الاستاذ الدكتور سعد عبد القهار الشيخ
رئيس المجلس العربي للأكاديميين والكفاءات
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ .
صدق الله العظيم
دور الإشاعات في تفاقم الأزمات الدولية وأثرها في توظيف تداعيات جائحة كورونا -الحلقة الاولى
1. الإشاعة المنظمة تعتبر احد اهم مظاهر الحرب النفسية المستخدمة في الحروب او في ظل الأزمات او الصراعات السياسة والأمنية الدولية والمحلية ....والمنافسات الاقتصادية والمالية العالمية بين الدول العظمى و او الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ... وايضا خلال الظروف الطارئة او الاستثنائية التي تمر بها الدول والمجتمعات كالكوارث الطبيعية المدمرة (الزلازل و الأعاصير والحرائق والفيضانات والجفاف)....وكذلك في ظروف استشراء الأوبئة السارية وما تخلفه من اختلالات نفسية وسلوكية بفعل ما تعقبه من مظاهر القلق والوجل والخوف والرعب .
2. الإشاعات بوصفها تمثل اسلوبا خطيرا من وسائل الحرب النفسية وبخاصة التي تروج خلال الظروف آنفة الذكر ...فانها غالبا ما تكون منظمة وليست عفوية ...وتنفذها جهات فنية متخصصة كالدوائر الاستخباراتية والأمنية والاعلامية الدولية او المحلية وتقف وراءها الجهات المستفيدة من نتائج ترويجها سواء كانت انظمة دولية او مؤسسات او حركات سياسية او مؤسسات اقتصادية او شركات دولية كبرى (صناعية او تجارية او استثمارية او مالية او بنوك او أسواق مالية).
3. مفهوم الإشاعة خبر منظم قابل للتصديق وخالي من الصحة مجهول المصدر له قابلية للانتشار من خلال ما يحمله من شكل ومضمون موصوف بالغموض وينطوي على أهمية بقصد اثارة فضول سامعيه ....ويدفعهم الخبر إلى تناقله وتداوله بين المعارف والأصدقاء والآخرين بشكل مباشر او على مواقع التواصل الاجتماعي ...وبموجب ذلك تنتشر الإشاعة وتحقق أهدافها بدون اَي تكاليف وبسرعة هائلة وعلى اوسع نطاق وتصبح كالنار في الهشيم وعندئذ يتعذر السيطرة عليها بعد انطلاقها وانتشارها .
4. في ظل الظروف الدولية الاستثنائية الحالية ...بفعل استشراء جائحة كورونا وكذلك الحال في اَي ظروف طارئة او حرجة اخرى ...تنظم الإشاعات غالبا من قبل خبراء يعملون لدى الدوائر الفنية آنفة الذكر ومتخصصين في العمل الأمني و الإعلامي و الاقتصادي والاجتماعي وعلم النفس وتصمم الإشاعات بأساليب فنية عالية بِعد استقراء واقع ودور الجهات او الشرائح المستهدفة ورصد المتغيرات التي تحيط بها وتعتمد الإشاعة المنظمة التاثير على مشاعر وعواطف ابناء المجتمع المستهدف واحداث تخلخل في التوازن النفسي والسلوكي للمجتمع وأفراده وتغيير اتجاهاته العامة بما يحقق الاستجابة السريعة وغير الواعية لما تبتغيه الإشاعة من أهداف مرسومة لها.
5. دور الإشاعات في خلق الأزمات الاقتصادية العالمية وتفاقمها من خلال استقراء وتحليل أسباب الأزمات الاقتصادية العالمية ...يلاحظ وجود مجموعتين من الاسباب التي تقف وراء نشؤها وتفاقمها وكما يلي:
أولا : الأسباب الحقيقية للأزمات وتتمثل بوجود متغيرات موضوعية واسعة و مفاجئة تضرب الاقتصاد المحلي او الإقليمي او الدولي وتقود الى الاختلال الحاد و السريع في التوازن والاستقرار الاقتصادي في مختلف الميادين المالية او النقدية او التجارية او الصناعية او الزراعية او الخدمات ...وتتصل هذه الاسباب بالكوارث المفاجئة وتداعياتها الاقتصادية او بفعل ارتكاب اخطاء اقتصادية استراتيجية من قبل الحكومات او الشركات الكبرى متعددة الجنسيات او البنوك الدولية او المؤسسات النقدية والمالية العالمية.... والتي غالبا ما تفضي الى حدوث أزمات تحمل بين ثناياها ابعاد دولية.
ثانيا. الأسباب غير الحقيقية والمفتعلة للأزمات ...وغالبا ما يكون تأثيرها اشد و أقسى من الأسباب الحقيقية....في سياق افتعال الأزمات الدولية او تفاقمها....وتأتي الإشاعات في مقدمة هذه الاسباب.
وتجدر الإشارة الى ان اغلب الازمات المالية العالمية شهدت دورًا فاعلًا للإشاعات المنظمة والمروجة من الخصوم في سياق تهيئة اجواء تلك الأزمات ومن ثم نشوءها وتفاقمها وصولًا إلى تحقيق الأهداف المتوخاة من تلك الأزمات.
وندرج في ادناه مؤشرات موجزة جدا عن اثر الإشاعات المنظمة في خلق وتفاقم اهم الأزمات العالمية المعاصرة وكما يلي:
1. ازمة الكساد الكبير 1929 (ازمة بورصة وول ستريت)
في يوم 24 تشرين الأول/ 1929 الموافق لما يعرف بالخميس الأسود، انتشرت بالولايات المتحدة الأميركية اشاعات مفادها إقدام عدد كبير من المستثمرين وأصحاب البنوك على الانتحار وذلك بفعل حدوث الكساد وانهيار الاقيام السوقية للاسهم في سوق المال الأمريكي (وول ستريت). ودون قصد لعبت الصحف الأميركية دوراً هاماً في نشر هذه الإشاعات وكان لهذه الإشاعات المنظمة الأثر الكبير في تفاقم أزمة انهيار سوق الأسهم من خلال تأثر اغلب المستثمرين بمضمونها والإسراع بتحويل أسهمهم إلى سيولة نقدية
2. ازمة الدول الاسيوية 1997
شهدت دول النمور السبعة الاسيوية ارتفاعاً متصاعداً في معدلات النمو الاقتصادي وزيادة القدرات التنافسية لمنتجاتها وغزوها للاسواق الامريكية بسبب الجودة العالية وانخفاض اسعارها مما شكل تحدياً خطيراً على مستقبل التجارة الامريكية.
ازاء ذلك عمد اصحاب رؤوس الاموال الامريكية الكبيرة بالتنسيق مع الملياردير اليهودي جورج سورس إلى رسم خطة تهدف إلى اجهاض الاقتصاد الآسيوي عبر استثمار اموال أمريكية طائلة في الاسواق المالية الآسيوية والتي قادت إلى تعزيز الثقة بالاستثمار في تلك الأسواق المالية وادى ذلك إلى التوجه المحموم لجميع الشركات الآسيوية والمواطنين إلى شراء الأسهم حتى بلغت القيمة السوقية لتلك الأسهم حدها الأقصى ....وحينئذ بدأت ساعة الصفر لانتزاع الثقة من مستقبل اسهم السوق بهدف الاجهاز على هذه التجربة الآسيوية الرائدة واستخدم افتك سلاح ماض لتحقيق هذا الهدف من خلال تنظيم وترويج الإشاعة الاقتصادية التي مضمونها حصول مشكلة كبيرة في الاستثمار في السوق وان كبار المستثمرين سيلجؤون إلى بيع أسهمهم ... وتزامن مع هذه الإشاعة قيام وكلاء جورج سورس ببيع كميات كبيرة من الأسهم مما ادى الى انخفاض اقيامها السوقية بشكل كبير ومتسارع اذ كانت خسارة السوق خلال ثلاثة ايّام من بداية الأزمة ما يزيد على 30 مليار دولار ... وهذا ما أعطى مصداقية لصحة مضمون الإشاعة ...مما حدا بجميع المستثمرين الى الإسراع بعرض أسهمهم للبيع بفعل تصديق الإشاعة والاستجابة إلى مضامينها وابعادها ... وتفاقمت الأزمة حتى وصلت أقيام الأسهم إلى ادنى حد لها .... واستمرت هذه اللعبة حتى انهارت السوق المالية وتبعها انهيار عام لاقتصادات الدول الآسيوية الفاعلة في السوق .
3. ازمة الرهن العقاري 2007
بسبب الانكماش الاقتصادي الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2006 وتحجيم الفرص الاستثمارية كانت المؤسسات المالية العظمى تسعى الى ايجاد فرص استثمارية متاحة لرؤوس اموالها المجمدة .. وكان للشركات الوسيطة دور اساسي في ترويج اخبار ومعلومات مشجعة وغير دقيقة بهدف اقناع شرائح كبيرة من الطبقات الوسطى من الموظفين للتعاقد مع احد اكبر البنوك الامريكية المتخصص بالاستثمار والخدمات العقارية (ليمن برذر)لغرض تقديم قروض لبناء وحدات سكنية لهم مقابل اقساط ميسرة وحجب معلومة حيوية مفادها (عند حصول أي تغير في سعر الفائدة فان المستفيد سيتحمل الاعباء المالية المترتبة على ذلك) وتعاقد ملايين من الطبقات الوسطى مع هذا البنك بموجب ذلك . وعندما زادت اسعار الفائدة بشكل كبير عجز المقترضين من سداد اقساط القرض والفوائد مما حدى بالبنك وبموجب القانون الى وضع اليد على تلك الوحدات السكنية غير المكتملة والتي بلغ عددها قرابة المليوني وحدة ...وعرضت للبيع مما تسبب في انهيار حاد في اسعار تلك العقارات الى ما دون تكاليفها... وحيث ان بنك (ليمن برذر) قد استثمر اغلب احتياطياته المالية في انشاء هذا الكم الهائل من العقارات التي تعذر بيعها او استحصال ايرادات مقابلة ... أزاء ذلك فقد أعلن هذا البنك العملاق افلاسه وكان ذلك إيذانا ببداية الازمة المالية العالمية....بفعل انهيار هذا البنك الدولي الكبير وتداعياته العولمية الاقتصادية السلبية على كافة المؤسسات المالية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات والبنوك الدولية والأسواق المالية العالمية .
يتبع في الحلقة الثانية
1139 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع