حسن ميسر صالح الأمين
(النذالة.. عار ونقيصة لا شفاء لها)
لقد وجدت ثمة حاجة ماسة وملحة في زماننا هذا في وضع تعريف موسع عن النذالة ومفهومها والتذكير بما تعنيه هذه الكلمة وهذا الوصف امام البعض ممن يتصف بها الان ولربما هو لا يعلم ما تعنيه او ما ستلحق به وعائلته ووالديه من نعوت وسمعة سيئة ستبقى ملاصقة له كصفة ذميمة وسمعة غير حميدة الى ان يلقى ربه ولتنتقل لذريته ومن تبعهم وما سيعانون بسببها، وابتدأ حديثي بما قاله الامام على (كرم الله وجهه) (من صاحب الانذال حُقّر، ومن صاحب العلماء وُقّر)، وحيث ان النذالة هي رذيلة، بل هي ام الرذائل، وابشع انواع السقوط النفسي والاخلاق، فهي خصيصة عابرة لأحط الطباع والمواصفات، وجامعةً لأردأ المثالب والقبائح والفضائح، وعائدةً على اصحابها الأنذال بوافر العار والشنار والاحتقار، وعلى ضحاياها المخذولين بعظيم الوجع والظلم الكبير وكذلك الفزع والفجيعة.
يُعرف النذل في قواميس اللغة العربية ومعاجمها، بأنه الخسيس من الناس، والمُحتقر في كل احواله، والساقط في حسبه او نسبه او دينه او فعله، وفي ميزان الامر الواقع ومكيال الأفعال، فهو الاناني حد التخمة، والمتذبذب وفق الظروف، والمتقلب ابتغاء المكسب والمنصب، والمتذلل للقوي والمتجبر على الضعيف، والمتنكر للشقيق وللصديق عند الامتحان ووقت الشدة، والرخيص الساعي بين الناس بالدس والوقيعة والنميمة والتأليب وايغار الصدور.
واما النذالة فتعرف بأنها سباحة في مستنقع الخسة والحقارة، وقراءة في قاموس الغدر، وسياحة في خارطة الدجل، وهبوط في مدرج الجبن، وسقوط في احضان الخداع والتدليس، ودوام يومي في مدرسة الجحود ونكران الجميل ونسيان المعروف·
وللنذل اكثر من صفة حيوانية وله أكثر من سلوك وحشي، فهو الحرباء التي تغير لونها في كل ساعة، وهو العقرب التي تلسع على حين غرة، وهو الكلب الذي يستقوي على الصغار ويلتزم الصمت امام الكبار، وهو الذئب الذي يأكل لحم اخيه قبل او بعد موته، وهو الخنزير الذي يفتقد الغيرة والحمية حتى على انثاه، وهو الثعلب الذي يجيد فنون المكر والاحتيال والمراوغة، كما قال الشاعر العباسي القديم،(صالح بن عبد القدوس)
ولا خيرَ في ودِ إمرئٍ متملقٍ
حلوُ اللسانِ وقلبهُ يتلهّبُ
يلقاكَ يحلفُ انه بكَ واثقٌ
واذا توارى عنكَ فهو العقربُ
يعطيكَ من طرفِ اللسانِ حلاوةً
ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ.
فمنذ القدم، احتقر العرب فعل النذالة والانذال، وعبروا عن ذلك شعراً ونثراً، واعتبروا النذالة نقيضاً للفضيلة بمختلف اطيافها، ومستودعاً للمثالب والنقائص بكل تنويعاتها واصنافها، فلا رابط او جامع بين النذالة وبين الشهامة او المروءة او الكرامة او الرجولة او البطولة، او كل ما يتصل بالقيم السامية والاخلاق الحميدة والسجايا النبيلة المعطرة بالإباء والعطاء والنخوة والكبرياء، فمن الشعر العربي القديم، هناك بيتين من شعر (ابي الفتح البستي) حول النذالة والانذال، قال فيهما :
اذا ما اصطحبتَ امرأً فليكنْ
شريفَ النجادِ ذكيَ النسبْ
فنذلُ الرجالِ كنذلِ النبات
فلا للثمارِ ولا للحطبْ.
في حين يقول شاعر آخر:
الحرُ حرٌ وإن تَعدتْ
عليهِ يوماً يدُ الزمانِ
والنذلُ نذلٌ وإن تكنىْ
وصارَ ذا ثروةٍ وشانِ.
وثالث قال في شكوى الدنيا وغدر الزمان:
دوائرها تُرّفعُ كل نذلٍ
وتخفضُ من له مجدٌ اثيلُ.
وغيرهما الكثير والحال سيان سواءً كانت النذالة صفة موروثة تحدرت من السلف الى الخلف، او هي خصلة مكتسبة تشكلت بفعل البيئة الاجتماعية وظروف الزمان والمكان، فهي في كل الاحوال صفة سلبية ودونية، بل هي مرض نفسي وروحي واجتماعي يُؤذي اصحابه من الانذال، حتى لو توهموا بأنه سينفعهم، وسيمنحهم القدرة على الكسب المعنوي والمعزة الخادعة، والاكل من كل الموائد، والصيد والتصيد واستغلال الضحية واغتنام الفرص عن طريق الضحك على ذقون الناس، والتكيف الانتهازي وفق المصالح والمتطلبات الانانية والشخصية·
وليس من شك ان النذالة هي من اسوأ الوسائل اللازمة لتحقيق الغايات والاهداف، مهما تبدى انها نافعة ومشروعة، ومهما قدم اصحابها من معاذير وتبريرات وتفسيرات، خصوصاً في مجال النذالة السياسية التي تعتبر افحش انواع النذالة، واقرب ما تكون الى التهافت والتفريط والخيانة حيث في السياسة لا فرق بين النذالة والخيانة نظراً لان كليهما من افعال المكر والغدر والتآمر وبيع الشرف ووأد الضمير، وقد رأينا في الظرف الراهن كيف تماهت العمالة والنذالة لدى بعض الاسماء اللامعة، واستشهد في هذا بما قاله الفيلسوف الألماني (كارل ماركس) وهو من اشهر نقاد الرأسمالية ومؤسس الحركة الاشتراكية: (ليست غاية حسنة، تلك التي تتطلب وسيلة سيئة).
اتمنى ان تصل رسالتي لتكن امام اعين العديد ممن اكتسبوا هذه الصفة المقيتة وسط حيص بيص الظروف وهرج ومرج الحال والاحوال، فأساءوا لآبائهم وأجدادهم وسمعة عوائلهم لهفةً وراء منصب او جاه او محاباة لأسيادهم ممن فرضتهم عوادِ الزمن ان يكونوا في سدة الأمر وناصية الحكم او تملقًا لشخصية او شخصيات أنذل منه في الخسة والرذيلة فينشر عنه ما يرفعة من الحضيض الى عنان السماء ويزاحم بالنذل القمر في بدره وعلوه وخاصة اولئك الذين كانوا واثبتت تصرفاتهم بانهم (شر خلف لخير سلف) لكي ينتبهوا لحالهم واحوالهم وافعالهم واقوالهم وان يتوقفوا عن كل امر مخزٍ ومعيب وان يتركوا لذريتهم من بعدهم الذكر الطيب والسمعة الحسنة، فسجل الأنذال السابق أضحى سجلات وفي تزايد واساليب النذالة اخذت مجراها مواكبة مع التطورات فتنوعت وازدادت مكانتها وانتشرت كالهشيم حتى وصلت الى مستويات النشر في الفيس بوك او غيره من وسائل التواصل الاجتماعي متناسين ان هناك التاريخ هو الفيصل والحاسم والذي سجل ويسجل وسيبقى يسجل المواقف والاقوال والافعال ولا يرحم احدا وحتما ومن المؤكد ان هؤلاء سيصيبهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين وهذا لا محال.
سادتي الأفاضل: ختامًا أرجو ان يروق لكم نشري هذا متمنيًا إثراء الموضوع بالقدر الكافي من آرائكم السديدة وملاحظاتكم وتوجيهاتكم القيمة في مسعى للحد من ظاهرة النذالة والتنذل التي تفشت في مجتمعنا ويتمتع بها العديد في زماننا للاسف الشديد ممن خانوا واستنذلوا خسة ودنوا فباعوا النذالة على وطنهم وشعبهم ومحافظتهم واصدقائهم واهلهم واساءوا للجميع أيما اساءة، وهم يسعون وراء الكسب غير المشروع او لجني المنصب والحصول على الجاه والعز والعلو الذي يفتقرون، فانعكست افعالهم المشينة سلبًا على القيم والمبادئ والمثل العليا التي نطمح جميعا ان يتربى عليها الجيل الناشئ واصبح من الصعب استبعاد التأثر بها والإبقاء عليها مقياسًا للرجولة والشهامة وصدق القول والعمل والثبات على المواقف، مسجلًا عظيم الشكر وتقبلوا وافر الاحترام والتقدير.
حسن ميسر صالح الأمين
17/8/2019
* لقراءة التعليقات على اصل المقال اعلاه على الرابط ادناه:
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10219081141120637&id=1269245661
2470 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع