د. عامر حنا فتوحي
موقفي من تبني الرابطة الكلدانية لوجهة النظر المتعلقة بتشكيل مرجعية سياسية مسيحية عليا
طرحت الرابطة الكلدانية العالمية مؤخراً رؤية خاصة بنيافة الكاردينال غبطة البطريرك ساكو بطريرك بابل على الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم ... الحق، مع أنني قد عزمت على أن أتفرغ للكتابة الأكاديمية من خلال دراسات مهيئة للنشر قريباَ، وأيضاً من خلال توعية الكلدان بتراثهم الرافدي العريق بصفتهم (سكان العراق الأصليين) من خلال الكتابة في صفحتي التواصل الإجتماعي (نبوخذنصر) و (القوميون الكلدان) اللتين تستضيفان كتاباتي بكل محبة وإمتنان، إلا أنني وبسبب الخلل الفاضح في فهم الرابطة لماهية (القومية الكلدانية) ومكانة الكلدان في العراق والعالم ولتعارض الفكر المسيحاني مع الإنخراط بالعمل السياسي (أعط lما لله لله ومالقيصرلقيصر)، أجدني ملزماً بتصويب هذه الطروحات (الطائفية) المغلفة بعباءة الحرص القومي ... مؤكِداَ لمن لا يعرفني من الأجيال الشابة الجديدة بأنني "لم ولن أجامل على حساب الثوابت القومية الكلدانية ومصلحة الكلدان (قومياً) في العراق والعالم" منذ أن بدأت مشوار عملي التثقيفي الكلداني مطلع ثمانينات القرن المنصرم حتى اليوم ... من المهم أيضاً قبل أن أرد على الأخوة في الرابطة الذين أتمنى لهم كل التوفيق في نشاطاتهم لاسيما تهيئة مهرجان أكيتو للعام 7320ك الموافق للعام 2020م، متمنياً أن يستوعبوا المفهوم القومي االعميق للكلدان فلا يخلطوا مستقبلاً بين المفاهيم القومية والدينية والطائفية والوطنية بحجة (أننا شعب مسيحي واحد)، لأن هذا النوع من الخلط يشبه المثل الشعبي العراقي (أجة يكحلها عماها) ... لمن لا يعرف الفارق الشاسع ما بين طروحات غبطة البطريرك الذي تتبناه الرابطة وبين مفهوم الكلدان القومي الذي يتعدى الدين والطائفة، فإن على المنخرطين بالرابطة أن يستوعبوا ماهية (المفهوم القومي ومعاييره) والذي شرحته تفصيلياً في كتابي الموسوم (الكلدان منذ بدء الزمان) في طبعته الأولى الأمريكية باللغة العربية لعام 2004م، ذلك أن هذا الفهم يفصل بشكل حدي وقاطع ما بين الإنتماء العرقي والديني. أما إذا ما أرادوا أن يوفقوا ما بين المفهومين وهذا سيشبه إلى حد بعيد ذلك العصفور الذي أراد أن يقلد مشية الغربان فأضاع المشيتين، مع ذلك إذا ما كانت المؤسسة الكنسية تعني لهم مرشداً وموجهاً لمسار عملهم بشكل ما فأن نصيحتي هيّ أن يعيدوا حساباتهم ووتوجهاتهم وأن يكتفوا بأن يكونوا مجرد (واجهة رسمية) للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية حسب ... هنا يهمني أيضاً أن أهمس في أذن نيافة الكاردينال غبطة البطريرك لكي يتوقف عن التدخل في المواضيع القومية البعيدة عن مجال إختصاصه وأن يتفرغ لكنيسته ورعيته، لأن مهمته أصلاً هيّ (تعزيز الحصانة الروحية للمؤمنين) حسب وليس الإنخراط في العمل السياسي المخالف تماماً لتعاليم السيد المسيح، مع تمنياتي له بالصحة والتوفيق في مساعيه الروحية ... يهمني أيضاً أن أؤكد هنا بأن الكلدان هم (المكون العراقي الوحيد) الذي لا يمكن الفصل بين إنتمائهم الوطني العراقي الأصيل وإنتمائهم القومي العريق، ذلك أنك عندما تقول كلداني فأنك تعني عراقي وبالعكس، وهذا لا ينطبق إلا على (الكلدان) بالمعنى القومي مع شديد إحترامي للمكونات العراقية الأخرى وبخاصة من يؤمن منهم بوحدة العراق وسلامة ورفاهية شعبه على تنوع الأطياف العراقية الجميلة
أن خلاصة ما جاء في الدعوة التي تتبناها الرابطة هو مايلي:
- أن المتواجدين في العراق أدرى بمصلحة الكلدان من المتواجدين في الخارج
- أهمية الدخول بقوة في العملية السياسية
- الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية هيّ من تضع خارطة الطريق
- إعادة إستخدام التسمية القطارية التي أخترعتها الأحزاب المتأشورة
- التأكيد على الجامع المسيحي ما بين المجتزءات لكي لا يتعمق إنقسامنا بسبب جدالات بيزنطية
- التأكيد على أن ما يجمعنا هو الهوية المسيحية
إبتداء أؤكد بأنني لن أناقش النقطة الأولى لفرط لا واقعيتها، ولأنها لا تستحق المناقشة أصلاَ، ذلك أنها تسحب عن عمد وترصد البساط من تحت أقدام القوميين الكلدان من دون وازع أو إحترام لتضحيات القوميين الكلدان الذين تحملوا الأمرين من أجل الدفاع عن الحقوق القومية الكلدانية عبر العقود المنصرمة، كما أن الهدف من هذه النقطة غير الواقعية هو تجيير العملية برمتها لكي تكون تحت سطوة المؤسسة الكنسية في العراق، وكأن القوميين الكلدان في الولايات المتحدة وكندا وأوربا وأستراليا يعيشون على كوكب المريخ وعلى مسافة ألف سنة ضوئية ... كما أن النقاط التالية وبإختصار شديد أنما هيّ دعوة طائفية تسعى لأن تنسف كل الجهود القومية التي قدمها القوميون الكلدان منذ نهاية عقد السبعينات المنصرم حتى اليوم ... أن المتعمق في قراءة ما بين سطور هذه الدعوة سيجد بأنها تقوم على (مغالطة فاضحة) تعمق تجزئتنا بدلاً من وحدتنا وذلك من خلال التأكيد على أننا (ثلاث قوميات) كلدانية وسريانية وآشورية، وهذه لعمري مغالطة تتنافى مع أبسط الحقائق المادية والتاريخية جملة وتفصيلاً. ذلك أنها تعتمد التقسيم الكنسي (بمعنى الطائفي)، كما أنها تؤكد خنوع القائمين عليها وعدم إيمانهم بماهية (القومية الكلدانية) أصلاً متناسين أو متجاهلين بأن (المقدمات الخاطئة إنما تؤدي إلى نتائج خاطئة بالضرورة) ... الكلدان يا نيافة الكاردينال ويا أيها الأخوات والأخوة في الرابطة هم (سكان العراق الأصليين) وليس مجرد (مسيحيون عراقيون) ... الكلدان إذا كنتم لا تعرفون هم أكبر من أي فهم ديني أو طائفي قاصر ومتخلف، لأن أخوتنا المندائيون هم بابليون كلدان أصلاء قبل أن تكون هنالك كنيسة كلدانية كاثوليكية، وأن شيعة العراق (المستعربة) هم كلدان تعرضوا إلى عمليات صهر وتذويب وأسلمة وتعريب بعد الغزو الإسلامي للعراق، بل أن في دماء اليزيديين ما يمكن أن يدحض كل المفاهيم الطائفية الرجعية المتخلفة، ولو تمحصت رئاسة الرابطة في الفكر اليزيدي الرافدي لتبين لهم بأن (نبوخذنصر) على سبيل المثال هو أحد قادتهم الروحانيين وهذا لم يأتِ من فراغ، فلماذا تحصرون الكلدان في صندوق الطائفية المحدود والمتخلف؟ ... الجواب معروف للمختصين، ذلك أنه بعد الغزو الإسلامي البربري لوادي الرافدين تم تقسيم المكونات العراقية على أسس طائفية وليس وفق الإنتماء القومي الذي لم يكن يعني شيئاً في فهم الغزاة الذين كانوا يروجون لفكرهم الديني المستحدث الذي يتعارض مع الإنتماء القومي والوطني ويؤكد على الإنتماء الديني، وهذا التوجه الطائفي هو ما تتبناه الواجهات الدينية المتخلفة التي تتحكم في عراق اليوم والتي لا يهمها أن تبيع العراق أرضاً وبشراً خدمة لمصالحها الطائفية
لعل الغالب الأعم منكم يعرف بأن والدي (حنا جونقا) ينحدر من عائلة (سريانية كاثوليكية) من ماثا دبخديدا، وأنا هنا أتحدى أي سرياني عراقي بأن يذكر لي ورود كلمة سرياني التي تعني (مسيحي تحديداَ) ولو لمرة واحدة في أية مدونة عراقية قبل البشارة المسيحية، فلماذا الضحك على الكلدان ولماذا هذا الجبن الفاضح في مواجهة المزيفين والدجالين من المتأشورين ... نصيحتي لرئاسة الرابطة قبل أن تمثلوا الكلدان عليكم أن تستوعبوا ماذا تعني مفردة (كلداني) وأن تؤمنوا بأنكم كلدان قومياً وأن تحترموا الثوابت القومية الكلدانية
المسيحية دين عالمي، كما أن مملكة المسيح ليست من هذا العالم، فلماذا تخلطون الحابل بالنابل من أجل مصالح زمنية ... إن كنتم تريدون كلدان (متوحدون) حقاً، إذاً عمقوا وأشيعوا الثقافة الكلدانية القومية بين الشعب وأبتعدوا عن التوجهات الطائفية المدمرة، ولعل دراستي الموسومة (إعادة ترتيب البيت الكلداني) المنشورة في عام 2002م على ما أذكر تحتوي على علاج ناجع لمعظم ما نعنيه نحن الكلدان حتى اليوم ... وإذا كان رجال الكنيسة يعتزون بإنتمائهم الكلداني ويباركون (القوميين الكلدان) من مواقعهم كرئاسة دينية فأننا سنكون لهم شاكرين وممتنين كل الإمتنان، ولكن دورهم لا يمكن أن يتعدى حدود الإعتزاز والمباركة حسب ... دمتم بخير
د. عامر حنا فتوحي / فنان تشكيلي، باحث أكاديمي، وأستاذ زائر لمادة التاريخ الرافدي ،مؤسس ثان لمنظمة المركز الثقافي الكلداني الأمريكي ... الولايات المتحدة الأمريكية
www.NativeIraqis-Story.com
www.Chaldean4U.org
1249 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع