بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - وحوش بشرية (قصة كاملة)
تعيش سعاد مع والديها واخاها الصغيرحيدر ببيت متواضع في منطقة العشار بالبصرة. هي لم تُكمِل تعليمها بعد لانها توقفت في الصف السادس الاعدادي بسبب ضغوط المجتمع الرجعي الذي صار يشكل خطراً عليها، إذ صار الذكور يضايقونها عند الذهاب والاياب من المدرسة، لذا قرر والدها ان تتوقف عن التعليم وتكتفي بما حصلت عليه، رغم انها كانت من المتفوقات في صفها. اما اخاها حيدر فلا زال في الصف الرابع الابتدائي. والدها عبد الامير عامل بسيط في معمل للثلج ووالدتها تحيك الاغطية والشراشف القطنية في المنزل ثم تبيعها في السوق باسعار زهيدة كي تجلب لها بعض الدخل الاضافي الذي تستعين به في امور الحياة الصعبة.
في اول ايام الربيع الساخن من شهر نيسان وفي يوم السبت بالتحديد طلبت سعاد من امها ان تأذن لها بالخروج في نزهة بشوارع العشار لانها اصبحت لا تحتمل البقاء في المنزل وان حوائطه اصبحت كحيطان السجن تنزل الكآبة والحزن في قلبها. وبعد جدال طويل وشد ومد مضني وافقت الام على طلبها لكنها امرتها بأن لا تتاخر اكثر من ساعتين في جولتها. ارتدت سعاد ملابسها المعتادة للخروج وهي ملابس قديمة محتشمة لكنها نظيفة فهي تقوم بتصليحها دائماً كي تبدو بمنظر لائق، فهي لا تود ان تطلب من ذويها شراء ملابس جديدة لعلمها اليقين ان والديها لا يملكان المال الكافي لسد حوائج البيت.
خرجت من الدار مسرعة خوفاً من ان تغير امها الرأي فتعدل عن السماح لها بالخروج. لقد عقدت آمال كثيرة على هذه الجولة القصيرة. بقيت تمشي باي اتجاه لا على التعيين. فتارة كانت تسير الى الامام بخطىً مستقيم وتارة تغير اتجاهها الى اليمين ثم الى اليسار وتارة تعود ادراجها، حتى وصلت الى احد جسور العشار، وهو الجسر الواقع امام ساحة اسد بابل. مشت على الجسر وصارت تستمتع بنسمة الهواء العليل الذي صار يلامس وجنتيها وينعش قلبها باعثاً السرور والسعادة فيه، ينسيها لحظات القنوط التي كانت تشعر بها عندما كانت سجينة الدار حيث لا يكلمها احد هناك. وبينما هي تسير على ذلك الجسر الجميل سمعت صوت زجاج يتكسر تحت قدميها. نظرت الى حذائها الابيض فوجدته مخضباً بالدم. افزعها المنظر كثيراً وملأها خوفاً ورهبة. سارت بضع خطوات الى الامام حتى بلغت عموداً ثابتاً تستطيع الاتكاء عليه وتستقصي الامر بامعان، لكنها من فرط فزعها مما حصل فقدت توازنها وسقطت على الارض فتعرضت لمزيد من الجروح بكفيها وظهرها. صارت تبكي بحرقة والم، وفجأة جائها رجل مسن ابيض الشعر بعقده الثامن يركض نحوها ويحاول نجدتها حيث قال:
- ما بك يا ابنتي؟ هل اصابك مكروه؟ اتريدين المساعدة؟
- كلا يا عمي، لقد سقطت وحسب. ساعود الى بيتنا وستتولى عائلتي الامر.
- وهل بيتك بعيداً من هنا يا إبنتي؟
- قرابة الساعة على الاقدام يا عمي.
- لا يابنتي لا. ان جروحك بليغة وسوف تنزفين حتى الموت. دعيني اطلب لك سيارة اسعاف، سيضمدون جراحك وتعودين بيتك معافاة ولا بأس عليك.
نظرت سعاد الى سنه والى اقتراحه بريبة. لكن لحيته البيضاء ورأسه الذي اشتعل شيباً كان يبعث الطمأنينة الى ناظره فقالت له:
- حسناً يا عمي بامكانك ان تطلب الاسعاف.
ادخل يده بجيبه واخرج هاتفاً صغيراً وضغط على الازرار ثم وضعه على اذنه وتحدث به قائلاً، "نريد سيارة اسعاف الى جسر العشار الذي امام ساحة اسد بابل. هناك شابة بسن العشرين تقريباً تعرضت لحادث بليغ"
نظر الى سعاد وقال لها:
- سيارة الاسعاف بالطريق يا بنيتي.
- هل ستأتي معي يا عمي؟
- لا اعتقد انهم سيسمحون لي بذلك. لكني سانتظر معك هنا حتى تصل السيارة.
ما هي الا سبع او ثمان دقائق وجائت السيارة مسرعة من بعيد رافعة اصوات الانذار كي يُفسَحْ لها مجال السير. وقفت بالقرب منهم ونزل منها رجلان. وضعوها على النقالة وحملوها في سيارة الاسعاف، وقبل ان يغلقوا الابواب ابتسمت سعاد للرجل المسن دلالة على امتنانها له.
في السيارة قام رجل الاسعاف بلف قدمها بخرقة قديمة كي يوقف نزيف الدم. نظرت الى الطريقة التي يعالجها بها وقالت له،
- اليست هذه الخرقة ملئى بالجراثيم؟ فكيف تلف بها جروحي؟
- لا تخافي يا فتاة، انا اعرف ما اعمل.
سارت السيارة ما يقرب من ساعة كاملة دون توقف، كانت سعاد تحس بالاستدارات والانحنائات التي كانت تخوضها السيارة وبالرغم من علمها المفصل بالمنطقة فقد كانت تشعر بالاستغراب لان السيارة استغرقت كل ذلك الوقت للوصول لغايتها علماً ان المستشفى التعليمي كانت قريبةً جداً من مكان الحادث. وعندما سألت المسعف عن سبب التأخير كان يقول لها، "سنصل عن قريب، لا تخافي يا أبنتي"
وقبل الوصول بلحظات وضع كمامة بلاستيكية شفافة على انفها وفمها فسألته،
- لماذا هذه الكمامة؟
- انت نزفت كثيراً وتحتاجين لبعض الاوكسجين، لا تخافي.
لكنها حالما استنشقت ذلك الاوكسجين المزعوم فقدت الوعي وتبنجت تماماً ثم راحت في سبات عميق. ولم تستيقظ سوى بعد فترة من الزمن.
فتحت عينيها فوجدت نفسها جالسة في سيارة تاكسي. هي لا تعلم كم دام سباتها او كيف عالجوها في المستشفى او ماذا فعلوا بجروحها، ولا لاي مستشفى أخِذَتْ. تفحصت قدمها فوجدت الخرقة القديمة لازالت ملفوفة حول قدمها هي التي لفها المسعف عندما جاء بها للمستشفى. سألت سائق التكسي عن وجهتهم فقال،
- لقد اعطوني 30 الفاً كي اوصلك الى بيتك في قطاع 72 بالصدر.
- اي صدر هذا يا اخي؟
- مدينة الصدر يا ابنتي. الا تعرفين المنطقة التي تسكنين بها؟
- لم اسمع بها ابداً سيدي. هل هي بالعشار؟
- اي عشار هذا؟ انت في بغداد ولست في البصرة. هل انت بخير؟
صرخت باعلى صوتها وصارت تبكي وتولول. اوقف السائق السيارة وقال لها،
- ارجوك اختي انزلي من السيارة، انا لا اريد اي مشاكل. انا اسعى نحو رزقي.
- اي مشاكل هذه؟ انت قتلتني للتو وتقول انك لا تريد المشاكل؟
- لا اله الا الله. كيف أفَهّمُكِ يا ابنتي بان لدي اطفال واريد تربيتهم، ولا اقوى على مشاكل المليشات ولا الفصل العشائري. لقد كنت مديراً عاماً قبل ان يبلعنا الامريكان والآن انا اجري وراء لقمة عيشي هنا وانخى الستر والحذر ثم تطلعين لي من تحت الانقاض كي تورطيني بمشكلة جديدة.
بهذه الاثناء تجمع الناس بالقرب منهما وصاروا يتسائلون عما يجري. فصارت سعاد تصرخ باعلى صوتها وتطلب النجدة. مسك المتجمعون بسائق السيارة وصاروا يكيلون له الضربات يمين شمال. بقي الرجل يصرخ ويستغيث قائلاً، "والله يا ناس، ما مسست هذه الفتاة ابداً. صدقوني يا ناس. اقسم لكم بالله"
لكن احداً لم يصدقه وكالوا له الضربات في كل مكان حتى سقط على الارض مغشياً عليه. بعد ربع ساعة وصلت الشرطة الى مكان التجمع وصاروا يستفسرون من سعاد ويستمعون الى قصتها. علموا وقتها انها يجب ان تخضع للتحقيق فنقلوها مع السائق الى مركز الشرطة كي يتم استجوابهما معاً. وعندما وصلا هناك طُلِبَ منها ان تجلس على اريكة بجانب سائق السيارة وتنتظر دورها كي يحقق معها الضابط علاء.
بعد قرابة الساعة استُدعِيَ الاثنان الى مكتب الضابط فبدأ بالحوار قائلاً،
- اسمك، سنك، شغلك، ومحل اقامتك؟
- اسمي سعاد عبد الامير، 20 سنة كنت طالبة بالاعدادية والآن جالسة في البيت، اقيم في العشار بالبصرة.
- وماذا جاء بك الى بغداد؟
- لا اعلم. لقد كنت فاقدة الوعي في سيارة اسعاف ثم استيقظت فوجدت نفسي بسيارة هذا الرجل.
- وكيف حصل ذلك؟
- لا اعلم والله يا حضرة الضابط. انها الحقيقة، هي كما اقول لك.
- وانت اسمك، سنك، شغلك، ومحل اقامتك؟
- اسمي عثمان عبد الخالق. متقاعد واعمل الآن كسائق سيارة اجرة، اسكن بالصليخ.
- ماذا كان نوع عملك قبل ان تحال الى التقاعد؟
- كنت مديراً عاماً في مصلحة اسالة الماء سيدي.
- اخبرني ما جرى مع هذه الفتاة!
- خرجت اليوم من داري الساعة السابعة صباحاً ولم اوفق بزبون واحد حتى الساعة العاشرة عندما اوقفتني سيدة ترتدي عبائة سوداء في منطقة الكاظمية وطلبت مني توصيل هذه الفتاة الى بيتها. اعطتني 30 الف دينار كي اوصلها الى بيتها في قطاع 72 بمدينة الصدر.
- وكيف تنقل ركاب بمثل هذه الحالة؟
- في العادة، انا ارفض مثل هذه الرحلة لكنها قالت ان الفتاة لا زالت متعبة لانها تعرضت لحادث سير لكنها بخير. وبما اني لم ارزق باي اجرة منذ الصباح الباكر، لذا وافقت وامري الى الله.
- واين يقع منزل هذه الفتاة؟
- قالت ان منزلها بالقرب من مسجد مصطفى.
- ساعود لك لاحقاً. اما انت يا سعاد فاحكي لي القصة من البداية. كيف وصلت الى هنا؟
بدأت سعاد تسرد قصتها بدءاً بخروجها من البيت في العشار للتنزه حتى احضارها الى مركز الشرطة ببغداد. ثم اضافت،
- انا سيدي لم ازر بغداد بحياتي. وابعد نقطة وصلتها عن العشار هي الداودية. وهي بالبصرة كذلك.
- وكيف تبررين وجودك هنا ببغداد إذاً؟
- لا اعلم سيدي والله لا اعلم.
هنا انهالت بالبكاء المر، فرق لها قلب الضابط وسحب منديلاً ورقياً واعطاها اياه ثم قال لاحد اعوان الشرطة،
- تعرض على طبيب الشرطة كي يفحص جروحها ويفند اقوالها. اما انت يا عثمان فسنتحفظ عليك هنا في الحجز حتى نتأكد من صدق اقوالك.
- لكن سيدي ارجوك، انا رب اسرة. وليس في الدار قرشاً واحداً. الا ارسلت هذا المبلغ الذي جنيته الى عائلتي كي يأكلوا اليوم.
- كلا، هذه النقود سنبعثها للمعمل الجنائي كي يفحصوها ويرفعون منها بصمات اصابع السيدة صاحبة العبائة التي اعطتك اياها إن كنت صادقاً.
خرجت سعاد والسائق بصحبة الشرطي حيث اقتيدت سعاد الى غرفة الطبيب بينما احيل السائق الى التوقيف.
دخلت الى عيادة الطبيب بمركز الشرطة فحيته فرحب بها وطلب منها الاستلقاء على سرير الفحص. بدأ يفحص جسدها فحصاً مفصلاً واخذ منها الكثير من عينات الدم والادرار ودرجة الحرارة وضغط الدم ونبض القلب ثم سألها اسئلة كثيرة منها،
دكتور مشرق : متى وقع الحادث؟
- اعتقد بالامس او ربما اول امس.
- لماذا تكذبين يا سعاد؟
- انا لا اكذب يا دكتور، الحادث وقع يوم السبت باول ايام نيسان. فأي يوم من الايام هو اليوم؟
- انه السبت الثامن من نيسان 2017.
- انت تمزح يا دكتور. ففي الامس عندما خرجت من بيتي كان الاول من نيسان 2017. فكيف تقول ان الزمن مر اسبوعاً كاملاً دون ان اعلم؟ هذا مستحيل انا لا اصدق.
- هل انت متزوجة؟
- كلا انا ما زلت صغيرة، لم ابلغ العشرين بعد فكيف لي ان اتزوج؟
- هل قمت ببيع كليتك؟
- وهل تعتقد اني مجنونة؟ كيف ابيع كليتي يا دكتور؟
- نظر اليها الطبيب وهو لا يدري إن كان سيصدق ما تقول ام لا. لكنه ترك مجالاً بسيطاً للشك علها تكون صادقة وان تكون قد تعرضت لعملية نصب واحتيال كبيرتين. طلب منها ان تخرج خارج عيادته حتى يُبَلّغَ ضابط التحقيق بنتيجة الفحوصات.
دخل الطبيب على الضابط واخبره بالنتائج، لكن لحسن حظ سعاد كان الضابط متعاطفاً معها فطلب منها ان تدخل الى مكتبه وتتحدث مع الطبيب. سألها الطبيب،
- متى تبرعت بكليتك يا سعاد؟
- ماذا؟ اي كلية هذه يا دكتور؟ انا لم اتبرع باي كلية. لدي كليتين سليمتين.
- يبدو ان شخصاً ما قد ازال احدى كلاتك يا سعاد.
انفجرت سعاد ببكاء مرير وصارت تتحدث مع نفسها وتندب حظها الاسود. نظر الطبيب الى الضابط علاء وقال،
- في الواقع انا متأكد انها عملية سرقة اعضاء يا علاء. بعد ازالة الكلية قام الجراح بغلق الجرح بدبابيس طبية بدلاً من الخيط التقليدي، ثم قام بعد ان التأم الجرح بازالتها بالآلة الخاصة لازالة الدبابيس بطريقة احترافية بعد ان وضع لصقات افقية كي يمنع انفتاح الجرح ثانية. يجب عليك ان تتبنى القضية بنفسك. انها ليست كباقي القضايا التي تحقق بها. فالفتاة يبدو عليها صادقة وقد احتالوا عليها كي يسرقو كليتها اليسرى.
- اجل انا اعتقد ذلك ايضاً ولكن، ماذا عن ذويها؟ هل نبلغ اهلها في البصرة؟
سعاد : وكيف ستخبر ابي ان ابنته قد اختطفت وسرقت كليتها؟ سيصاب بالسكتة القلبية.
- انتظري هنا يا سعاد. سادخل الى مديري العميد صفوان المصرف واخبره بالامر.
دخل علاء على مديره وقال،
- سيدي لدينا قضية معقدة جداً.
قص الضابط علاء على مديره صفوان كل ملابسات الجريمة التي تعرضت لها سعاد فاضاف مديره،
- اعلم ان الجريمة مقسمة على بغداد والبصرة لذا اريدك ان تفعل التالي: تحاول ان تختار احد اعوان الشرطة ممن تستطيع الوثوق به تماماً وتأخذه معك. لك مطلق الصلاحية كي تتنقل بين بغداد والبصرة. حاول ان تبعد الضحية سعاد عن مركز الشرطة هذا لان الجناة بامكانهم ان يراقبوا مركز الشرطة. حاول ان تخفيها باي مكان. اريد منك نتائج طيبة كما عودتني دائماً يا علاء.
- بالتأكيد سيدي.
رجع علاء الى مكتبه وتحدث مع سعاد،
- اسمعي مني يا سعاد، بامكاننا نحن الاثنان ان نتدارك الامر فيما بيننا حتى تتوضح الامور. دعيني اسألك هذا السؤال، هل لديك اقارب او اصدقاء هنا في بغداد؟
سعاد : كلا، ابداً. هذه اول مرة اصل بها الى بغداد.
دكتور مشرق : وهل لديك نقود معك؟
سعاد : كلا يا دكتور.
نظر الدكتور الى زميله الضابط وقال،
الدكتور : إذاً يبدو اننا سنضطر لان نسكنها عندك يا علاء. لانك تسكن وحدك وسوف لن يشك بها احد.
الضابط علاء : حسناً انا موافق. هل لديكِ اي حاجيات؟
سعاد : كلا سيدي. جاءوا بي هكذا. ولكن قبل ان نرحل. يبدو لي ان السائق بريء وبامكانكم اطلاق سراحه.
الضابط علاء : سنقوم باطلاق سراحه حالما نأخذ جميع اقواله بما فيها اوصاف السيدة التي كانت ترتدي العبائة.
خرج الضابط علاء مصطحباً سعاد معه وجلسا بالسيارة متجهين الى شقته الكائنة بمنطقة بغداد الجديدة. حالما دخلا في شقة علاء لمحتهم احدى نساء المنطقة فابتسمت وقالت في سرها، "لقد تحول حينا الى حي دعارة". علاء لم يسمع تلك العبارة، لكن سعاد سمعتها وتغاضت عنها.
- اسمعي مني يا سعاد، هذا البيت بيتك الآن. يعلم الله انني ساعاملك كاخت وسوف لن يأتيك اي مكروه هنا. انت بأمان كامل. ارجو منك ان تتصرفي وكأنك ببيتك حتى نحل هذه القضية، مفهوم؟
- مفهوم يا استاذ علاء.
- بل نادني باسمي علاء فقط. ولكن لدي سؤال مهم. هل تعرفين تدبير المنزل؟
- بالرغم من انني كنت طالبة بالسادس العلمي لكني سيدة منزل من الدرجة الاولى ومتأكدة من ان طبخي سيعجبك يا سيد قصدي يا علاء. في بيتنا كنت اتولى جميع مهام المنزل من تنظيف وكوي وترتيب. لذلك ساقوم بترتيب منزلك إذا سمحت لي بذلك.
- اجل طبعاً، لك مطلق الصلاحية كي تعملي ما تشائين. فقط كوني حذرة عندما تقتربين من الاسلحة، فانا املك مسدسين ورشاشة كلاشنكوف وهم في غرفة النوم.
- اجل بالتأكيد علاء، اطمئن، ولكن هل تأذن لي بسؤال شخصي؟
- تفضلي، ماذا يدور ببالك؟
- هل لديك عائلة، او اقارب او اصدقاء يأتون لزيارتك؟
- كلا، انا تربيت في مأتم. تخلت عني امي على ما يبدو وانا طفل رضيع. لذلك ليس لدي اي احد بهذه الدنيا.
احزن سعاد هذا الكلام لكنها حاولت ان لا تبين ذلك في تعابير وجهها. خرج علاء وعاد الى عمله بعد ان اعطاها مفتاحاً اضافياً لبيته كي تتمكن من الخروج وقتما تشاء.
دخل مكتبه واستدعى مساعده قائلاً،
- خبرني يا ماهر، مَن مِنَ الرجال هنا من مدينة البصرة؟
- هناك فقط رئيس عرفاء عطا. هو مولود بالعشار ثم انتقل الى بغداد في التسعينات.
- هذا جيد جداً. نادي عليه الآن.
دخل رئيس عرفاء عطا الى مكتب الضابط علاء ثم قدم التحية وقال،
- هل طلبتني سيدي؟
- اجل يا عطا. تعال اجلس هنا لو سمحت لاني اريد ان اكلمك بامر مهم جداً.
- تفضل سيدي.
- متى زرت البصرة آخر مرة يا عطا؟
- في العيد الماضي سيدي ، اخذت زوجتي والاولاد وذهبنا لزيارة الوالدة في العشار.
- إذاً، انت تعرف العشار بشكل جيد، اليس كذلك؟
- اجل سيدي، اعرف شوارعه عن ظهر قلب بجميع اسمائه القديمة والجديدة. فهي مسقط رأسي.
- هذا شيء يفرحني جداً. ساقص عليك اوليات الجريمة التي نريد ان نقوم البحث فيها انا وانت وبسرية تامة لان فيها ملابسات كثيرة لذلك يجب ان تتغلف تحرياتنا بالسرية التامة حتى نكشف جميع خيوطها وبعد ذلك نعرضها على القضاء كي يبت فيها كلمته الاخيرة. القصة تتعلق بفتاة اسمها سعاد من سكان العشار...
صار الضابط علاء يقص على رئيس عرفاء عطا كل الاوليات التي لديه بما يخص قضية سعاد. ثم اخبره بان اغلب اجتماعاتهم ستكون عنده في البيت ببغداد الجديدة لان وجودها في مركز الشرطة سيجلب الشكوك عليهم وهو يريد حلها بسرية لانه يشك ان وراء تلك الجريمة اناس كبار لديهم صلة بسياسيين ورؤساء احزاب، لذلك يجب ان تكون تحركاتهم تتسم بالطابع السري التام، وان رئيس عرفاء عطا بامكانه رفض العمل معه بهذه القضية إن كان خائفاً من النتائج. الا ان رئيس عرفاء عطا اخبره بان ابن البصرة لا يخاف ابداً وسيقف معه حتى الموت إذا تطلب الامر ذلك. بقي علاء وعطا يعملان معاً على جمع الادلة والتحقيق بالقضية لمدة خمسة ايام متتالية. وفي تلك الاثناء كانت سعاد تعمل بجد واجتهاد ببيت علاء حتى حولته الى منزل نظيف رائع. لقد اذهلت مضيفها بجودة الطعام الذي تطهوه له فهو كان محروماً من الطعام الذي يعد بالمنازل كونه يجهل الطهي تماماً. لقد صار يشم روائح زكية عندما يعود الى بيته.
في اليوم الخامس انطلقت سيارة الضابط علاء ومعه رئيس عرفاء عطا وسعاد متوجهين الى الطريق الجنوبي. كان الرجلان يرتديان ملابس مدنية كي يحافظا على سرية المهمة وسهولة الحركة. وبعد سبع ساعات بلغوا مشارف البصرة. اما سعاد فقد تمالكتها مشاعر متضاربة. فمن ناحية كانت تغمرها السعادة لوجودها بمدينتها ومسقط رأسها البصرة الجميلة والعشار بالتحديد تلك الشوارع التي تحفظها كما لو كانت انشودة لفيروز التي تأن لحنين الوطن، ومن ناحية ثانية حادث الاعتداء الذي تعرضت له فدمر حياتها وفقدت بها كليتها اليسرى والآن صار شغلها الشاغل وهدفها الوحيد بالحياة هو الانتقام من الجناة ولتموت بعدها.
نظرت من شباك السيارة وهي تمر سريعاً بالشوارع والأزقة والجوامع والمحال التجارية حتى صرخت باعلى صوتها،
- توقف يا علاء هنا ارجوك توقف. هذا هو الجسر الذي وقع فيه الحادث.
- هل انت متأكدة يا سعاد؟
- اجل، اجل انا متاكدة 100%
اوقف علاء السيارة ونظر يمين شمال كي يتأكد من امان الموقع خوفاً على سعاد من الخطر ثم قال،
- هيا انزلي يا سعاد، وانت كذلك يا عطا.
نزل الثلاثة وصاروا يسيرون على الجسر. قادتهم سعاد الى موقع الحادث فوجدوا اثار دماء جافة على الارض. اومأ علاء لعطا ففهم عطا ما اراده علاء إذ قام باخراج كيساً بلاستيكياً من جيبه وصار يجمع فيه بقايا الدم الجاف من على الارض ثم نظر الى يمينه فوجد قطع زجاجية متناثرة يبدو انها لزجاجات مشروبات غازية ملطخة بالدم. قام عطا بالاحتفاض ببعضها في كيس آخر. سحب علاء هاتفه النقال وصار يصور الجسر وموقع الجريمة ومداخل الجسر ومخارجه ومياه العشار من الاعلى. وعندما اكتفى بما جمع طلب من الاثنان العودة الى السيارة. بدأت السيارة تسير فسمعا علاء يقول،
- الآن اريدك ان تأخذينا الى بيتك يا سعاد.
- لا يا علاء، ارجوك. سوف يتعرفون علي كل الجيران واخي واهلي. لا اريد الذهاب الى هناك ارجوك.
- لا تخافي يا سعاد. سوف لن ننزل من السيارة وسوف تضعين وشاحاً على رأسك يغطي كل ملامحه فلن يتعرف عليك احد. اعدك بذلك.
- حسناً ولكن إذا تعرف علي احد فارجوك اخرج من الحي باقصى سرعة.
- اعدك بذلك. والآن قوديني الى البيت.
صارت سعاد تدله على الشوارع المؤدية الى منزلها. لكنهم قبل بلوغ المنزل سمعوا مذياع يقرأ فيه القرآن. وكلما قربوا من البيت صار الصوت اقوى. قلقت سعاد وقالت،
سعاد : يا ساتر يا ربي. لماذا يقرأ القرآن ببيتنا؟ هل عائلتي بخير؟ هل وقع مكروه لابي او امي او اخي؟
علاء : تريثي قليلاً يا سعاد. سينزل عطا وسيستقصي الامر.
اوقف علاء السيارة بعيداً عن منزل سعاد ونزل عطا بمفرده. خلال ذلك الوقت كانت سعاد قلقة وهي تصلي وتقرأ الآيات وتقول، "يا رب احمي عائلتي من كل شر. يا رب لاتجعلني اسمع خبر موت احدهم. يا رب احميهم بقدرتك ورحمتك واحفظهم لي يا ربي"
وبعد قليل رجع عطا وجلس بداخل السيارة وقال،
- تحرك سيدي ساخبرك بكل شيء.
بعد ان مشت السيارة قال عطا،
- هذا عزاء سعاد. لقد جاء رجل من احدى الميلشيات وقال لاهلها انهم عثروا على جثتها في نهر العشار. لكنهم عندما طالبوا معاينة الجثة اخبرهم بان ذلك صعب جداً وانهم يجب ان يدفعوا اموال طائلة كي يتمكنوا من الحصول عليها. لذلك قام اهلها باقامة العزاء على روحها.
سعاد : لقد دفنوني وانا حية! يا للسفالة! يا للوقاحة! انهم مستعدون لعمل اي شيء كي يحصلوا على ما يريدون.
علاء : هذا شيء عظيم. الآن ستكون تحركاتنا اسهل بهذا الخبر. فالجميع يعتقد انك ميتة وسوف لن يتخيل احد انك لازلت حية.
سحب علاء هاتفه النقال وطلب مديره ببغداد وقال،
- سيدي اريد منك المساعدة. اريدك ان تتصل بمركز شرطة موثوق به يستطيع ان يمد لنا العون في تحليل عينة دم من مسرح الجريمة.
- اذهب الى مركز شرطة العشار واسأل على العقيد فيصل، هو صديقي بل هو بمثابة اخ لي. سيساعدك قدر المستطاع.
- شكراً لك سيدي. ساتحدث معك فيما بعد.
اغلق علاء الهاتف مع رئيسه وسأل،
علاء : اين يقع مركز شرطة العشار يا عطا
عطا : سر الى الامام سيدي، انه بالقرب من ساحة ام البروم. كنت اعمل به لسنين طويلة. لذلك سوف تنزل اليه وحدك لان الجميع يعرفني هناك.
بعد دقائق وصلوا الى مركز شرطة العشار فنزل علاء وبقيت سعاد وعطا بالسيارة. بعد ساعة كاملة رجع علاء للسيارة وقال لعطا،
علاء : فصيلة دم سعاد باء موجب والدم الذي وجدناه على الجسر باء موجب وكذلك الدم الجاف الذي على قطع الزجاج كذلك باء موجب.
سعاد : وهل كنت تشك بكلامي يا علاء؟ الم تصدق ما كنت اقوله؟
علاء : كشرطي، يجب ان اتحقق من كل شيء. ليس للعاطفة مجال هنا، مجرد ادلة. والآن اريدك ان تتخيلي نفسك في سيارة الاسعاف وتحاولي ان تدليني على المستشفى التي اخذوك اليها.
سعاد : اذكر شيئاً واحداً فقط يا علاء. سمعت اصوات فتيات كثيرات وكأنها مدرسة للبنات.
عطا : ولكن ليس هناك مدرسة للبنات بالقرب منا. واقرب مدرسة هي مدرسة العشار للبنات بشارع الاستقلال وهي بعيدة من هنا.
سعاد : اجل، اجل سيارة الاسعاف سارت بنا فترة طويلة حتى بلغنا المستشفى.
عطا : لكن ليس هناك مستشفى بالقرب من المدرسة.
علاء : دعنا نذهب هناك ونستكشف المكان.
وصلوا بالقرب من المدرسة وصاروا يتنقلون بين الشوارع المحيطة بالمدرسة حتى شاهدوا منظراً غريباً جداً شد انتباههم. شاهدوا سيارة اسعاف تمر من جانبهم فقرر علاء تتبعها. صارت الاسعاف تتنقل بين الازقة الضيقة حتى توقفت امام منزل متوسط الحجم فنزل منها المسعفون وانزلوا مريضاً الى الداخل. اوقف علاء السيارة وصار يراقبهم عن كثب ثم نزل مع عطا وطلبا من سعاد ان تبقى بالسيارة. تتبعا المسعفين وهم يدخلون المريض الذي بدى عليه انه فاقداً للوعي. أبقى الشرطيان مسافة بينهما كي لا يكتشف امرهما حتى يستدلوا على طريقة عمل المسعفين. تقرب علاء كثيراً فسمع احد المسعفين يقول لصاحبه،
- المريض سوف لن يبقى مبنجاً لامد طويل، عبد الزهرة لم يأتي بعد. ماذا نعمل؟
- ساحقنه بحقنة اخرى قبل ان يستيقظ تماماً. ولكن لماذا لا تتصل به وتقول له ان لدينا بضاعة.
- اتصلت به عدة مرات، وكل مرة يقول انه في الطريق. علماً ان بيته قريب من هنا.
- انتظر قليلاً، اني اسمع صوت دراجته النارية. فصوتها يصل الى بغداد.
وعندما سمع علاء ان احداً قادماً توارى واعطى الاشارة لعطا كي يتوارى هو الآخر ويختبئ كي يشاهدوا كل شيء. دخل رجل في الخمسينات من العمر يبدو عليه التعب يحمل معه حقيبة طبية. نظر الى المسعفين وقال لهما،
- اين الرجل؟
- انه بالداخل دكتور. نريدك ازالة كليتيه الاثنتين باسرع وقت ممكن لاننا سنلقيه بالشط فيما بعد ثم ننقل الكليتين على جناح السرعة الى المطار ومن هناك ستؤخذان الى الكويت اليوم. هكذا جائت التعليمات من السيد.
عبد الزهرة : حسناً ولكن اريد احدكما ان يدخل ويساعدني. فازالة الكليتين بآن واحد عمل مضني وانا لا اقوى عليهما. فانا لازلت متعباً من عملية الامس.
- ابدأ انت وافتحه، وساساعدك انا يا عبد الزهرة.
دخل عبد الزهرة الى غرفة العمليات وتبعه احد المسعفين فدنى الضابط علاء من الباب كي يسترق السمع لما يدور بالداخل. هنا قرر ان يتجلى بالوقت المناسب كي ينقذ الرجل المخدر قبل ان يقتلوه ويزيلوا كليتيه لكنه عندما وضع اذنه على باب الغرفة التي تتم فيها العملية. شعر بقطعة حديدية باردة لامست رقبته عرف وقتها انها فوهة سلاح وسمع صوت يقول له،
- اهلاً وسهلاً. تريد ان تتبرع بكليتك انت الآخر؟
مد يده وجرد علاء من سلاحه ثم ضربه على رأسه فأفقده الوعي. سقط علاء على الارض مغشياً عليه. وبعد دقائق استعاد وعيه ليرى مساعده عطا وقد قام بالسيطرة على الوضع تماماً إذ وجه مسدسه نحو افراد العصابة الثلاثة ودفعهم الى زاوية من زوايا الغرفة وامرهم برفع ايديهم. ثم انحنى وساعد الضابط علاء على الوقوف وقال،
- الامر تحت السيطرة سيدي. ليس هناك المزيد من افراد العصابة. كلهم هنا امامك.
علاء : انا جداً سعيد بتصرفك هذا فانت انقذت الموقف يا عطا وانقذت حياتي.
دنى علاء من افراد العصابة الثلاثة وقال لهم،
علاء : اخبروني باسمائكم.
عبد الزهرة : سيدي انا عبد الزهرة وهذان المساعدان فليح وجميل.
علاء : وما دوركم في كل هذه العملية يا ترى؟
عبد الزهرة : انا الذي يعمل العمليات وهؤلاء يساعدونني احياناً.
علاء : وهل انت طبيب؟
عبد الزهرة : تقريباً. انا ممرض لكني عملت في غرفة العمليات لاكثر من 25 سنة واعمل كل ما يعمله الجراحون. لذلك فإن الجميع هنا ينادوني دكتور.
علاء : هذا شيء جميل جداً. ومن الذي يرأسك؟
عبد الزهرة : سيدي لا استطيع ان اخبرك. فقد يقطعوا رأسي قبل ان انطق باسمه سيدي. ان لديه جيشاً كاملاً ولديه نفوذاً كبيراً. انا مجرد نفر من اتباعه وانا العبد المأمور سيدي.
علاء : حسناً سنتأكد مما قلت ولكن اخبرني اين تأخذون الاعضاء بعد اخراجها من الضحايا؟
عبد الزهرة : هذا يعتمد على السوق سيدي. فاحياناً ترسل الى داخل العراق واحياناً الى الخارج. وتباع بمبالغ كبيرة جداً.
علاء : هل تعلم انك ستحكم بالاعدام؟ كان بالامكان ان تقتل هذا المسكين الراقد امامنا هنا لانك كنت ستخرج كلتا كليتيه وتطلب من هذه القِرَدة الاثنين ان يرموا بجثته بالنهر. اليس كذلك؟
عبد الزهرة : سيدي، كما اخبرتك، انا العبد المأمور. إذا لم افعلها انا فهناك الكثير ممن يتمنون فعل ما افعله وسوف لن يترددوا ابداً بعمل اي شيء يُطلَب منهم. فالسيد مدعوم من ايران سيدي ولديه الكثير من الحماية.
علاء : هذا شيء جميل جداً، يبدو اننا بدأنا نصل الى الحقيقة.
بهذه الاثناء بدأ الرجل الراقد على السرير بالحركة إذ صار يستعيد وعيه تدريجياً ويصدر اصواتاً، وعندما رفع رأسه ونظر حوله، اصابه الذهول ولم يكن يدري ماذا يدور حوله فسأل،
المريض : اين انا؟ واي مستشفى هذه؟ من انتم ولماذا يحمل هذا الرجل السلاح؟ الا اخبرتموني؟
علاء : لقد جاء بك المسعفون هنا كي يسرقوا كلاتك ثم يرموك بالنهر بعد ان تموت. لكننا وصلنا بالوقت المناسب. انا الملازم اول علاء من شرطة الكرادة ببغداد وهذا مساعدي رئيس عرفاء عطا جئنا الى البصرة لتتبع هذه القضية التي كان ضحيتها الكثير من المواطنين الابرياء وانت واحداً منهم. قدر الله وما شاء فعل.
في الخارج لدينا فتات كانت قد تعرضت لنفس المصير قبلك وهي الآن تجلس بالخارج تنتظرنا كي نخبرها باننا القينا القبض على الجناة. لقد سرقوا من المسكينة احدى كليتيها لكنها الآن بخير.
المريض : انا صدمتني سيارة بضربة بسيطة فجاءوا بي الى هنا ثم فقدت الوعي ولا اذكر شيء بعد ذلك. انا مدان لك بحياتي يا ملازم اول علا ورئيس عرفاء عطا.
سار علاء بخطىً بطيئة جداً نحو الجناة، ثم وجه كلامه الى عبد الزهرة،
علاء : ها يا دكتور! هل تحاورت مع زملائك ومع نفسك؟ هل تريد ان تتعاون معنا ام تريد ان تبقى على اصرارك؟
الممرض عبد الزهرة : سيدي إذا لم اتعاون معك فساحصل على الشنق بكل الاحوال واذا اخبرتك عن السيد فسوف يقتلوني بلمح البصر. وهذا يعني اني ساموت بالحالتين.
علاء : كلنا سنموت يوماً ما ولكن الافضل ان لا نموت خالي الوفاض. على الاقل تحصل على رحمة الله لانك ستوقف المجرمين عند حدهم وتمنعهم من الاستمرار بجرائمهم. ماذا قلت؟
الممرض عبد الزهرة : حسناً سيدي ساخبرك بكل شيء وامري الى الله.
صار عبد الزهرة يخرج ما بقريحته من اسماء لمعممين واشباه الرجال ممن يتعاملون مع عصابات اخرى ولديهم صلات بمعممين ايرانيين يسهلون عليهم تهريب الاعضاء البشرية عبر الحدود.
علاء : والآن نادي على سعاد يا عطا. دعها تأتي وتتعرف على هذه الزمرة القذرة.
خرج عطا ثم عاد بعد بضع دقائق بصحبة سعاد. دخلت ونظرت في وجوه العصابة فرداً فرداً لكنها لم تتعرف على اي واحد منهم. سارت نحو علاء وهزت برأسها. فعلم انها كانت تحت التخدير طوال الوقت وانها لم يتسنى لها ان تشاهد وجه اي واحد منهم. هنا سأل علاء عبد الزهرة،
علاء : بما ان سعاد كانت محتجزة لديكم. فلماذا لم تتعرف على رجال الاسعاف؟ يبدو لي ان هناك رجال اسعاف آخرين يعملون معكم وانت لم تخبرني عن اسمائهم. اليس كذلك يا عبد الزهرة؟
الممرض عبد الزهرة : هذا صحيح، هناك نصر وفلاح. هم يعملا بشفت الليل. وكذلك الصياد ابو جواد.
علاء : ومن هو الصياد ابو جواد؟
الممرض عبد الزهرة : انه الرجل المسن الذي تحدث مع سعاد اول مرة على الجسر. هو الذي استدعى سيارة الاسعاف، فهرعت السيارة لجلبها.
علاء : يا سلام! كم انتم منظمين! لديكم اناس تصطاد لكم ولديكم شفت نهاري وشفت ليلي. والآن اعطني اسماءهم الكاملة وعناوينهم.
اخرج الممرض عبد الزهرة قريحته من المعلومات ثم سأل علاء،
- لماذا اخذتم سعاد الى بغداد إذاً؟ لماذا لم تتخلصوا منها هنا؟
- لقد اراد شرائها احد الرجال. انه سيد ويسكن بمدينة الصدر ببغداد، لذلك شحناها هناك كي يتم تسلمها من قبل السيد.
التفت علاء الى سعاد وقال،
- لقد عرفنا كل شيء الآن. سوف اتصل بمركز الشرطة هنا واسلمهم المجرمين ولائحة الاسماء برمتها. اما انتِ يا سعاد فسوف اذهب معك الى بيت والدك واشرح لهم كل شيء. لا تخافي ابداً.
بعد نصف ساعة كان المكان يعج بسيارات الشرطة حيث اقتيد افراد العصابة الى التوقيف.
ركب علاء وعطا بالسيارة آخذين معهم سعاد كي يوصلوها الى منزلها. وحالما وصلوا المنزل ودخلوا هناك انقلب كل شيء رأس على عقب. فالعزاء الذي كان مقاماً على روح سعاد تحول الى ضجيج وصراخ وفوضى عارمة. لكن علاء اصر ان يكون سيد الموقف. طلب من جميع المعزين الخروج من البيت والعودة الى منازلهم. ثم جلس ما يقرب من الساعة الكاملة مع والدي سعاد يشرح لهم كل ملابسات القضية.
هنا قال والدها،
- انا لا اعرف كيف اكافئك على حماية لابنتنا وارجاعها حية. كنا فقدنا الامل وتوقعنا انها ماتت لان شخصاً ما اتصل بنا وقال بانه شاهد سيارة تدهسها في الداودي.
علاء :اطمأن سيدي، لقد خضعت ابنتك الى فحص طبي دقيق عندما كانت ببغداد. وهي سليمة مئة بالمئة ما عدى كليتها التي سرقت منها. انا لا اقول ان افراد العصابة شرفاء، لكنهم فقط احتاجوا اخذ الكلية منها وهذه من الطاف الله.
- لا اعلم كيف اكافئك سيدي؟
- هذا واجبي يا ابا سعاد. هل نسيت الشرطة في خدمة الشعب؟
- ليت كل شرطي مثلك سيدي.
توادع الاثنان وخرج الى الغرفة الثانية وودع سعاد ووالدتها ثم خرج الى الى الغرفة الثانية وقال لرئيس عرفاء عطا،
- هيا يا عطا، ورائنا طريق طويل الى بغداد. وبعدها سنعثر على السيد العفن في مدينة الصدر.
1513 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع