بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة الحمامة البيضاء (الجزء الاول)
مضى على حسام الدين وقتاً طويلاً وهو يسير في الغابة حتى كل صبره وتعبت قدماه ولم يجد صيداُ واحداً يحظى به. "يبدو ان اليوم هو احد هذه الايام الشحيحة، فانا لم ارجع خالي الوفاض منذ ان مات والدي وبدأت اعمل كصياد قبل ما يزيد عن 20 عاماً. واليوم ها قد مشيت في الغابة اكثر من 6 ساعات وتقطعت قدماي ولم اوفق حتى بارنب واحد كي استطيع ان اقول اني نلت منه. هل ساعود كما جئت ام ماذا؟"
واصل حسام الدين سيره لفترة وجيزة اخرى عله يجد شيئاً لكنه لم يشاهد اي حيوان يصطاده لذا قرر العودة الى منزله الذي يقع خارج قرية الوادي العميق. لكنه قبل ان يصل المنزل بقليل شاهد حمامة بيضاء واقفة فوق شجرة صغيرة. تسمر مكانه وبهدوء كبير امسك ببندقيته وسحبها من على ظهره ثم تفحص الاقسام فوجدها حابسة رصاصة جاهزة. سند البندقية على كتفه ووضع عينه على الهدف ثم صار يبحث عن الحمامة بين اغصان الشجرة حتى وجدها واقفة بكل شموخ وتعالي لا تبالي بما قد يصيبها وكأنها تتحدى الموت. وجه هدفه على رأس الحمامة ثم دنى بسبابته نحو الزناد وقرص عليه ببطئ شديد لكن الحمامة همت بالطيران قبل ان يطلق رصاصته بعُشر الثانية. وعندما انطلقت الرصاصة اصابت الحمامة بطرف جناحها الايسر فسقطت على الارض. فرح حسام الدين بتلك الحمامة لانها رفعت من معنوياته فهو لم يرجع الى منزله صفر اليدين منذ امد بعيد جداً. وها قد ابتسم له الحظ واكرمه بذلك الصيد حتى لو كان شحيحاً. سار عندها فوجدها تتألم من الجرح، حملها بيده وتفحصها ليجد جرحها طفيفاً وجزءاً صغيراً من جناحها الايسر قد اصيب، ولولا الحظ يلعب دوره لما سقطت على الارض اساساً. لكن حمامة واحدة فقط لا تساوي شيئاً لدى متجر العم حسن في القرية لذا قرر ان تكون تلك الحمامة عشاءاً له تلك الليلة. وضع حسام الدين الحمامة بالسلة وهم في العودة الى داره. لكنه عندما دخل الدار شعر بالم شديد في معدته فقرر عدم تناول اي طعام تلك الليلة. وضع سلة الصيد على الارض وعلق بندقيته على الحائط ثم صار يُعِدّ شاي الاعشاب في المطبخ كي يعالج المغص. عندما تناول الشاي شعر براحة في بدنه فقام بخلع ملابسه وتمدد على سريره ثم راح بنوم عميق. وبينما هو نائم سمع صوتاً يناديه، "حسام الدين حسام الدين استيقظ يا حسام الدين"
فتح عينيه فشاهد ظلال امرأة بالقرب من سريره. جلس على السرير ثم تفحص المرأة التي تناديه واذا بها فتاة حسناء فائقة الجمال ترتدي فستاناً ابيضاً طويلاً وتمسك بكتفها الايسر. سمعها تكرر ما قالته من قبل، "استيقظ يا حسام الدين واسمعني جيداً"
حسام الدين - من انت؟ ولماذا دخلت بيتي دون اذني؟ ماذا تريدين مني؟
الاميرة تالة - انا الاميرة تالة. وانت الذي اطلقت علي النار واحضرتني الى بيتك.
حسام الدين - هذا هراء. انا لم اطلق النار على احد. انا صياد واصطاد الحيوانات فقط فلماذا اطلق النار على الاميرة ابنة مولانا الملك؟ انا صياد فقير اصطاد الحيوانات ثم ابيعها في قرية الوادي العميق وبمتجر العم حسن (ابا روضة). بامكانك ان تسألي عني هناك. بامكانك ان تاسألي ابنته روضة فهي التي تأخذ الصيد مني كل يوم وتعطيني المال او تقايضني بالمواد مقابل ذلك. فكيف تتهمينني باطلاق النار عليك؟
تالة - وهل اصطدت شيئاً بالامس يا حسام؟
حسام الدين - كلا لم اصطد أي شيء، بل تمهلي لحظة واحدة، نعم لقد اصطدت حمامة واحدة ولم اوفق باكثر منها.
تالة - وانا كنت تلك الحمامة. لقد اصطدتني حينما كنت اقف على الشجرة واطلقت على كتفي رصاصة من بندقيتك.
حسام الدين - عذراً سيدتي لكنك انسانة ولست بطير فكيف اصبحت طيراً إذاً؟
تالة - الشرح سيطول يا حسام والآن اريد منك ان تضمد جراحي وان تدعني اعود الى قصر والدي الملك. والا فانهم سيقلقون علي وسوف يبعثون الجنود كي يبحثوا عني. وقتها سوف يؤذوك وانا لا ارضى لك ذلك.
وبهذه الاثناء استيقظ حسام الدين من نومه فعلم ان الاميرة لم تكن سوى حلماً حلمه بالليل. ذهب نحو الحمامة فوجدها تنظر اليه فضحك وقال، "اميرة جميلة ترتدي فستاناً جميلاً. كم كان حلماً غريباً، ليتني تحدثت معها اكثر قبل ان استيقظ"
وقف حسام الدين ووضع القهوة على الموقد ثم هم كي يذبح الحمامة فيطبخها ويتناول وجبة غدائه لذلك اليوم. لكن الحلم مازال بباله وفكرة الاميرة لازالت تراوده فيضحك ويقول كم انا ساذج. احضر سكيناً ووضعه على رقبة الحمامة فادارت الحمامة رأسها نحوه. نظر في عينيها فتريث قليلاً وقال، "ماذا لو اني توقفت عن ذبح الحمامة؟ ماذا لو اني عالجت جناحها وتركتها تطير؟ ربما لن تكون اميرة ولن يكون لي فيها منفعة لكني ارحمها اليوم، ربما يرحمني رب العباد يوماً ما وانا في موقف صعب"
ذهب الى المطبخ واحضر بعض المواد المعقمة وصار ينظف جرحها ويضع عليه بعض الاعشاب ثم قام بلف الجناح بخرقة صغيرة واحضر بعض الحبوب ووضعها امامها فالتقطتها. خرج حسام الدين من بيته كي يجمع الحطب ويوقد النار. قرر بذلك اليوم ان لا يذهب للصيد لانه كان يشكو من الم بمعدته واكتفى بعمل حساء الخضار وبقي يقرأ كتبه طوال اليوم. وعندما حل المساء اطفأ القنديل وتوجه نحو سريره فدخل بنوم عميق. وبينما هو نائم سمع صوتاً يناديه، "حسام الدين حسام الدين استيقظ يا حسام"
حسام الدين - حضرة الاميرة تالة؟ كم انا سعيد انك جئت ثانية لتزوريني بحلمي.
تالة - بل انه ليس حلماً. انا حقيقة يا حسام. اردت ان اشكرك لانك ضمدت جرحي فانا ساكون بخير في الغد وساقدر على الطيران. بامكانك ان تطلق سراحي وتدعني اعود لقصر والدي.
حسام الدين - وماذا ستقدمين لي مقابل ما قدمته لك يا اميرة؟ هل ستأمرين جنودك بان يلقوا القبض علي ويضعونني بالسجن؟
تالة - الغدر ليس من شيمة الاميرات. انا ساساعدك يا حسام فانت ابقيت على حياتي وانا مدانة لك بذلك. اذهب غداً الى الوادي الصغير فسوف تجد الكثير من البط هناك، بامكانك ان تصطاد منه ما تشاء.
حسام الدين - استسمحك عذراً ايتها الاميرة الجميلة فانت لا تعي ما تقولين. البط لا يذهب الى الوادي الصغير لان ذلك الوادي ليس فيه بحيرات، وليس هناك اي شيء ما عدى كوخ قديم غير مأهول. والبط يفضل الذهاب الى حيث الماء والعشب دائماً.
تالة - اذهب انت غداً الى الوادي الصغير وسوف تجد الكثير من البط هناك صدقني.
استيقظ حسام الدين في الصباح الباكر وصار يفكر بالحلم وبتلك الاميرة ثم قال، "سابدو غبياً لو ان احداً من القرية لمحني وانا ذاهبٌ الى الوادي الصغير. فهم يعلمون تماماً ان ذلك الوادي ليس به صيدٌ ابداً. لكن عليّ ان اتأكد مما قالته الاميرة بالحلم. فتح ضماد الحمامة فوجد جرحها قد التأم. فتح الجناح على آخره فوجده بحالة جيدة فقال، "ساطلق سراحك يا اميرتي الجميلة. خرج خارج الكوخ واطلق الحمامة الى الاعلى فوجدها ترفرف بجناحيها وتطير ثم تدور حوله وتقف فوق كوخه الصغير. فقال، "وداعاً يا اميرتي الجميلة" عاد الى الكوخ وتناول الشاي وحمل بندقيته ومتاعه ثم خرج. وبعد مرور ساعة او اكثر من السير على الاقدام، بلغ الوادي الصغير الذي قالت عنه الاميرة ونظر اليه فلم يجد فيه اي طير او اي بشر. "كم انا غبي لاني صدقت ذلك الحلم الغريب". بقي في الوادي بضع دقائق وهو جالس على الارض ينظر الى السماء وقبل ان يهم بالعودة الى داره سمع اصوات البط آتية من بعيد. "ما هذا؟ ايعقل ما اراه؟ يا الهي انه سرب من البط يأتي نحوي. ماذا ارى؟. لقد صدقت الاميرة بما قالت، انه البط الباهت اللون وهو البط المفضل لدى القرويين لان طعمه لذيذ جداً. كم انا سعيد لاني سمعت ما قالت تلك الاميرة."
سحب بندقيته وصار يطلق النار باتجاه البط فيسقط البط على الارض فيعود ويطلق المزيد من الرصاص حتى اصطاد كماً كبيراً منه. جمع البط الذي اصطاده واذا به 19 بطة. يا الهي لم احظى بصيد مثل هذا طوال حياتي انه فعلاً امرٌ لا يصدق فانا اعتدت أن أذهب الى القرية حاملاً معي 5 او 6 طيور، اذكر اني باحدى المرات فقط حظيت ب 10 طيور ولكن 19 ابداً، لم يسبق لي ان تجاوزت ال 10. شكراً لك اميرتي الجميلة وحمداً لله على رزقه.
رجع الى بيته وهو سعيد جداً ونام في ذلك اليوم بعد ان تناول لحم البط اللذيذ. في تلك الليلة لم تزره الاميرة بنومه. استيقظ في الصباح الباكر وشرب الشاي ثم حمل صيده على عربة صغيرة وصار يدفع بها في طريقه الى القرية. وعندما بلغ متجر العم حسن وجد ابنته روضة تكنس الشرفة خارج المتجر فنظرت اليه وقالت،
روضة - حسام حبيبي، كيف حالك؟ وما هذا الذي في العربة؟ اكل هذا صيد يا حسام؟
حسام الدين - اجل انها 18 بطة. بالامس اسطدتها في الوادي الصغير.
روضة - انك تكذب يا حسام، فالكل يعلم ان الوادي الصغير لا ترتاده الطيور. هل تريد ان تُبقي مكان عملك سراً كي لا يذهب اليه باقي الصيادين؟
حسام الدين - اجل يا روضة، انه كذلك.
روضة - ومتى ستخطبني من والدي يا حبيبي؟
حسام الدين - ان ذلك لن يحصل ابداً. فانا اعتبرك مثل اختي يا روضة وسوف لن تصبحي زوجة لي ابداً.
روضة - لكني احبك يا حسام واريد الاقتران بك يا حبيبي كي اعتني بك واصبح زوجتك ونتقاسم الحياة بالسراء والضراء.
حسام الدين - هذا مستحيل فانا احبك كثيراً ولكن حبي لك كاخت فقط ليس الا. والآن كم ستعطيني من الدراهم ثمن البط؟
روضة - ساعطيك على كل بطة خمسة دراهم.
حسام الدين - حسناً انا موافق. ولا تنسي ان تعطيني كيساً من الشاي وكيساً من السكر وكيسين من الارز وبعض من البابنج.
روضة - كما تشاء.
وبينما هي تكيل له المواد التي طلبها دخل عليهما ابوها وسأل حسام،
حسن - كيف حالك يا حسام؟ يبدو ان صيدك وفير اليوم يا ولدي.
حسام الدين - اجل يا عمي لقد وفقني الله بسرب من البط الذي جاء الى الوادي الصغير
حسن - اتمزح يا حسام؟ لم يسبق ان حطت ذبابة واحدة في ذلك الوادي القاحل فكيف ذهب اليه سرب البط؟
حسام الدين - لا اعلم يا عمي لكني اصطدته هناك. وقد جلبت اليكم اليوم 18 بطة.
حسن - إذا رزقك الله بالمزيد من البط فاجلبه لنا وسوف نأخذه منك كله فالبط مرغوب لدى اهل القرية وخصوصاً البط الباهت اللون. بامكاني بيعه بوقت قصير.
رجع حسام الدين محملاً بالمواد التي اشتراها من متجر العم حسن اضافة الى المال الذي ملأ كيسه. وبينما هو يسير عائداً الى منزله تذكر حلمه مع الاميرة فقال لنفسه، "ها قد قايضت الاميرة حياتها بذلك الصيد الوفير الذي ملأ كيسي بالمال وملأ بيتي بالطعام، انا حقاً ممتنٌ لها إن كانت حقيقة. ويا سعد ذلك الرجل الذي سيقترن بها فهي تمتلك جمالاً اخاذاً يسحر الالباب"
حال وصوله بيته الصغير صار يعد وجبة الغداء لنفسه ثم يستعد ليخرج الى الغابة كي يصطاد كالعادة. وعندما جلس كي يرتاح قليلاً قبل الخروج غلبه النعاس فنام على سريره. زارته الاميرة تالة في منامه وقالت له،
تالة - كيف حالك يا حسام؟ هل صدقتني عندما حدثتك عن البط؟
حسام الدين - باول الامر لم اكن اصدق ما قلتِ، فالامر لم يكن يتعدى الحلم. الا اني فوجئت عندما شاهدت البط وهو يدنو مني في الوادي الصغير. علمت وقتها انك حقيقة واني ممتن لك يا اميرة.
تالة - سابقى الى جانبك يا حسام الدين كما وعدتك وساساعدك كلما احتجت اليّ فانا مدينة لك بحياتي.
حسام الدين - سامحيني يا مولاتي ولكن، ما الذي جاء بك الى غابتي ولماذا كنت واقفة على تلك الشجرة؟
تالة - اردت ان ابتعد كثيراً عن قصر والدي لاني كنت حزينة على شعبي. فابي ملك عادل وطيب القلب وانسان صالح يحب الشعب من كل قلبه لكن وزيره كمال باشا يأتي اليه باخبار كاذبة عن الشعب فيغضب والدي ويتخذ قرارات مجحفة بحقهم فيكرهه الشعب. ومهما تحدثت مع والدي الا انه لا يستمع الي بل يستمع لوزيره ويثق به كثيراً فماذا اعمل؟
حسام الدين - ان كل انسان شرير ما يلبث ان يقع بشر اعماله، عليك بالصبر وسوف يرى والدك الحقيقة يوماً ما. اصبري يا مولاتي. ولا تنسي ان حزنك وغضبك سيؤذيك ويعكر مزاجك.
تالة - انت انسان طيب القلب يا حسام وتحبك روضة حباً جماً. فهل حقاً تعتبرها مثل اختك؟
حسام الدين - الا تستطيعين ان تعلمي ما بقلبي يا اميرة؟ فانت تعلمين كل شيء.
تالة - لا يعلم ما في القلوب الا الله يا حسام. اما البط فقد رأيته من بعيد وهو يتجه نحو الوادي الصغير عندما كنت حمامة احلق عالياً في السماء.
حسام الدين - يا اميرتي، انا وروضة تربينا في طفولتنا كما لو كنا اخوين. وعندما كبرنا بقيت انظر اليها على انها اختي العزيزة لا اكثر ولا اقل. اما قلبي فهو في مكان آخر.
تالة - وهل تحب فتاة اخرى يا حسام؟
حسام الدين - اجل يا اميرتي انا متيم بفتاة احلامي لكني لا استطيع ان افصح لها عن مشاعري لان ثوبي غير ثوبها.
تالة - وهل تحبك هي الاخرى؟
حسام الدين - لا اعلم فكما قلتِ سابقاً لا يعلم ما في القلوب الا الله.
تالة - يجب ان تسألها بنفسك فقد تحبك، من يعلم؟
حسام الدين - سافعل ذلك ولكن ليس الآن.
تالة - كما تشاء يا حسام. والآن دعني اقول لك شيئاً مهماً اردت ان اقوله منذ اول لقاء لنا.
حسام الدين - ما هو يا اميرتي؟
تالة - نادني تالة فنحن اصبحنا اصدقاء. ارجوك ارفع الالقاب بيننا.
حسام الدين - حسناً، ماذا ببالك يا تالة؟
وبتلك اللحظة استيقظ حسام الدين من غفوته وصار يتأسف لانه لم يسمع ما كانت تريد ان تخبره الاميرة. هل كانت ستفصح له عن حبها؟ هل كانت ستخبره بانها تحبه كما يحبها؟ ما هذا الهراء؟ كيف تقع الاميرة في حب صيادٍ فقير لا يملك في الدنيا شيئاً سوى كوخ صغير وبندقيته التي يعيش منها منذ ان مات ابويه بالسيل الذي اعترى الوادي قبل 10 سنين وورث عن والده البندقية التي يصطاد بها. والده الذي علمه كيف يصطاد كي يقتات على ما يصطاد. والآن وقف وصار يضحك على نفسه ويقول، كيف اقع بحب انسانة التقيتها باحلامي؟ ايعقل ذلك ام هي الوحدة التي جعلت مني مجنوناً اخلط ما بين الحقيقة والخيال؟ مع ذلك، فهو يتوق ان يعرف ما ارادت ان تخبره الاميرة تالة. سيسألها في المرة القادمة بالحلم القادم. حمل بندقيته وخرج الى الغابة وصار يصطاد الارانب والطيور لكن صيده لم يكن وفيراً كما في المرة السابقة. لقد عاد بستة ارانب وطيران فقط. ثم رجع الى منزله. بتلك الليلة لم تزره تالة في حلمه حينما نام. وفي صباح اليوم التالي استيقظ على نعيق غراب مزعج فغادر سريره وتوجه الى المطبخ كي يعمل ابريقاً من الشاي يتناوله مع القليل من الجبن والخبز الذي وضعته له روضة ابنة صاحب المتجر خلسة دون ان يعلم. ابتسم حسام الدين وقال، "كم انت مجنونة يا روضة"
بعد ان اكمل طعامه، وضع ابريق الشاي وقليلاً من السكر وبعض من التمر بحقيبته وخرج خارج منزله باتجاه الغابة. وعندما بلغها صار ينظر حوله ويستقصي الغابة بحثاً عن حيوان يصطاده. وفجأة شعر بحرارة كبيرة تحرق قدمه، نظر الى قدمه فوجد عقرباً كبيراً قد لدغ قدمه الايسر. جلس على الارض وهو يتألم ثم قام بربط ساقه من الاعلى كي لا يتسرب السم الى باقي جسده ونظر حوله كي يجد شيئاً يستطيع ان يضعه على مكان اللدغة لكنه فقد الوعي ودخل بغيبوبة. وبينما هو نائم جائته تالة وقالت له، "اسمع مني يا حسام، عليك ان تستيقظ فوراً وان تفعل ما اقوله لك. اخرج تمرتين من حقيبتك واضف اليهما السكر والملح واخلطهم جيداً ثم ضع الخليط فوق لدغة العقرب. والاهم الآن ان تستيقظ. هيا حبيبي استيقظ اريدك ان تعيش فانا احبك يا حسام. ارجوك يا حسام لا تتركني وحدي، استيقظ يا حسام ، انا لا استطيع العيش من دونك"
فتح حسام الدين عينيه فشعر بالالم ثانية. وضع يده في حقيبته واخرج السكر الذي كان سيستعمله للشاي وافرغه في الفنجان ثم وضع بداخله تمرتان والقليل من الملح والسكر وصار يخلطهم جيداً ثم صار يدهن به مكان اللدغة. وما هي الا دقائق حتى صار يشعر بتحسن وصار الالم يتلاشى شيئاً فشيئاً حتى استعاد كامل قواه. "أه يا تالة، لقد انقذتِ حياتي بوصفتك هذه انت فعلاً كما وعدتيني، ستعتنين بي وتحميني ولكن ماذا كنت ستقولين؟ هل قلت انك تحبينني؟ هل سمعت ذلك جيداً ام اني كنت بحالة هذيان ولم انتبه لما كنت تقولين؟ آه يا تالة، اتمنى ان يكون ذلك حقيقة فانا احبك من كل قلبي. وبتلك اللحظة شعر بوهن كبير فارجع رأسه الى الوراء ونام قليلاً فوجد تالة وهي تبتسم وسمعها تقول،
تالة - لا اعلم كيف خرجت مني تلك الكلمات. انا آسفة على ما قلت.
حسام الدين - ماذا تقصدين يا تالة؟ اي كلمات هذه؟
تالة - انت تعلم جيداً ما اقصد. لا تراوغ يا ظالم.
حسام الدين - انا حقاً لا اعلم ماذا تقصدين. اخبريني بربك.
تالة - اقصد باني احبك يا حسام.
حسام الدين - حقاً يا تالة؟ احقاً ما اسمع؟ هل يعقل هذا؟
تالة - اجل يا حبيبي، انا احبك من كل قلبي وسوف لن احب رجلاً في هذه الدنيا غيرك.
حسام الدين - لكنك مجرد حلم بالنسبة لي. متى اراك وجهاً لوجه؟ اريد ان المسك ان احضنك ان اقبلك. لا اريد ان اقابلك باحلامي وحسب.
تالة - ستقابلني وستُقَبّلني فانا لك وانت لي اطمئن يا حبيبي.
حسام الدين - بل اريد ان اراك باسرع وقت. افهمت باسرع وقت. انا لا اصدق الاحلام.
تالة - حسناً ساقابلك غداً بعد غروب الشمس بالقرب من الشجرة الكبيرة التي تبعد مسافة 500 متر عن مبنى القصر بداخل حديقة القصر انها بمحاذاة السور.
حسام الدين - اعرفها تماماً. ساكون هناك حبيبتي.
فتح حسام الدين عينيه وجلس قليلاً ثم صار يربط قدمه باحكام وعاد الى بيته يجر ورائه ساقه المصاب بصعوبة تامة. وعندما بلغ البيت نام على سريره دون ان يغير ثيابه. باليوم التالي استيقظ مبكراً وصار يستعد للقائه المرتقب مع حبيبته تالة. كان لا يفكر سوى بها وبجمالها. كان يتسائل ويقول، "يا ترى كيف سيكون لقائنا الاول؟ كيف سامسك بها واقبلها واضمها الى صدري؟ هل ستضمني هي الاخرى؟ هل ستقبلني ام انها ستبعدني عنها؟ هل هل هل يا الاهي متى يأتي المساء انا لا احتمل كل هذا الانتضار. الوقت يمر علي ببطئ شديد".
1734 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع