إعداد: بدري نوئيل يوسف
على ضفاف الفرات... رقصة الجوبي
المقدمة:
هذه الرقصة أو ما نسميها بالدبكة على شكل جماعات، يشكلون نصف دائرة يتشابك الراقصين بالأيادي ويقومون بتحريك أطرافهم السفلية، بشكل إيقاعي منتظم ويضربوا الأرض بقوة، مع تحريك أذرعهم المتشابكة بشكل انسيابي منتظم ، ويظهر راقص يحتل المقدمة، وهو يلوح بمسبحة أو بمنديل معقود الرأس، ويشترط في من توكل إليه القيادة أن يكون طويلا جميل الشكل ،له خبرة في أداء الرقصة، وتنظيم حركة الأرجل وإيقاعها بالتوافق مع العازفين والمطرب، وما إن يدب الحماس في الراقصين حتى ينفصل الراقص عن المجموعة متخذا دور القائد، الذي يحرك الراقصين قفزا أو انحناء ، ويطلق صيحة معينة لشد عزائمهم وفي أكثر الأحيان تكون هذه الصيحة، حسب إيقاع متعارف عليه عند الجميع، وسط زغاريد النسوة وإطلاق العيارات النارية في الأعراس، ثم يرجع ليمسك أول راقص ليقود الراقصين بنصف دائرة منتظمة، تدور حول بقعة أرض محددة.
هناك ثلاثة أنواع لرقصة الچوبي، أولها خاص بالرجال ولا يشترك في حلقاته النساء، ويكثر هذا النوع في وسط وجنوب العراق. وأما الثاني تشترك فيه النساء مع الرجال، بصورة مختلطة ويؤدين نفس الحركات، ويكثر في المناطق الغربية والشمالية وهذه الرقصات الجماعية، دائماً تكون درجة القربى موجودة بين الرجال والنساء، لأن المرأة لا ترقص مع رجل غريب وهذه من عادات العشائر.
وينتشر النوع الثالث في مناطق الشمال والموصل وكركوك وتكريت والقرى المجاورة. خاص بالنساء فقط ابتداءً من الراقصات وحتى العازفات، وأحيانا يستعين بإحدى الصبايا للعزف على المزمار.
وجدير بالذكر أن مشاركة النساء في هذه الرقصة قليلة، والتي يصفونها بأنها رقصة الرجال والقوة وشد العزائم هذه الرقصة يؤديها الشباب أيام الأعياد والأفراح كل حسب مناطق سكناهم، وهذه الرقصة يسمونها بالدبكة أيضاً لقيام الراقص بضرب الأرض بقوة أثناء الرقص بواسطة القدم، وانتشرت هذه الرقصة في الوطن العربي فنشاهدها في (سوريا ولبنان والأردن) .
أصل كلمة جوبي:
الجوبي كلمة تبدأ بحرف غير عربي فهي تعريف لحالة فنية لنوع من الرقص الشعبي المنتشر في العراق وشمال الفرات بالإضافة لبعض الدول العربية، وتعطي معنى لنوع من الغناء المعروف في مناطق ريف البادية ونوع من الإيقاع العراقي المعروف وبزمن (8-8) وهو من الإيقاع البسيط.
توجد عدة معاني وتفسيرات لهذه الكلمة يقول العلامة المرحوم "مصطفى جواد" إن كلمة جوبي تعني (الجوبة) والجوابة هي كلمة من المفردات اللهجة الشعبية في العراق وتعني ساحة لبيع الأغنام، والأبقار ، والحيوانات والتي تسمى بالفرات " الماقف" أو ( المزاد ) أو (سوق الغنم ) حيث يجتمع الناس في هذه البقعة المعلومة لبيع أغنامهم، ويقومون ببعض الحركات للترفيه عن أنفسهم، جراء التعب أو الفرح الذي يغمرهم ، حين يرتزقون من (بيع الأغنام) أو كما يقال في الفرات (بيع الحلال)، و الدكتور "الحسني" يقول : إن كلمة جوبي معناها أن الراقصين الذين يؤدون هذا النوع من الرقص الجماعي، وهم متشابكون في الأيدي ويحركون أرجلهم بإيقاع متساوي ويضربون الأرض بقوة، لسماع صوت هذه الضربات، ليشدوا على رقصهم ويصرخون صوت (جا) لشد الراقصين لتقوية معنوياتهم خلال الرقص، وأخذ هذا الصوت ليعبر عن هذه الرقصة وقالوا أنها رقصة الجوبي. كما يدعي بعض المعمرين من أهل الفرات أن الجوبي كلمة كردية من شمال العراق فبعض القبائل الكردية العراقية يؤدون هذا الرقص الجماعي ويسمونه (الجوب).
كما يقال أيضا أن أصل حرف الجيم في كلمة جوبي، هو حرف الشين، واصل الكلمة (شبّا أو شبّي) وتعني الدبكة، التي لها إيقاع قوي على الأرض، وفيها حركات قفز (شب) على الأرض، سواء بالدبكة دون انحناء الجسم أو بحركات انحناء، ترافق قرع الطبل خاصة إيقاع ( دم )، ومثل هذه الدبكة العراقية لها مثيل في بلاد الشام خاصة الساحل السوري، واسمها ( الشّبّي).
أما معنى كلمة الجوبي، فلم يحدد أي باحث معناه بالضبط، حتى أن قاموس المعاني يذكر عنه ما يلي "اسم أسرة منسوبة إلى "جوب: الخشب" بالفارسية، مع ياء النسبة العربية، نقلت من التركية، معناها: الخشّاب، تاجر الخشب"
الجوبي والمناسبات
مع صخب الأفراح والمناسبات الاجتماعية يتجمعون ويتحلقون حول بعضهم بعض، وتتشابك الأيادي وتتقارب الأكتاف لـ "يلعبوا" ويفضل العراقيون استخدام مفردة "لعب" بدل "رقص"، في إشارة لمن يمارسون الجوبي، هذه الرقصة أو الدبكة واحدة من أقدم الرقصات الفولكلورية في العراق، والتي تشبه الدبكة في بلدان أخرى مع أغان وألحان لا تخطئها الأذن، ورثوها عن أجدادهم.
يوضح الباحث بشؤون الموروث الشعبي العراقي، "أحمد عبد الحميد"، أن (العراق كله يشترك في الرقصة، مع اختلافات بسيطة، فدبكة أهالي الجنوب و"المهوال" لا تختلف كثيراً عن غرض الجوبي، والأمر نفسه ينطبق على محافظات الشمال، فجميع الرقصات الشعبية لسكان الرافدين، تعبر عن الشخصية نفسها) ، مبيناً لـ "العربي الجديد"، أن "الدبكة الشعبية التي تربط الأخوة أو أبناء القبيلة أو المجتمع المتشابه بعاداته، مرتبطة بالأساطير السومرية والبابليين، وهي التي تقوم على أساس الدوران حول المكان المقدس".
وفي العراق الغني بتنوعه المجتمعي والثقافي، ترتبط كثير من الفنون الشعبية بمناطق ومدن معينة، نشأت
وازدهرت فيها، وأصبحت علامة مسجلة باسمها، ومن بين ذلك رقصة "الجوبي" الشهيرة (ويلفظ اسمها بصوت بين الجيم والشين). فعلى امتداد نهري دجلة والفرات، ابتداء من بغداد ومحيطها باتجاه شمال العراق وغربه، يحترف السكان المحليون هذه الرقصة ويمارسونها في أفراحهم ومناسباتهم الاجتماعية، ويرونها تعبيرا عن ميراث يصلهم بالأجداد مع ما ارتبط بها من أغان وألحان وأشعار تحفل بها مجالسهم ومنتدياتهم.
ويعتبر كثيرون أن "الجوبي" ليست مقتصرة على تلكم الرقصة فحسب، وإنما تشمل ما ارتبط بها وصاحبها من ألحان وأغان ومواويل أيضا.. وهكذا فإن لاعبي الجوبي أو "الجوابة" باتوا ضيوفا دائمين في كل مناسبة أو محفل اجتماعي، بل إن بعض الأهالي يوجهون دعوات خاصة لمحترفي الجوبي من مناطق ومدن أخرى، من أجل استضافتهم لإحياء مناسباتهم، وعلى مدى عقود حرص معظم الفنانين في العراق على أن تضم ألبوماتهم أغنية واحدة على الأقل من هذا اللون، فلا تكاد تجد مطربا إلا غناه بكلمات مختلفة وألحان متقاربة، وكثيرا ما تحصد هذه الأغاني ملايين المتابعات.
ويمارس هذه الرقصة في الغالب مجموعة تتراوح أعدادها بين عشرة وعشرين شخصا، يرتدون الزي التقليدي "الدشداشة" (الثوب) على الأغلب، وتشتمل ساحة الجوبي على فئات عمرية مختلفة، تبدأ من الطفولة حتى أعمار متقدمة أحيانا. ولكونها رقصة شعبية يألفها ويحبها العراقيون، أصبح الكثير من الشباب يشكلون فرقا للجوبي، لإحياء المناسبات والمشاركة في مسابقات أحيانا بين مناطق ومحافظات مختلفة.
اشتراطات فنية لقائد المجموعة
تبدأ حلقة الجوبي بالتشكل مع أول نداء، من صاحب المزمار أو قارع الطبل، الذي ترافقه مجموعته بما فيها المطرب أو المنشد إلى وسط الساحة، في حين تتوسع الدائرة لاستيعاب الراقصين الذين تتشابك أيديهم بقوة وتتراص أكتافهم دلالة على الأخوة والتضامن. وعادة ما تترك الرئاسة أو القيادة لأكثر الرجال دراية بفنون الجوبي، وأشهر أغاني الجوبي العراقي:
كل الهلا بحبيبي الكان زعلان – لابس وردة وخزامة وبالخشم عران
اكعد لك ع الدرب اكعود – سمرة يم عيون السود
اصعد واكطع لك عنكود – وردة من البستان
اضحك وراوينا اسنانك – صف اللؤلؤ ليش مخبى
المصدر
العربية، الجزيرة
الشاعر الفراتي خالد عبد الجبار الفرج
1428 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع