خالد القشطيني
المسمار في الذهنية العراقية
من الطريف أن نجد أن هذه الأداة الصغيرة، المسمار قد لعبت أدواراً خطيرة في تاريخ العراق وتراثه. ففي فجر حضارتهم في العهد السومري مكّنتهم من صياغة أول نوع من الحروف والكلمات الصوتية، وذلك بتمغ المسمار على الألواح الطينية بأشكال واتجاهات مختلفة تعطي في الأخير كلمات صوتية. هذه أول حروف صوتية عرفها الإنسان قبل ألوف السنين. الكتابة المسمارية.
وقد لعب المسمار دوراً في كلام العراقيين. تسمعهم يقولون هذا مسمار ضربني به فلان. ويكفيك تهجماً بمساميرك عني! ومن حكاياتهم الفولكلورية حكاية الأب وابنه الشرير. وقد أوردها الكاتب اليهودي، ابن الرافدين، سلمان دبي، في كتابه «هاي هي القصة تفضلوا اسمعوها».
تروي الحكاية الشعبية العراقية حكاية الأب الذي ضاق ذرعاً بأفعال ابنه الشرير. فلم يجد ما يبث فيه معاناته بغير استعمال قطعة خشب. راح يدق فيها مسماراً عن كل فعل شرير يقوم به ولده حتى امتلأت الخشبة بالمسامير. وعندما قام الابن بفعل شرير آخر قال له والده: لقد امتلأ لوح الخشب بالمسامير ولم أعد أعرف أين أدق هذا المسمار الجديد. تعجب الولد لسماع ذلك ففرجه الأب على اللوحة، فصعق الابن مما رأى. وعقد العزم على تصحيح سلوكه. فكثيراً ما يعي الإنسان أبعاد سلوكه عندما يراه مجسماً وملموساً أمامه.
قال الولد لأبيه: يا أبتاه، أعاهدك أن أغير سلوكي. ماذا تفعل بهذه اللوحة وما علق بها من مسامير؟ أجابه الوالد: سأخلع مسماراً عن كل فعل خير تقوم به! ودأب الولد على أفعاله الطيبة والوالد يخلع مسماراً من اللوحة عن كل فعل جيد يقوم به الولد. جرى ذلك حتى لم يبق على اللوحة أي مسمار. قال لوالده: انظر يا أبتي. لم يعد هناك أي مسمار على اللوحة.
فقال له الأب: لكن انظر جيداً يا ولدي لتجد كل هذه الثقوب التي خلفتها المسامير المخلوعة. لقد ذهبت مسامير الشر، لكن آثارها ستبقى!
مسمار جحا من نوع هذه الحكايات الحكيمة. قالوا إن جحا أفلس وألزمه الإفلاس أن يبيع داره، ففعل لكنه اشترط على المشتري أن يستثني من البيع مسماراً معيناً في البيت. فوافق المشتري على ذلك، لكنه سرعان ما ندم حين لاحظ أن في كل ليلة ممطرة أو عاصفة يأتي جحا ويدخل البيت ليسهر على سلامة مسماره. يجلس تحته أو ينام بحجة السهر على سلامة المسمار.
وقد نالت هذه الحكاية أبعادا سياسية في عصرنا هذا. فأثناء المفاوضات على الجلاء عن مصر اشترط الإنجليز الجلاء عن عموم مصر مع الاحتفاظ بقاعدة السويس العسكرية. فرددت الصحافة المصرية تقول إن هذه ستكون مسمار جحا نعطي الإنجليز حق الرجوع إلى السويس بحجة حرصهم على سلامة القاعدة. وهكذا أصبح القوم في عموم العالم العربي يرددون حكاية مسمار جحا في سائر المناسبات السياسية.
833 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع