الطاف عبد الحميد
جاري من قبيلة عراقية عربية معروفة ، ووالده كان أحد أعيانهم ، تجمعنا معا ديوانية معدة لهذا الغرض ، نلتقي يوميا في المساء ، ويجري تقديم القهوة العربية المرة التي يعدها صاحب الديوانية بنفسه والتي تأخذ من وقته الكثير..
كان في الاربعين من العمر ، يرتاد مجلسنا هذا مايزيد عن عشرة أشخاص ،أحيانا أكثر ،وأخرى أقل ، وهم غالبا من ضمن سكان الحي ، أو الجيران ، الاعوام 2003 وماتلاها أحداث جسام فتحت جروحا غائرة في الضمير العراقي ، وخاصة عند بدء العمليات العسكرية الامريكية على العراق وبدء التجريد الاستراتيجي لبناء هيكلية العراق ، والتهديم المبرمج المسرف في القسوة والمثير للحنق والقرف ، امام العجز عن المواجهة المباشرة للضعف الذي إعترانا ، جراء التحارب الممتد لسنين عديدة ، ثم الحصار المنهك للشعب المكلوم والمفجوع بالفواجع المتتالية ، تميزت الاحداث التي جرت في مدينة الموصل بالعنف المتناهي ، أثر ذلك في مجرى أحاديثنا اليومية ، حيث كان يجري يوميا إيجاز لكل الاخبار والحوادث المحلية ، سماعا وعيانا ، بإنتظار يوما أخر ، حيث أصبحت المدينة أسيرة العنف المسرف في القسوة والتنوع غير المعهود ، كل شيء أصبح مباحا حتى النخاع ، يحضر مجلسنا ، أشخاص تتباين ثقافاتهم ، ومستوياتهم العلمية ، كتباين العلم والجهل أو تباين اللونين الابيض والاسود ، صاحب الديوان شخص مثقف ، يملك مكتبة في بيته ، عامرة بثقافات متنوعة، وهو مضياف ، وله خصال محمودة متميزة ، ويجيد الحوار ، الحوارات المتأرجحة بين الثقافة العالية ، ثم الهبوط الى أسفل لمجاراة شخص ليس له حظ من الثقافة ، أو قل إن شئت أمي ، ومثل هذه الممارسة تحتاج الى حلم لايملكه الكثيرون ، أذكر أن أحد الحاضرين ، وكان يشغل منصبا رفيعا ، قال ( راجعني أحد الاشخاص هذا اليوم ، وطلب مقابلتي ، وأنا لاأعرفه ، وعند دخوله ألقى التحية ، وقال لي أنا فلان بن فلان كنت سابقا مسؤولا عن الجمعيات التعاونية الفلاحية في الموصل ، يقول ، قلت مقاطعا زاجرا ، بلا فلان إبن فلان قل ماتريد ليس لدي وقت لسماع مثل هذه الاقوال ) ، إنتهى حديث جليسنا على ماذكرت ، والحق يقال أنه كان ذو أدب جم وثقافة عالية ، الا أن ماحدثنا عنه ، لفت إنتباهي ، وقررت المداخلة معه ، وقلت له ( عزيزي أبو محمد : لقد أجهضت الرجاء في الرجاء ، الرجل كان يريد أن تحيطه بالاحترام ، بتعريف نفسه على ماعرفها ، وهو مدفوع بأمل ، يتوقعه منك ، إلا أنك هدمت مابناه وقتلت كبرياءه ، وما فعلت ذلك الا بسبب مرض يعتريك لاتعرف كنهه ، ولايعرفه ، المسؤول الارفع منك ، بل الوزير أيضا ، والرئيس كذلك ، وقد كنت أنت ضحية هذا المرض أيضا بدون أن تدري ) لاحظت الحرج على من أحدثه وكأني أخذ بثأر المراجع المكلوم ,والمصدوم وضياع الرجاء من الرجاء ، وهو يعرف أني ناقدا ملتمسا للجميع السمو والرفعة وحسن الخلق ، وهي من صفات من أحدثه أيضا ، قلت له سأقول لك عن هذا المرض ، ولكن لابد من التقديم له لكي يكون قريبا على الفهم ، وأتممت قائلا ( لو صادفك نفس الشخص في الطريق العام أو السوق وألقى عليك التحية ، بالتأكيد سوف ترد تحيته بأحسن منها ، وأنا ملما بشخصيتك ذات الادب الرفيع ، وإذا عرف نفسه كما عرفها لك في الدائرة ، فسوف تجيبه ، أهلا وسهلا أخي تفضل ، اليس كذلك ، قال ، هو ماتقول ، قلت له إسأل نفسك ألان لما تصرفت بإسلوبين من التصرف أحدهما نقيض الاخر تناقضا فلكيا ، قلت ، سأجيب عنك ، إنه المنصب الذي يصيب شاغله بمرض لايعرفه جل من يشغلون المناصب في كل أرجاء العراق الاماندر ، وهذا المرض أسمه (وقاحة المنصب ) مرض غير مرئي ، وهو أشد فتكا من الفايروسات الطائرة والغائرة والساكنة والمتساكنة مع الجسد البشري ، لأن الفايروسات الحقيقية لايمكن مقاومتها الا بالمعونة الالهية ، أما فايروس المنصب فيمكن مقاومته ، لو تمكنا من تعريف التصرفات غير المستوفية لرضا الناس التي يبديها شاغل المنصب لمراجعيه بإنها وقاحة ، ماكان يستطيع أن يمارسها خارج كرسي المنصب .
2368 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع