الاستاذ الدكتور سعد عبد القهار الشيخ
رئيس المجلس العربي للأكاديميين والكفاءات
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ .
صدق الله العظيم
دور الإشاعات في تفاقم الأزمات الدولية وأثرها في توظيف تداعيات جائحة كورونا -الحلقة الثانية
1. التداعيات الاقتصادية والإنسانية العالمية التي سببتها جائحة كورونا
خلفت جائحة كورونا تداعيات مرعبة على صعيد الاقتصاد العالمي وعلى المستوى الإنساني لا يمكن حصرها في هذه الورقة البحثية وندرج في ادناه بشكل عام وموجز اهم المؤشرات لتلك التداعيات وكما يلي:
• انهيار القطاعات الصناعية: تلوح في الأفق حاليا مؤشرات انهيار القطاع الصناعي العالمي من خلال تأثره بثلاثة عوامل رئيسية وكما يلي:
أولًا. الانخفاض الحاد في مستوى الطلب العالمي العام والتراجع الكبير في حجم التجارة الدولية.
ثانيا. توقف العمليات الإنتاجية بفعل الانهيار السريع الذي اصاب مراكز الانتاج الصناعي العالمية في شرق آسيا والولايات المتحدة الامريكية وألمانيا .. وبشكل عام كان تأثيرها كارثيًا على اقتصادات الدول المتقدمة، وبخاصة مجموعة الدول السبع والصين والتي تساهم بأكثر من 60 ٪ من إجمالي الناتج العالمي، و 65 ٪ من الناتج الصناعي، و 41 ٪ من إجمالي الصادرات المصنعة
ثالثا. تعطل سلاسل التوريد العالمية اذ ان توقف الانتاج في الدول الموردة يؤثر بشكل كبير وسريع ومباشر على الصناعات التي تعتمد على هذه السلع الوسيطة في الدول الاخرى.
• البطالة: تشير التوقعات المستخلصة من استقراء وتحليل المتغيرات الاقتصادية آنفة الذكر الى ان العالم مقبل على مرحلة ركود اقتصادي هائل وغير مسبوق..وان معدلات البطالة سترتفع بشكل مخيف على مستوى العالم... ويشير الخبراء الى ان اعداد الذين سيفقدون وظائفه في الولايات المتحدة الامريكية فقط سيزيد عن 20 مليون شخص.
• مستوى خط الفقر : بفعل ارتفاع معدلات البطالة المتوقعة وما يترتب عليه من انخفاض كبير في المستوى المعيشي العام للمواطنين في مختلف ارجاء العالم ...فان مساحة الشرائح والفئات التي ستندرج تحت مستوى خط الفقر ستكون واسعة جدا وبهذا الصدد تشير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في الأمم المتحدة أو ما يُعرف باسم "إسكوا"، إن 8.3 مليون شخص في الدول العربية سيدخلون بمستوى الفقر خلال العام 2020 .
1. الإشاعات الدولية في ظل ظروف استشراء جائحة كورونا : في ظل ظروف استشراء جائحة كورونا عالميًا يلاحظ ان كافة المجتمعات تعج بترويج الإشاعات التي تتسم بخصائص مشتركة في طبيعتها ومضامينها وأهدافها على المستوى الدولي وبخاصة في المجالين الصحي والاقتصادي ...مما يشير الى وجود دوافع وغايات مشتركة تقف وراء تنظيم وترويج تلك الإشاعات.
وتسعى الجهات الدولية التي تقف وراء ترويج تلك الإشاعات الى اعتماد برنامج ممنهج لتسخير التداعيات الكارثية الدولية التي نجمت عن هذه الجائحة في مختلف الميادين وتوظيفها نحو تغيير اتجاهات الرأي العام العالمي وتهيئة الاجواء النفسية والاجتماعية والسلوكية العامة لتحقيق أهداف عديدة ...نوجز أهمها بما يلي :
أولًا : السعي إلى اعادة هيكلة العولمة بكل معطياتها المالية والاقتصادية والسياسية والفكرية و تصحيح مسارها تمهيدا لبلورة نشوء نظام عالمي جديد لما بعد جائحة كورونا ...و الذي يستهدف احكام قبضة الطغمة المالية الدولية (الماسونية العالمية ومؤسساتها) وهيمنتها المطلقة على مقدرات العالم من خلال عولمة أنظمة حكومات الدول سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
وما نشهده حاليا من متغيرات صادمة وغير منطقية بالمنظور التقليدي للأحداث الدولية لا سيما في الجوانب الإنسانية والاقتصادية الدولية يمثل شكل من أشكال الفوضى الخلاقة التي ستفضي إلى تغيير موازين القوى الدولية بكل ميادينها الحيوية لصالح الهيمنة المطلقة للطغمة الاقتصادية الدولية المخططة والمحركة والموجهة والمسخرة لتلك الأحداث...بما فيها إيقاف عجلة الإنتاج الصناعي وتدهور معدلات النمو الاقتصادي وانحسار مساحة الاستثمار على الصعيد العالمي واختلال التوازن في التجارة الدولية وانهيار الأسواق المالية العالمية والانخفاض الحاد في أسعار النفط وغيرها من العوامل الخطيرة على الصعيد الدولي والتي افضت إلى الزيادة الهائلة وغير المسبوقة لظاهرة البطالة وانخفاض المستوى المعيشي واتساع نطاق الفئات البشرية التي أصبحت مدرجة تحت خط الفقر ...والركود الكبير الذي ألقى بضلاله على اقتصاديات العالم بصفة عامة.
ثانيا. انعكست المتغيرات المفاجئة وغير المسبوقة التي حصلت في مختلف مناحي الحياة بفعل جائحة كورونا على تغيير مفاهيم و نظريات واستراتيجيات الأمن القومي على الصعيد الدولي ....
فبعد ان كان المعيار الرئيس الذي ترتكز عليه استراتيجية الأمن القومي لأي بلد تتمثل بمستوى تطور قدراته العسكرية الدفاعية والهجومية في سياق التحديات والتوازنات العسكرية والأمنية الإقليمية والدولية بهدف تعزيز السيادة الوطنية او توسع دائرة بسط النفوذ والتمدد الإقليمي او الدولي ....فقد أسقطت تداعيات استشراء جائحة كورونا نظريات الأمن القومي التقليدية آنفة الذكر وغادرت بموجب ذلك اعتماد المعيار العسكري بوصفه المرتكز الرئيس للأمن القومي ...بعد ان عجزت الولايات المتحدة الامريكية بوصفها تمثل اعظم قوة عسكرية في العالم والدول الكبرى الأخرى عن تامين سلامة الأمن الشخصي لمواطنيها ومجتمعاتها من التصدي لأخطر عدو مباغت وغير مدرج في حسابات الأمن القومي والمتمثل بفيروس كورونا ...ولم تستطع حماية اقتصادها الذي انهار بفعل تاثير هذا العدو ....وكذلك الحال على صعيد الدول الغربية والصين واليابان وأيقنت جميع الدول هذه الحقيقة بعد ان احتل الأمن الصحي والأمن الغذائي في دولهم ومجتمعاتهم الأسبقية والارجحية في سلم أولويات استراتيجيات الأمن القومي.
ثالثًا. من خلال الاستقراء العام للواقع الديموغرافي والتركيبة السكانية المعاصرة في الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوربية ...يلاحظ وجود تخلخل وعدم تجانس في الهرم السكاني النظامي
بفعل انخفاض نسبة الإخصاب بشكل كبير ...وزيادة نسبة الفئات العمرية الكبيرة والمرضى والخاضعين لبرامج الاعانة الاجتماعية والتامين الصحي.
ان هذا الهرم المترهل اقتضى من الجهات الفاعلة والمحركة للأحداث مدار البحث استغلال التداعيات الصحية والاجتماعية الكبيرة والمتسارعة التي خلفتها جائحة كورونا وتوظيفها باتجاه اعادة هيكلة التركيبة السكانية وإعادة التوازن إلى الهرم الاجتماعي والسعي لإزالة مواضع الترهل في قمته وقاعدته بهدف تقليص مساحة الفئات العمرية الكبير المستهلكة وغير الفاعلة وغير المنتجة
التي تعرضت للإصابة بالفيروس والوفاة على نطاق واسع نسبيا...بفعل ضعف مناعتها فضلا عن اعطائهم أرجحية ثانوية في الاهتمام الصحي الوقائي والعلاجي مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى.
ان الغاية الأساسية المستهدفة من هذا الحدث المؤلم يكمن في اعادة تركيبة الهرم الاجتماعي ليكون اكثر فاعلية ورشاقة....والذي يكشف في الوقت ذاته عن النظرة اللانسانية وزيف الادعاءات التي طالما تتشدق بها الأنظمة الرأسمالية وأفكارها وعقائدها الليبرالية.
رابعا. تغيير النمط الاستهلاكي واختلال التوازن السلوكي العام للأفراد والمجتمعات البشرية التي استجدت في أعقاب جائحة كورونا ...بفعل ظاهرة الرعب وانتزاع الثقة والخوف من المستقبل المجهول والتي افضت بمجملها إلى زيادة الطلب العام على المواد الغذائية ومستلزمات الوقاية الصحية والتي شهدت انخفاضا هائلا في مستوى العرض العام لها....وانخفض المستوى العام للطلب على السلع والخدمات الأخرى ...
ازاء ذلك برزت ظاهرة الميل العام إلى ادخار المواد الغذائية الضرورية ومواد الوقاية الصحية....والتي تسببت في شحة تلك المواد وارتفاع اسعارها في جميع الأسواق الدولية....
واستجابة لهذه المتغيرات السريعة والحادة وبهدف زيادة الأرباح فقد تصاعدت معدلات الإنتاج للشركات الصناعية الدولية المتخصصة بإنتاج الأجهزة الطبية ومواد الوقاية الصحية المطلوبة وشركات الصناعات الغذائية ....كما قامت العديد من الشركات الصناعية الكبرى بتغيير طبيعة ونمط إنتاجها وتحولت إلى انتاج المواد آنفة الذكر ...كما حصل لشركة فورد وغيرها من الشركات الكبرى متعددة الجنسيات.
المصادر
1. ا.د.سعد عبد القهار الشيخ / الإشاعات الاقتصادية/مجلة الأمن والجماهير/2002.
2. ا.د.سعد عبد القهار الشيخ / مدخل إلى العولمة/مجلة الرأي الثالث/ لندن / العدد 15./2010.
3. ا.د.سعد عبد القهار الشيخ / دور المؤسسات الاقتصادية الدولية في توجيه السياسات المالية لدول العالم الثالث / مجلة كلية الاقتصاد/جامعة عدن /2008
4. ا.د.سعد عبد القهار الشيخ/الأزمة المالية العالمية وأثرها على البنوك الإسلامية / مجلة كلية الاقتصاد / جامعة دمشق.
5. سهرة قاسم محمد حسين الصعود الصيني وتأثيره على الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط (2001-2009) Al Manhal, 2018.
ابراهيم محمد•، وباء كورونا وخطورته الاقتصادية على الدول العربية مجلة سياسة واقتصاد 2/2/2020.
للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى:
https://algardenia.com/maqalat/44166-2020-04-30-21-45-26.html
1064 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع