الدكتور رعد البيدر
الاجتياح العراقي للكويت ... لُعبةٌ غَربيّة و بيادق عَرَبيّة / ٦
المَساعي ( العَرجاء ) و تفاقُم الأزمة
في المقالة السابقة أشَّرنا إلى قرار أمير الكويت بإرسال طائرة خاصة ؛ لنقل أمين عام الجامعة العربية الشاذلي القليبي - من تونس إلى الكويت للاجتماع بزعمائها.
حالَ وصول الشاذلي القليبي إلى الكويت أجتمعَ مع أميرها - الذي قالَ له : بأن المذكرة العراقية قاسية و تتضَمَّن مُغالطات كثيرة . بينما قال أحد مستشاري أمير الكويت مِمَن حضروا الاجتماع للقليبي : قدَمنا للعراق ( 17 ) مليار دولار ، وكنا نُزَودَهُم ب ( 300 ) ألف برميل من النفط يومياً ، ولم نُعلِن هذه المعلومات في حينها ؛ تَجنُباً من مشاكل تُغضِب إيران علينا .
لم يخرج حديث أمير الكويت مع الشاذلي القليبي في الاجتماع عن حدود تطورات الأزمة ، و في نهاية الاجتماع أخبَرهُ بمسعى الوساطة الذي تقوم بها السعودية بمقترح من الملك فهد ، و بقبول الكويت بحل متوازن للأزمة من خلال تحرك يُفترض أن يكون سريعاً ؛ تتبناه الجامعة العربية ، و أعلن عن استعداد الكويت للحوار و التفاهم .
يرى الكثير من المُتابعين بأنه رغم انفتاح الكويتيين مع الشاذلي القليبي ؛ إلا أنهم لم يُخبروه بثقتهم الأكيدة من عدم تخلي الولايات المتحدة عنهم ، وأنها ستدعمهم لو نفذ العراق ما يرونه تهديداً باستخدام القوة . في هذا الخصوص كَشفَ العراق - لاحقاً عن وثائق تنسيق كويتي – أمريكي ؛ اثبته بوثيقة ( مذكرة ) مؤرخة في 22 تشرين أول / نوفمبر 1989 ؛ أدعى العراقيون أنهم عثروا عليها في مبنى وزارة الخارجية الكويتية بعد اجتياح الكويت . تتضمَّن الوثيقة - معلومات أرسلها مدير عام الأمن الوطني الكويتي العميد فهد أحمد الفهد إلى وزير الداخلية سالم الصباح السالم الصباح . جاء في نص فقرتها الخامسة ما يعني : اتفقنا مع الجانب الأميركي على أهمية الاستفادة من الأوضاع الاقتصادية المُتدهورة في العراق لممارسة الضغط على الحكومة العراقية لترسم الحدود المشتركة بيننا و بينهم، وقد أطلعتنا وكالة الاستخبارات المركزية على الوسائل التي تراها ملائمة لتحقيق ذلك.
أكدت وكالة الاستخبارات المركزية على توسيع قاعدة التعاون فيما بيننا ، و اشترطت أن يكون تنسيق النشاط على أعلى المستويات . أما الفقرة الثامنة من المذكرة فتشير إلى أن الجانب الأمريكي قد خصص الهاتف 5241-659 (202) الخاص بالسيد وليم وبستر – مدير الوكالة ؛ للتواصل معهم ؛ ضماناً لسرعة انسياب و تبادل الأفكار و المعلومات .
انكرت الكويت تلك الوثيقة ، وكذبتها الولايات المتحدة بكونها مزيفة . عموماً - في أيٍ من حالتي ( صحة أو زيف ) الوثيقة ؛ فليس أمام الكويت و الولايات المتحدة من خيار ؛ إلا الانكار و التكذيب .
اثبتت التجارب كُثرة اكاذيب المسؤولين الأمريكان . فقد أحصى تقرير لـوكالة الأنباء الأمريكية " أسوشيتد پـرس" (925) كذبة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ؛ لتأجيج و تهيئة الرأي العام ( لشيطنة العراق ) من أجل التهيئة لقبول خوض حرباً عليه .
معظم الأكاذيب كانت لثلاثة من رموز الإدارة الأمريكية ( بوش الأبن , كولن پـاول ، كوندا ليزا رايس ) . اعترفوا ببعضها بعد أن غادروا مناصبهم ، من بين أمثلة اعترافاتهم المُتأخرة ما أعلنه " كولن پـاول " في مقابلة مع قناة ABC التلفزيونية الأمريكية بأن:
( تَبرير الحرب على العراق " نُقطة سوداء " في حياتي ) .
كان القليبي يُفكر بالتوجه إلى بغداد لمُقابلة الرئيس صدام حسين بعد الانتهاء من مقابلة أمير الكويت ؛ لكنهُ عَلِمَ بوصول مَبعوث الملك فهد - الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية إلى بغداد ؛ فقررَ الانتظار في الكويت - ريثما تنتهي زيارة المبعوث السعودي ، مُتوقعاً أن طبيعة مهمته ستُلزمه المرور بالكويت قبل عودته للسعودية ؛ لنقل وجهات النظر العراقية للكويتيين ؛ و آنذاك سيَعلم من الأمير سعود نتائج زيارته لبغداد و يتصرف بموجبها.
يوم 18 تموز / يوليو 1990 قَدمَ أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رد الكويت على وثيقة العراق المقدمة للجامعة العربية - بصفته نائباً لرئيس مجلس الوزراء و وزيراً للخارجية . تضمنت مذكرة الرد الكويتية - استغراب الكويت مما وردَ في مذكرة العراق .
ركزت المذكرة الكويتية على ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بـ ( العلاقات الثنائية ، مشاكل الحدود ، حق استخراج النفط من اراضي كويتية ) .
بيَّنَ الرد الكويتي بأن مذكرة العراق الشقيق قد قُدِمَت إلى الجامعة العربية (( في الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق بين البلدَين في المجالات المختلفة ذات الاهتمام المشترك ؛ لتستمر العلاقة الطبيعية متطورة دوماً بين البلدَين . ولم يكن في نية الكويت أن تطرح للتداول في جو من الإعلام المحموم قضايا معلقة ؛ بل وكِّلَت متابعة هذه القضايا إلى لجان متخصصة بين البلدَين ، للتركيز على مجالات التعاون ، لتنميتها، و لتدفع بها نحو مواقع أكثر تقدماً، لتطغى عوامل التعاون على قضايا الاختلافات )) اقتباس بالنص .
و أشارت مذكرة الرد بأن تدهور أسعار النفط قد كان بفعل مشكلة عالمية تدخلَّت فيها أطراف عديدة من داخل منظمة " الأوبك " و من خارجها . وأن هناك دولاً كثيرة تجاوزت حصصها. و نَفَّت الكويت استفادتها من حصة الإنتاج العراقي في ظروف الحرب الإيرانية – العراقية ؛ مدعية أن حصة العراق قد توزعت على جميع الدول المنتجة ومن ضمنها الكويت - التي لم تكن آنذاك في وضع فني يُمَكِنها من زيادة إنتاجها. ( اقتباس بتصرف )
وبينَّت أن الجزء الجنوبي من حقل الرميلة الذي استخرَجَّت منه النفط يقع ضمن أراضي كويتية تبعد بمسافة عن خط الحدود المُحدَّد من الجامعة العربية . ولم تتعمد إلى إثارة المشكلات الحدودية على الساحة العربية ، وإنما اكتفت بالاتصالات الثنائية بينها وبين العراق.... وأخيراً - طلبت توزيع المذكرة على الدول العربية . ( اقتباس بتصرف )
أعقب مذكرة الرد الكويتي تبادُل ردَّين : أحدهما من العراق على الرد الكويتي ، و الآخر من الكويت على الرد العراقي - تم توجيهما إلى الأمين العام للجامعة العربية . لا يتسع مجال المقالة للتعمق بهما . لكن ما نستشِّفُه من حصيلة المذكرات الأربعة هو تبرئة الذات و اتهام الطرف الآخر بأساليب لا تخلو من مُغالطَّات الطرفين .
لم تكن الجامعة العربية موفقة بتكليف الرئيس المصري حسني مبارك للقيام بمهمة الوساطة بين العراق و الكويت ؛ بسبب ( تَزعزُع ) الثقة بين الرئيس العراقي و بين الرئيس حسني مبارك . عموماً ذلك ما حصل ، و سرد الحقائق التاريخية يُلزمنا الإشارة لكل ما ينصب في تحليل واقعي ؛ يوصلنا إلى النتيجة التي بدأنا فيها الفقرة قبل أن نبين السبب .
وصَلَ الرئيس حسني مبارك صباح يوم 24 تموز / يوليو 1990 إلى بغداد ؛ للاطلاع على وجهة نظر العراق و نواياه عَمّا فسرَهُ المشاهدون والمستمعون و القُراء من رسائل بين سُطور خطاب الرئيس العراقي في 17 تموز / يوليو ، و لتبادل الآراء حول صدى الخطاب ( كويتياً ، عربياً ، عالمياً ) لنقلها إلى الجانب الكويتي – في مسعى عربي أخوّي .
أوضح الرئيس العراقي للرئيس المصري خلاصة الموضوع الذي تُفَسرهُ الكويت و جهات أخرى بأنه تهديداً على وشك التنفيذ – مبينناً بنصٍ صريح : لن استخدم القوة تجاه الكويت قبل ان نستنفذ معها جميع الإمكانات عبر المفاوضات . ثم أكَدَ على الرئيس مبارك بأن لا يُخبر الكويتيين بهذا التأني ؛ لكي لا يزدادوا غروراً . لم يستغرق بقاء الرئيس حسني مبارك في بغداد أكثر من فترة اللقاء بالرئيس العراقي و سماع ما يتعلق بوجهة النظر العراقية بتطورات الأزمة .
غادر الرئيس مبارك بغداد مُتوجهاً إلى الكويت و حال اللقاء بأميرها – أخبره : لا تقلق يا صاحب السمو فأن الرئيس صدام قال لي شخصياً : بأنه لن يستخدم القوات العسكرية و لا يعتزم مهاجمة الكويت ، و حَذفَ من النص الذي سمعه من الرئيس العراقي عبارة :
" قبل أن نستنفذ جميع الامكانات عبر المفاوضات " .
نستنتج أن الرئيس مُبارك لم يكن ( أميناً ) لا بالحفاظ على ما سَمِعَهُ من الرئيس العراقي مع التأكيد على عدم افشاءه للكويتيين ، و لا بنقل النص الذي سمعَهُ كاملاً ؛ فغير الوَجَل الكويتي إلى طمأنينة ( زائفة ) . بهذا لا يمكن أن يُحسب ذلك التصرف من الرئيس مبارك كتهدئة من باب حُسن النية بل ( مَطَب ) زادَ من العِناد الكويتي ؛ فقد وشَى إلى واشنطن بنفس مستوى خيانة الأمانة بنقل الحديث - مُجتزأً ، و منقوصاً من العبارة الأخيرة .
تناقل الإعلام العالمي تزايد حشود عسكرية عراقية على مقربةٍ من الحدود الكويتية ، تزامن معها عقد مؤتمرات صحفية في الولايات المتحدة الأمريكية . في سياق إجابة الناطق الرسمي بوزارة الخارجية الأمريكية عن سؤال أحد الصحفيين في المؤتمر - حول نوايا الإدارة الأمريكية للدفاع عن الكويت إذا هاجمها العراق - فصرَّح بالإجابة قائلاً:
أننا ملتزمون بحماية أصدقائنا بصورة فردية أو جماعية ، وعلى أثر التصريح ؛ استُدعيَّت السفيرة الأمريكية في بغداد " ابريل گلاسبي" لمُقابلة الرئيس صدام حسين يوم 25 تموز/ يوليو 1990 خلال ساعة من تبليغها ؛ لاستيضاح ما يعنيه الناطق الرسمي بوزارة الخارجية الأمريكية . ربما كان الوقت بين التبليغ بالمقابلة و حصولها - غير كافٍ لكي تتزود " گلاسبي" بالتعليمات الضرورية من الخارجية الأمريكية ؛ للتهيؤ لمقابلة الرئيس العراقي . أُدخِلَت السفيرة للمقابلة بالساعة الواحدة ظهراً ، وكان التوتر بادياً عليها ؛ لكونها تلتقي الرئيس العراقي في أول مقابلة خاصة .
يرى عدد غير قليل من المراقبين بأن الرئيس صدام قد استهدف التعامل بالمثل مع الولايات المتحدة ؛ فأمرَ باستدعاء السفيرة الأمريكية لتقابله ، بعد أن سبق لها قبل أيام قلائل باستفسار من وكيل وزير الخارجية العراقية عن مضمون المذكرة التي قدمها وزير الخارجية إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، و مقاصد خطاب الرئيس العراقي بذكرى ثورة 17 تموز / يوليو ؛ بناءً على طلب الخارجية الأمريكية منها .
توَّسعَ الرئيس العراقي كعادته في مضامين و اتجاهات حديثه مع السفيرة " گلاسبي" وركَزَ على امتعاض العراق من التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المتحدث الرسمي في الخارجية الأمريكية ؛ مُفَّسراً تلك التصريحات بأنها تعني تشجيعاً واضحاً للكويت و الأمارات من أجل التمادي على حقوق العراق ، وأكَدَ بوضوح لأكثر من مرة بأن العراق لن يتنازل عن حق من حقوقه ، وسيأخذها أن لم يكن عاجلاً ؛ فآجلاً .
بينَّت السفيرة بلباقة دبلوماسية متوازنة و مختصرة ؛ بأن التوجيهات الأخيرة لجيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية لا تسمح بالتصريح في أي موضوع بهذا الخصوص ؛ و أوضحت بأن المتحدث الرسمي قد نُبِّه بعدَم أعادة التصريح بنفس الصيغة ، و تمنَّت أن تلقى المشكلة بين العراق و الكويت - حلاً من خلال أمين عام الجامعة العربية ، أو من الرئيس حسني مبارك الذي بدأ وساطته يوم أمس. وقالت : كل ما نرجوه أن يكون حلول الخلافات سريعاً .
واستطردت" گلاسبي" لتوضيح مسببات استفسارها من وكيل وزير الخارجية العراقي :
يا سيادة الرئيس لقد خضتم حرباً مريرة مؤلمة ، والآن قواتكم محتشدة في الجنوب ؛ ذلك في الاحوال العادية ليس من شأننا . لكن تحليل ما اشرتم له في خطاب عيدكم الوطني ، عن تصرفات الإمارات والكويت في مجال الانتاج النفطي بمثابة عدوان عسكري على العراق ـ عندها ساورنا القلق ؛ فتلقيت تعليمات من حكومتي طلبت مني أن أسألكم بروح من الصداقة لا بروح من المواجهة عن نواياكم .
علق الرئيس صدام قائلاً : بوصفكم قوة كبرى - من الطبيعي أن تشعروا بالقلق . لكن ما نطلبه هو أن لا تُعَبِروا عن قلقكُم على نحو يمكن أن يحمل المعتدي على الاعتقاد بأن عدوانه يظفر بتأييدٍ منكم .
يُستنتج من صيغة مداخلة السفيرة الأمريكية - إيحاءً مقصوداً ، مُصاغ بعناية لفظية توحي بأن الولايات المتحدة ليست طرفاً معنياً في نزاع بين دولتين عربيتين متجاورتين .
نُشِرَ نص المُقابلة في الصحف ، و عُرضَ على شاشات التلفزة العراقية ، وتضَمنتهُ بعض الكتب - التي بحثت في موضوع الأزمة العراقية – الكويتية بنص كامل مكوَّن من (14) صفحة حجم كبير .
هل توصل اجتماع وزراء نفط دول الأوبك إلى نتيجة تهدئة و أن كانت وقتية ؟
ماذا فَهم الشاذلي القليبي في فترة انتظاره الأمير سعود الفيصل في الكويت ؟
هل حُدد موعد لحضور قمة جدة ، ومن هم اعضاء فريق التفاوض للبلدين ؟
ما سبب حُكم المراقبين بفشل اجتماع جدة قبل أن يلتقي ممثلي البلدين للتفاوض بمركز المؤتمرات الحديث في العاصمة السعودية .
ما هو السر الذي كشفه ولي عهد الكويت للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ( بزلة لسان )؟
موعدنا في المقالة القادمة .... بمشية الله .
المقالة السابقة على الرابط التالي :
https://www.algardenia.com/maqalat/41434-2019-09-01-06-46-05.html
463 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع