المهندس أحمد فخري
ذكريات مع نادي العلوية
ALLWEA CLUB
نادي العلوية هو نادي اجتماعي ثقافي بني على ضفاف نهر دجلة على جانب الرصافة في بغداد ويعتبر من اقدم المؤسسات والنوادي التي مازالت قائمة حتى يومنا هذا. لقد صمم مبنى النادي الميجر ويلسن في عام 1924 .
كان نادي العلوية من افضل الاماكن الترفيهية بالعراق لانه يشكل الفضاء المثالي للعوائل البغدادية النبيلة إذ انه كان يوفر
لهم ولعوائلهم الامان بجميع الاوقات. لم يكن هناك نادي يضاهي نادي العلوية بالعراق ما عدى نادي المنصور. ومع ذلك فإن نادي المنصور لم يكن بنفس مستوى العلوية. كانت لدي انا شخصياً ذكريات رائعة مع هذا النادي في الستينات من القرن المنصرم إذ انني كنت انتظر العطلة الصيفية بفارغ الصبر كي ابدأ بالتردد على النادي بشكل يومي منتظم كنت حينها في اواخر العقد الاول من عمري. لقد كنت استيقظ صباح كل يوم بوقت متأخر لانها كانت العطلة الصيفية وما ادراك ما العطلة الصيفية. وما إن نظرت الى الوقت ووجدته يقارب الحادية عشر صباحاً الا وبدأتُ اجهز ادوات السباحة ودفتر النادي وبطاقة عضوية النادي ودفتر نقود النادي (ساتحدث عن ودفتر نقود النادي لاحقاً) وبعض النقود للمواصلات. اما النقود (الخردة) للمواصلات فقد كانت لا تتعدى 50 او 60 فلساً لان منزلنا كان لا يبعد كثيراً عن النادي لذا كنت استقل الحافلة (باص امانة) والتي كانت اجرته لا تتعدى 15 فلساً حينها. وحالما اصل الى ساحة الجندي المجهول او الموقف الذي قبله اقوم بانزول من الحافلة والسير لباقي المسافة على الاقدام ماراً بمتجري المفضل وهو متجر المرحوم العم (حفظي عزيز والذي كان طياراً عسكرياً وصديقاً لوالدي وجارنا كذلك) والذي كان يبيع فيه ادوات صيد الاسماك وادوات السباحة والرياضة وما شابه. وبعد ان اتفحص جميع معروضاته بالزجاجة من الخارج، اواصل سيري الى النادي.
مدخل النادي هو نفسه مدخل موقف السيارات وبه تجد السيارات الفارهة الجميلة والموديلات الحديثة واقفة بكل هيبة وشموخ. ابقى اتفحص السيارات التي كانت تستهويني وانا في طريقي الى مدخل النادي. وعندما ادخل مبنى النادي الرئيسي اجد واحداً من موظفي النادي المعروفين للجميع خلف مكتب الاستعلامات مثل ايشو أو ديفد أو بيتر أو جوزيف أو عمو اسرائيل أو شمعون.
صباح الخير عمو ديفد
صباح الخير احمد، جاي تسبح؟
لا جاي اصيد سمݘ هاهاها.
اسلم عليه واسير بممر قصير توضع عليه يافطات وصور على يساره للافلام التي ستعرض الليلة او الليالي القادمة وفيه اقرأ نوع الفلم وما إذا كان يصلح للاطفال او للكبار. ثم اواصل سيري فامر من قاعة الانتظار على يميني والتي فيها كراسي مريحة وطاولات قصيرة. عادة ما تجد هناك بعض الاعضاء ممن ينتظرون ذويهم جالسين و يستمتعون بتناول بعض الاكلات الخفيفة مع الشاي او القهوة. بعد ذلك امر بباب لاحدى القاعات على يساري ثم باب امامي مباشرة يخرجني الى الحديقة المفتوحة.
الحديقة الرئيسية
تعتبر هذه الحديقة من الكبر الفسحات بالنادي لانها جغرافياً بوسط النادي وتستوعب كماً كبيراً من طاولات الحدائق وكراسي الحدائق من النوع الذي تجد فيه الحبال البلاستيكية الملونة. اقوم باختراق هذه الحديقة الكبيرة متوجهاً بشكل مستقيم نحو المسبح. على باب المسبح يجلس احد موظفي النادي ممن يتفحصون هوية العائلة ويتأكدون من ان الداخل هو احد اعضاء النادي. وعادة يعرف الموظفون جميع الاعضاء لذا فهم لا يطلبون منهم ابراز هوية النادي. اما إذا كان العضو يسطحب ضيفاً معه فان ذلك يكون امراً مختلفاً إذ يطلب منه ابراز الهوية كي يتمكن من تزكية الضيف وادخاله معه الى فضاء المسابح.
المسبح الكبير
بعد ان تتم اجرائات (التحقيق) يفرج عنك وتدخل الى فضاء المسابح وهو المكان الذي كنا نقضي فيه أغلب اوقاتنا في فصل الصيف. فجميع الموجودين هناك هم من الاعضاء وغالبيتهم من المعارف والاصدقاء لذلك فانت تشعر انك في مكان مألوف وآمن وليس هناك من يقوم بالتعدي عليك او مضايقتك او سرقتك.
المساحة المخصصة للسباحة كبيرة لانها تحتوي على ثلاث مسابح،
نبدأ بمسبح الاطفال والذي لا يزيد عمقه عن 40 سم ثم المسبح المتوسط (مسبحنا) والذي يبلغ عمقه المتر ونصف المتر ثم المسبح الكبير والذي يبلغ عمقه 3 امتار. فإذا كان عمرك اقل من 18 سنة كما كنا وقتها، فلا يجوز لك السباحة بالمسبح الكبير. لذلك كنا نتصيد الفرص كي نقفز فيه عندما تكون الرقابة منشغلة او مفقودة. وسرعان ما يأتي احد الموظفين كي يطردنا من هناك ويتوعدنا بعقوبة الانذار. والعقوبة ليست جيدة لانها تعني الحرمان من النادي لبضعة ايام. لذا كنا نحرص على ان لا نحصل على تلك العقوبات مهما كلف الامر.
كان بجانب المسابح ما كنا نطلق عليه اسم (الدكان) وهذا هو المكان الذي كنا نحصل منه على مشترياتنا من طعام وشراب. كان من اشهر المأكولات التي كنا نشتريها منه هو (الݘبس) والݘبس هنا لا يعني رقائق البطاطا المقرمشة بل يعني اصابع البطاطا المقلية لانها تستند الى التسمية الانكليزية كما هو الحال باكلة الـ (فش اند ݘبس). اما رقائق البطاطا المقرمشة فقد كان يطلق عليها اسم (كرسپس) لنفس السبب. بطبيعة الحال كان هناك الكثير من الاكلات الاخرى وكان اهمها واثمنها هو الـ (كلوب ساندويج) وهي شطائر تحتوي على الكثير من المواد كالبيض والدجاج والمايونيز والخضار. كانت المشروبات الغازية سيدة الموقف لانها كانت رخيصة الثمن وبمتناول الجميع. اما الاصدقاء فقد كانوا يتكالبون على من يشتري الـ (الݘبس) ويبدأون بمشاركته الطعام لكن صاحب الـ (الݘبس) كان عادة ما يقول "اتركوني بسلام فانا مفلس وجوعان). كانت النقود المتداولة بالنادي هي النقود الورقية المصدرة من قبل ادارة النادي على شكل دفتر. فالدفتر يحتوي على اوراق تعادل بقيمتها المبلغ الحقيقي للنقود الا انك لا تستطيع استعمال النقود العادية بداخل النادي.
عينة من نقود النادي
فورقة ذات 5 تعني 5 فلوس وال 10 تعني 10 فلوس وهكذا. بامكان اي عضو ان يشتري دفتراً باي وقت كان فهناك (دفتر ابو الدينار) وهو الاكثر شيوعاً ودفتر ابو ديناران ودفتر ابو الخمسة دنانير (كنا نطلق عليه تسمية للاباء فقط) لان الاطفال لم يكن لديهم القدرة على شراء دفتر بهذا الثمن الباهظ. مثال على ذلك فان ثمن زجاجات المشروبات الغازية كالكوكا كولا او الببسي كولا او الفانتا او الكراش كان ثمنها 15 فلساً. اي نفس ثمن القنينة خارج النادي ولكنك تشتريها فقط بالنقود الورقية للنادي.
الفعاليات الرياضية
كانت تقام الكثير من الفعاليات ارياضية العامة بالمسبح كـ (مسابقة السفينة الغارقة) ومسابقات الووتر بولو اي كرة القدم المائية ومسابقة القفز في الماء وسباقات السباحة الحرة والصدر والفراشة والغوص وما شاكل. وتوزع الكؤوس والجوائز على الفائزين بآخر المسابقات.
في المساء اي ما بين الساعة الخامسة والسادسة ننتهي من السباحة ونذهب الى غرف التبديل حيث نقوم باخذ دوش ثم نغير ملابسنا ونتوجه الى الحديقة الكبيرة حيث نجلس على احدى الطاولات هناك ونطلب اكلتنا المفضلة (صحن ݘبس بالكتشوب) كالعادة مع قنينة مشروب غازي. ونكون في قمة الجوع لاننا كنا نسبح طوال اليوم.
وعندما يأتي موعد السينما اي بحوالي الساعة السابعة فاننا نحرص على ان نكون اول من يشتري بطاقة السينما لان ذلك سيخولك اختيار افضل المقاعد لمتابعة الفلم. عادة كان يسمح للاطفال مشاهدة الافلام في الدور الاول لانه يبدأ الساعة السابعة مساءاً وينتهي الساعة التاسعة. ثم يبدأ بعده الدور الثاني (للكبار فقط) حيث يكون من (9 - 11) ونكون نحن في المنزل وقتها.
نسيت ان اذكر ان السينما في الصيف هي سينما صيفية مكشوفة اي انها على الهواء الطلق. اما في الشتاء فهناك سينما داخلية وتتبع نفس اوقات السينما الصيفية اي الدور الاول والثاني، والاول مخصص للاطفال اما الثاني فهو للكبار فقط.
هناك 10 ملاعب للتنس في مكان بعيد ومعزول. يمارسه من كان له فيه دراية وخبرة. كان هناك مدربين للتنس بالامكان استئجارهم كي يعلموك اللعب. وكان هناك اطفال يقومون بجلب الكرات للاعبين. وكان هؤلاء الاطفال بارعين بلعب التنس ويصبحون مدربين عندما يكبرون بالمستقبل. كانت هناك ملاعب اخرى للهاندبول والسكواش وما شابه ذلك.
بالقرب من الحديقة كانت هناك قاعة تقدم فيها المشروبات الروحية لكنها كانت محرمة علينا نحن الاطفال.
ادارة النادي
ادارة النادي كانت تتألف من نوعين، النوع الاول هم الموظفون المستأجرون وهم اناس يتقاضون رواتب مقابل عملهم وليس لهم عمل آخر سوى العمل بالنادي. اما النوع الآخر هم الادارة المنتخبة وهم من اعضاء النادي ممن يقومون بترشيح اسمائهم ويقوم باقي اعضاء النادي باختيارهم وكان يطلق عليهم (كوميتي). كانت هذه اللجنة تعني باتخاذ القرارات الكبيرة كتصليح بعض البنايات او بناء بنايات جديدة في النادي وما شابه.
الفعاليات العائلية
كان النادي حريصاً على اجراء الفعاليات الترفيهية كالحفلات الغنائية الراقصة والتي كان يحييها بعض الموسيقيين الكبار كالهام المدفعي وفرقة الايكلز وفرقة البويز وما شابة. بعض الاحيان كان النادي ينظم لعبة الدمبلة (بنگو). وكانت الجوائز عينية في اغلب الاحيان. كانت اغلب هذه الفعاليات محرمة علينا نحن الاطفال. وكنا نتمنى لو استطعنا حضورها او المشاركة فيها ولكن هيهات.
عندما كان يتصل احد ما بالهاتف الى النادي ويطلب التحدث الى احد الاعضاء فإن موظف الاستعلامات يقوم باعلان ذلك على المذياع باللغة الانكليزية فمثلاً كنت تسمع (نداء الى السيد جودت عبادي الرجاء الحضور للاستعلامات، لديك اتصال هاتفي). فإذا سمع ذلك النداء اشخاص آخرون فانهم ينبهون المعني بالامر ويقولون له (لديك مكالمة هاتفية، اسرع) فيذهب مهرولاً باتجاه الاستعلامات ليجيب على المكالمة.
مر نادي العلوية بفترات ذهبية كان الاعضاء فيها يعرفون بعضهم البعض إذ كانوا جميعاً كالعائلة الواحدة. لكن الحروب والمشاكل السياسية عصفت بالنادي كما عصفت بالعراق ككل وتحول النادي الى اداة بيد بعض الساسة ببعض الفترات. لكن البعض يخبرني ان النادي قد عاد الى سابق عهده ويجب علي ان ارى بام عيني كي اصدق ذلك.
تحية خاصة لجميع العاملين بالنادي إذ اني قابلت ديفد عام 1986 بعد انقطاع سنين طويلة وقد احترق رأسه شيباً لكنه لا زال يدير النادي بنفس الكفائة ونفس الحزم.
احييك يا نادي العلوية.
1735 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع