عائشة سلطان
التكنولوجيا التي تلتهمنا
تمنحنا التقنية أراضي أكثر اتساعاً ورحابةً مما نمتلك في الحقيقة، ما يمكننا من المعرفة أكثر، ومن التحرك بشكل متحرر من القيود والاعتبارات، فنتواصل ونعبر عن أفكار لطالما خشي من كان قبلنا مجرد التفوه بها، صحيح أن مفاتيح التقنية ما زالت تحت السيطرة، إلا أن درجة تعنت السلطات أصبحت أقل، وفرص التغريد خارج السرب غدت أكثر إمكانية من قبل، وكل ما على الإنسان أن يتحمل نتيجة أفكاره التي يجاهر بها!
تفعل التكنولوجيا ذلك وهي تقدم لنا نفسها على شكل هاتف صغير يحركنا ويتحرك العالم من خلاله، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، عبر تطبيقات معرفة العناوين وأحوال الطقس وحجوزات الفنادق والجولات السياحية في أية مدينة ووصفات الطعام وخدمات توصيل الطلبات للمنازل ورعاية الحدائق، ومواقع الصحف والإذاعات.
تفعل التكنولوجيا ذلك لأنها تخدم مصالح وشركات عملاقة وآليات سوق وشركات دعاية وإعلان وتسويق، تفعل ذلك لأن هناك مليارات تصب في جيوب من يوفر هذه الخدمات، وفي السياق نفسه يقع الأطفال ضحايا هذه التقنية المادية بشكل قد لا نتخيله، ولكنهم يدفعون الثمن وهم مندفعون لها بحكم أعمارهم وتجربتهم وانبهارهم بالتكنولوجيا.
الطفلة الإماراتية (...) التي لم تتجاوز الخامسة لا تجيد الحديث بغير الإنجليزية، بسبب إدمانها برامج الأطفال الإنجليزية في يوتيوب، وفي المدرسة حين استدعيت والدتها قيل لها، إن الطفلة تتفوه بكلام مسيء تجاه زملائها بكلام أكبر من عمرها بكثير فماذا تعلمونها في المنزل؟ المفارقة أن الأم لا تعرف الإنجليزية إلا في أضيق الحدود!
يا ترى في سن العاشرة، كيف ستتعامل هذه الطفلة مع والدتها؟ ماذا سيقدم لها يوتيوب أكثر مما يقدمه الآن؟ وما الآفاق المخيفة التي سيصلها الهاتف الذكي وتطبيقاته؟ نحن إزاء تحديات أخطر مما نتصور!
1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع