فوزي البرزنجي
شيء من التأريخ
تقديرموقف إستخبارات سري للغاية وشخصي ، أعده وكتبه شخصين وناقشة ثلاثة أشخاص ، إثنان منهم في ذمة الله والثالث قابع خلف القضبان الحديدية
في الثاني من شهر آب مرت الذكرى 29 لإجتياح الكويت من قبل قوات الحرس الجمهوري ، وبمناسبة هذه الذكرى وردني مقطع فديو من أحد الأخوة يتحدث فيه الرئيس العراقي الراحل عن أزمة ديون العراق للكويت من جراء الحرب العراقية الإيرانية وكيف باعت الكويت هذه الديون إلى شركة إسرائيلية بهدف إذلال العراق ، وقرار دولة الكويت في حينها بتخفيض أسعار النفط وزيادة حصتها المقررة في الإنتاج من قبل منظمة أوبك وإغراق السوق بملايين البراميل من النفط شهرياً وكانت خسارة العراق نتيجة لهذا التصرف مليارات من الدولارات شهرياً ، ليلة ¾ من شهر آب وردني إيميل من أستاذنا الفاضل اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس فيه لنك لصحيفة (العراق العربي) الإلكترونية منشور فيها مقال للكاتب صفوة فاهم كامل يتحدث عن لقاء ثقافي في صالون دار الدكتور شوقي ناجي الساعاتي في عمان ضم الفريق الركن صلاح عبود قائد الفيلق الثالث أطال الله في أعمارهم أحد أعضاء الوفد العسكري العراقي ، يتحدث فيه عما دار في إجتماع خيمة صفوان سنة 1991 مع قيادة القوات الأمريكية بعد وقف القتال ، أجلت مطالعة المقال إلى صباح اليوم التالي ، في صباح يوم 4 آب وأنا جالس في غرفة المعيشة في شقتنا المتواضعة الكائنة في الطابق الأول في مجمع سكني كبيرفي مدينة هيوستن جنوب الولايات المتحدة الأمريكية شباك الغرفة يطل على مبزل كبير لتصريف مياه الأمطار، كثافة الأشجارالطبيعية على ضفاف المبزل وأغصانها المتشابكة بأوراقها الخضراء تشكل منظر رائع يسرالناظرخاصة خلال فترة شروق الشمس ،
وأنا أطالع محتوى الإيميل عادت بي الذاكرة أكثرمن ثلاث عقود ونصف من الزمن إلى الخلف ، وتلاحكت صورالماضي البعيد في الذاكرة وبدأت دموعي تذرف لفراق الأحبة على شخص عشت معه منذ سنة 1964 عند دخولنا إلى الكلية العسكرية الدورة 44 الفصيل الرابع سرية سعد بن أبي وقاص ولم نفترق إلى أن أغتالته أيدي مليشيا المقبور أحمد الجلبي سنة 2003 في سجن أبو غريب ، هذا الشخص هو الشهيد اللواء الركن سنان عبد الجبارأبو كَلل معاون مدير الإستخبارات العسكرية العامة خلال فترة إجتياح الكويت في 2 آب 1990 ، في إحدى زياراتي له في داره الواقعة في الوزيرية بعد أحداث 2 آب 1990 تجاذبنا أطراف الحديث عن قرار إجتياح الكويت من قبل قوات الحرس الجمهوري
الشهيد اللواء الركن سنان عبد الجبار أبو كلل
شهادة لله وللتأريخ
الأن وبعد مرور ثلاثة عقود على الحدث ، قيل وكتب في وسائل الإعلام المختلفة خلال هذه الفترة الزمنية الكثيرعن تقاعس المؤسسة العسكرية العراقية التي تمتلك خبرة عسكرية لا يمتلكها أي جيش في منطقة الشرق الأوسط ، لماذا لم تقدم الإستشارة العسكرية للقيادة العراقية ، حدثني الشهيد قائلا أن لا أخبر أحداَ عما سيقول ، قال قبل أحداث 2 آب بفترة وجيزة تلقى مدير الإستخبارات العسكرية العامة الفريق الركن صابر عبد العزيزالدوري فك الله أسره مكالمة تلفونية إستدعى فيها للحضور إلى رئاسة الجمهورية وبعد عودته إستدعاني في غرفته وأخبرني بوجوب إعداد تقدير موقف إستخبارات مفصل لغرض تنفيذ عملية إجتياح الكويت ، قال جلسنا معا في غرفة بعيداًًَ عن الهواتف وأصدر أمراً بمنع المراجعات إلينا مهما كان السبب ، ولساعات طويلة نحن الإثنان ندون بأيدينا فقرات تقدير الموقف شارحين فيه الموقف السياسي والموقف الإعلامي والموقف العسكري الذي سيترتب على العراق في حالة تنفيذ عملية إجتياح الكويت ، لإن دولة الكويت سوف تطلب الحماية الدولية وسوف تدفع الأموال اللازمة لتمويل الحملة العسكرية ضد العراق وستدخل القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي واضعين نصب أعيننا مقدار التفوق العددي والتفوق النوعي والتفوق التكنلوجي الذي تمتلكه الترسانة العسكرية لحلف شمال الأطلسي مقارنه بما يمتلكه العراق من الأسلحة لكافة الصنوف التي أصبحت أعمارها منتهية بسبب طول فترة الحرب العراقية الإيرانية ، أخذين بنظر الإعتبار الحالة المعنوية لقطعات الجيش العراقي الذي أنهكته سنوات الحرب العراقية الإيرانية ، كتب تقدير الموقف باليد بخط واضح خشية تسرب المعلومات الواردة فيه وتم مراجعته عدة مرات وبلغ عدد صفحاته أكثرمن 150 صفحة ووضع بظرف رسمي معنون إلى القائد العام للقوات المسلحة وكتب على الظرف سري للغاية وشخصي وختم الظرف بختم المديرية بالحبر الأحمر وأخذه مديرالإستخبارات العسكرية العامة بيده وسلمه إلى السكرتير الشخصي لرئيس الجمهورية ، يقول وتم حرق المسودات من قبلي شخصياً ، يقول في ساعة متأخرة من الليل طلب منا الحضور صباح اليوم التالي في مبنى القصرالجمهوري لمناقشة تقديرموقف الإستخبارات مع القائد العام للقوات المسلحة ، يقول ذهبنا صباحاً وفي القاعة المعدة للمناقشة كان يتواجد فيها طاولة طولها أكثر من 6 أمتار يقول جلسنا نحن الإثنان ولايوجد شخص آخر معنا وبعد وقت قليل جاء الرئيس الراحل وبيده ملف تقدير الموقف وعلى وجهه علامات الإنزعاج وقبل أن يجلس قذف ملف تقديرالموقف من يده على الطاولة من جهته القريبة وسقط االملف من الطاولة من جهتها البعيدة وقال بالحرف الواحد صابرعلى ضوء تقديرالموقف هذا لا نستطيع أن نعمل شيء ، وإلتزمنا جانب الصمت إلى أن هدأ نسبيا وبدأ الفريق الركن صابر الدوري يتحدث بهدوء وقال سيدي الرئيس نحن ضباط ركنك ويجب علينا أن نقدم لسيادتك إستشارة صحيحة وتم مناقشة مفردات التفوق العسكري للجيش الأمريكي على الجيش العراقي في حالة قيام الحرب مع الرئيس الراحل بإيجاز وإنتهى الإجتماع بعد فترة وجيزة وعلامات عدم القناعة واضحة على وجهه بما ورد في تقدير الموقف وأعتقد كان يتوقع سنقول عكس الحقيقة ، رحم الله الشهيدين الرئيس صدام حسين واللواء الركن سنان عبد الجبار أبو كلل وفك الله آسر الفريق الركن صابر عبد العزيز الدوري .
الفريق الركن صابر عبد العزيز الدوري
اللواء المتقاعد
فوزي البرزنجي
568 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع