خمسة كتب لكتاب بصريين من الجنسين تزدان بها رفوف المكتبات

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 06 شباط/فبراير 2020 17:21

كتب بواسطة: محمد سهيل احمد

                           محمد سهيل احمد

خمسة كتب لكتاب بصريين من الجنسين تزدان بها رفوف المكتبات

جنبا الى جنب المظاهرات والاعتصامات الشبابية الباحثة عن الإصلاح والتغيير، يواصل الحراك الثقافي أنشطته المتنوعة من ندوات وأمسيات ولقاءات ، مثلما يشهد نشاطا فريدا من نوعه يتمثل في إصدار سيل لا ينقطع من الكتب تعكس واقع أمة تنشد الشعر وهي تقاتل من اجل الحرية والرغيف وتسرد الحكاية تلو الحكاية والرواية بعد الرواية والتوثيق عقب التوثيق ، ناهيك عن الحراك الأكاديمي التي تشهده الكليات والمعاهد والمنتديات الثقافية . 

وقد اخترنا ، على عجل خمسة من الإصدارات التي تنوعت بين المجاميع القصصية والروايات والدواوين والانطولوجيات التي تعنى بدنيا القصيد :

1ـ الشاهدة والزنجي ـ رواية تعد في طليعة أعمال الكاتب البصري الراحل مهدي عيسى الصقر ، قامت دار ( المكتبة الأهلية ) وهي واحدة من اعرق المكتبات البصرية والتي أسسها الراحل فيصل حمود بطباعة هذا العمل السردي الفائق الأهمية الذي يؤرخ فيه الكاتب لواحدة من أكثر المنعطفات السياسية في بداية الأربعينيات والتي استطاع مؤلف الرواية عبرها رصد وتسجيل النبض الشعبي لمدينة البصرة في زمن الاحتلال الانكليزي الذي اقترن بثورة رشيد عالي الكيلاني ودخول الانكليز لمدينة البصرة . اطلعت على هذا العمل الروائي الذي تعمد فيه كاتبه ان يتفادى ذكر الانكليز مستعيضا عن ذكرهم بما اسماه بالاحتلال الأمريكي .وكانت إشارة بارعة قصد منها ان الاحتلال يظل احتلالا سواء كان بريطانيا ام أمريكيا .والواقع ان الكاتب لم يبتعد عن الواقع التاريخي حين اختار لروايته حاضنة مكانية على شط العرب حيث المعسكرات والمهربون والباحثون عن مسكنات الجسد والجمجمة . وتاريخيا لابد من الإشارة ان خط شرقي البصرة المتاخم للحدود الإيرانية شهد وقائع اقترنت بالجسر البري الذي أقامه الحلفاء لتعزيز الجبهة الروسية ابان الحرب العالمية الثانية .وقد تمحورت فصول الرواية حول ما تفعله الحروب حينما تتحول الى ( تيزاب او ماء للنار ) يلتهم الوجوه والقلوب والمصائر البشرية عبر وضعه لشخصية الفتاة الجنوبية ( نجاة ) تحت عدسة مجهره الفائق الرهافة والحساسية وما واجهته من تجربة شديدة القسوة على روحها الطفولي وجسدها الغض . قام بالإشراف على إصدار الرواية الأديب والمتابع المثقف زهير اسماعيل عبد الواحد .
2 ـ تلوين بريشة الطاووس مجموعة للشاعر عبد الله حسين جلاب .هذا الديوان واحد من اصدارات الشاعر الثلاثة عشر بدء من ( فاختة البحر)
وليس انتهاء بهذا الديوان .وعبد الله حسين شاعر متفرد في كل شيء : في طبيعة رؤاه الشعرية ، وفي نمط العوالم البدئية التي يحفل بها قاموسه الشعري .عوالم الشاعر هي كائنات الارض الفطرية .. القواقع ، الغربان ، ريش الفواخت ، أعين اللقالق او اجنحتها ومدونات الطين الأخرى . وديوانه الأخير لا يختلف في رؤياه عن دواوينه الأسبق . ولقد جاء ( تلوين بريشة الطاووس .. قصيدة القزح ) ضمن النهج ذاته الذي اختطه الشاعر عبد الله لكتاباته الشعرية والتي تنطبق عليها حقيقة ان العوالم غير المألوفة تستدعي آليات ابداعية غير مألوفة . من مقدمتي لديوانه الشعري ( في حداثة الجنون ) ذكرت ان عبد الله اختار لمجموعته الأدوات التالية : توظيف الشارد الوحشي من المفردات مثل دخنة ،قطمير ، شعفة ، ضفاديع ،خنخنة وغيرها ، كما انه اعتمد الاختزال طريقة خاطفة يصل المتلقي من خلالها الى بؤرة المعنى ، اضافة الى الإشعاع الفلسفي الذي يتضمن الحكمة واعتماد المنهج الظاهراتي الدلالي لرؤياه الأيقونية . ان عبد الله حسين راء لا يكتفي بالقوقعة بل يبحث عن اللؤلؤة . وسعيا وراء اضفاء المزيد من الضوء على اشتغالاته الشعرية آثرت اختيار النص التالي من ديوانه الأخير ( تلوين بريشة الطاووس ) :
نخلة عمياء
غراب الخرائب ذو الوجه الأسخم
والعين الشيباء
حيال نخلة عمياء
يحوم ،
من العواءات
تلك
الى العواءات ِ
الآن !
3ـ عندما تكلم الورد ـ دراسة ونصوص للشعراء

هذا الكتاب صدر في أواخر العام الماضي ووزع في مطلع عامنا هذا 2020 . ويضم عددا من الدراسات والسير لمعد الكتاب الدكتور مصطفى مهدي حسين ، إضافة الى قصائد للمعد الدكتور مصطفى . وقد استضاف الكتاب مجموعة من أصدقاء المؤلف من بينهم الشاعر عبد الله نجم المنصور الذي يقول في مطلع إحدى قصائده :
بعد الثلاثين ماذا انت تنتظر سوى الوقوف على اطلال من هجروا والتي يختمها بالقول :
وما حصاد سنيني غير ضائعة من الليالي هباء ماله اثر
اما الشاعر سالم حسن السلمان فقد كتب المعد عنه سيرة ذاتية وتسعا من قصائده هي معلقة السقوط ورجلة الى الجنائن المعلقة وقصيدة أأنساها ؟
الشاعر عثمان نجم المنصور فبعد السيرة الذاتية اورد المعد اثنتي عشرة قصيدة .
وتلاه الشاعر الراحل فيصل مهدي حسين في سيرة ذاتية وقصيدتين يقول في مطلع القصيدة الثانية التي حملت عنوان ( يا فجر) والتي يقول في مطلعها :
يا فجر ايامي الغوالي ماذا دهاك ولا تبالي
قلبي دعاك ولم يجد بحياته غير الليالي
اما الدكتور مصطفى مهدي حسين فتقول احدى قصائده المعنونة ( الى من فقدت اسمها ) :
الهوى ليس نضارا رائعا او جلنارا
فإذا احببتني يوما تريديـن انتحارا
وكانت واحدة من تسع عشرة قصيدة وردت في الكتاب الذي يختمه الشاعر
قاسم محمد علي السماعيل بسيرة ذاتية وعدد من قصائده اتتي يقول في مطلع احداها والتي حملت عنوان ( الشاعر ) يقول فيها :

من أوقد قنديلك في الليل ؟
من سوّى خصلات الشعر المنثورة
فوق جبينك ؟
من زرع الشوق بعينيك ؟
من أهداك المنديل ؟
والكتاب حافل بعدد من الفصول التي أرادها المؤلف كيما تكون سيرا ذاتية تناول فيها رحلته مع الحرف المقفى ووجوه الأصحاب في بساتين و مقاهي ابي الخصيب وعلى ضفاف أنهارها الهادئة الرائقة المياه
وفي قاعات مكتبات المدينة العامة والغرق في عوالم القصيد والحكايات المضمّخة بالأساطير . ومعلوم ان كتابة السيرة ما زالت ، قياسا بالكتابات الإبداعية ، لونا أدبيا لذيذا وغير مطروق على نطاق واسع .
4 ــ جنوب خط .. 33 ـ قصص متناهية في القصر للكاتبة البصراوية خولة جاسم الناهي . هذا العمل يأتي بعد تجربتها المتميزة الأولى ( لائحة بأسماء الملائكة ) . و( جنوب خط .. 33 ) ثلاثا وثلاثين نصا قصصيا مقتضبا تتراوح أعداد كلمات نصوصه مابين الحادية والعشرين كلمة ولا تتجاوز الأربعمائة كلمة . وخولة جاسم الناهي خريجة كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية ولديها اسهامات ادبية وصحفية متنوعة وقد فضلنا اختيار نصها التالي انموذجا لاسلوبها السردي الذي يحمل بصمتها الخاصة:
قاطرة الفحم
خولة جاسم الناهي

قاطرتان محملتان بالفحم وقد ارتبطتا بالعجلة الأم . تتحركان على عجل وتهدران على سكة القطار المعتادة وقد تناثرت منهما قطع الفحم بكل الاتجاهات.
صرخت الفتاة الصغيرة من هول المنظر وارتمت بأحضان والدتها التي أمسكتها بقوة لتغطيها من قطع الفحم التي تحولت الى جمر مشتعل في لحظات .بدا لها الأمر مثل كابوس او لقطة من فيلم خيال علمي يتحدث عن النهاية المأساوية للعالم .
واصلت حضن ابنتها الصغيرة بنفس القوة واستندت الى اقرب جدار . ورغم الهرج والمرج والصراخ والعويل الذي عم المكان . لم تر او تسمع شيئا سوى هدير القاطرات ودقات قلب صغيرتها التي تلتصق بجسدها . لم تستطع تلاوة صلاة أخيرة . لم تتمكن من الصراخ مخافة أن يوقظ كابوسها زوجها وبقية صغارها النائمين ، واكتفت بمراقبة الفحم والجمر المتطاير بالأجواء تملؤها الدهشة .فتحولت هي الأخرى الى فحم مشتعل تكوم على الارض تاركا رسما ابيض على الجدار يشبه لوحة للعذراء وقد احتضنت صغيرها : لوحة سلام ترسم قساوة الحروب !
# عدوك عليل .. ساكن الجول
اشارة / الهاشتاغ أعلاه جزء من النص للكاتبة خولة كمسعى فني مضاف من قلمها السيال .

5ـ دخان يرتفع وقت الفجر ــ هايكوات مختارة ترجمة عباس المحسن
الكتاب صادر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع في الكويت . يقول المترجم في مطلع مقدمته لهذا الكتاب : قبل الخوض في هذا الموضوع المترجم ارتأيت ان اقدم نبذة مختصرة عن هذا الشعر فالهايكو او ربما تكتب هائيكو ، هو نوع من اشعر الياباني يحاول الشاعر فيه ، وذلك من خلال الفاظ بسيطة ، التعبير عن مشاعر جيّاشة وأحاسيس عميقة . تتالف اشعار الهايكو من بيت واحد فقط مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا ( باليابانية ) وتكتب عادة في ثلاثة اسطر ( خمسة ، سبعة ثم خمسة ) .والهايكو يستند الى بوذية الزن في مفهوماتها الشاملة بإيلاء الطبيعة ومخلوقاتها الضعيفة عنايتها ورعايتها . واشهر من زاول كتابة الهايكو في العالم : عزرا باوند ، وليام بتلر ييتس ن اوكتافيو باث ، داغ همرشولد ، توماس ترانسترومر الفائز بجائزة نوبل 2011 .
اما على الصعيد العربي لم يصدر الشعراء العرب مجاميع شعرية ولكن من المبكرين في الاهتمام بهذا النمط الشعري المختزل الشاعر الفلسطيني المقيم في الكويت محمد الأسعد .وربما نستثني تجربة الشاعر الراحل حسين عبد اللطيف من العراق الذي اصدر كتابا كاملا حمل عنوان ( بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق بلقالق ميتة ) 2012 .
وفيما يلي نماذج مختارة من عدد من الشعراء الذين مارسوا هذا النوع الشعري الشديد الاقتضاب والشديد الإيحاء :
بداية الخريف
البحر وحقل الزمرد
كلاهما له الخضرة نفسها
ماستو باشو
هايكو شتائي

انا لا اعرف اسماء
الزهور .. الآن
حديقتي تلاشت
آلان غينسبرغ

الصمت

الصمت
في ضوء القمر
كالصخر
فرجينيا برادي يونغ