واخيرا تذكر بن علي يلدرم بانه من اصول كردية

                                                   

                    المهندس هامبرسوم اغباشيان

واخيرا تذكر بن علي يلدرم بانه من اصول كردية

واخيرا تذكر بن علي يلدرم بانه من اصول كردية ( او بالاحرى طلبوا منه استعمال هذه الورقة) ، لانه كان بحاجة ماسة الى اصوات الاكراد في انتخابات اسطنبول حيث يمثلون ثاني اقوى قوة بشرية مؤثرة على الاحداث فيها ومن ضمنها تاثيرهم الواضح في الانتخابات البلدية. وقد ذهب بناءا على نصيحة السلطان الحالم رجب طيب اردوغان الى كردستان تركيا وبالذات الى مدينة ديار بكر معقل المفكرين والمحاربين الاكراد، ليعلن من هناك بان اصله كردي وجذورة كردية،عليه فهو احق من منافسة اكرم امام اوغلو باصوات الاكراد في اسطنبول، علما بان الاعلام المساير للحكومة التركية والتي هي تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية ورئيسها اردوغان حاول اظهار منافسه اكرم امام اوغلو بانه من اصول يونانية بالرغم ان لقبه امام اوغلو وينحدر من أسرة مسلمة متدينة ومحافظة من الناحية الاجتماعية ولها تاريخ طويل في العمل السياسي. واكرم إمام أغلو من مواليد مدينة طرابزون في شمالي تركيا عام 1970، وهو متاهل علميا حيث هو خريج كلية إدارة الأعمال في جامعة اسطنبول، ولم ينخرط في العمل السياسي حتى عام 2008، وهو عام انضمامه إلى حزب الشعب الجمهوري. بعدها بعام فقط انتزع إمام أوغلو رئاسة بلدية حي بيليكدوزو في القسم الأوروبي من اسطنبول من حزب العدالة والتنمية. واستغل حزب الشعب الجمهوري الأداء الجيد لامام أوغلو في إدارة حي بيليكدوزو خلال الأعوام الخمسة الماضية، فرشحه في انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول التي تضم أكثر من 16 مليون نسمة منهم عشرة ملايين لهم حق الانتخاب، وفاز بها بفراق بسيط ثم الغيت النتائج بضغط من اردوغان.

بالمقابل ، بن علي يلدرم من مواليد عام 1955 في أرزينجان وهو متخصص في الهندسة والملاحة البحرية ، وهو سياسي تركي من عائلة كردية، وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم واحد قادته ، وهذا الحزب هو الذي دمر المدن واحرق القرى الكردية وهجر ابناءها بالامس القريب ولا زال يهجر ويقتل الاكراد في تركيا وشمال سوريا. خدم يلدرم وزيرا للنقل في الفترة ( 2002 - 2013) ومن ثم في الفترة ( 2015 - 2016) إلى أن انتخب رئيسا لحزب العدالة والتنمية وبالتالي رئيسا للوزراء واصبح آخر رئيس وزراء تركي (2016-2018) قبل تغيير النظام الوزاري الى رئاسي، ثم اصبح رئيسا للبرلمان التركي بدعم من اردوغان لحين تفرغه لانتخابات اسطنبول. وواضح ان مؤهلاته الدراسية عالية، وخبرته السياسية كبيرة وهو سياسي متمرس ومدعوم من الحزب الحاكم والدولة ورئيس الدولة ، ومع كل هذا وجد الرجل نفسه في موقف لا يحسد علية ، فمن المفروض ان ينجح اي سياسي مخلص لشعبه وقومه مع كل هذه المؤهلات في اي انتخابات بلدية، ولكن هذا لم يحدث مع بن علي يلدرم ، فالرجل كان قد حصل علي مراكزه السابقة بالتعيين وكان هذا امتحانه الاول من قبل الناخبين ، ورسب فيه، وجهد معلمه اردوغان لاعطائه فرصة ثانية ولو كلف ذلك سمعته السياسيه .
ويبقى السؤال المهم، لماذا لم يذهب بن علي الى اسطنبول مباشرة ويعلن من هناك بان جذوره كردية ويحاول الحصول على اصوات الناخبين الاكراد .
لا شك ان اصل اكراد اسطنبول من كردستان تركيا وجذورهم من هناك، ولكن بسبب البيئة الحضارية والظروف المعيشية التي هم فيها وفرص التعلم الكبيرة فان نسبة المثقفين بين اكراداسطنبول اكبر نسبيا من اكراد كردستان تركيا، وهم اكثر تفتحا واطلاعا على الالاعيب السياسية وواقعيين في قراراتهم ولا يمكن استغلال العاطفة القومية لديهم. وبالمقابل معظم ابناء كردستان تركيا لم يرو راحة في حياتهم للتفرغ للدراسة، ومع هذا نرى فيهم عشرات الالاف من المثقفين المتميزين وعدد كبير من القياديين ، ولكن البيئة بقيت ريفية بطبيعتها، ومن هنا قرار محاولة لعب الورقة القومية ومحاولة التقرب لكسب ود الشارع الكردي من هناك دون الاخذ بنظر الاعتبار بان هؤلاء جميعا اصحاب حق ضائع وهم يدافعون عن قضيتهم، ومن هناك ظهرت الحركات التحررية الكردية في تركيا.
ويبدوا ان السحر قد انقلب على الساحر ، فمجرد ذهاب بن على يلدرم الى ديار بكر بموافقة اردوغان ليستجدي اصوات الناخبين الاكراد من هناك وليس من اسطنبول حيث رشح نفسه، هو اعتراف ضمني منه ومن معلمة وقائده اردوغان بان كردستان تركيا هو مركز القرار الكردي القومي والسياسي في تركيا وليس اسطنبول او اي مكان اخر.
ان الخطاب باللغة الكردية لا يعني بالضروروة ان الخطيب كردي الانتماء ، فهناك من يتكلمون اللغة الكردية بطلاقة ولكنهم ليسوا كردا علما بان اللغة الكردية التى وجه بن علي يلدرم خطابه بها في ديار بكر كانت ركيكة حسب وسائل الاعلام، وكذلك مجرد اعطاء الوعود باللغة الكردية لا يعني بالضروروة ان اصوات الاكراد قد ضمنت.
كان هناك طريق واحد امام اردوغان لفوز مرشحه ببلدية اسطنبول ، وهو التفاهم مع اكراد كردستان تركيا، وضمان حقوقهم والتعامل معهم كمواطنين وليس كاعداء وحينها كان من السهل ربح اصوات الاكراد في اسطنبول .
اما لو كان اردوغان قد ذهب الى نقطة ابعد وتعامل مع الاكراد كمواطنيين اكراد وليس كاتراك الجبل كما سماهم اتاتورك، وتعامل معهم كمواطنيين متساويين في الحقوق فان حزبه كان سيحصل على اغلبية الاصوات بلا شك، واذا كان قد ارتقى في تفكيره وابتعد عن شوفينيته وتعصبه القومي التركي العثماني ورشح احد الاكراد الاحرار لبلدية اسطنبول لكان اكتسح كل من يقف امامه بحيث لا يستطيع احد ايقاف مسيرته (والتامر عليه من الخارج) وهي النغمة التي يلجا اليها اردوغان كل ما سجل تراجع في مسيرته السياسيه.
ان تفكير اردوغان هونفس تفكير اجداده السلطان الاحمر عبد الحميد وقادة حزب الاتحاد والترقي الثلاثي طلعت وانور وجمال قبل اكثر من قرن الا وهو ابادة كل من يقف امام تتريك البلد، ولكن ذلك الزمن قد ولى، وبعد مرور اكثر من تسعة عقود على اندلاع اول ثورة كردية في تركيا ، ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925م ضد سياسة التتريك ، ما هي النتيجة؟
واخيرا، على الاكراد الاستفادة من دروس الماضي واستثمار نجاح امام اوغلو لصالحهم ، هذا النجاح الذي ساهموا في صنعه بمساندتهم له وبموقفهم من الانتخابات ، وعليهم الاحتفاظ بكافة القنوات مفتوحة معه، فيبدوا ان هذا الرجل على الطريق الصحيح ويمكن التعامل معه في الوقت الحاضر وقد يصل الى الرئاسة يوما ما، ولو انه عضو في حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه كليجدار ومؤسسه هو كمال اتاتورك صاحب القرار باعتبار الكرد اتراك الجبل.
وختاما، يبقى الامل بان لا ينجرف اكرم امام اوغلو مع الالاعيب السياسية التي تعد وراء الكواليس وعليه ان يعمل لصالح الجميع كما وعد بعد فوزه مباشرة، فالاكراد والاقليات الاخرى جزء من هذا الجميع الذي ذكره امام اوغلو بعد الفوز، وحينها سيجد الطريق الى القصر الرئاسي في انقره مفروشا امامه بالورود ويرمي اردوغان في مزبلة التاريخ.
-------------

لوس انجلس- كاليفورنيا
حزيران 2019

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع