الطبيب الإستشاري د. طريف فاضل
لغز الكورونا يعود الى مائة عام ؟ !!!
اجتاحت الإنفلونزا الإسبانية العالم عامي 1918 و1919 وكانت قد أودت بحياة 40-50 مليون شخص توفوا نتيجة هذه الإنفلونزا وكانت تقديرات معدل الوفيات العالمي تشير إلى أن ما بين 2.5 إلى 5 بالمئة من المصابين بالمرض تعرضوا للوفاة وهي نسبة مشابهة للوفيات التي تحدث حالياً بجائحة الكورونا رغم وجود الكثير من المضادات الحيوية و الفايروسية في الوقت الحاضر .
تم وصف وباء الإنفلونزا الإسبانية بأنه أعظم هولوكوست طبي في التاريخ وهو ما يخشاه العالم مع كورونا في الوقت الحاضر . لقد قدم العلماء عدة تفسيرات محتملة لإرتفاع معدل الوفيات بسبب وباء إنفلونزا عام 1918. أظهرت بعض التفسيرات أن الفيروس كان قاتلاً بشكل خاص لأنه يسبب عاصفة السيتوكين، والتي تحدث في حوالي 20 % من المرضى كنسبتها في الكورونا بالضبط وانها السبب الرئيسي للوفاة حيث تمكن العلماء من إعادة إحياء فيروس فعال من جينات عينات فيروسات خاملة قديمة للانفلونزا الإسبانية ، وحقنوا حيوانات مخبرية مثل القرود بهذا الفيروس الفعال الذي تسبب في حدوث وباء 1918 لدراسة آثاره ولاحظ العلماء أن هذا الفيروس ليس قادرا على التكاثر بسرعة فائقة فحسب، بل أيضا كان يبدو أنه يستحث استجابة مناعية مفرطة، يطلق عليها متلازمة إفراز السيتوكين أو "عاصفة السيتوكين"المذكورة آنفاً أي الإفراز السريع والمتلاحق لكميات هائلة من السايتوكينات والوسائط المناعية التي تهاجم الفايروس والحويصلات الرئوية التي يلتصق بها الفايروس وتصبح وظائف الرئة دون المستوى المطلوب ونسبة الاوكسجين منخفظة عندما تكون الحويصلات الرئوية لا تعمل كما هو الحال مع الكورونا إذ أن عاصفة السايتوكين كانت هي السبب المباشر للوفاة بسبب هذا الفايروس ولوحظ أن اعطاء الاوكسجين بواسطة أجهزة الإنعاش الحديثة أن كثير من الحالات الحرجة لا تتحسن ومائة عام وأكثرقد مرت ورغم اكتشاف العديد من الأدوية التي تخفض من ارتفاع السايتوكين ولكن لازالت العاصفة تودي بحياة مصابها وبنفس النسبة التي كانت بها قبل مئة عام !!
إن سبب حدوث متلازمة إفراز السيتوكين أو عاصفة السيتوكين الحادة كانت بدون تفسير مقنع رغم العديد من النظريات والآراء التي افترضت أسباب مختلفة لظهور هذه الحالة والتي لم يسلم المصابون منها بالانفلونزا الاسبانية كما تقدم والانفلونزا ألآسيوية عام 1957 و انفلونزا هونك كونك عام 1968 وانفلونزا عام 2009 وعلى العموم فأن الذي يحدث هو أن جهاز المناعة في الجسم لن يستطيع التعرف على الفيروسات الجديدة وتوليد الاستجابة المناسبة له إن لم يكن المضيف ( الإنسان ) قد أصيب به مسبقا فيقوم بفرز السايتوكينات والوسائط المناعية التي قد تولد العاصفة المميتة .
لقد اثارت الإنفلونزا الإسبانية العجب باستهدافها فئة الشباب 20-40 سنة في وقتها وكان كبار السن أقل استهدافاً ويعتقد أن الكبار كانت لديهم مناعة تقاطعية نتيجة اصابتهم بالانفلونزا الروسية من قبل والتي بدأت ا بالظهور في روسيا عام 1889 وسرعان ما انتشرت في أوروبا، ووصلت إلى أمريكا الشمالية في ديسمبر 1889، ومن هناك انتشرت إلى أمريكا اللاتينية.
والغريب أن كورونا أُشيع أنها لا تستهدف الشباب ولكن مع الأيام أصبحت تستهدف الأعمار من 20-40 سنة أيضاً بل وأعمار أصغر أيضاً وعموماً كان الرجال أكثر تضررا من النساء فيها كما كان في الإنفلونزا الإسبانية من قبل .
إن الفيروس المسبب لوباء الإنفلونزا عام 1918 كان سريع الإنتشار بشكل استثنائي كما في فايروس الكورونا اليوم .
وكذلك كان الإختلاف واضحاً في نسب الوفيات والإصابة بين البلدان في الإنفلونزا الإسبانية كما هو الحال مع الكورونا اليوم أيضاً فما أشبه اليوم بما كان قبل أكثر من مائة عام .
وفي تفسير تلاشي الأوبئة السابقة الذكر قيل أنه عندما تكتسب المجتمعات المناعة اللازمة ويصبح الفايروس فايروساً عادياً يختفي تأثير الفايروس المميت على المصاب كونه سوف لا يثير الجهاز المناعي في الجسم و لا يسبب عاصفة السايتوكين المميتة كون الجسم سيعتبره مستقبلاً فايروس معرف لديه أو أن الحمل الفايروسي يصبح قليلاً ولا يثير للجهاز المناعي بقسوة وسيتعايش الناس معه كونه سيصبح فايروس آمن من هذه الناحية كما حصل مع الانفلونزا الاسبانية عام 1918 و الأنفلونزا الآسيوية في عام 1957 (مليوني حالة وفاة) وانفلونزا هونك كونك عام 1968 ( مليون حالة وفاة ) وانفلونزا الخنازير عام 2009 (حوالي 18 ألف وفاة ) و الملاحظ أنه تلاشى وباء الانفلونزا الاسبانية لأسباب طبيعية أو مجهولة دون أي لقاح أو اكتشاف علاج معين ولم تعاود الظهور مرة أخرى فهل سيحصل هذا مع الكورونا وهل سيمكننا من التعايش معها بأمان في المستقبل ؟ لا أحد يدري بالطبع رغم أن هناك مَن يتوقع أن هذا الذي سيحصل كما حصل مع الإنفلونزا الإسبانية بالضبط وذلك قبل مائة عام من الآن .
788 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع