قصة قصيرة اليتيمة - الجزء الاول

                                               

                           بقلم أحمد فخري

   

       قصة قصيرة - اليتيمة الجزء الاول

سارت عائشة في جنح الظلام تجرجر ابنتها ورائها وهي لا تعرف كم استغرقت رحلتها ولا تعرف وجهتها. اقدامها تئن عليها من التعب والبرد يجمد اوصالها وصوت ابنتها الصغيرة اسراء يكاد يخرق اذنيها وهي تتضرع جوعاً وذكرى نهيق تلك المرأة الشريرة سمية لا يزال يصم اذنيها عندما كانت تصرخ بابنتها اسراء توبخها وتحرمها من الطعام. لم تنطق الطفلة المسكينة بشيء سوى انها جائعة وتريد ان تأكل لكن قسوة جدتها سمية كان يزيد من آلام الام ويدفعها كي تهرب من ذلك البيت المشؤوم بحثاً عن الامان. لم تشعر الطفلة اسراء يوماً ان تلك المرأة الظالمة هي جدتها، فقد كانت تضربها ضرباً مبرحاً ثم كانت تحرمها من الطعام واحياناً كانت تحبسها في غرفة مظلمة ليومين متتاليين حتى طفح الكيل فقررت والدتها ان تهرب مع ابنتها ولكن الى اين؟ فمنذ ان مات زوجها وهي تعيش ببيت والدة زوجها التي تطعمهم متى ما يحلو لها. اليوم خرجت مع الطفلة بحثاً عن الحرية وخوفاً على ابنتها الصغيرة من الضياع او الجنون. بقيت عائشة وابنتها يسيران حتى بزغت الشمس وصارت الشوارع تعج بالمارة وكأن الحياة ابتدأت من جديد. نظرت عائشة بوجه ابنتها وقالت، "دعنا نجلس هنا قليلاً يا ابنتي لاني تعبت ولا اقوى على مواصلة السير". جلس الاثنان وهن يرتعدان من البرد فشاهدتهن سيدة تسير على الرصيف فدنت منهن وسألت،

السيدة : هل انتما بخير؟ هل تريدان المساعدة؟
عائشة : كلا سيدتي، شكراً على اي حال. نحن بخير.
السيدة : لكن طفلتك تبدو متعبة وتعاني من البرد والجوع. انتن لا تبدوان من المتسولين، فلماذا انت تكابرين هكذا؟ لماذا لا تسمحي لي كي اساعدكما.
عائشة : لا احد يستطيع ان يساعدنا. لقد كتب الله علينا الشقاء والتعب. ارجو ان تتركينا سيدتي نحن لا نريد شفقة احد.
السيدة : لماذا لا تثقي بي وتخبريني؟ ربما استطيع تقديم المساعدة لكما.
عائشة : انا اسمي عائشة. هربت بالامس مع ابنتي من شدة ظلم عمتي التي استفردت بنا منذ ان توفى زوجي وحتى الآن. كانت تعاملنا معاملة سيئة وظالمة وبالاخص لابنتي المسكينة اسراء. ولما طفح الكيل ولم نعد نحتمل، قررت ان اخذ ابنتي واهرب بها الى ما لا عودة. خرجنا من دون ان نحمل معنا اي ملابس ولا مبلغ من المال ولا نعرف اين نولي وجهنا. الله فقط يعلم ذلك.
السيدة : اسمعي مني يا عائشة، انا اسمي كريمة. اريد ان اساعدك بكل صدق وامانة. لماذا لا تأتي معي الى منزلي وسوف اطعمكما واويكما وسوف احاول ان اساعدكما قدر المستطاع.
شعرت عائشة انها لا بد ان تثق بتلك المرأة والا ماتت ابنتها من التعب والجوع فقالت،
عائشة : يبدو لي انك انسانة طيبة تحبين عمل الخير. هيا إذاً دعنا نذهب معك.
مشت عائشة مع السيدة كريمة جارّةً ورائها ابنتها الصغيرة املاً في ان تكون السيدة صادقة كي تساعدهما في محنتيهما. ففي قناعتها انها تستطيع ان تواجه كل المحن لوحدها لكن تلك الطفلة المسكينة معها تشكل كاهلاً كبيراً عليها. دخلوا بيت كريمة فنادت لخادمتها كي تعد لهما وجبة دسمة. وما هي الا دقائق حتى نُصِبت وليمة كبيرة تكفي لعدة اشخاص فقالت،
كريمة : هيا يا عائشة تعالي وكلي واطعمي ابنتك هيا.
جلست عائشة وجلست اسراء بجانبها وجلست السيدة كريمة امامهما ثم اشارت بيدها للطعام بمعنى تفضلوا. فصارت اسراء تأكل على عجل وكأن شخصاً ما سيأتي ويأخذ الطعام منها لكن امها نظرت بعينيها واومأت لها برأسها بمعنى "تأني" فعلمت اسراء ان لا داعي للعجلة. وبعد ان انهوا طعامهما دعتهما السيدة كريمة الى الصالة كي يشربوا الشاي معاً. جلست عائشة على الاريكة والتصقت بها ابنتها وكأنها تخاف ان تهرب منها. جلست السيدة كريمة وقالت،
كريمة : ارجو ان يكون طعامنا قد اعجبكما.
عائشة : وكيف لا يا سيدتي؟ كان طعاماً شهياً. انا اشكرك بل نحن نشكرك كثيراً سيدتي. اطال الله في عمرك.
كريمة : يسعدني ذلك. اسمعي مني يا عائشة، بامكانك ان تبقي عندي فترة من الزمن إن راق لك الامر.
عائشة : انا لا اريد ان ازعجك اكثر من ذلك. سنرحل بعد قليل إن سمحت لنا.
كريمة : واين ستذهبين؟ وماذا ستعملين؟
عائشة : سابحث عن عمل سيدتي وساربي ابنتي بتعبي.
كريمة : اسمعي مني يا عائشة. ابقي اليوم عندي وساجهز لكما غرفة هنا ببيتي كي تناما فيها وسوف اجد لك عملاً في الغد. ما رأيك؟
عائشة : ما نوع العمل سيدتي؟
كريمة : انا لا اعرف امكانياتك ولكن هل سبق لك وان درستي؟ اقصد هل لديك مؤهل علمي؟
عائشة : كلا سيدتي، استطيع القراءة والكتابة فحسب. بامكاني ان اعمل اي شيء. كخادمة بالمنازل او التنظيف او ماشابه.
كريمة : إذا ساجد لك عملاً بمنزل احدى صديقاتي، ايعجبك ذلك؟
عائشة : اجل سيدتي ان ذلك سيكون ديناً برقبتي مهما حييت.
كريمة : ارجو ان تنسي ذلك فانا اعمله لوجه الله. اريد فقط ان اطمإن عليك وعلى ابنتك الجميلة.
عائشة : بارك الله فيكِ سيدتي.
بقيت عائشة وابنتها في دار السيدة كريمة الكبير والذي تسكن فيه هي وخادمتيها الاثنتان فقط. وفي اليوم التالي اعطتها عنوان صديقتها اسماء الذي لا يبعد كثيراً عن منزلها. خرجت عائشة مع ابنتها قاصدين بيت اسماء وعندما وصلاه طرقا الباب ففتح طفل صغير الباب وقال،
لؤي : ماذا تريدان؟ لماذا طرقتما الباب؟
عائشة : اريد ان اتحدث مع والدتك لو سمحت.
لؤي : امي لا تتحدث مع المتسولين. اغربا عن وجهي.
قال ذلك واغلق الباب بوجهيهما. استدارا وهمّا بالعودة، وما ان خطيا خطوتان الى الوراء الا وانفتح الباب ثانية وخرجت منه سيدة اربعينية فنادت،
اسماء : توقفا، هل انت عائشة؟
عائشة : اجل سيدتي لقد بعثتني اليك...
اسماء : اجل، اجل اتصلت بي السيدة كريمة وقالت انك آتية. ارجو ان لا تؤاخذي ابني لؤي فهو شقي ويحب ان يمازح الناس دائماً.
عائشة : لا عليك سيدتي.
دخلت عائشة وابنتها اسراء ببيت السيدة اسماء وتوجها نحو الصالة. نظرت اليها السيدة اسماء وقالت،
اسماء : اسكن انا وزوجي فالح مع ابننا لؤي هنا بهذا البيت وتلزمنا مدبرة منزلية. هل تستطيعين الطبخ والتنظيف وادارة شؤون المنزل؟
عائشة : اجل سيدتي. بامكاني ان اعمل كل شيء له علاقة بالبيت.
اسماء : بامكانك ان تقيمي عندنا، سامنحك غرفة تسكني بها مع ابنتك وساعطيك 50 ديناراً بالشهر ما رأيك؟.
عائشة : هذا اكثر مما توقعته سيدتي. انا جداً سعيدة بهذا العرض.
اسماء : كم هو عمر ابنتك؟
عائشة : عشر سنوات.
اسماء : كما هو الحال مع ابني لؤي. هل تذهب ابنتك الى المدرسة؟
عائشة : كانت تذهب الى المدرسة عندما كنا نسكن عند عمتي، اقصد ام زوجي رحمه الله. وهي بالصف الرابع.
اسماء : إذاً بامكانك نقل ابنتك كي تتسجل بالمدرسة التي في الشارع الخلفي لمنزلنا. اما ابني فهو يدرس بمدرسة اهلية. وهم يأخذونه بالحافلة ويرجعونه للبيت كل يوم.
عائشة : هذا شيء جميل.
اسماء : لا اريد الاطالة عليك. متى تريدين ان تبدأي عملك هنا؟
عائشة : اليوم إن شئتِ سيدتي.
اسماء : إذاً تعالي معي كي تشاهدي غرفتكِ ثم ابدأ بشرح العمل بهذا البيت.
عائشة : تفضلي سيدتي.
خرجت السيدة اسماء مع عائشة وتذيلتهم اسراء، ولما وصلا غرفة صغيرة بالقرب من المطبخ قالت،
اسماء : هذه غرفتكما. انها صغيرة لكني اعتقد انها تتسع لكما اليس كذلك؟
عائشة : اجل، اجل سيدتي انها ممتازة.
اسماء : ساترككما ترتاحان قليلاً ثم انتظركما بعد ذلك كي تبدأي عملك.
عائشة : اي راحة هذه يا سيدتي؟ انا جئت هنا لاعمل وسابدأ عملي فوراً.
وضعت عائشة حقيبتها على احد السريرين بالغرفة وطلبت من ابنتها اسراء ان لا تخرج من الغرفة بينما خرجت هي مع السيدة اسماء. ابتدأت جولتهما بالمطبخ حيث شرحت لها عن الادوات الكهربائية الموجودة هناك وعن مواعيد الطعام وما شابه. ثم اخذتها بجولة في منزلها شارحة لها كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالبيت. وبعد ان انتهت من كل ذلك قالت لها،
اسماء : ساتركك وعملك يا عائشة.
عائشة : اود ان اكرر شكري وامتناني لانك منحتيني هذا العمل سيدتي.
خرجت السيدة اسماء وبدأت عائشة بعملها. فتناولت سوائل التنظيف والمعقمات وصارت تنظف الحمامات التي من الواضح انها لم يطرأ عليها التنظيف منذ امد غير قريب. بقيت اسراء في الغرفة تلعب بدميتها المصنوعة من القماش حتى انفتحت الباب ودخل عليها لؤي وقال،
لؤي : ما اسمك؟
اسراء : اسراء. وانت؟
لؤي : اسمي لؤي وبامكانك ان تناديني سيدي.
اسراء : حسناً سيدي.
لؤي : هل استطيع ان ارى دميتك هذه؟
اسراء : تفضل.
اخذ لؤي الدمية وقام بفصل رأسها عن جسدها. صرخت اسراء به قائلة،
اسراء : لا تفعل ذلك، انها دميتي الوحيدة ارجوك.
لكن لؤي لم يستمع لندائها وصار يُخرج كل القطن من جسد الدمية حتى باتت قطعاً صغيرة، ثم قام برميها على الارض وصار يضحك بخبث وخرج من الغرفة. بقيت اسراء تبكي بصوت منخفض لساعات طويلة حتى دخلت عليها امها وسألتها قائلة،
عائشة : ماذا بك يا ابنتي. لماذا تبكين؟ وماذا عملت بدميتك؟
اسراء : انه ذلك الولد المتوحش الذي اسمه لؤي. قطع رأس الدمية واخرج احشائها منها.
عائشة : لا عليك يابنتي ساشتري لك دمية غيرها لا تبكي يا عمري.
كان تصرف لؤي البشع مع اسراء يتكرر كل يوم. لكن اسراء كانت تتحمل ظلمه وطغيانه لان والدتها كانت تطلب منها ان لا تخبر احداً بما يحصل. وفي يوم من الايام جائت اسراء للبيت حاملة معها الشهادة من المدرسة. دخلت على والدتها وهي تطهو الطعام فقالت،
اسراء : امي، امي انظري، لقد طلعت نتيجة نصف السنة.
عائشة : وهل نجحتِ؟
اسراء : طبعاً يا امي لقد كان معدلي 9.5 وكان ترتيبي الثانية على الصف.
فرحت عائشة بنتيجة ابنتها وقبلتها ثم اخرجت نصف دينار واعطتها لها كمكافأة على تلك النتيجة الجميلة. وبعد قليل سمعوا السيدة اسماء وهي تصرخ باعلى صوتها. ذهبوا الى الصالة فوجدوها توبخ ابنها قائلة،
اسماء : انت لا تخجل من نتائجك يا حيوان، فكل يوم تأتينا بنتائج معيبة. انظري يا عائشة، ابني جاء بنتيجة مخجلة. لقد رسب بدرسين.
عائشة : لا عليك سيدتي، انها ليست نتيجة اخر السنة. انها نتيجة منتصف العام فقط. سوف ينجح باذن الله بآخر العام، سوف ترين.
اسماء : وكيف ذلك يا عائشة، فقط بالتمني؟ إذا لن يأخذ دروسه على محمل الجد فانه سيسقط لا محال ويتخلف عن زملائه. مع اني وضعته باحسن المدارس الاهلية.
عائشة : اهدأي سيدتي ولا تحزني، لؤي ولد ذكي وسوف يعرف خطأه قريباً وسوف يهتم بدروسه. انا متأكدة من ذلك، سوف ترين.
اسماء : لا يا عائشة. هذا الولد كسول ولن يستطيع والده ولا انا تقويمه بالرغم من المدارس الاهلية التي سجلناه بها.
جلست اسراء بغرفتها تشعر باقصى السعادة وهي تستمتع بالنظر الى شهادتها وتجد ان جميع موادها كانت تحمل الدرجة 10 ما عدى درس التربية الوطنية كان يحمل الدرجة 9.5 إذ كان يجب عليها ان تركز على هذه المادة اكثر كي تتمكن من ان تصبح الاولى على صفها. وبينما هي تحاور نفسها دخل عليها لؤي وقال،
لؤي : هل تعمدت بذلك؟
اسراء : تعمدت بماذا يا اخي لؤي؟
لؤي : اولاً، انا لست اخاكِ، فانت خادمة وابنة خادمة. ثانياً، حصلت على مرتبة عالية بصفك كي تكيديني اليس كذلك؟
اسراء : ما هذا الجنون يا لؤي؟ انا فعلت ذلك لاني احب المدرسة واود ان ابرع فيها. ولماذا اكيدك يا اخي. لا تنسى اننا بمدرستين مختلفتين وليس هناك مجال للمقارنة. حتى لو كان كلانا بالصف الرابع.
لؤي : دعيني ارى شهادتك إذاً يا متسولة.
اعطته الشهادة كما طلب لكنه حالما مسك بها قام بتقطيعها الى اربعة اجزاء ورماها بوجهها ثم خرج من الغرفة. بقيت اسراء تجمع اجزاء الشهادة من الارض وتبكي. وما هي الا دقائق حتى دخلت امها الى الغرفة وشاهدتها وهي بهذه الحالة، وعندما رأت الشهادة المقطعة علمت ما حصل، فطبطبت على ظهر ابنتها وقالت،
عائشة : لا عليك يا ابنتي فالنجاح ليس بتلك القصاصة الورقية بل بالعلم الذي تكتسبينه يا حبيبتي. لا عليك، سالصق اجزاء الشهادة وستأخذينها الى المدرسة غداً وهي تحمل توقيعي.
اسراء : لكن الطلاب سيسخرون مني بسبب الشهادة. وساخجل كثيراً.
عائشة : لا احد يسخر من الذي مرتبته الثانية يا حبيبتي. انها مجرد كارتونة. اشرحي للمدرسة ما حصل وستتفهم الموقف.
بعد مرور عدة شهور من هذه الحادثة وبينما كانت اسراء تلعب بالحديقة عثرت على قطة صغيرة حديثة الولادة، التقطتها وصارت تطعمها بعض الطعام فاخذت منها وصارت تألفها. قامت اسراء ببناء ما يشبه البيت لهذه القطة بالقرب من احدى الاشجار واسمتها فوفو. وإذا ما سمعت القطة صوتها وهي تدخل الحديقه فانها تخرج من بيتها وتجري نحوها فتلتقطها اسراء وتطعمها بعض الطعام مما جلبته معها من المطبخ.
في يوم من الايام خرجت كي تلعب مع قطتها فوفو. نادتها باسمها عدة مرات لكنها لم تأتي اليها كما هو معتاد فذهبت الى بيتها جنب الشجرة فوجدته خالياً. صارت تبحث عنها بكل مكان حتى شاهدت قطتها تجري بالحديقة والنار تشتعل بها. يبدو ان لؤي قد صب عليها النفط واشعل النار فيها. حاولت اسراء ان تطفيء النار لكنها لم تتمكن من انقاذها فنفقت امام عينيها.
توالت اعتدائات لؤي على اسراء بنفس الشاكلة واحياناً بضراوة ووحشية اكبر. كان يعتدي عليها بالضرب احياناً فترجع الى والدتها وتطلب منها ان تشكي الولد لامه لكن والدتها كانت تصَبّرْ ابنتها وتخبرها بانهم يأوونهما بالبيت وعليهما ان يتحملا ويصبرا.
بقيت عائشة وابنتها ببيت السيدة اسماء حتى بعد وفاة السيد فالح زوجها. كانت السيدة اسماء كريمة جداً معهما وعطوفة لابعد الحدود. فهي تعرف تماماً ما كان يفعله لؤي باسراء لكنها كانت تحب ابنها كثيراً ولم يطاوعها قلبها ان تعاقبه على اعماله العدوانية تجاه اسراء، كانت تكتفي بتوبيخه ووعيده بالعقاب الشديد.
بعد ان مرت سبع سنوات على سكنهما بذلك البيت، نادت السيدة اسماء خادمتها عائشة واخبرتها بانها تريد ان تتحدث معها فجلستا بالصالة، قالت السيدة اسماء،
اسماء : عزيزتي عائشة، اردت ان اتحدث معك اليوم بموضوع مهم جداً. ارجو ان تتفهمي موقفي لو سمحتِ.
عائشة : تفضلي سيدتي انا اسمع ما تقولين.
اسماء : انت تعلمين ان زوجي توفى ولم يترك لنا اي ميراث. ونحن نعيش على مرتبه التقاعدي الآن. نحن الآن لا نملك سوى هذا المنزل الذي نعيش به وابني اليوم قد اصبح شاباً وليس هناك الكثير من الحاجة لمدبرة بالمنزل. لذا ارجو ان تسامحيني لاني اريد ان انهي عملك عندي.
عائشة : هذا شيء يخصك سيدتي وانا شاكرة لافضالك فانت آويتينا وفسحت لنا المجال كي نعيش عندك طوال السنين السبعة الماضية.
اسماء : ارجو ان تتقبلي مني هذا المبلغ البسيط كتعبيراً لشكري وامتناني لاخلاصك وتفانيك بالعمل.
اخرجت السيدة اسماء نضدة من الاوراق المالية واعطتها لعائشة. اخذتها عائشة وشكرت السيدة اسماء قائلةً،
عائشة : متى تريدينا ان نغادر؟
اسماء : بامكانك البقاء هنا كضيفة عندي حتى تجدين عملاً بمكان آخر. سوف لن اطلب منك ان تعملي بهذا الفترة.
عائشة : شكراً لك سيدتي. كرمكِ هذا غمرني.
رجعت عائشة الى غرفتها وهي تبكي حاملة المبلغ الذي اعطته اياها السيدة اسماء. وعندما دخلت الى الغرفة وجدت ابنتها منبطحة على السرير ماسكةً كتاباً تقرأ فيه فقالت،
عائشة : لدي خبر سيء يا ابنتي. لقد طردتنا السيدة اسماء من بيتها وعلينا المغادرة باقرب وقت. انها كارثة يا اسراء، كارثة.
اسراء : اي كارثة هذه يا امي؟ انه اجمل خبر سمعته بحياتي. الا يكفينا ظلم هذا الحقير لؤي وما يعمله بي كل يوم؟ فهو لم يتوقف عن ايذائي للسنوات السبعة الماضية. انه اجمل خبر سمعته بحياتي.
عائشة : واين سنذهب يا ابنتي، هل فكرتِ بذلك؟
اسراء : الم تجمعي مبلغاً من المال في هذه السنين السبع؟
عائشة : اجل، وقد قامت السيدة اسماء بمنحي 200 دينار كمكافأة انهاء الخدمة. لكن ذلك لا يكفينا سوى بضع شهور يا ابنتي. ماذا سنعمل عندما ينضب هذا المال؟
اسراء : ولماذا لا تخبري السيدة كريمة، اليست هي من وجدت لك هذا العمل هنا في السابق؟ ربما ستساعدك ثانية كي تجدي عمل آخر.
عائشة : والله انها حقاً فكرة جيدة. ساذهب اليوم لزيارتها.
بالمساء بعد ان اتمت عائشة تنظيف المطبخ وغسل الصحون طلبت الاذن من السيدة اسماء بالخروج ثم ذهبت قاصدةً منزل السيدة كريمة. دقت الجرس ففتحت لها كريمة الباب ورحبت بها وادخلتها الى صالة الضيوف وقامت بسكب فنجال من الشاي لها ثم بدأت الحديث،
كريمة : كيف حالك يا عائشة؟ لماذا لم تزوريني منذ اكثر من شهرين؟ هل تثقل السيدة اسماء عليك العمل؟
عائشة : كلا سيدتي ليس كذلك. جئتك اليوم لاني بمحنة كبيرة، فالسيدة اسماء قامت بانهاء خدماتي ببيتها. وانا لا اعرف احداً هنا سواك سيدتي. علك تستطيعين مساعدتي.
كريمة : بالتأكيد، ساعمل ما بوسعي كي اساعدك يا عائشة ولكن لدي سؤال مهم. هل تحبين العمل بمعمل؟
عائشة : وما طبيعة العمل بالمعمل؟ فانا لم اشتغل بحياتي سوى خادمة عند السيدة اسماء.
كريمة : لقد افتتح قريبي معملاً لصنع الورق بمنطقتنا هنا وهو يبحث عن سيدة تنظف له المعمل. العمل سيكون من السابعة صباحاً وحتى الخامسة مساءاً. والمرتب افضل مما كنت تتقاضين عند السيدة اسماء. ما رأيك؟
عائشة : لا ينفعني هذا العمل لاني لا استطيع السكن بالمصنع وانا كما تعلمين كنت اسكن ببيت السيدة اسماء وعلي المغادرة منه.
كريمة : لا عليك يا عائشة. ساعطيك غرفة لك وغرفة لابنتك عندي هنا ببيتي. ماذا تقولين؟
عائشة : اقول ان الله يحبني لانه اعطاني انسانة مثلك فانت اسم على مسمى.
كريمة : ساتصل بقريبي الآن إذاً واخبره عنك.
رفعت السماعة واتصلت بقريبها واخبرته بانها قد وجدت له منظفة للمصنع. ثم وضعت السماعة وقالت،
كريمة : ابشري يا عائشة. طلب مني قريبي ان تبدأي العمل بالمصنع غداً الساعة السابعة صباحاً. بامكانك ان تعودي الى بيت السيدة اسماء وتحضري ابنتك واغراضك من هناك.
عائشة : لا اعلم سيدتي كم انا ممتنة لك. دعيني اقبل يدك.
كريمة : استغفر الله يا عائشة. ما هذا الكلام؟ انت اختي.
خرجت عائشة من بيت السيدة كريمة وهي مسرعة باتجاه منزل اسماء. ودعت السيدة اسماء ثم اخذت ابنتها و باقي متاعها من الغرفة ورجعت الى بيت السيدة كريمة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1058 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع