حيدر زكي عبدالكريم
النقابات والطبقة العاملة
نظرة موجزة ..
النقابية .. معناها الاستقلال عن أي سلطة والنضال في تحقيق أهداف العمال وتطلعاتهم في الرفاهية والحرية والعيش المناسب واللائق .
والعمل : هو كل نشاط انساني يهدف الى انتاج او تحويل او ايصال شيء لأنسان آخر ، فالعمل اذن وظيفة انسانية فيها يكمن استمرار وجود الانسان ومن الخطأ اعتبار العمل سلعة تخضع لما تخضع له السلع من معايير . بلّ هو شرف وواجب وحق لكل قادر عليه طبقاً لقدراته الطبيعية والمكتسبة و "العمل" يعني ايضا مختلف النشاطات التي يقوم بها الانسان لغرض الانتاج ، فبواسطة العمل يتناول الانسان الطبيعة ، ايّ موارد الطبيعة ويعمل على تغييرها وتكييفها وفقاً لما يحتاجه من حاجات .
ان العمل كما يعبر عنه المفكرون الثوريون : " العمل هو اصلاً عملية تجري بين الانسان والطبيعة ، عملية يقوم الانسان من خلالها وعن طريق ما يُبذل من نشاط بخلق ردود الافعال المادية بينه وبين الطبيعة وتنظيمها والسيطرة عليها . انه يواجه الطبيعة بوصفه احدى قواها ..." ويقسم العمل عادةٍ الى ما يأتي : _ العمل الذهني والعمل العضلي ، العمل الانتاجي وغير الانتاجي ، العمل الماجور والعمل المجاني . وفيما يتعلق بعلاقات العمل ، ينقسم العالم الى انواع متباينة من الانظمة الاجتماعية لكل منها خصائصه ومرتكزاته ومفاهيمه وعلى هذا الاساس فان مفهوم العمل في كل نظام يتخذ صيغة معينة تتلاءم ومقومات ذلك النظام والقوى الفاعلة فيه . مقتبس من كتاب (منشورات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية – مؤسسة الثقافة العمالية ، العلاقات الديمقراطية بين الادارة والتنظيم النقابي ، ط1 ، بغداد ، 1975، ص7 وما بعدها )
في مطلع القرن الماضي كانت المشكلة الرئيسية المطروحة على الحركة العمالية عموما تتلخص في السؤال الاتي : كيف يمكن تحويل النضال الاقتصادي الى نضال سياسي ؟
وفي نهاية النصف الاول وبداية النصف الثاني من القرن الماضي كان السؤال المطروح على الحركة السياسة العربية هو التالي : كيف نربط النضال السياسي بمحتواه الاقتصادي والاجتماعي؟
أنّ فهم السياقيّن التاريخيّن المتباعديّن لمشكلة العلاقة بين النضال السياسي والنضال الاقتصادي بين الوسط الأوربي مثلاً والواقع العربي خلال تلك الحقبتيّن يُجنبنا مزالق التعميم التعسفي ويقطع الطريق على الالتباسات والاخطاء الفكرية التي تنشأ عن عملية القفز من فوق الظروف والمسلمات الواقعية الموضوعية .
ففي عام 1902 عندما ألفّ لينين كتابه الشهير (ما العمل) كانت الحركة العمالية الدولية تقف امام اختيار حاسم بين احد المنطلقين :
الاكتفاء بالاطار الاقتصادي لنضال الجماهير العمالية والتمسك بعفوية هذه الحركة .
ربط النضال الاقتصادي باطار سياسي منظم وبطليعة ثورية محترفة .
في تلك الفترة كان الاختيار بين هذين المنطلقيّن يشكل نقطة افتراق كبرى داخل الحركة العمالية في اوروبا . اما على الصعيد العربي فقد كان الاختيار يتحدد في اواخر النصف الاول من القرن العشرين بين منطلقات تؤكد جميعها على الاطار السياسي ولكن ضمن صيغ مختلفة منها :
الصيغة القطرية التي تكتفي بالمطالبة بالاستقلال بعيدا عن الافق القومي الشامل وعن المحتوى الاجتماعي والاقتصادي والاشتراكي .
الصيغة الاممية الاشتراكية البعيدة عن الاطار القومي بل والمعادية له احياناً .
الصيغة الاممية الدينية المعادية للقومية الاشتراكية .
الصيغة القومية التحررية الاشتراكية .
كانت الظروف الموضوعية في كلا السياقيّن التاريخيّن تقول : " المشكلة الاقتصادية هي البدء والاساس في المجتمعات الغربية ، فالثورة الصناعية في اوربا حملت معها نتائجها الحتمية على كافة مستويات الحياة الاوربية بدأ من علاقات الانتاج ، فكان لابد ان يكون النضال الاقتصادي قاعدة الانطلاق فالعدو واضح محدد هو الرأسمالية ونظامها المستغل والمشكلة تتلخص في التفتيش عن الوسيلة الاكثر فعالية في تقويض هذا النظام . اذن المسألة واضحة وبسيطة – فهي مسألة معالجة مشكلات التقدم الصناعي أي تناقضات المجتمع البرجوازي (آنذاك) ..
اما بالنسبة الى الواقع العربي فقد كانت المشكلة السياسية هي الاساس والبدء . لأن مشكلة العامل العربي لا تقف عند حدود الصراع الطبقي ولا حتى عند حدود اعطاء النضال الاقتصادي طابعا سياسيا فظروف التجزئة العربية تقف عقبة في وجه تحقيق الاشتراكية وظروف التخلف تجعل حجم الطبقة العاملة ودورها محدودين وضئيلينّ وظروف الاحتلال والنفوذ الاجنبي تحول دون خروج التطور الاقتصادي عن خط التطور الرأسمالي . المُشكّلة الرئيسية بالنسبة للعامل العربي كانت اذن هي ربط الاطار الاقتصادي للنضال بمحتواه الاجتماعي وجعل الاستقلال القطري مفتاحاً للنضال القومي الوحدوي الشامل الذي يؤمن القاعدة السياسية والطبيعية لتحقيق الاشتراكية .(آنذاك) والمشكلة الرئيسية للواقع العربي هي مسألة معالجة مجموعة من القضايا المُعقدة الخاصة بواقع التخلف والتجزئة والاحتلال الاجنبي . مقتبس من (منشورات وزارة الاعلام – مديرية الثقافة العامة ، في الفكر الاشتراكي ، ط1، بغداد ، 1973 ،ص5 وما بعدها ) .
لم تكن التنظيمات النقابية قديمة النشأة في قطرنا ويرى بعض المؤرخين في هذا الصدد ” قلة الطبقة العاملة الصناعية والطبقة التجارية والى تأخر المؤسسات الصناعية في البلد من خلال القرن الماضي ”
كانت أول جمعية تأسست بموافقة سلطات الحكم الملكي في عام 1929 باسم ” جمعية أصحاب الصنائع” ويغلب عليها الطابع اليساري ، لكن بعد إضرابات عام 1931 تم إلغاء تأسيسها .
صدر قانون رقم 72 لسنة 1936 لتأسيس التنظيمات النقابية وخاصة العمالية ، وكثيرا ما كانت الحكومات تعمد إلى حلها بعد الإضرابات التي تطالب بحقوق الطبقة العاملة في الوطن .
وبتطور الحركة السياسية في قطرنا والمناداة بالتخلص من التبعية الأجنبية خاصة بعد انتفاضة 1948 وإضرابات بغداد سنة 1952 وإضرابات سنة 1956 احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر بعد عملية تأميم قناة السويس من قبل الزعيم الخالد الذكر جمال عبدالناصر . حيث شنّت السلطات حملات مُتتالية ضد النشاط النقابي وعرقلة عمل النشاط وإبعاد العناصر الوطنية ، ليحل محلهم عناصر انتهازية ضعيفة وظيفتها الولاء للسلطة ومحاربة طلائع الحركة النقابية الوطنية آنذاك .
بعد قيام ثورة 14تموز1958 ظهرت المنظمات المهنية والنقابية بشكل أوسع مما كان عليه في السابق ، وتنوعت في مهنيتها وأهدافها وفسح لها المجال للعمل بحرية اكبر ، وكان منها نقابات العمال والمعلمين والمهندسين والأطباء والمهن التمريضية ومنظمات المرأة والطلبة . وغيرها .
وتماشياً مع الحريات التنظيمية السياسية والمهنية في الفترة الجمهورية وللحفاظ على مكانة الحركة النقابية العمالية في القطر وحتى لا تعود الطبقة العاملة إلى الوراء كانت هناك بعض المطالب لبعض قادة الحركة النقابية والتي بدأت من خلال فترة الجمهورية العراقية – نقتبس جزءاً منها ضمن كتاب (( لمجموعة مؤلفين ، تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958-1968 ، ج5 ،ط2، بغداد ، 2005، ص313 )) ما يلي : ” العمل على تطوير الصناعة والتخلي عن سياسة تبذير أموال الشعب في مشاريع غير منتجة كالساحات والتماثيل ، تعديل قانون العمل وإلغاء المواد المضرة بمصالح العمال والعجّزة عن ضمان حقوقهم ، واشتراك النقابات في هيئة التعديل ، توزيع دور وارضي على العمال كافة عن طريق نقاباتهم ، العمل على رفع المستوى المعيشي للعمال وزيادة الأجور بما يلائم الارتفاع الفاحش في مستوى الأسعار ، إيقاف الطرد الكيفي ، احترام حرية التنظيم النقابي والحفاظ استقلاله من كل تأثير ” .
وعلى ذلك فأن دور النقابات في الواقع دور النضال الايجابي باعتبارها احد ادوات التغيير ، وعلى هذا فأن اهداف التنظيم النقابي في العراق وفقاً لما جاء به النظام الداخلي للاتحاد العام لنقابات العمال وقانون العمل العراقي رقم (151) لسنة 1970 ما يأتي : " هدف التنظيم النقابي هو تنظيم الكفاح العمالي تنظيما منهجيا تقدميا واعيا حرا من اجل قدسية العمل وقيمته الانسانية النبيلة وتأكيد الدور التاريخي للطبقة العاملة في بناء وادارة وتطوير المجتمع والدولة وفي تحقيق اهداف الجماهير العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية . ويتولى التنظيم النقابي تجسيد مهامه من خلال منهج عام يستهدف ما يلي :-
تنمية الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي المهني للعمال .
التأكيد على الطبيعة التضامنية الانسانية ، لعلاقات العمل والانتاج ومكافحة أي شكل من اشكال استغلال الانسان للإنسان .
حماية وتطوير الانتاج وحقوق العمال معا ، والتأكيد المستمر على الترابط العضوي بين ازدياد وارتفاع مستواه ، وبين تحسين مستوى العيش وتحقق الوفرة والرخاء في صفوف الطبقة العاملة .
ترسيخ روح الاحترام لنظام العمل ، والتقيد الصارم به ، عن وعي وطواعية واخلاص .
تعميق الشعور بوحدة الطبقة العاملة ، ووحدة المصلحة وكفاحها الوطني والقومي والعالمي .
العمل على توحيد نضال الطبقة العاملة العربية ، في صراعها التاريخي الواعي ، ضد الرجعية الرأسمالية والاستعمار واسرائيل وجميع اشكال التفرقة العنصرية او الطائفية ومن اجل تحقيق اهداف الجماهير العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية ). انتهى .
كما نشير هنا.. قد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة (23) ” لكل شخص الحق في العمل ، وله حرية اختياره بشروط عادلة ومرضية ، كما إن له حق الحماية من البطالة ” – وكان من أهم الانجازات التي حققتها المنظمات العمالية على المستوى العالمي : ” قانون الضمان الاجتماعي للعمال ، وقانون تنظيم العلاقة بين رب العمل وعماله ، وقانون الأول من أيار عيداً للعمال ، إنتاجية العمل ويقصد بها قدرة تحويل الموارد إلى سلع قادرة على إشباع الحاجات ، تقسيم العمل ” الخ…
والشيء بالشيء يُذكر :
ونحنُ اليوم - قطرنا وشعبنا الطيّب بطبعه والعريق بجذورهِ يعاني الويلات في ظل الازمة الصحية والاقتصادية وتدهور اسعار النفط والكثير من الطبقة العاملة التي تكتسب قوتها اليومي في أمسُّ الحاجة الى مدّ يدّ العون لها من خلال تشريع وتطبيق افضل الحلول ، لاسيما ونحن في ظل فوضى خلاّقة على مختلف الصُعد .
لازالّ من يسموّنَ أنفسهم بالطبقة الحاكمة يعملون على وفق نظرية (هذا ليّ وهذا لكّ) المحاصصة المقيتة بحجة شيء اسمه (التوازنات) وهي خير دليل على انهم لا ينفعون ..
فهل من المنطق والمعقول هذا الصراع على السلطة بحجة اخرى هيّ (الاستحقاق الانتخابي) الاكبر والاصغر وفق منظورهم الذي جاءوا به بعد الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003 والتصاعد البياني بارتفاع في معدلات والبطالة والفساد وهدر المال العام والمحسوبية والمشاريع المتلكئة ؟ والمشاكل السياسية وما نتج عنها من احتلال الارهاب بسببهم وما خلفهُ من قتل وتهجير الالاف من الاسُر النازحة في داخل وطنهم والتي لم تحدث بتاريخ العراق الا ما نّدر ؟ وما مصير ملفات القتل على الهوية واعداد المفقودين الهائلة ومن قتل الصحُفيين واين هي نتائج التحقيق التي قُيدت ضد مجهول خلال السنوات الماضية ، وكم هو عدد العراقيين الذين هاجروا لسبب من هُنا وهناك وما نسبة العقول العراقية المُهّجرة بينهم . وهذا كله موّثق لدى المنظمات الدولية والسلطات المحلية نوعاً ما .
واخيرا – ألا يكفي العراق وشعبه ما حدث له في السنوات الاخيرة بعد عذاب سنوات سبقته من الحروب والحصار الاقتصادي السيئ الصيت ، أمّ يستمر الصراع وفق ( هَلُمَّ جَرّا ) ! لم يبق امامنا سوى الله الواحد الاحد والغيارى (الاحرار) لإنقاذ ما يمكن انقاذه - فإن غداً لناظره قريب..
حيدر زكي عبدالكريم
كاتب من العراق
3/5/2020
853 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع