول . وهذا ما تم وبعد أن وصلنا الى ليفربول في الليل بسيارتي , ترك السيارة واقفة أمام مبنى شقتي السكنية وغادر بسرعة للحاق بآخر قطار من المحطة .
وفي اليوم التالي قمت بألقاء النظرة الفاحصة على سيارتي وأنا أجلس خلف المقود لا أجرأ على وضع مفتاح السويج خوفا من حركة السيارة بدون سيطرة , ورجعت الى الشقة وأنا مسرور لحيازة أول سيارة , ولكن بدأت أشعر بخيبة أمل لعدم تمكني من سياقتها , وبعد عدة أيام قررت أن أحرك السيارة ولو بمحاذاة الطريق صعودا ونزولا أمام البيت وتعلم أستعمال الجير ذهابا و أيابا , أشتغل الموتور أول مرة وقمت بوضع الجير على رقم واحد وتحركت الى الأمام وأستعملت البريك للوقوف أسفل الطريق , ولكنني لم أتمكن من وضع الجير بالريفيرس , فقررت ترك السيارة في وضعها و الخروج لأيجاد شخص يعلم السياقة لأرجاعها الى محلها أمام البيت , وبعد عدة أستفسارات من المارة في الطريق أبدى البعض منهم بأستغراب الطلب , الى أن وافق أحدهم من أنقاذي من ورطتي , وقام بأرجاع السيارة ببطأ وطلبت منه تركها مع شكري الجزيل لأداء المهمة بنجاح . وطلبت بعد ذلك المساعدة من أحد الأصدقاء ليعلمني بعض الدروس و الجلوس معي كحامل أجازة سياقة بعد أن حصلت على أجازة تعليم أولوية تسمح لي بالسياقة بشرط وجود سائق محترف بجانبي , وبعد أن تعلمت مباديء السياقة , قمت بالمجازفة بقيادة السيارة بوحدي بغير مساعدة وكان خطر العملية ماثلا أمامي لأن المخالفة شديدة العقوبة وربما تؤدي الى السجن أذا حدث أصطدام أو أضرار جسدية لأشخاص آخرين . وكنت أتمرن في الشارع الفرعي القريب من البيت . وبعد عدة أسابيع قدمت للأمتحان بعد دفع أجور التسجيل , وكان معلوما بأن الأمتحان الأول سيكون مفيدا لمعرفة أخطاء يمكن تفاديها في المرة أو المرات التالية , خاصة وأن الصديق الذي كان يجلس معي حصلها ب 3 محاولات . وهكذا جلس المدرب بجانبي في سيارتي , وبعد أداء بعض التمارين في السياقة والأجابة على بعض الأسئلة , والأهم نجحت في أيقاف السيارة في موقع فراغ بين سيارتين , ولم يبقى ألا القليل , ومنها أستعمال البريك المفاجيء عندما يقرر المدرب ضرب يده فجأة على الداشبورد لمعرفة قدرة السائق لتفادي أصطدام محتمل , وعندما قام بذلك غفلة , ضربت البريك و وقفت السيارة جامدة في منتصف الطريق , ولكن الوقوف كان أكثر من فجائي بحيث أصطدم رأس المدرب بزجاج السيارة وأخذ يصرخ من الألم ومن حسن حظي أن المكينة أثناء الوقوف المفاجيء لم تتوقف , وكان هذا شرطا من شروط أجتياز هذه العملية لأن توقف الموتور يسبب الرسوب في الأمتحان . ( وكانت السيارات يومها غير مجهزة بأحزمة أمان) , وبالرغم من ذلك لم يتوقف من أتهامي بأيذاؤه و بألفاظ مسيئة , عرفت حينها بأنني راسب لامحالة , وقررت تلقينه بعض الدروس للسياقة المتهورة و أجتياز عدد من السيارات ودخول ممر ضيق جدا بحيث لم يبقى سوى مسافة عدد من البوصات لجانبي السيارة وأنا أسوق بسرعة وهو لايزال يلعن و في حالة عصبية , وعندما أوصلته الى مكتبه , قمت بتسليمه أجازة سياقتي للمبتدئين , ليكتب عليها راسب أو ناجح , أستلمها بعنف و كتب عليها شيئا , وخرج بسرعة دون أن يتفوه بكلمة . جلست وأنا أتردد في قراؤة النتيجة على الصفحة المخصصة ويدي على قلبي , لأن خروجه من السيارة كان بدون سد الباب بعنف كما حدث معي في أول درس للسياقة في مانجستر قبل عدة سنوات , وهذا كان عامل مفعوم بلأمل وهدأت أعصابي و بدون أية مقدمات فتحت دفتر الأجازة ورأيت بعيون لا تصدق بأنه أشار الى الخانة الخضراء والتي تدل على النجاح وترك الخانة الحمراء , وهكذا نجحت لأول مرة في الأمتحان ليس بسبب سياقتي بأصول وبطريقة سليمة , وأنما بسياقتي المتهورة وبدون أن أسبب أي حادث أو أثارة أصوات السواق أو الأبواق من قبلهم في الطريق وكأنني سائق محترف كبقية السواق في الطرق العامة , وكانت النتيجة تثبت ذلك !!..
المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد / مسقط سلطنة عمان
الصور لاتحتاج الى تعليق:
2482 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع