فارس الجواري
باحث واستشاري طيران
رؤية سلطة الطيران المدني العراقي .. وعود أم تمنيات !
على هامش ماطرح في معرض الطيران العراقي الذي انتهى قبل ايام في بغداد من أفكار ورؤى مستقبلية لادارة قطاع الطيران المدني العراقي من قبل سلطته المحلية في ظل تراجع وتدهور واضحين للعيان في صناعة الطيران العراقي مما يستلزم من اصحاب القرار في سلطة الطيران المدني العراقي باعتبارها الجهة الرسمية والوحيدة التي يقع على عاتقها تطوير قطاع الطيران في العراق وفقا لإختصاصاتها الواردة في قانونها الأساسي أن تعمل على التخطيط الصحيح والحقيقي لتطبيق هذه الرؤى لتكوين استراتيجية طويلة المدى تهدف الى أعادة بناء وتطوير القطاع لعدد من السنوات القادمة لا أطلاق الوعود والتمنيات ! لتعزيز مكانة صناعة الطيران العراقي أمام المنظمات الدولية المعنية بهذا المجال.
ان الاستراتيجية الصحيحة التي تمثل هذه الرؤى يجب ان تكون متكاملة من حيث معالجتها كافة الجوانب السلبية للقطاع في أهم مشاكله الرئيسية والتي أثرت كثيرا على هذا القطاع وأبعدته عن محيطه الدولي وخصوصا أن قطاع الطيران العراقي حاليا واحد من خمس قطاعات في العالم لم تجتاز سلطات الطيران فيها البرنامج العالمي لتدقيق مراقبة السلامة (USOAP) وهو البرنامج ملزم لكل الدول المنضوية داخل مظلة المنظمة الدولية للطيران المدني (ICAO) ان تجتازه بعد أستكمال اعداد الخطوات العمليه لتنفيذ هذا التدقيق وهو ماوعد فيه أعلى مسؤول في قطاع الطيران العراقي خلال طرحه لخريطة الطريق التي سيعمل عليها مستقبلا , مما سيسهل للسلطة العودة تحت مظلة ICAO والبدء بأجراءات حقيقية لمسار تطوير القطاع بكل تفاصيله .
كما كان متوقع ان تركز الرؤية التالية لسلطة الطيران المدني العراقي على مشكلة سوء الخدمات المقدمة في المطارات العراقية الحكومية وكيفية ايجاد السبل الكفيلة للخروج من هذه المعضلة حيث طرح عملية التشغيل المشترك للمطارات كحل لهذه الازمة وهي الخطة التي تهدف الى استقطاب وتشجيع الاستثمارات في قطاع المطارات لتطوير البنى التحتية لها وتيسير تنمية الأنشطة الاقتصادية فيها سعيا لايجاد حلول للتحديات والعقبات التي تواجهها المطارات العراقية بواسطة شركات رصينة لها الخبرة في ادارة وتشغيل المطارات وتحت اشرف السلطة من خلال اعتماد نظام الشراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص (PPP ) ( Public – Private Partnership ) وهي صيغة إتفاق ما بين جهة حكومية وشريكها المتمثل بالقطاع الخاص لتنفيذ مشروع معين أو تقديم خدمة معينة بدعم سلطة الطيران المدني العراقي تجربة التنفيذ من حيث اعداد القوانين والتشريعات لهذا الشراكة وارسالها الى الجهات التشريعية والحكومية ذات العلاقة لسنها بهدف ترسيم حدود لفتح باب الاستثمار في هذا القطاع بصيغة تشجيعية للمستثمرين وتقليل العراقيل التي من شأنها ابعادهم .
أما ماتم طرحه من رؤى خاصة بالموارد البشرية وايجاد الطرق العلمية الرصينة لتطويرها وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة لأنشاء أكاديميات طيران ومراكز تدريبية وطنية تسعى الى تقديم هذه الخدمة وفق السياقات العالمية والاجراءات وحسب توصيات المنظمات العالمية للطيران المدني على أن تتابع من قبل سلطة الطيران شرط الابتعاد عن البيروقراطية وحلقات الروتين الاداري التي لاتزال أدوات التطبيق لهذه الرؤية خصوصا من الموظفين الفاسدين ان يكونوا حجر عثرة في انجاح هكذا مشروع لذلك يستوجب على السلطة أجراء تغييرات جذرية لهذه الادوات المعشعشة في مفاصلها من ناحية ومن ناحية أخرى اسناد مثل هكذا مشاريع ال القطاع الخاص كمشروع استثماري باعتبار ان المشروع استثماري لايكلف ميزانية الدولة وقطاع الطيران اي مبالغ مالية شريطة أمتلاك المستثمر الخبرات التخصصية مع الامكانيات المادية ( مطار , هناكر طائرات , ورش عملية للتدريب العملي , المحاكيات , الطائرة , المنهج , المدربين ) واهم مافي هذه المشاريع أنها ستعمل على انقاذ شبابنا الراغب بدراسة علوم الطيران من فخ الاكاديميات التجارية ( داخليا وخارجيا ) التي همها الوحيد الربح المالي على حساب التعليم الحقيقي .
كنت أتمنى والكثير من المهتمين والمراقبين بشؤون الطيران العراقي تضمين أوسع لمشاكل اخرى تخص قطاع النقل الجوي وهم اللي كان حضورهم مميز في المعرض (أقصد الادارات العليا في القطاع ولكن كضيوف شرف لاغير ) وكأن الخطوط الجوية العراقية في احسن حالاتها ! علما وكما معلوم للجميع ان عمل الخطوط الجوية العراقية مليء بالاخفاقات التي بدت واضحة من خلال تراجع المخطط البياني لهذا القطاع نتيجة سوء الادارة وعدم وجود تخطيط مسبق واستراتيجية واضحة للعمل , ولعل ابرز هذه المشاكل هي الحظر الاوربي المفروض على الشركة منذ اكثر من 4 سنوات ولحد الان والتي كلفت ميزانية الشركة ديون تقدر بعشرات الملايين من الدولارات , وايضا عدم وجود الخطط الواقعية لجلب الطائرات المتعاقد عليها منذ عام 2008 من مناشئها باعتبار ان استلامها سيسهم بشكل مباشر في عملية اعادة بناء وتطوير اسطولها وغيرها من المشاكل التي بمجموعها شكلت أزمة حقيقية للخطوط يهدد تاريخها .
أن تطبيق مبدأ الشفافية كمبدأ عام في إدارة شؤون قطاع الطيران العراقي سيساعد على التحول الى الافضل لهذا القطاع الذي عانا ما عانا من فصول الفساد والهدر المالي بعيدا عن الخطابات والوعود .... وخصوصا ان القطاع يمر في اسوء ظروفه حاليا وهو في امس الحاجة لتفعيل هذه الرؤى .
فارس الجواري
باحث واستشاري طيران
حزيران 2019
3213 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع