د.سعد العبيدي
العامل في الطريق الى معمله واثناء ساعات العمل مذهول لا يعرف السبب، فَقلَّ انجازه وتدنت مستويات دافعيته.
الموظف قبل الوصول الى دائرته وأثناء تواجده فيها مذهول من حاضره خائف من المستقبل فتدنى مستوى أداءه وأرتبكت حالته النفسية.
الاستاذ الجامعي والطبيب والمعلم والعاطل والكاسب والمتقاعد وربة البيت، غالبيتهم مذهولين يتوجسون خيفة وكأن الجميع وضعوا في حالة ذهول نفسي عام، غاية أو هدف من أقوى الاهداف التي وضعتها دوائر الحرب النفسية في استهدافها المجتمع العراقي لمرحلتي قبل التغيير وبعده.
انها حالة ذهول وصل المجتمع العراقي أعلى مستوياتها في الوقت الراهن، هي في الاصل نوع من التناقض الوجداني لم يتمكن المذهولون في حالتها من حل الصراع بل الصراعات المتعددة في داخل نفوسهم المتعبة بين:
الماضي بظلمه، وبين الحاضر بعدم قدرته على رفع الظلم.
مفاهيم العدالة والمساواة والاخوة والانسانية الموروثة دينيا، وبين القهر والتسقيط والازاحة والعقاب السائدة دنيويا.
الدعوة الى بناء وطن، وبين السير على طريق الهدم شبه المنظم للوطن.
المناداة بالتقدم والتحضر واللحاق بركب البشرية، وبين مساعي العودة الى الماضي بجوانبه المتخلفة.
النظر الى الحاضر المؤلم، وبين التفكير بالمستقبل المجهول.
الدعوة للحرب على الفساد، وبين الوقوع في فخاخ الفساد.
وغيرها الكثير من معالم الصراع التي ضخمها الاعلام الفاسد وجسدها الخطأ الاداري في التعامل، لم يستطع العقل العراقي ايجاد حلول وتفاسير لها، فتكدست انفعالاتها في العقول، غالبية العقول حتى السياسية والاكاديمية والعسكرية منها، فحصل الذهول النفسي، الذي يحدث في حالاته الشديدة شرود متكرر للذهن، وأختلاط بين الوهم والحقيقة، وتضخم لهول المصيبة، واضطراب للارادة وأكتئاب وخوف، حصل بعضها لدى قسم من العراقيين، وحصل غالبيتها عند القسم الآخر وبمستويات يمكن أن يستدل عليها المتخصصون ببساطة، ويتلمس بعض آثارها الظاهرية المتابعون دونما عناء بعد أن تبين للإنسان العراقي أنه وعلى غير المعهود بمواجهة مواقف جديدة فيها:
الإرادة، والقدرة على القرار بابسط أشكاله حتى الاسرية وفي حالات متعددة غير موجودة بعد أن تعددت العوامل المؤثرة في اتخاذه خارج إمكانية الفرد، والجماعة في التحكم بها.
أوهام ملأت المجال العقلي عن الحاضر المشرق، والتغيير، والديمقراطية، والرفاه تبين أنها غير موجودة ويستحيل وجودها في المستقبل المنظور.
حقائق جاوزت المعقول عن وزارات حلت، ودوائر دمرت، وأخرى حرست، وأموال نهبت، وثروات هُربت، وعجز شبه تام في جوانب السيطرة على دوافعها وآثارها.
مرحلة زمنية كانت بدايتها مثيرة للذهول المغطى بفسحة أمل وأفكار خلاص وأنتشاء بنهاية حكم الديكتاتور، أستمرت وقائعها فتركت آثارا سلبية في كل مجالات الحياة بينها وأهمها ما يتعلق بالادارة العامة والاداء الوظيفي كأحد أهم مفاصل الحياة واعادة البناء، حيث التدني في مستويات الاداء والانجاز. منها يتبين أن طبيعة المعركة في العراق، وأصول الحرب النفسية أقتضت أن تتباطئ عجلة الإدارة والانماء في البلاد، وأقتضت أيضا أن يفسح المجال واسعا الى الفعل القتالي الذي وفي حال تأخر الحسم في ساحته ستتضاعف مستويات الذهول، وسوف لن يحسم بالسهولة التي يعتقدها البعض، لأن آراء العراقيين المذهولين بصدده مختلفة وغير متجانسة، ولان اساليبهم في التعامل مع الواقع غير صحيحة، وهرولة بعضهم الى الخارج للاستقواء غير منطقية، وافكارهم عن العلاقات مع بعضهم البعض غير عقلانية، الامر الذي جعلهم أدوات حرب نفسية تنتج الذهول، الذي أصبح واقعا يقض مضاجعهم، ويبعدهم عن هموم الوطن التي أستبدلوها بهموم الذات التي لا تنتهي عند حدود الا بالخراب النفسي والسياسي والاجتماعي.
إن الذهول حالة نفسية خطيرة، وهي وبالوقت الذي تؤدي بصاحبها الى أن يعيش مرارة الأم النفسي، تجعله ودون علم منه معول هدم بيد الاعداء، وأدات حرب نفسية بالضد من أهل البلاد، لابد من التنبه اليها بالسرعة الممكنة في خطوات عديدة بينها وأهمها إعادة التوازن لانسانية الانسان العراقي المذهول، وترميم ولاءه للعراق قبل فوات الاوان.
د.سعد العبيدي
16/5/2013
1474 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع