سهيل سامي نادر!

                                                     

                               سلام مسافر

سهيل سامي نادر!

أواخر تسعينيات القرن الماضي،هبط سهيل سامي نادر؛ كالملاك على عمّان التي كنت ازورها للقاء الاهل القادمين من بغداد.
وحتى في غيابهم، كنت أسرق الوقت، واقتصد تذكرة الطائرة ، للسفر الى بغداد البديلة، لكن العاصمة الاردنية كالدواء المسكّن محدود الفعالية، لا تعالج الحنين للمدينة الأم،لولا وجود عشرات الاصدقاء ممن أسسوا مجتمعا عراقيا معادلا.
كانت فرحتي لا توصف بلقاء سهيل سامي نادر، واقامته في عمّان فتضاعفت حاجتي الروحية لزيارتها مرات ًومرات.
كان سهيل سامي نادر، ولا يمكن كتابة الاسم الا كاملا؛ لأنه جرس موسيقي لا يجوز حذف رنة واحدة منه، لم يتغير منذ هجرت بغداد.
حتى ملامحه بقيت طفولية وكأن عوادي الحروب والحصار لم تمر عليه.
ولم يفقد ذكاءه الأخاذ، ولا البريق في العينين الواسعتين الناضحتين وقاحة طفولية.
وحين يقهقه سهيل سامي نادر تخبو عيناه مثل عصفور مشاكس ينتظر القفز من عَلِ.
ضاجا بالحياة، يروي بتفاصيل ملهمة؛ ماذا حصل له من حكايا بعد قرار الابعاد من جريدة الجمهورية الى وزارة النقل، فيما كانت حصتي من الهجمة على الصحفيين اللامنتمين للنظام؛ وزارة الصحة مع سعود الناصري ومظهر عارف وخالد الحلي.
في كل مرة اطلب من سهيل سامي نادر رواية قصته مع الجثة الغريبة التي تم العثور عليها أثناء أول خفارة له بوزارة النقل.
وبأسلوب كافكوي، ممزوج بسخرية لا يجيد غير سهيل سامي نادر تخميرها مع المآسي ليسقي مستمعيه نبيذا من القصص لا يوجد افضل منه شاهدا عليها.
بل في كل مرة استمع لقصة الجثة، أشعر وكأني اسمعها لأول مرة. فليس في خزين ذاكرة سهيل سامي نادر قديم متهالك، بل معتق برائحة التفاح.
كان سهيل سامي نادر بحاجة ماسة لتدبير أحواله المعيشية في مدينة باهضة التكاليف، تنعدم فيها فرص العمل لكاتب رشيق ملتبس، لا يساوم مثل سهيل سامي نادر، يتصور ان العاصمة الاردنية محطة عبور الى مكان اكثر دعة واستقرارا يتيح له مباشرة مشاريع مؤجلة لا شك ان قسما كبيرا منها سيبقى مؤجلا حتى في صقيع الشمال الاوربي .
مع معرفتي باحوال سهيل سامي نادر، لكني لم اسمعه يشتكي من العوز، او كان يسعى لاستثمار وضع اللاجيء في الحصول على مساعدات من المنظمات الدولية، او من وكلاء المعارضة العراقية مثقلي الجيوب لقاء تقارير ملفقة عن العراق؛ كانت الاستخبارات الامريكية بمختلف فروعها تعرف انها كاذبة ولكنها تستخدم ذريعة لحصار العراق وتاليا لغزوه واحتلاله.
لم يتصل سهيل سامي نادر بالدكاكين السياسية مشرعة الابواب في عمّان، من قبيل مؤتمر الجلبي او وفاق علاوي، عدا عن دكاكين الاسلام السياسي،ورؤساء عشائر كانوا يتبخترون بمسدسات مذهبة، هدايا صدام حسين في وقت ما، ويتخابرون مع سي ايه ايه، يحضرون انفسهم لما بعد الاحتلال.
لم يخطر في بال سهيل سامي نادر طلب العون حتى من اقرب الاصدقاء ، وكان يتحدث بخجل طفولي عن المعونة التي تسديها لأسرته قريبة تفيض حبا وكرما نادرين في زمن اغبر.
رفض سهيل سامي نادر العمل في "اذاعة العراق الحر" الممولة من الكونغرس الامريكي ومقرها براغ.
وكان فريق من الصحفيين والمذيعين العراقيين الاكفاء التحق بالاذاعة التي خدمت بحرفية عالية اهداف ادارة البوشين، جورج الاب وجورج الابن، وخصصت لها ميزانية من قانون "تحرير العراق" الذي استفاد احمد الجلبي، ومن لف لفه من الاموال السخية الملحقة ببنوده وهي من أموال العراق المجمدة في البنوك الأمريكية والتي لا يعرف مصيرها الى اليوم.
أحدهم ، صحفي أردني ، تلقف الفرصة، وانخرط في العمل مع الاذاعة، كان يسخر من " وطنية" سهيل سامي نادر؛ ويردد "ما هو هي اموال عراقية يدفعوها لنا رواتب"!
وكان الجواب ، اما ابتسامة رثاء لمن يعتقد انه يتذاكى، او رد صريح، نعم عراقية لكنها ملطخة بالعهر الامريكي!
رفض سهيل سامي نادر، عروضا كانت تفوح منها عفونة،الساعين لذبح العراق، بذريعة تخليصه من الدكتاتورية التي عانى منها ملايين العراقيين ومنهم سهيل سامي نادر واسرته.
المثقف اللامنتمي، الولهان بالعدالة، ينحدر من ابوين شيوعيين،عاشا حلم الوطن الحر والشعب السعيد، وكانا غير منسجمين مع الطابع المنقبي للحركة الشيوعية؛ ورث عنهما شفافية مدنية، نادرة في منظمة سرية، وظل وفيا لمبدأ مكافحةالعبودية.
لم يقترب سهيل سامي نادر من الكأس المترع لمثقفي " الحرية". كان يتقاسم مع الصابرين، الخبز الحافي، مع الزحلاوي،فكسب نفسه، ولم يخذل قلبه، ولا خان وعيه، ليس خوفا، بل لانه لا يمكن الا ان يكون؛؛؛
ساميا ونادرا.
سهلا ممتنعا.
دمت لنا سهيل سامي نادر أيقونة ونقشا على الجباه.
دمت متألقا ، مبدعا، وفيا وحبيبا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

812 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع