فؤاد حسين علي
تنتهي الايام وتمر السنين والذكريات تبقى عالقة في الاذهان ورغم مرور قطار العمر ألا أن المر أحيانا حلو والعكس صحيح ،يأخذك الطريق عند وصولك اول نقطة دخول الى مدينة السليمانيه باتجاه اليسار نحو مايسميه العابرين مفرق دوكان ،
وانت تسير يعود الزمن بك الى ماض بعيد فيه الفرح مميز وفيه الحزن وحيد، يمينك سلسة جبال بيره مگرون ويسارك قرى متناثره منها قرية بيره مگرون وعلى سفح وادي آخر تقع قرية چرمگا القريبه من ينبوع ماء عذب تتوسطها شجرة التوت –التكي- كما يسميها البغداديون قرية أنجبت الكثير من رواد الكتابة والشعر وعلى رأسهم الكاتب والشاعر المرحوم كمال چرمگا ،وفرسان الجبال والوديان ،أنتجت هذه البيئه وغيرها الكثير ،معاناة التشرد وطبوغرافية المنطقه ،والوحدانيه ،وتقلبات السياسه ،والظروف المتنوعه تخلق الابداع والمبدعين ،أنها قرية چرمگه؟؟أو چرمگا؟؟
تحت شجرة التوت قرب عين ماء صافيه يتسامر الاصدقاء والاقرباء ،يستمعون لحديث من هو أكبر منهم سننا ،وصوت خرير المياة المندفعه من العين الجاريه موسيقى مجسمه تعزف سمفونية رائعه ،وانغام ديوك ودجاجات الصباح مكملة للألحان منسجمة معها وكأنك في قاعة اوبرا عالميه هذا حال الكثير من القرى في الشمال الحبيب ،تخرج النسوه مثل خلية النحل ،والاطفال الرضع على اكتافهم وآخر في جانب معين يذهب لرعي الماشيه ،منظر خلية النحل هذه أنتجت الكثير ،شعراء ،كتاب،موسيقيين،وفنانين من مختلف الاتجاهات ،وهي حالة ليست غريبة بل في عموم قرى العراق شمالا ،جنوبا،شرقا ،غربا ،لكن الظروف الجويه في الشمال تختلف عن الوسط والجنوب ولكل حالة لها انتاج من نوع خاص تتميز به .
أن ظروف المنطقه الشماليه والسياسه والاداره للدوله السابقه أدت الى الكثير من التناقضات وقدر رحلت ودمرت الكثير من القرى أو مايسمى في حينه ترحيل الشريط الحدودي على الرغم من أجراء ترحيل القرى البعيدة عن الشريط الحدودي فهي كانت في حينه ذريعة لقرار سياسي .
أنتقل معظم أهالي قرية چرمگا الى مجمع بيره مگرون ومنهم الكثير من عائلة چرمگا وألاخرين الى سرجنار واماكن لآخرى في السليمانيه.ألتقيت بجلال چرمگا في ثمانينات القرن الماضي وتعرفت عليه في دوكان ،كنا نتجول على سفح قره سرد ونتجول في خليكان ،ومرة في بنگرد وآخرى في سرچنار،حديثي معه كان عن أفلام أيام زمان ،وعن مفارقات الشباب ومن خلاله أصبحت العلاقه مستمره تعرفت على جميع افراد العائله ،وعلى رأسهم شاعرنا وكاتبنا المرحوم كمال چرمگا ونتبادل الزيارات في السليمانيه وبغداد التي اسكن فيها وهم قد أستقروا في سرچنار ،كان يعمل مع الاخ جلال شخص أسمه ابو علي ،طباخ ،مبدع ،يجيد فنون الاكله الشهيره في شمال العراق ،الكباب ،والكبه ،الكبه في السليمانيه غريبة الاطوار تختلف عن سائر العراق ففي الموصل متعدده الاشكال وكذا الحال في وسط وجنوب العراق ،ألا أن كبة السليمانيه جلبت انتباهي واثارت مشاعري قد لايتصورها البعض فهي شبيهة لكرة القدم وحجمها قريب من الكرة ذاتها ،مذاقها لذيذ ،جودتها عاليه،حجمها غريب؟؟سألت جلال چرمگا واستدعينا ابو علي فنان الكبه ..قلت عمي ابو علي هذه ليست كبه أنها قنابل ذريه،ذكراها وطعمها عالق في مخيلتي ،وكثيرا ماكنت أحلم وهي امامي ،كان لي اول سؤال عند عودة الاخ جلال هو ماهي أخبار ابو علي وأخبار القنابل الذريه؟؟يضحك جلال لذكريات أيام زمان وماهو أخبار كباب ابو علي الذي كان يعمل الكباب بطول نصف متر وهو خاص للضيوف الاعزاء ،كانت هوایتي هو أن أسأل عن معاني القرى والجبال وماذا تعني في اللغه العربيه ، فقره هنجير * التين الاسود * وبنكرد *تحت التل* وكاني تو *عين التوت * وجوار قرنه * مفرق التقاطعات الاربعه* ودوكان *عيون الماء عدد 2* ...الخ مفارقات وذكريات عادت بي الى الزمن الماضي ،رحل من بيننا الصديق والاخ والمربي الكبير المرحوم كمال چرمگا وآخرين ،أماحكايات وذكريات آخرى مع جلال فهي متعدده ،مغامرات غراميه أيام الشباب،جولات سياحية أيام العز، ندوات فكرية وثقافية ، أنتاجه لآحد الافلام السينمائيه حيث صرف مافي جعبته من نقود وكنت ألومه دوما لكني أعترف أني كنت مخطئا وهو الاصح في تقدير أنتاج الفلم الذي أحدث ضجة في حينه أيام زمان ، ثم أنتقاله للسكن في حي المنصور ببغداد لظروف خاصه وبعدها حكايات عن سجنه في الحاكميه، حيث قرر الرحيل الى سويسرا وقد سرني به قبل المغادره وكنت الوحيد العارف بالموضوع ،وغيرها ،رحلات ألم في العقل الباطن والظاهر تحتاج مدة طويلة لتدوينها ،لكن الزمن الغابر فرق الاحبه ،غربة خلف الحدود ، ومهجرين ومهاجرين ،لكن الذكريات تبقى ولكل عراقي له قصته ،أكتب هذه السطور لآعيد بعض مافي ذاكرتي وعيني تدمع على فراق الاحبه فقد شطر الزمن عوائلنا الى انصاف أو أكثر في غربة لآأنيس فيها سوى الذكريات والحكايات ،وكتبتها دون رتوش وتنقيح...
1281 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع