د.ضرغام الدباغ
دراسات ـ إعلام ـ معلومات
العدد : 184
التاريخ : / 9201
جمهورية أذربيجان الاشتراكية
مقدمة
في مقهى شعبي بسيط بأستامبول، تعرفت أواخر عام 2002 بشابين لطيفين، بدرجة عالية من الأدب والتهذيب، كانا كلاهما من أذربيجان. وحسب معلوماتي، فإن أذربيجان من البلدان التي قادتها سوء الظروف والأحداث التاريخية للتجزئة، الجزء الشمالي كدولة تامة الاستقلال اليوم بأسم : جمهورية أذربيجان، وكانت لسنوات طويلة دولة اشتراكية من ضمن الدول التي شكلت الاتحاد السوفيتي. والقسم الآخر هو مستولى عليه من قبل إيران منذ العهود الملكية، وعاصمتها تبريز. والشعب الآذري يختلف عن الفرس كقومية بصورة تامة، في التاريخ والتراث والثقافة واللغة. وهذا البلد والشعب مجزء، رغم أن العالم والمجتمع الدولي والقانون الدولي يدركون أن حرية هذا البلد ووحدته الوطنية مصادرة، بسبب المصالح الدولية.
كان حكام فارس من القاجاريين قد تنازلوا للإمراطورية الروسية بعد الهزائم العسكرية على يد الإمبراطورية الروسية، عن مساحات كبيرة كانت تحت هيمنتهم في شمال القوقاز وفي القوقاز لصالح روسيا تنفيذا لمضامين معاهدة كلستان سنة 1813 ومعاهدة تركمانجاي سنة 1828 ومنذ ذلك الحين انقسم الشعب الأذربيجاني إلى أذربيجان الشمالية جمهورية في الاتحاد السوفيتي، أما الأراضي الواقعة شمال نهر أراس، والتي لم تكن معروفة من قبل باسم أذربيجان وقت استيلاء روسيا عليها، تم ضمها تحت لواء الإمبراطورية الروسية، والتي سميت بعدئذ جمهورية أذربيجان الديمقراطية خلال فترة الاستقلال القصيرة مابين سنتي 1918 و1920، حيث أدرجت بعد ذلك ضمن أراضي الاتحاد السوفيتي باسم الجمهورية الأذرية السوفيتية الاشتراكية، إلى أن أصبحت جمهورية مستقلة باسم جمهورية أذربيجان بعد تفكك الاتحاد السوفيتي..
فيما أصبحت الأراضي إلى الجنوب من نهر أراس، التي تتألف من المنطقة المعروفة تاريخيا باسم أذربيجان الجنوبية، الحدود الشمالية الغربية الجديدة للإمبراطورية الفارسية ثم في وقت لاحق إيران، وتنقسم أذربيجان الجنوبية (الإيرانية) إداريا إلى كل من محافظة أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية ومحافظة أردبيل، ومحافظة زنجان. كما أن معظم سكان المنطقة من الأذربيجانيين، مع تواجد بعض الأقليات من الأكراد والأرمن والتاتيون والطوالش والآشوريين والفرس.
وكان الاتحاد السوفيتي في مطلع تأسيسه، قد دخل إلى أجزاء من إيران الشمالية، وعملت مجموعات سياسية إيرانية من أذربيجان وغيرها على إقامة سوفيتات بقيادة أحزاب اشتراكية / عمالية، فأسست جمهورية إيران السوفيتية، التي لم تعمر طويلاً، بسبب الاضطرابات والفوضى التي كانت تعم مناطق الثورة البلشفية، من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن البريطانيون الموجودون في المنطقة ليسمحوا بقيام كيانات سياسية اشتراكية / شيوعية، ستكون المدخل والمقدمة لأعمال مماثلة في منطقة تعج بالأقليات العرقية والدينية، تجد في المجتمع الاشتراكي مخرجاً مثالياً لإقامة دول علمانية.
(الصورة: خريطة لأذربيجان الشمالي السوفيتية، والمستقلة لاحقاً بعد تفكك الاتحاد السوفيتي)
ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ونهاية عهد جمهورية إيران السوفيتية، عاشت اذربيجان الشمالية تتطلع إلى نصفها الآخر السوفيتي، لكن دون أن تتخلى عن طموحها الوطني وحق تقرير المصير، وتتحين الفرص لتعبر بوسائل عديدة عن إرادتها في الألتحام بالجزء الشمالي، وبدت هذه الفرصة مواتية في غضون الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945)، حيث كان الحلفاء الغربيون، بريطانيا والولايات المتحدة خاصة، ينظرون بعين الشبهة لأداء حكومة الشاه رضا بهلوي، الذي كان يوالي المحور (ألمانيا) سراً ويتعاطف معها، ولا يبدي الحماس حيال الخطط الغربية، ومن تلك الخطط إمداد الاتحاد السوفيتي بالسلاح والمؤن عبر الأراضي الإيرانية، لذلك أقدمت بريطانيا على احتلال إيران (دون مقاومة) وخلعت الشاه رضا بهلوي، ونصبت نجله محمد عاهلاً على البلاد.
ومن جهتها وجد الاتحاد السوفيتي أن الفرصة مواتية لأحياء المشروع القديم / الجديد، بإقامة جمهوريات اشتراكية / شيوعية، أو موالية لها على الأقل، ووجدت في أذربيجان التفاحة الناضجة التي تستحق أن تقطف دائماً بسبب ارتفاع مستوى الوعي الشعبي، ونضج الحركة السياسية الوطنية / القومية / الاجتماعية التقدمية بالانفصال عن إيران والالتحاق مع شقيقتها أذربيجان الشمالية وعاصمتها باكو. وكذلك في المناطق الكردية المتاخمة لأذبيجان بتحقيق حلمها القومي بتكوين كيان سياسي تابع لجمهورية أذربيجان الشعبية وحقاً تأسس مثل هذا الكيان بدعم وحماية الجيش السوفيتي المنتشر في المنطقة للفترة من تشرين الثاني 1945 إلى تشرين الثاني 1946.
التاريخ
(الصورة : أذبيجان الشمالية (الإيرانية) كما بدت خلال حقبة جمهورية أذربيجان الاشتراكية، وجمهورية مهاباد ذات الحكم الذاتي الملحقة بها)
في عام 1941 كانت قوات الحلفاء والجيش الأحمر السوفيتي قد قامت بغزو الأراضي الإيرانية، السوفيتي انطلاقاً من جمهوريات أرمينيا السوفيتية وأذربيجان السوفيتية فيما دخلت القوات البريطانية والهندية من العراق والأراضي الهندية أنذاك (باكستان حاليا)، دون سبب واضح، ولكنها (بريطانيا) لم تكن تثق بالنظام الإيراني واستخدمت إيران كطريق لنقل وتوفير إمدادات حيوية لحلفاء الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية.
مع وجود شمال إيران تحت الاحتلال السوفيتي، كانت خطط ومساع "نشر الاشتراكية"كانت تجد طريقها إلى التحقيق في بيئات مشجعة في تلك الأصقاع (شمال إيران وجنوب الاتحاد السوفيتي) وإقامة أنظمة اشتراكية ترتبط بهذه الصورة أو تلك بالأتحاد السوفيتي. وكانت جمهورية مهاباد الكردية واحدة من هذه الدول، وقبل ذلك قرر السوفيت إنشاء دولة انفصالية لسكان أذربيجان الشمالية (الإيرانية). خلال هذه الفترة، تم إحياء اللغة الأدبية الأذرية، والتي انتشرت بقوة، من خلال دعم ومساعدة الكتاب والصحفيين والمعلمين المحليين إضافة إلى القادمين من جمهورية أذربيجان السوفيتية .
وكان الشاه رضا بهلوي قد فرض سياسة التجانس القومي في البلاد التي يتألف نصف سكانها من الأقليات العرقية، وفي إطار ذلك حظر استخدام اللغة الأذرية في المدارس والعروض المسرحية والاحتفالات الدينية، وأخيرا في نشر الكتب. صدرت هذه التوجيهات على الرغم من أن والدة رضا بهلوي وزوجته كانتا من أصل أذري. وفي شهر أيلول / سبتمبر 1941 أرغم البريطانيون رضا بهلوي التنازل عن العرش لصالح ابنه محمد رضا بهلوي. ومع خلع الشاه رضا، استولت القوات السوفيتية على تبريز وشمال غرب إيران لأسباب عسكرية واستراتيجية. وأعلن في تبريز (عاصمة أذربيجان الجنوبية) عن تشكيل حكومة موالية للسوفيت عرفت بحكومة أذربيجان الشعبية تحت قيادة جعفر بيشاوري. الحكومة التي تم إنشاءها يالأستفادة من الأستياء العام من سياسات الشاه رضا بهلوي القمعية.
التأسيس
أعلن تأسيس الحزب الديمقراطي الأذربيجاني في تبريز بتاريخ 3 / أيلول ــ سبتمبر / 1945 من قبل مجموعة من الشيوعيين القدامى برئاسة جعفر بيشاوري. وبعد هذا الإعلان حل حزب توده المدعوم من السوفيت وأمر أعضاءه بالانضمام الحزب الديمقراطي الأذربيجاني. وتوسع الحزب الديمقراطي الأذربيجاني في جمع أنحاء أذربيجان إيران، وبدء الانقلاب على حكومة طهران بمساعدة الجيش السوفيتي الذي منع الجيش الإيراني من التدخل. وفي شهر أيلول ــ سبتمبر 1945/ ، أعلن جعفر بيشاوري السيطرة على أذربيجان إيران، ووعد بإصلاحات ديمقراطية ليبرالية، وفي وقت لاحق من شهر أيلول ــ سبتمبر أعلن الحزب الديمقراطي الأذربيجاني عن تشكيل مليشيا الفلاحين.
بدأت هذه المليشيا انقلاب غير دموي في الفترة بين 18/ تشرين 2 ــ نوفمبر / 1945 و21 تشرين2 ــ نوفمبر/ 1945 وألقت القبض على جميع المسؤولين في المناصب الحكومية المتبقية في المحافظات أذربيجان إيران، وأصبحت جمهورية مستقلة تحت اشراف 39 عضو من اللجنة التنفيذية الوطنية. وكان رئيس الوزراء الوحيد لهذه الجمهورية التي لم تدم طويلا أحمد كرداري. وفي نفس الوقت، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات عسكرية بشكل مطرد للحكومة الإيرانية تعبيراً واقعياً عن تحول إيران إلى ساحة لتنافس القوى العالمية . ومارست القوى الغربية شتى الإجراءات لحمل الأتحاد السوفيتي على التراجع، إضافة لوعود سخية قدمتها حكومة طهران لموسكو في مجال النفط، حمل السوفيت على التراجع عن دعم الدولة الناشئة حديثا وتمكن الجيش الإيراني من إعادة هذه الجمهورية إلى كنف الدولة الإيرانية
الزوال
في 13 / حزيران ــ يونيو/ 1946، تم التوصل إلى اتفاق مشترك بين الحكومة المركزية (في طهران) ووفد من أذربيجان إيران برئاسة جعفر بيشاوري. نص على التخلي عن الاستقلال الذاتي والتخلي عن رئاسة الوزراء والوزارات، وأن يتحول البرلمان إلى مجلس محافظة حسب الدستور الإيراني، وأن تعود مرة أخرى جزء من إيران. وبحلول منتصف ديسمبر 1946، تمكن الجيش الإيراني المدعوم من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا من دخول تبريز، وبالتالي نهاية جمهورية أذربيجان الشعبية بعد عام كامل من وجودها.
لجئ العديد من القادة إلى جمهورية أذربيجان السوفيتية. وتوفي جعفر بيشاوري في حادث سيارة في باكو عام 1947. وسجن رئيس الوزراء أحمد كرداري لسنوات عديدة من قبل الشاه وأفرج عنه في وقت لاحق.
1928 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع